إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

البلاغة الميسرة 1

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • البلاغة الميسرة 1

    معنى الفصاحة:1
    الفَصَاحَةُ لُغَةً:
    تُطْلَقُ الفَصَاحَةُ فِي اللَّفْظِ عَلَى مَعَانٍ كثِيرَةٍ مِنْهَا: البَيَانُ، وَالظُّهُورُ، والانكِشَافُ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ:
    ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي2. أيْ: أَبْيَنُ مِنِّي مَنْطِقَاً، وَأَظْهَرُ مِنِّي قَوْلاً.

    يُقَالُ: أَفْصَحَ الصَّبِّيُّ فِي مَنْطِقِهِ، إِذَا بَانَ وَظَهَرَ كَلَامُهُ.

    وَقَالَتِ العَرَبُ:
    أَفْصَحَ الصُّبْحُ: إِذَا أَضَاءَ.

    يذكر علماء البلاغة عادةً انقسام الفصاحة إلى فصاحةٍ في الكلمة، وفصاحة في الكلام، وفصاحة في المتكلِّم، ثم يعرّفون الفصاحة في كل قسم من هذه الأقسام على حدة، ويعلّلون ذلك بأنّه يتعذّر جمع المعاني المختلفة غير المشتركة في أمرٍ يعمّها في تعريفٍ واحد.

    الفَصَاحَةُ فِي الاصْطِلاَحِ:
    هِيَ الأَلفَاظُ البَيِّنةُ الظَّاهِرَةُ المُتَبَادِرة إِلَى الفَهْمِ، ومَأْنُوسَةُ الاسْتِعْمَالِ لِمَكَانِ حُسْنِهَا، وَهِيَ تَقَعُ وَصْفاً لِلكَلِمَةِ، أو الكَلَامِ والمُتَكَلِّمِ.

    15

    فَصَاحَةُ الكَلِمَةِ:
    مَا هِيَ شُرُوطُ الَّلفْظَةِ الفَصِيْحَةِ؟
    أ
    وْرَدَ العُلَمَاءُ شُرُوطَاً يَنْبَغِي تَوَافُرُهَا فِي الَّلفْظَةِ الوَاحِدةِ حَتَّى تَكُونَ فَصِيحَةً, وَمِنْ هَذِهِ الشُّرُوطِ:
    - أَنْ تَكُونَ الكَلِمَةُ مُتَبَاعِدَةَ المَخَارِجِ.
    - أَنْ تَكُونَ الكَلِمَةُ الفَصِيحَةُ غَيْرَ مُتَوَعِّرَةٍ.
    - أَنْ لا تَكُونَ مِنْ أَلْفَاظِ العَامَّةِ3.
    وَمِنَ الموانع التي تمنع تحقّق الفصاحة في المفرد.
    1- تَنَافُرُ الحُرُوفِ فِيهَا:
    كَيْفَ يَكُونُ تَنَافُرُ الحُرُوفِ؟

    يَكُونُ بِتَتَابُعِ الحُرُوفِ المُتَقَارِبَةِ فِي المَخَارِجِ, فَتَكونُ الكَلِمةُ مُتَناهيَةً فِي الثِّقلِ عَلَى الِّلسَانِ وَيَكُونُ نُطْقُهَا عَسِيراً, وَلَا ضَابِطَ لِمَعرِفَةِ الثِّقلِ والصُّعُوبَةِ سِوَى الذَّوقِ السَّليِمِ المُكتَسَبِ بالنَّظَرِ فِي كَلامِ البُلَغَاءِ ومُمَارَسةِ أَسَاليِبهمْ.

    ومِثَالُ ذَلِكَ:
    أ- رُوِيَ أَنَّ أَعْرَابِيَّاً سُئِلَ عَنْ نَاقَتِهِ فَقَالَ: "تَركتُها تَرْعَى الهِعْخِعَ"4.

