في ليلة ظلماء ازدادت فيها النجوم وحشة لغياب القمر، فردّدت في سرّها، لماذا هذا السكون والحزن يغطّي جوّ هذه الليلة، أليست هي من ليالي شهر الله العظيم؟!
فلماذا هذا الحزن الذي يخيّم في الأرجاء؟ فأجابتها الريح، إنها الليلة الموعودة التي يفقد فيها الناس الأمان، والاستقرار، والعدل، ويفقد اليتيم اليد الحانية، ويفقد المظلوم ناصره.
فأجابت التراب: نعم، إنها ليلة صعبة وبخاصة على تراب مسجد الكوفة، تنهدت حبّات الرمال قرب المحراب، ونادت: ليتني كنتُ سيفاً وأقطع يد الملعون.
فنادتها أعواد المنبر الشريف: أنا الخاسر الكبير بينكم، مَن مثله يرتقيني، وأستأنس بحديثه.
بدأ الليل بالوداع، وخرجت إوزّات تتدافع وتمنعه من الخروج، تصايحت أن لا تخرج يا أمير، فالخطر بالانتظار، نظر إليها بعينه الحانية، وتبسّم لها أن لا مناص إلّا بالخروج.
وخشبة باب الدار هي الأخرى اعتصمت وتسمّرت وأبت أن تنفتح ونادت بصريرها: دعني سيّدي أغلق عنك باب الخطر، أمسكها بقوة (قالع باب خيبر) فاستسلمت ففُتح الحزام تضامناً مع الوضع حتى يؤخر الأمير ويثنيه عن الخروج، فشدّه وبقوة الإصرار واليقين، أن لا مفرّ اليوم من القدر المحتوم.
ارتقى سلّم المسجد، وكلّ سلّمة تنادي انزل يا أمير.. أنزل يا أمير.. وجدران المسجد ضجّت بتراتيل الوداع، وخيّم الحزن على المكان، وشقّ الصمت بذلك الأذان بصوته الملكوتي، يرتفع إلى عنان السماء.
فسمعته الحور العين، وبدموعها غسّلت أوراق شجرة طوبى، ولبست ثوب الحداد، وردّدت هذا آخر يوم نسمع صوت الأذان منك يا أمير.
نرجس مهدي
تم نشره في العدد96
تعليق