بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا نأتي بجديد إذا ذهبنا إلى القول بأن الهجمة الشرسة التي كانت تستهدف استئصال الشيعة والقضاء عليهم قد أخذت أبعادا خطيرة ودامية أبان الحكمين الأموي والعباسي، فما أن لبى الإمام دعوة ربه في ليلة الحادي والعشرين من رمضان على يد أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، وهو يصلي في محراب عبادته، حتى شرع أعداء الإمام وخصوم التشيع إلى التعرض الصريح بالقتل والتشريد لأنصار هذا المذهب والمنتسبين إليه، وإذا كان استشهاد الإمام علي يؤلف في حد ذاته ضربة قاصمة في هيكلية البناء الإسلامي، إلا أن هذا لم يمنع البعض ممن وقفوا موقفا باطلا ومنحرفا من الإمام علي في حياته من التعبير عن سرورهم من هذا الأمر الجلل، كما نقل ذلك ابن الأثير عن عائشة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قالت عندما وصلها النبأ:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
ثم قالت: من قتله، فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه * نعي ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة: أتقولين هذا لعلي ؟ فقالت: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني... ! ! 1.
أما معاوية فلا مناص من القول بأنه أكثر المستبشرين بهذا الأمر، حيث إنه قال لما بلغه: إن الأسد الذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه. ثم أنشد:
قل للأرانب ترعى أينما سرحت * وللظباء بلا خوف ولا وجل 2
في الجانب الآخر نرى أن الإمام الحسن الابن الأكبر للإمام علي ووارثه ينعى أباه بقوله في مسجد الكوفة: " ألا إنه قد مضى في هذه الليلة، رجل لم يدركه الأولون، ولن يري مثله الآخرون. من كان يقاتل وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله. والله لقد توفي في هذه الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران، ورفع فيها عيسى بن مريم، وأنزل القرآن. ألا وإنه ما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله " 3.
ثم بويع الحسن في نهاية خطبته، وكان أول من بايعه قيس بن سعد الأنصاري، ثم تتابع الناس على بيعته، وكان أمير المؤمنين قد بايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت. فبينما هو يتجهز للمسير قتل (عليه السلام). فبايع هؤلاء ولده الحسن، فلما بلغهم مسير معاوية في أهل الشام إليه، تجهز هو والجيش الذين كانوا قد بايعوا عليا. وسار عن الكوفة إلى لقاء معاوية 4.
بيد إن الأمور لم تستقم للإمام الحسن لجملة من الأسباب المعروفة، أهمها تخاذل أهل العراق أولا، وكون الشيوخ الذين بايعوا عليا والتفوا حوله كانوا من عبدة الغنائم والمناصب، ولم يكن لهؤلاء نصيب في خلافة الحسن إلا ما كان لهم عند أبيه من قبل ثانيا.
وإن عددا غير قليل ممن بايع الحسن كانوا من المنافقين، يراسلون معاوية بالسمع والطاعة ثالثا. كما أن قسما من جيشه كانوا من الخوارج أو أبنائهم رابعا.
إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت الإمام إلى قبول الصلح مع معاوية تحت شروط خاصة تضمن لشيعة علي الأمن والأمان، إلا أن معاوية وبعد أن وقع على صلحه مع الإمام الحسن لم يتردد من الإعلان عن سريرته بكل صراحة ووضوح على منبر الكوفة: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا - وإنكم لتفعلون ذلك - ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإني قد كنت منيت الحسن أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له 5.
وكان ذلك التصريح الخطير، والمنافي لأبسط مبادئ الشريعة الإسلامية، يمثل الإعلان الرسمي لبدء الحملة الشرسة والمعلنة لاستئصال شيعة علي وأنصاره تحت كل حجر ومدر. وتوالت المجازر تترى بعد معاوية إلى آخر عهد الدولة الأموية، فلم يكن للشيعة في تلك الأيام نصيب سوى القتل والنفي والحرمان.
وهذا هو الذي نستعرضه في هذا الفصل على وجه الإجمال، حتى يقف القارئ على أن بقاء التشيع في هذه العصور المظلمة كان معجزة من معاجز الله سبحانه، كما يتوضح له مدى الدور الخطير الذي لعبه الشيعة في الصمود والكفاح والرد على الظلمة وأعوانهم منذ عصر الإمام إلى يومنا هذا.
الهوامش والمصادر :
1. الكامل لابن الأثير 3: 394 ط دار صادر.
2. ناسخ التواريخ، القسم المختص بحياة الإمام: 692.
3. تاريخ اليعقوبي 2: 213.