    ب- وَقَولُ امرؤِ القَيْسِ:5
    غَدائِرُها مُستَشزِراتٌ إِلى العُلا تَضِلُّ العِقاصَ في مُثَنّىً وَمُرسَلِ


    16

    يقولُ: ذَوائِبُهَا وغَدَائِرُهَا مَرفُوعَاتٌ إلى فَوْقٍ، يُرَادُ بِهَا شَدّهَا عَلَى الرَّأسِ بِخيوُطٍ, ثمَّ قَالَ: تَغِيبُ عَقَائِصُها فِي شَعْرِهَا بَعضُهُ مُثنَّى وبَعْضُهُ مُرْسَلٌ.

    نُلاحِظُ الثِّقلَ فِي: "الهِعْخِعَ - مستشزراتٌ" وصُعوبةَ النُّطْقِ بِهِمَا, لِذَا, فَهُمَا كَلِمَتانِ خَارِجَتانِ عَنِ الفَصَاحَةِ.

    2- الغَرَابَةُ فِي الاسْتِعمَالِ:

    بِحَيْثُ تَكُونُ الكَلِمَةُ وَحشِيَّةً لَا يَتَّضِحُ مَعْنَاهَا إلَّا بَعْدَ النَّظَر فِي كُتُبِ اللُّغَةِ.

    فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عِيسى بنِ عمرَ النَّحْويِّ أنَّه سَقَطَ عَنْ حِمَارٍ فاجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ: مَا لَكُمْ تَكَأْكَأْتُم عَليَّ تَكَأْكُؤَكُم عَلَى ذِي جِنَّةٍ؟! افْرَنْقَعُوا عَنَّي!6

    وَمَعْنَى هَذَا الكَلامِ:
    مَا لَكُم اجتَمَعْتُم عليَّ اجتِمَاعَكُم عَلَى مَجْنُونٍ؟ تَنَحَّوا عنّي! فالكلمتان: "تَكَأْكَأَ - افْرَنْقَعَ" كلمتَانِ خَارِجَتَانِ عَنِ الفَصَاحَةِ لِغَرابَتِهِما.

    وَمِنْ ذَلِكَ أيْضاً استِخْدامُ كَلِمة "عُسْلُوج" بَدَلَ "غُصْنٍ" و "حَقَلَّدٍ" بَدَلَ "البَخِيلِ".

    3- مُخَاَلفَةُ القياسِ:

    أيْ مخَالَفتَها لِقَواعِدِ القِيَاسِ الصَّرفيِّ

    وَمِثَالُ ذَلِكَ:
    قَوْلُ أبِي النَّجْمِ7:
    الحَمْدُ للهِ العَلِيِّ الأجْلَلِ الواحِدِ الفَردِ القَدِيمِ الأوَّلِ


    17

    فَكَلِمَةُ "الأَجْلَلِ" هُنَا خَرَجَتْ عَنِ القِيَاسِ, إذِ الصَوَابُ أنْ يُقالَ: "الأجلّ" بالإدْغَامِ, ولا مسوِّغَ لِفَكِّهِ.

    4- الكَرَاهَةُ فِي السَّمْعِ

    بِأَنْ تَكُونَ الكَلِمَةُ مَمْجُوجَةً، يَنْفِرُ مِنْهَا السَّامِعُ, كَقَولِ المُتَنَبي:
    مُبارَكُ الاِسمِ أَغَرُّ اللَقَبْ كَريمُ الجِرِشّى شَريفُ النَسَبْ

    فَكَلِمَةُ الجِرِشَّى كَلِمَةٌ تَستَثقِلُهَا الأَسْمَاعُ, لِذَا هِي كَلِمَةٌ خَارِجَةٌ عَنِ الفَصَاحَةِ.

