بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
حفظ لنا التاريخ هذه المحاورة المهمة التي جرت بين احد المؤمنين وبين امير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه حيث سأله عن صفات المؤمنين فأجاب مولانا امير المؤمنين بعد تردد وكان في الجواب ما كان واليكم القصة والجواب وياله من جواب
قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين ع يقال له همام و كان عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل أمير المؤمنين في جوابه ثم قال ع ويحك يا همام اتق الله و أحسن فإن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون فقال همام يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك و بما خصك به و حباك و فضلك بما أنالك و أعطاك لما وصفتهم لي فقام أمير المؤمنين ص قائما على قدميه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله و سلم ثم قال
أما بعد فإن الله عز و جل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه منهم و لا تنفعه طاعة من أطاعه و قسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم و إنما أهبط الله آدم و حواء من الجنة عقوبة لما صنعا حيث نهاهما فخالفاه و أمرهما فعصياه
فالمتقون فيها أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع خضعوا لله بالطاعة فبهتوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت بهم في الرخاء رضا منهم عن الله بالقضاء و لو لا الآجال التي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم و صغر ما دونه في أعينهم فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و أجسادهم نحيفة و حوائجهم خفيفة و أنفسهم عفيفة و مئونتهم من الدنيا عظيمة صبروا أياما قليلة قصارا أعقبتهم راحة طويلة بتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أرادتهم الدنيا و لم يريدوها و طلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم و يستبشرون به و تهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم و وجع كلوم جوانحهم و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم و أبصارهم فاقشعرت منها جلودهم و وجلت منها قلوبهم و ظنوا أن صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في أصول آذانهم و إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت أنفسهم إليها شوقا فظنوا أنها نصب أعينهم جاثين على أوساطهم يمجدون جبارا عظيما مفترشين جباههم و أكفهم و أطراف أقدامهم و ركبهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم و أما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء قد براهم الخوف [بري القداح] فهم أمثال القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضي و ما بالقوم من مرض أو يقول قد خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم إذا فكروا في عظمة الله و شدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت و أهوال القيامة فزع ذلك قلوبهم وجاشت حلومهم و ذهلت قلوبهم [عقولهم] و إذا استفاقوا بادروا إلى الله بالأعمال الزكية لا يرضون لله من أعمالهم بالقليل و لا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون إن زكي أحدهم خاف مما يقولون و قال أنا أعلم بنفسي من غيري و ربي أعلم بنفسي مني اللهم لا تؤاخذني بما يقولون و اجعلني خيرا مما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون فإنك علام الغيوب و ستار العيوب و من علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين و حرصا على العلم و كيسا في رفق و شفقة في نفقة و قصدا في غناء و خشوعا في عبادة و تحملا في فاقة و صبرا في شدة و رحمة للجهود و إعطاء في حق و رفقا في كسب و طلبا للحلال و نشاطا في الهدى و تحرجا عن الطمع و برا في استقامة و إغماضا عند شهوة لا يغره ثناء من جهله و لا يدع إحصاء ما قد عمله مستنبطا لنفسه في العمل يعمل الأعمال الصالحة و هو على وجل يمسي و همه الشكر و يصبح و شغله الذكر يبيت حذرا و يصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة و فرحا لما أصاب من الفضل و الرحمة إن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه ضره و فرحه فيما يخلد و يطول و قرة عينه فيما لا يزول و رغبته فيما يبقى و زهادته فيما يفنى يمزج الحلم بالعلم و يمزج العلم بالعقل تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله