بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التشيّع حجازي المحتد والمولد; إذ فيه نشأ، وفي تربته غرست شجرته، ثمّ نمت وكبرت، فصارت شجرة طيّبة ذات أغصان متّسقة وثمار يانعة. وفيه حثّ النبيّ الأكرم_ صلى الله عليه وآله وسلم _ على ولاء الإمام عليّ بن أبي طالب_ عليه السلام _ وسمّى أولياءه شيعة، وحدّث بحديث الثقلين، وجعل أئمة أهل البيت قرناء الكتاب في العصمة ولزوم الاقتفاء والطاعة، وفيه رَقى النبيّ_ صلى الله عليه وآله وسلم _ المنبر الذي صنعوه من رحال الإبل وأخذ بيد وصيّه ووليّ عهده عليّ المرتضى وحمد الله وأثنى عليه وقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» فقالوا: اللّهمّ بلى، ولما أخذ من الجمع المحتشد الإقرار بأولويّته على النفس والنفيس عرَّف عليّاً خليفة بعده وقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ونزل من المنبر ثمّ نزلت آيات من الذكر الحكيم تشير إلى هذه البيعة وتؤكّدها، ومن ثمّ تبودلت التهاني والتحيّات بين الإمام والصحابة 1.
وقد أشار إلى بعض ما ذُكر مؤلّف خطط الشام وقال: «إنّ النبيّ_ صلى الله عليه وآله وسلم _هو الذي حثّ على ولاء عليّ وأهل بيته_ عليهم السلام _ وهو أوّل من سمّى أولياءه بالشيعة، وفي عهده ظهر التشيّع وسمّي جماعة بالشيعة 2.
ولما ارتحل النبيّ الأكرم_ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلى دار البقاء تناسى أُولو القوّة والمنعة من الصحابة عهد النبيّ الأكرم_ صلى الله عليه وآله وسلم _ فحالوا بين النبيّ_ صلى الله عليه وآله وسلم _ وأُمنيته كما حالوا بين أُمّته وإمامها، فتداولوا كُرة الخلافة بينهم، وأخذوا بمقاليد الحكم واحداً بعد آخر، والإمام منعزل عن الحكم، لا عمل له إلاّ هداية الأُمّة وإرشادها بلسانه وبيانه وقلمه وبنانه.
ولقد كان الذي دعا عليّاً إلى السكوت والانحياز، هو مشاهدة ظاهرة الردّة الطارئة على المجتمع الإسلامي عن طريق مسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفّاك، وسجاح بنت الحرث الدجّالة، وأتباعهم الرعاع الذين كانوا على الدين الفتيّ خطراً جدّياً كان من الممكن أن يؤدّي إلى محق الإسلام وسحق المسلمين. ويحدّث عن هذه الحقيقة الإمام في رسالته التي أرسلها مع مالك الأشتر إلى أهل مصر، حيث يقول فيها: «فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم» 3.
رأي الإمام أنّ صيانة الإسلام وردّ عادية الأعداء تتوقّفان على المسالمة والموادعة، فألقى حبل الخلافة على غاربها، تقديماً للأهمّ على المهمّ، وتبعته شيعته صابرين على مضض الحياة ومرّها.
بقي الإمام منعزلا عن الحكم قرابة ربع قرن إلى أن قتل عثمان في عقر داره، وانثال الناس إلى دار عليّ من كلّ جانب مجتمعين حوله كربيضة الغنم، يطلبون منه القيام بالأمر وأخذ مقاليد الحكم، وفيهم شيعته المخلصون الأوفياء، فلم ير بدّاً من قبول دعوتهم لقيام الحجّة بوجود الناصر 4.
