حينما تكون فصيحاً
هكذا وصف تبارك وتعالى كتابه المجيد فهو عليٌ في قدره ، رفيع في مقامه ، حكيم في منطقه ، عظيم في بيانه . ولما كانت الفصاحة تعني الظهور والبيان والوضوح والإتقان ، كان النص القرآني في أعلى درجات الفصاحة ، قال تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) ) الشعراء 192 .
وقد كان للقرآن الكريم الفضل في توحيد اللغة العربية وحفظها من الانقراض فكثيرٌ من اللغات على مدى التاريخ انقرضت بانقراض الأمم ، أو تلاشت وبقيت رسومها ، أو ضعفت وفقدت آدابها وقواعدها ، وقد حرص كتاب الله على تهذيب ألفاظها ، وكان سبباً في انتشارها حتى أصبحت لغة الدين والثقافة والأدب . وكما كافح علماء العربية ظاهرة اللحن في اللغة وعالجوا العيوب اللسانية التي تحرف الكلام عن قواعد الصرف والنحو ، كان للقراء والمجودين دور كبير في معالجة الفساد والسماجة اللتين وقعتا في النطق ، وان كان يعتقد إن قواعد التجويد خاصة بتلاوة القرآن الكريم
بسبب انحصار هذه الدراسة عند مجودي التلاوة القرآنية ، في حين إن علم التجويد – بالإضافة إلى جانبه الفني الذي يحسن في كل الاداءات التنغيمية فيما يعتمد عليه من مدود وغنن ومن بقية المحسنات التجويدية – يعد الصوت اللغوي الصحيح الذي تنطق به الحروف والألفاظ في الكلام العربي ، لذا ندب الشارع إلى الاهتمام بالنص القرآني ، ومنحه الاهتمام الأكبر في علم التجويد ، لأنه كلام الله تعالى ، ولأنه يحمل فصاحة راقية ومسحة صوتية تعد واحدة من معاجزه الكثيرة . وقد ورد عنه t : ( لكل شيء حلية وحلية القرآن الصوت الحسن ) .
وما من شيء مثل فصاحة القرآن تجعل المنطق عذباً واللسان مهذباً ، خصوصاً لو عوّدنا ألسنتنا على أداء الحروف والألفاظ وفق أصولها ، من خلال رياضة الألسن على إخراج الحروف من مخارجها وإعطائها صفاتها ، ومن تكرار الألفاظ القرآنية المسموعة من القراء والمجودين .
ولو ابتدأنا بتحفيظ الأطفال وتعليمهم تجويد القرآن لما يمتلكون من قدرات سمعية وأصوات سليمة وحناجر رقيقة ، نكون قد أحسنا صنعاً وقدمنا جميلاً لثمرات الحياة وأمل المستقبل ، فهم في أعناقنا وضمن مسؤوليتنا وبهم نكسب رضا الله تعالى وحينما يكون المعلم فصيحاً يساعد ذلك على انتشار الفصاحة وشيوعها من خلال ترغيب الطلبة فيها ، وتطبيقها معهم بقدر إمكانه ، ويشجعهم على حفظ الحكم العربية والآيات القرآنية منذ صغرهم . وما يحفظه الطالب في صغره ويقوم بترديده ويتعوّد عليه ، يكون أجمل شيء نسمعه من حنجرته ، لأن ما يحفظه يظلّ ممتزجا بعقله وضميره حتى الكبر ، وأحسن من قال : ( التعلم في الصغر كالنقش في الحجر ) .
تعليق