    فَصَاحَةُ الكَلَامِ:
    8
    وَلِكَي يَكُونَ الكَلامُ فَصِيحاً, يَجِبُ أنْ يَخْلوَ مِنَ العُيُوبِ التَّالِيةِ:
    1- ضَعْفُ التَّألِيفِ, وَعَدَمُ التِزَامِ القَواعِدِ الُّلغَويَّةِ فِيهِ، وَمِثَالُ ذَلِكَ, نَصْبُ الفِعْلِ المُضَارِعِ بِلاَ نَاصِبٍ نَحوُ:9
    انظُرَا قَبْلَ تَلُومَانِي إِلَى طَلَلٍ بَيْنَ النَّقَا والمُنْحَنَى

    وَمِنْهُ كَذَلِكَ: "ضَرَبَ غُلامُهُ زَيداً"
    هنَا يُريدُ القائِلُ أنْ يَقولَ: "إنَّ زَيداً ضَرَبَه غلامُه"
    ولكنَّه أَخطأَ فِي تَرتِيبِ الكَلِمَاتِ, فَجَعَلَ الضَّمِيرَ فِي "غُلامُهُ" يَعُودُ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفظاً وَرُتبَةً, وَهَوَ المَفْعُولُ بِهِ "زيداً".

    ورُجُوعُ الضَّمِيرِ إِلى المفعولِ بِهِ المتَأخَّرِ لفْظاً وَرتبَةً, مُمتَنِعٌ عِنْدَ أَهْلِ الُّلغَةِ10.


    18

    2- تَنَافُرُ الكَلِمَاتِ:
    بِحَيْثُ يسبِّبُ اتِّصالُ بعضها ببعضٍ ثِقَلَها على السَّمْعِ، وصُعوبةَ أدائِهَا بالَّلسَانِ، لِكَثْرَةِ الحُرُوفِ المُتَشابِهةِ فِيهَا, وتِكرارِهَا فِي التَركِيبِ الوَاحِدِ، كَقَولِ الشَّاعِرِ:11
    وقبرُ حربٍ بمكانٍ قَفْرُ وليسَ قربَ قبْرِ حربٍ قبرُ

    ومِنْ ذَلِكَ قَولُ أبِي تمَّام:
    كَريمٌ مَتى أَمدَحْهُ أَمدَحْهُ وَالوَرى مَعي، وَمَتى ما لُمتُهُ، لُمتُهُ وَحدي

    فإنَّ فِي قَولِ "أمدَحْهُ" ثقلاً مَا، لِمَا بَيْنَ "الحَاءِ" و"الهَاءِ" مِن تَنَافُرٍ, ولَكِنَّه دُونَ البَيْتِ الأوَّلِ فِي التَّنافُرِ.

    3- التَّعْقِيدُ:

    أنْ لَا يَكونَ الكَلامُ ظاهرَ الدَّلَالَةِ عَلَى المُرادِ بِهِ, وعَدَمُ وُضُوحِ المَعنَى يَرجِعُ إِلَى سَبَبينِ:
    أ- التَّعقِيدُ الَّلفْظيُّ:
    وَهُوَ أنْ تَكونَ الأَلْفاظُ مرتَّبةً لَا عَلَى وفْقِ تَرتِيبِ المَعَانِي, فَيَفسدُ نِظَامُ الكَلَامِ وتَأليفُهُ, بِسَببِ مَا يَحْصَلُ فِيهِ مِنْ تَقْديمٍ وتَأخِيرٍ, كَتَقْديمِ الخَبَرِ عَلَى المبتدَأِ فِي مَكَانٍ يُوجِبُ الَّلْبسَ, أَو فَصْلٍ بَيْنَ المُتلازِمَينِ, كالمُستَثْنَى وَالمُستَثْنَى مِنْهُ, أو المُضَافِ والمُضَافِ إِليْهِ, فَيصبِحُ الكَلَامُ حِينَهَا خَفِيَّ الدَّلَالَةِ عَلَى المَعْنَى المُرادِ, كَقَولِ أَبِى الطَّيِّبِ المُتَنَبِّي:
    أنَّى يكُونُ أبا البَرِيَّةٍ آدَمٌ وأبُوكَ والثَّقَلانِ أنتَ محَمَّدُ؟