ولمّا نكث الناكثون البيعة، وقادوا حبيسة رسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلم _ «عائشة» معهم إلى البصرة، ارتحل الإمام بأنصاره وشيعته إلى العراق إلاّ قليلا بقوا في الحجاز لقلع مادّة الفساد قبل أن تستفحل، ولمّا قلع عين الفتنة، استوطن الإمام الكوفة، واستوطنها معه شيعته، وصارت الكوفة عاصمة التشيّع، ومعقله، وفيها نما وأينع وأثمر ومنها انحدر إلى سائر البلدان، بعد ما كان الحجاز مهبط التشيّع ومغرسه ومحتده. فكان حجازي المحتد والمغرس، عراقي النشوء والنمو، ولم يكن يوم ذاك يتظلّل في ظلال التشيّع إلاّ عربي صميم، من عدنانيّ وقحطانيّ، ولم يكن بينهم فارسيّ ولا بربريّ الأصل ولا شعوبيّ العقيدة يمقت العرب.
وهكذا فإنّا يمكننا القول بأنّ مهد التشيّع الأوّل كان في أرض الحجاز الطيّبة ومنها درج واشتد حتّى تسامق وتطاول وأصبح له وجود في كلّ بقاع المعمورة.
ولا زال الشيعة يعيشون مع إخوانهم المسلمين في مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، وحضرموت، ونجران، وغيرها، كما توجد في أنحاء من أرض الحجاز الكثير من القبائل العربية الشيعية أمثال بني جهم، وبنو عليّ، وغيرهم.
وأمّا المنطقة الشرقية كالإحساء والقطيف والدمّام، فأكثر سكّانها من الشيعة 5.
الفهارس والمصادر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التشيّع حجازي المحتد والمولد; إذ فيه نشأ، وفي تربته غرست شجرته، ثمّ نمت وكبرت، فصارت شجرة طيّبة ذات أغصان متّسقة وثمار يانعة. وفيه حثّ النبيّ الأكرم_ صلى الله عليه وآله وسلم _ على ولاء الإمام عليّ بن أبي طالب_ عليه السلام _ وسمّى أولياءه شيعة، وحدّث بحديث الثقلين، وجعل أئمة أهل البيت قرناء الكتاب في العصمة ولزوم الاقتفاء والطاعة، وفيه رَقى النبيّ_ صلى الله عليه وآله وسلم _ المنبر الذي صنعوه من رحال الإبل وأخذ بيد وصيّه ووليّ عهده عليّ المرتضى وحمد الله وأثنى عليه وقال: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟» فقالوا: اللّهمّ بلى، ولما أخذ من الجمع المحتشد الإقرار بأولويّته على النفس والنفيس عرَّف عليّاً خليفة بعده وقال: «من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه» ونزل من المنبر ثمّ نزلت آيات من الذكر الحكيم تشير إلى هذه البيعة وتؤكّدها، ومن ثمّ تبودلت التهاني والتحيّات بين الإمام والصحابة 1.
وقد أشار إلى بعض ما ذُكر مؤلّف خطط الشام وقال: «إنّ النبيّ_ صلى الله عليه وآله وسلم _هو الذي حثّ على ولاء عليّ وأهل بيته_ عليهم السلام _ وهو أوّل من سمّى أولياءه بالشيعة، وفي عهده ظهر التشيّع وسمّي جماعة بالشيعة 2.
ولما ارتحل النبيّ الأكرم_ صلى الله عليه وآله وسلم _ إلى دار البقاء تناسى أُولو القوّة والمنعة من الصحابة عهد النبيّ الأكرم_ صلى الله عليه وآله وسلم _ فحالوا بين النبيّ_ صلى الله عليه وآله وسلم _ وأُمنيته كما حالوا بين أُمّته وإمامها، فتداولوا كُرة الخلافة بينهم، وأخذوا بمقاليد الحكم واحداً بعد آخر، والإمام منعزل عن الحكم، لا عمل له إلاّ هداية الأُمّة وإرشادها بلسانه وبيانه وقلمه وبنانه.