متوقعا أجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه خائفا ذنبه قانعة نفسه متغيبا جهله سهلا أمره حريزا دينه ميتة شهوته كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره ميتا ضره كثيرا ذكره محكما أمره لا يحدث بما يؤتمن عليه الأصدقاء و لا يكتم شهادته للأعداء و لا يعمل شيئا من الحق رياء و لا يتركه حياء الخير منه مأمول و الشر منه مأمون إن كان في الغافلين كتب من الذاكرين و إن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه لا يعزب حلمه و لا يعجل فما يريبه و يصفح عما قد تبين له بعيد [بعد] جهله لينا قوله غائبا مكره [منكره] قريبا معروفه صادقا قوله حسنا فعله مقبلا خيره مدبرا شره فهو في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض و لا يأثم على من لا يحب لا يدعي ما ليس له و لا يجحد حقا هو عليه يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه و لا يضيع ما استحفظ [لا ينسى ما ذكره] و لا ينابز بالألقاب و لا يبغي على أحد و لا يهم بالحسد و لا يضر بالجار و لا يشمت بالمصائب سريع إلى الصلوات مؤد للأمانات بطي ء عن المنكرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر لا يدخل في الأمور بجهل و لا يخرج من الحق بعجز إن صمت لم يغمه صمته و إن نطق لم يقل خطأ و إن ضحك لم يعد صوته سمعه قانعا بالذي قدر له ولا يجمع به الغيظ و لا يغلبه الهوى و لا يقهره الشح و لا يطمع فيما ليس له يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم لا ينصت ليعجب به و لا يتكلم ليفخر على من سواه إن بغى عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته و أراح الناس من شره بعد من تباعد عنه بغض و نزاهة و دنو من دنا منه لين و رحمة فليس تباعده بكبر و لا عظمة و لا دنوه بخديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير و هو إمام لمن خلفه من أهل البر
قال فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين ع أما و الله لقد كنت أخافها عليه و أمر به فجهز و صلى عليه و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها
حفظ لنا التاريخ هذه المحاورة المهمة التي جرت بين احد المؤمنين وبين امير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه حيث سأله عن صفات المؤمنين فأجاب مولانا امير المؤمنين بعد تردد وكان في الجواب ما كان واليكم القصة والجواب وياله من جواب
قام رجل من أصحاب أمير المؤمنين ع يقال له همام و كان عابدا فقال له يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم فتثاقل أمير المؤمنين في جوابه ثم قال ع ويحك يا همام اتق الله و أحسن فإن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون فقال همام يا أمير المؤمنين أسألك بالذي أكرمك و بما خصك به و حباك و فضلك بما أنالك و أعطاك لما وصفتهم لي فقام أمير المؤمنين ص قائما على قدميه فحمد الله و أثنى عليه و صلى على النبي و آله و سلم ثم قال
أما بعد فإن الله عز و جل خلق الخلق حيث خلقهم غنيا عن طاعتهم آمنا من معصيتهم لأنه لا تضره معصية من عصاه منهم و لا تنفعه طاعة من أطاعه و قسم بينهم معايشهم و وضعهم من الدنيا مواضعهم و إنما أهبط الله آدم و حواء من الجنة عقوبة لما صنعا حيث نهاهما فخالفاه و أمرهما فعصياه
فالمتقون فيها أهل الفضائل منطقهم الصواب و ملبسهم الاقتصاد و مشيهم التواضع خضعوا لله بالطاعة فبهتوا غاضين أبصارهم عما حرم الله عليهم واقفين أسماعهم على العلم النافع لهم نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت بهم في الرخاء رضا منهم عن الله بالقضاء و لو لا الآجال التي كتب الله عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقا إلى الثواب و خوفا من العقاب عظم الخالق في أنفسهم و صغر ما دونه في أعينهم فهم و الجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون و هم و النار كمن قد رآها فهم فيها معذبون قلوبهم محزونة و شرورهم مأمونة و أجسادهم نحيفة و حوائجهم خفيفة و أنفسهم عفيفة و مئونتهم من الدنيا عظيمة صبروا أياما قليلة قصارا أعقبتهم راحة طويلة بتجارة مربحة يسرها لهم رب كريم أرادتهم الدنيا و لم يريدوها و طلبتهم فأعجزوها أما الليل فصافون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلا يحزنون به أنفسهم و يستبشرون به و تهيج أحزانهم بكاء على ذنوبهم و وجع كلوم جوانحهم و إذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها بمسامع قلوبهم و أبصارهم فاقشعرت منها جلودهم و وجلت منها قلوبهم و ظنوا أن صهيل جهنم و زفيرها و شهيقها في أصول آذانهم و إذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعا و تطلعت أنفسهم إليها شوقا فظنوا أنها نصب أعينهم جاثين على أوساطهم يمجدون جبارا عظيما مفترشين جباههم و أكفهم و أطراف أقدامهم و ركبهم تجري دموعهم على خدودهم يجأرون إلى الله في فكاك رقابهم و أما النهار فحلماء علماء بررة أتقياء قد براهم الخوف [بري القداح] فهم أمثال القداح ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضي و ما بالقوم من مرض أو يقول قد خولطوا فقد خالط القوم أمر عظيم إذا فكروا في عظمة الله و شدة سلطانه مع ما يخالطهم من ذكر الموت و أهوال القيامة فزع ذلك قلوبهم وجاشت حلومهم و ذهلت قلوبهم [عقولهم] و إذا استفاقوا بادروا إلى الله بالأعمال الزكية لا يرضون لله من أعمالهم بالقليل و لا يستكثرون له الجزيل فهم لأنفسهم متهمون و من أعمالهم مشفقون إن زكي أحدهم خاف مما يقولون و قال أنا أعلم بنفسي من غيري و ربي أعلم بنفسي مني اللهم لا تؤاخذني بما يقولون و اجعلني خيرا مما يظنون و اغفر لي ما لا يعلمون فإنك علام الغيوب و ستار العيوب و من علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين و حزما في لين و إيمانا في يقين و حرصا على العلم و كيسا في رفق و شفقة في نفقة و قصدا في غناء و خشوعا في عبادة و تحملا في فاقة و صبرا في شدة و رحمة للجهود و إعطاء في حق و رفقا في كسب و طلبا للحلال و نشاطا في الهدى و تحرجا عن الطمع و برا في استقامة و إغماضا عند شهوة لا يغره ثناء من جهله و لا يدع إحصاء ما قد عمله مستنبطا لنفسه في العمل يعمل الأعمال الصالحة و هو على وجل يمسي و همه الشكر و يصبح و شغله الذكر يبيت حذرا و يصبح فرحا حذرا لما حذر من الغفلة و فرحا لما أصاب من الفضل و الرحمة إن استصعب عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما إليه ضره و فرحه فيما يخلد و يطول و قرة عينه فيما لا يزول و رغبته فيما يبقى و زهادته فيما يفنى يمزج الحلم بالعلم و يمزج العلم بالعقل تراه بعيدا كسله دائما نشاطه قريبا أمله قليلا زلله متوقعا أجله خاشعا قلبه ذاكرا ربه خائفا ذنبه قانعة نفسه متغيبا جهله سهلا أمره حريزا دينه ميتة شهوته كاظما غيظه صافيا خلقه آمنا منه جاره ضعيفا كبره ميتا ضره كثيرا ذكره محكما أمره لا يحدث بما يؤتمن عليه الأصدقاء و لا يكتم شهادته للأعداء و لا يعمل شيئا من الحق رياء و لا يتركه حياء الخير منه مأمول و الشر منه مأمون إن كان في الغافلين كتب من الذاكرين و إن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين يعفو عمن ظلمه و يعطي من حرمه و يصل من قطعه لا يعزب حلمه و لا يعجل فما يريبه و يصفح عما قد تبين له بعيد [بعد] جهله لينا قوله غائبا مكره [منكره] قريبا معروفه صادقا قوله حسنا فعله مقبلا خيره مدبرا شره فهو في الهزاهز وقور و في المكاره صبور و في الرخاء شكور لا يحيف على من يبغض و لا يأثم على من لا يحب لا يدعي ما ليس له و لا يجحد حقا هو عليه يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه و لا يضيع ما استحفظ [لا ينسى ما ذكره] و لا ينابز بالألقاب و لا يبغي على أحد و لا يهم بالحسد و لا يضر بالجار و لا يشمت بالمصائب سريع إلى الصلوات مؤد للأمانات بطي ء عن المنكرات يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر لا يدخل في الأمور بجهل و لا يخرج من الحق بعجز إن صمت لم يغمه صمته و إن نطق لم يقل خطأ و إن ضحك لم يعد صوته سمعه قانعا بالذي قدر له ولا يجمع به الغيظ و لا يغلبه الهوى و لا يقهره الشح و لا يطمع فيما ليس له يخالط الناس ليعلم و يصمت ليسلم و يسأل ليفهم لا ينصت ليعجب به و لا يتكلم ليفخر على من سواه إن بغى عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له نفسه منه في عناء و الناس منه في راحة أتعب نفسه لآخرته و أراح الناس من شره بعد من تباعد عنه بغض و نزاهة و دنو من دنا منه لين و رحمة فليس تباعده بكبر و لا عظمة و لا دنوه بخديعة و لا خلابة بل يقتدي بمن كان قبله من أهل الخير و هو إمام لمن خلفه من أهل البر
قال فصعق همام صعقة كانت نفسه فيها فقال أمير المؤمنين ع أما و الله لقد كنت أخافها عليه و أمر به فجهز و صلى عليه و قال هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها
تعليق