الأخ لا يعوّض
أنا وأخي كنا نتخاصم كثيراً في صغرنا حتى صرنا كالأعداء واستمر الحال حتى بعدما كبرنا.. وكان والدانا طيبان جداً، ويحباننا جداً، وكانا يحاولان أن يصلحا بيننا، ويقولان: (أنتم أخوان ونخاف أن يأتي يوم ستندمان على موقفكما هذا، وستعلمان أنّ الأخ لا يعوض).. ولكن هيهات فقد كنت أطيق الموت ولا أطيق أخي!! ومرّت السنين وتزوّجت، وكذلك أخي.. وزادت عداوتنا.. حتى أنّ زوجاتنا يوم يلتقوا في بيت أبي تحدث المشاكل.. ووالدانا لم يألوا جهداً ليقرّبا بيننا، ولكن المسافة تبعد أكثر وأكثر.. واستمرينا على هذا الحال حتى ماتت أمي وبعدها أبي.. وبعنا أملاكهما وكلّ منّا أخذ حصته.. وافترقنا ولم أعد أعرف عن أخي أي شيء حتى كبر أولادنا..
وفي أحد الأيام حلّت كارثة بمحلّ عملي!! فقد احترق بكامله وفيه بضاعة ضخمة (وضعت فيها كلّ ما أملك).. وخاصة أنّي اقترضت مبلغاً ضخماً لشرائها، كنت أؤمل أن أربح منها الكثير.. وعلى اثرها أصابتني جلطة أدخلتني المستشفى.. فصرت أتضرّع الى الله تعالى أن يرحمني، ويرحم والديّ، وأن يسامحني بسبب طمعي، وسألته أن يعوضني في أولادي خيراً..
وفي أحد الأيام وما زلت لم أفق من صدمتي الصحية والمادية، زارني أحد أصدقاء العائلة القدامى قد علم بحالي من أحد الجيران، وعرف ما عليّ من الديون التي تقصم الظهر..
وبعد أيام من اللقاء؛ عاد صديقي حاملاً معه (صك) بمبلغ كبير (يغطي الديون وأكثر)، راجياً مني أن أقبله، مدعياً أنّه دين عليه لوالدي، وكان مسافراً طوال هذه الفترة.. لا تعلمون مدى سعادتي.. فشكرت الله تعالى على أنعمه التي لا تنتهي..
بدأت العمل في محل صغير بمساعدة أولادي، وكان العمل يتطوّر يوماً بعد يوم.. الى أن أصبحت أموري في خير ولله الحمد..
وفي يوم من الأيام.. تفاجأت بزيارة صديقنا، بعد انقطاع دام فترة طويلة.. قائلاً: أريدك بأمر مهم جداً، فتصوّرت أنه يمرّ بضائقة مالية (فبادرته قائلاً، كلّ ما أملك تحت قدميك).. فقال: لا.. ليس الأمر كذلك، ولكن أردت أن أعلمك حقيقة المال الذي أعطيتك إياه، فقد دفعه أخوك، لأنّه قد علم بحالتك منّي، وأقسم عليّ أن لا أفشي هذا السرّ اليك.. صعقت من المفاجأة!! فبادرني قائلاً: ليس هذا المهم، المهم هو أن تلحق أخاك في المستشفى! فهو بين الحياة والموت، فقد أصيب بجلطة دماغية خطيرة، والأطباء يائسون من حالته، فرجاءً أسرع.. فليس لك أخ غيره!! ركضت مذهولاً فاقداً صوابي والدموع تسيل على وجنتيّ.. أخي.. أخي.. لم أعرف قدرك يا أخي..
دخلت غرفة الإنعاش منقطع الأنفاس.. ومن غير شعور ارتميت على جسده الملئ بالأسلاك المتصلة بالأجهزة.. وألثمته تقبيلاً وغسلت وجهه بدموعي.. سائلاً إياه أن يسامحني.. فأمسك بيدي ونزلت دمعة من عينه وكانت النهاية.. فصرخت بأعلى صوتي.. أخي.. مات أخي.. من يعوّضني أخي!!
تعليق