الجهاد الكفائي: هو الجهاد الذي لو قام به العدد اللازم سقط التكليف عن الآخرين فيكون، وجوباً على الجميع حتى يبلغ الأمر كفايته، أمّا الجهاد العيني فهو الجهاد الذي يجب على الجميع القيام به ولا يسقط عن أحد بوجه من الوجوه ما لم يكن عاجزاً أو معذوراً لعذر شرعي.

فتاوى الجهاد السابقة:
من المعلوم أنّ المرجعية الدينية تتأنّى كثيراً وقبل إصدار فتوى بالجهاد؛ لأنّ وراءها سيكون قتل أنفس، وسفك دماء، وتدمير ممتلكات، ولكن التحديات والظروف قد تضطرّها إلى إعلان الجهاد كحلّ أخير لمواجهة العدو المتربص بأرض المسلمين ومقدساتهم، ومن هذه الفتاوى:

فتوى السيّد كاظم اليزدي:
أصدر المرجع الديني السيّد كاظم اليزدي فتوى بالجهاد الدفاعي لمواجهة القوات البريطانية التي بدأت احتلالها للعراق عندما نزلت قواتها في الفاو في عام 1914م.
وكان لفتوى السيّد اليزدي تأثير واسع وقوي، حيث تحشّد أبناء العشائر وسكّان المدن ورجال الحوزة العلمية والعلماء والخطباء. وتمكّن العراقيون من مواجهة السلاح البريطاني المتطور والطائرات والمدافع والسّفن الحربية، حتى إنهم أخّروا احتلال العراق ثلاث سنوات إلى دخول الجنرال مود بغداد.


فتوى الشيخ الشيرازي في ثورة العشرين:
بعد احتلال العراق من قبل بريطانيا حاولت تأسيس حكم بريطاني مباشر، لكنها اضطرّت إلى إجراء استفتاء شكلي حول شكل الدولة الجديدة، وشكل النظام، ومن هو الرئيس؟
حاول الكولونيل أرنولد ولسن نائب الحاكم المدني العام في العراق تزييف إرادة العراقيين، وأصدر تعليماته إلى ضبّاط الارتباط في المدن العراقية وأبلغهم بعدم قبول الأجوبة غير المرضية والملائمة للإنكليز، ورفض أغلب الشعب العراقي الهيمنة البريطانية، وتصدّى الفقهاء والعلماء ورؤساء القبائل والعشائر والسياسيون. وتعزيزاً لهذا الموقف الشعبي والوطني أصدر المرجع الأعلى الشيخ محمد تقي الشيرازي فتوى بصدد الاستفتاء تؤكد عدم اختيار غير المسلم، حيث تضمّنت: ((ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين)).
(1)

كان لهذه الفتوى تأثير فعّال، حيث التفّ جميع العراقيين حول موقف المرجعية الرافض لسياسة الحكومة البريطانية التي أخذت تماطل في تأسيس الدولة وتمكين العراقيين من إدارة شؤونهم بأنفسهم، ففي هذا الوقت كان الزعماء السياسيون ورؤساء العشائر يطالبون المرجع الشيرازي باتخاذ موقف أقوى، فاستجاب للظروف المتوترة واستمرار عناد بريطانيا في الاستجابة لمطالب العراقيين، فأصدر فتواه الخالدة وهي: ((بسم الله الرحمن الرحيم.. مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين. ويجب على العراقيين بضمن مطالبتهم رعاية السلم والأمن. ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية إذا امتنع الإنكليز عن قبول مطالبهم)).(2)

أحدثت الفتوى هيجاناً عاماً في العراق وتمّ إعلان الثورة، واستمرت المواجهات المسلحة لمدة خمسة أشهر، تضمّنت عمليات عسكرية، ومواجهات مسلحة، وقصف مدن بالطائرات.
أسهمت الثورة في تغيير موقف الحكومة البريطانية وأجبرتها على التخلي عن فكرة الحكم المباشر، وإذعانها بالاعتراف بتأسيس حكومة وطنية وتحقيق الاستقلال للعراق.
كان لفتاوى الجهاد الأثر الأكبر في تغيير مخطّطات الأعداء، وتغيير مجرى التاريخ بشكل كامل؛ ولذلك وقفت قوى الاستكبار وما تزال ضد هذا الصوت السّماوي الذي يصدح بنبرات إمامنا المغيّب عجل الله تعالى فرجه.

...................................
(1) البطولة في ثورة العشرين ص157.
(2) البطولة في ثورة العشرين ص119.

منقول