ورد عن أبي عبدالله الصادق ( عليه السلام )
(إذا نزلت الرجل النازلة أو الشدة فليصم فإن الله - عز وجل - يقول: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ﴾
يعني الصيام )
وورد في بعضها أن المراد به هو الصبر على المعصية.
ولعل الاختلاف من باب الاختلاف في التطبيق - لا في المفهوم -، فإن الصبر على كل حال مطلوب..
سواء كان ضمن الصوم..أم كان ضمن البُعد عن الرذيلة..
وكان الامام علي ( عليه السلام )
كما في بعض الروايات إذا هاله أمر فزع - أي لجأ - إلى الصلاة.
هذه الآية المباركة ترشد إلى أن الاستقامة الروحية للإنسان تحتاج إلى معالجةٍ للنفس الأمارة بالسوء..قال تعالى:
﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ﴾
والمعالجة لهذه النفس التواقة للمعاصي..وإرضاء النزوات بمجموع طريقين:
الطريق الأول:
الوقوف بين يدي الله خاشعا..نادماً على ذنوبه..مُصراً على أن يعود للطاعة..قال تعالى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُون* الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
وهذا ما عبرت عنه الآية حيث قالت ( الصلاة )
الطريق الثاني:
تلقين النفس بالانضباط والثبات..فكلما لقن الإنسان نفسه أن اللذة أمرٌ قصير وفائت..
وأن الباقي هو الصلاح لدنياه وآخرته..
وهو الانضباط على جادة الشرع..والاستقامة على هذا الطريق..فهذا التلقين للنفس بحقارة وقصر اللذة..هو المُعبر عنه بالصبر..فإن الصبر تلقين للنفس..وترويض لها أمام النزوات والغرائز..
وفي الآية الأخرى يقول:
﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
وأعظم المصائب ابتلاء الإنسان بوسوسة الشيطان..وتسويله المُمهد للانقياد للمعصية..
فليست المصيبة خاصة بأن يقع نقص في الأمول..أو الأنفس..أو الثمرات..
بل أعظم المصائب أن يحصل نقص في الدين..
ولذلك ورد في بعض الأدعية:
( ولا تجعل مصيبتنا في ديننا )
فقد يتحمل المؤمن الغيور على دينه..مصائب أخرى..في الأموال..أو الأنفس..
ولكن المصيبة في الدين لا تُتحمل..والانقياد إلى تسويل الشيطان وسوسة الشطان من أشد المصائب..لأن يكون مروضاً للنفس..ملقناً لها مهدئاً لفورتها عندما تنساق وراء الشهوات..
فيفهمها قائلاً لها: أن اللذة - مهما كانت - هي حقيرة..
هذا الترويض الذي يُعبر عنه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام )
( وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى )
يدل على صلابة إرادة الإسان..وقوة نفس الإنسان..ولذلك عبر عنه القرآن:
﴿إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
لأنّه يكشف عن قوة العزيمة..
ويختلف الصبر على المعاصي باختلاف مواقع الإنسان..فالإنسان المبتلى بالأموال تدعوه نفسه إلى الطرق غير المحللة لاكتساب الأموال..من أجل تحصيل الثروة..فهو يحتاج إلى صبر وترويض..
حتى يثبت على جادة الشرع..
والإنسان المبتلى - ككثير من شبابنا - بالنساء..في علمه..وعمله..ودراسته..وطريقه..
كثيراً ما يكون مُعرضاً للنزوات الشهوية..
باعتبار احتكاكه بهذا العالم..فهو أيضاً يحتاج إلى مسكة عقلية..وإرادة صلبة..وتلقين حازم..
﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
هذا هو الابتلاء الحقيقي..ولكن لا ينجح فيه إلا أولو العزم..
﴿وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾
أي إذا كنت ذا عزم فلقن نفسك بحقارة اللذة وفوتها وان المهم البقاء على طريق الطاعة..فإنه طريق الفوز دنيا وآخرة..
﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾
وهذا وعد من الله أن تفتح لمن يصبر أبواب الرزق: رزقٌ في الفهم..في المنصب..في المال..
اللهم ارزقنا رضا محمد وآل محمد..والهدى من محمد وآل محمد..وعلوم محمد وآل محمد..
تعليق