ظنّته نهراً يسري، اقتربت منه تبلّل شفتيها الجافتين، حسبت أنها ستصافح تلك القطرات ثم تمضي بعيداً عنها، لكنها استطعمت لذّتها،
غاصت بيدها في برودتها المنعشة، عزفتها مقطوعة أثملتها وشدتها إلى حيث الأمان، امتطت مركبتها وسارت معها
حيث تلك الجزيرة النائية التي شيدتها ذات عبور خاطف بأحلامها المستقبلية، وميض برق، وفعل فعلته ورحل في لحظة،
تركت لمعته بريقاً ساطعاً أعمى بصرها عن واقعها، هزّها بعنف، اعتلت بحبرها أعلى المنصّات، وقرعت الأجراس
ملفتة إليها كلّ الأنظار التي أحاطت بما تكتب علماً، أقبلوا إليها من كلّ فج عميق، احتوتها القلوب، منها ما كان نقياً،
ومنها ما مُلئت جوانبه جيفة، طوت صفحة حياتها ورحلت، تركت خلفها جبالاً من كنوز تجهلها، متجاهلة ماضيها الزاخر،
تلقتها الطبول، والمزامير، والأهازيج في حبور، كلّما نادتها الذكرى للعودة إلى قوقعتها لتحمي ثروتها من الضياع،
تاريخهم الذي نحت في الصخر والحجارة، تضع أصابعها في آذانها، مستنكرة العودة، يلبسها غرور واستكبار،
حتى تهدّمت صروحها المشيدة على جسور متهرّئة، وحلت بها الطامة الكبرى على حين غفلة، حينها فقط صرخت مرتعبة،
واعية لوضعها، ووجهت وجهها نحو الملكوت في استغاثة!
مريم الحسن/ السعودية
تم نشره في رياض الزهراء العدد89
تعليق