ولقد كان الذي دعا عليّاً إلى السكوت والانحياز، هو مشاهدة ظاهرة الردّة الطارئة على المجتمع الإسلامي عن طريق مسيلمة الكذاب، وطليحة بن خويلد الأفّاك، وسجاح بنت الحرث الدجّالة، وأتباعهم الرعاع الذين كانوا على الدين الفتيّ خطراً جدّياً كان من الممكن أن يؤدّي إلى محق الإسلام وسحق المسلمين. ويحدّث عن هذه الحقيقة الإمام في رسالته التي أرسلها مع مالك الأشتر إلى أهل مصر، حيث يقول فيها: «فأمسكت يدي حتّى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمّد _ صلى الله عليه وآله وسلم _ فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم» 3.
رأي الإمام أنّ صيانة الإسلام وردّ عادية الأعداء تتوقّفان على المسالمة والموادعة، فألقى حبل الخلافة على غاربها، تقديماً للأهمّ على المهمّ، وتبعته شيعته صابرين على مضض الحياة ومرّها.
بقي الإمام منعزلا عن الحكم قرابة ربع قرن إلى أن قتل عثمان في عقر داره، وانثال الناس إلى دار عليّ من كلّ جانب مجتمعين حوله كربيضة الغنم، يطلبون منه القيام بالأمر وأخذ مقاليد الحكم، وفيهم شيعته المخلصون الأوفياء، فلم ير بدّاً من قبول دعوتهم لقيام الحجّة بوجود الناصر 4.
ولمّا نكث الناكثون البيعة، وقادوا حبيسة رسول الله_ صلى الله عليه وآله وسلم _ «عائشة» معهم إلى البصرة، ارتحل الإمام بأنصاره وشيعته إلى العراق إلاّ قليلا بقوا في الحجاز لقلع مادّة الفساد قبل أن تستفحل، ولمّا قلع عين الفتنة، استوطن الإمام الكوفة، واستوطنها معه شيعته، وصارت الكوفة عاصمة التشيّع، ومعقله، وفيها نما وأينع وأثمر ومنها انحدر إلى سائر البلدان، بعد ما كان الحجاز مهبط التشيّع ومغرسه ومحتده. فكان حجازي المحتد والمغرس، عراقي النشوء والنمو، ولم يكن يوم ذاك يتظلّل في ظلال التشيّع إلاّ عربي صميم، من عدنانيّ وقحطانيّ، ولم يكن بينهم فارسيّ ولا بربريّ الأصل ولا شعوبيّ العقيدة يمقت العرب.
وهكذا فإنّا يمكننا القول بأنّ مهد التشيّع الأوّل كان في أرض الحجاز الطيّبة ومنها درج واشتد حتّى تسامق وتطاول وأصبح له وجود في كلّ بقاع المعمورة.
ولا زال الشيعة يعيشون مع إخوانهم المسلمين في مكّة المكرّمة، والمدينة المنوّرة، وحضرموت، ونجران، وغيرها، كما توجد في أنحاء من أرض الحجاز الكثير من القبائل العربية الشيعية أمثال بني جهم، وبنو عليّ، وغيرهم.
وأمّا المنطقة الشرقية كالإحساء والقطيف والدمّام، فأكثر سكّانها من الشيعة 5.
الفهارس والمصادر
- [*=center]1. لقد أفرد علماء الإمامية كتباً كثيرة أشاروا فيها إلى بيعة الغدير التي حدثت بعد عودة رسول الله _ صلى الله عليه وآله وسلم _ والمسلمين من حجّة الوداع، وقد بسطوا القول فيها وعضدوها بالأدلّة القوية والثابتة، كما أنّ كتب أهل السنّة حافلة بهذا الخبر تصريحاً أو إشارة إليه، فمن شاء فليراجع.
2. محمد كرد علي، خطط الشام 5: 251.
3. الشريف الرضي، نهج البلاغة، الكتاب 62.
4. إشارة إلى قوله _ عليه السلام _: «أما والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة، لولا حضور الحاضر وقيام الحجّة بوجود الناصر...لألقيت حبلها على غاربها» نهج البلاغة، الخطبة 3.
5. دور الشيعة في بناء الحضارة الاسلامية، لآية الله الشيخ جعفر السبحاني، ص96-99، بيروت: دار الاضواء، 1993م.
تعليق