4. الكامل 3: 404
5.الإرشاد للشيخ المفيد: 191
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا نأتي بجديد إذا ذهبنا إلى القول بأن الهجمة الشرسة التي كانت تستهدف استئصال الشيعة والقضاء عليهم قد أخذت أبعادا خطيرة ودامية أبان الحكمين الأموي والعباسي، فما أن لبى الإمام دعوة ربه في ليلة الحادي والعشرين من رمضان على يد أشقى الأولين والآخرين، شقيق عاقر ناقة ثمود، وهو يصلي في محراب عبادته، حتى شرع أعداء الإمام وخصوم التشيع إلى التعرض الصريح بالقتل والتشريد لأنصار هذا المذهب والمنتسبين إليه، وإذا كان استشهاد الإمام علي يؤلف في حد ذاته ضربة قاصمة في هيكلية البناء الإسلامي، إلا أن هذا لم يمنع البعض ممن وقفوا موقفا باطلا ومنحرفا من الإمام علي في حياته من التعبير عن سرورهم من هذا الأمر الجلل، كما نقل ذلك ابن الأثير عن عائشة زوجة رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث قالت عندما وصلها النبأ:
فألقت عصاها واستقر بها النوى * كما قر عينا بالإياب المسافر
ثم قالت: من قتله، فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه * نعي ليس في فيه التراب
فقالت زينب بنت أبي سلمة: أتقولين هذا لعلي ؟ فقالت: إني أنسى، فإذا نسيت فذكروني... ! ! 1.
أما معاوية فلا مناص من القول بأنه أكثر المستبشرين بهذا الأمر، حيث إنه قال لما بلغه: إن الأسد الذي كان يفترش ذراعيه في الحرب قد قضى نحبه. ثم أنشد:
قل للأرانب ترعى أينما سرحت * وللظباء بلا خوف ولا وجل 2
في الجانب الآخر نرى أن الإمام الحسن الابن الأكبر للإمام علي ووارثه ينعى أباه بقوله في مسجد الكوفة: " ألا إنه قد مضى في هذه الليلة، رجل لم يدركه الأولون، ولن يري مثله الآخرون. من كان يقاتل وجبرئيل عن يمينه وميكائيل عن شماله. والله لقد توفي في هذه الليلة التي قبض فيها موسى بن عمران، ورفع فيها عيسى بن مريم، وأنزل القرآن. ألا وإنه ما خلف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم فضلت من عطائه، أراد أن يبتاع بها خادما لأهله " 3.
ثم بويع الحسن في نهاية خطبته، وكان أول من بايعه قيس بن سعد الأنصاري، ثم تتابع الناس على بيعته، وكان أمير المؤمنين قد بايعه أربعون ألفا من عسكره على الموت. فبينما هو يتجهز للمسير قتل (عليه السلام). فبايع هؤلاء ولده الحسن، فلما بلغهم مسير معاوية في أهل الشام إليه، تجهز هو والجيش الذين كانوا قد بايعوا عليا. وسار عن الكوفة إلى لقاء معاوية 4.
بيد إن الأمور لم تستقم للإمام الحسن لجملة من الأسباب المعروفة، أهمها تخاذل أهل العراق أولا، وكون الشيوخ الذين بايعوا عليا والتفوا حوله كانوا من عبدة الغنائم والمناصب، ولم يكن لهؤلاء نصيب في خلافة الحسن إلا ما كان لهم عند أبيه من قبل ثانيا.
وإن عددا غير قليل ممن بايع الحسن كانوا من المنافقين، يراسلون معاوية بالسمع والطاعة ثالثا. كما أن قسما من جيشه كانوا من الخوارج أو أبنائهم رابعا.
إلى غير ذلك من الأسباب التي دفعت الإمام إلى قبول الصلح مع معاوية تحت شروط خاصة تضمن لشيعة علي الأمن والأمان، إلا أن معاوية وبعد أن وقع على صلحه مع الإمام الحسن لم يتردد من الإعلان عن سريرته بكل صراحة ووضوح على منبر الكوفة: إني والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا، ولا لتحجوا ولا لتزكوا - وإنكم لتفعلون ذلك - ولكن قاتلتكم لأتأمر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، ألا وإني قد كنت منيت الحسن أشياء، وجميعها تحت قدمي لا أفي بشئ منها له 5.
وكان ذلك التصريح الخطير، والمنافي لأبسط مبادئ الشريعة الإسلامية، يمثل الإعلان الرسمي لبدء الحملة الشرسة والمعلنة لاستئصال شيعة علي وأنصاره تحت كل حجر ومدر. وتوالت المجازر تترى بعد معاوية إلى آخر عهد الدولة الأموية، فلم يكن للشيعة في تلك الأيام نصيب سوى القتل والنفي والحرمان.
وهذا هو الذي نستعرضه في هذا الفصل على وجه الإجمال، حتى يقف القارئ على أن بقاء التشيع في هذه العصور المظلمة كان معجزة من معاجز الله سبحانه، كما يتوضح له مدى الدور الخطير الذي لعبه الشيعة في الصمود والكفاح والرد على الظلمة وأعوانهم منذ عصر الإمام إلى يومنا هذا.
الهوامش والمصادر :
1. الكامل لابن الأثير 3: 394 ط دار صادر.
2. ناسخ التواريخ، القسم المختص بحياة الإمام: 692.
3. تاريخ اليعقوبي 2: 213.
4. الكامل 3: 404
5.الإرشاد للشيخ المفيد: 191
تعليق