    "والوضعُ الصحيحُ أن يقولَ: كيفَ يكونُ آدمُ أبَا البَرِيَّةِ، وَأَبُوْكَ مُحَمَّدٌ، وَأَنْتَ الثَّقَلاَنِ؟ يعنى أَنَّه قد جَمعَ مَا فِي الخَلِيقةِ مِنَ الفَضْلِ والكَمَالِ، فَقَد فَصَلَ


    19

    بَيْنَ المبتدأِ والخَبَرِ, وهُمَا "أبوك محمد"، وقدَّمَ الخَبَرَ عَلَى المُبتدأِ تَقديِماً قَدْ يَدعُو إِلَى الَّلبسِ فِي قولِهِ"والثَّقلانِ أنتَ"، عَلَى أنَّه بَعدَ التَّعسُّفِ لَمْ يَسلَمْ كَلَامُه مِنْ سُخفٍ وهَذَر"12.

    فَالكَلامُ الخَالِي مِنَ التَّعقيدِ الَّلفظيِّ مَا سَلِمَ نَظْمُهُ مِنَ الخَلَلِ, فَلَمْ يَكنْ فِيهِ مَا يُخالفُ الأصْلَ - مِنْ تقديمٍ أوْ تَأخِيرٍ أوْ إضمَارٍ أوْ غيرِ ذَلِكَ - إلَّا وَقَدْ قَامَتْ عَليهِ قَرينةٌ ظَاهِرةٌ - لفْظِيَّةٌ أوْ مَعْنَويَّةٌ -.

    ب- التَّعقِيدُ المَعْنَويُّ: وَهُوَ أنْ يُوضَعَ المَعْنَى فِي مَوضِعٍ لَا يَفهمُ القَارئُ مقصودَ الكاتب مِنْهُ بِشَكلٍ صَحِيحٍ فَلَا يَكونُ انتِقَالُ الذِّهنِ مِنْ المَعنَى الأوَّلِ إِلَى المَعْنَى الثَّانِي - الَّذي هُوَ لازِمُهُ
    والمُرَادُ بِهِ - ظَاهراً, كَقَولِ العبَّاسِ بنِ الأَحْنَفِ13:
    سَأَطلبُ بُعْدَ الدَّارِ عَنْكُم لِتَقرَبُوا وَتَسكُب عيَنَايَ الدُّمُوعَ لتجمُدَا

    كنّى بسكْبِ الدَّمُوعِ عمَّا يُوجبُهُ الفِراقُ مِنَ الحُزنِ, لأنَّ مِنْ شّأنِ البُكاءِ أنْ يكونَ كِنايةً عنْهُ، ثمَّ أخطَأَ حِينَ طَرّدَ ذَلِكَ فِي نَقِيضِهِ، فَأرادَ أنْ يَكنِيَ دَوامَ التَّلاقِي مِنَ السُّرورِ بالجُمودِ, لظنِّهِ أنَّ الجُمودَ هُوَ خلوُّ العَيْنِ مِنَ البكاءِ مطلقاً, مِنْ غَيْرِ اعتبَارِ شيءٍ آخر, ولكنَّه أخطأَ لأنَّ الجمودَ هُوَ خلوُّ العَينِ مِنَ البُكاءِ فِي حَالِ إِرادةِ البكاءِ مِنهَا, أيْ أنْ يكونَ هناك موقفٌ يستدْعِي البُكَاءَ فَلَا يَستطيعُ البكاءَ, فالجُمُودُ فِي الحَقيقَةِ لا يكونُ كِنايةً عَنِ المسرَّةِ, بَل هُوَ كِنايةٌ عَنِ البُخلِ, كَمَا فِي


    20

    قَوْلِ أَحَدِ الشُّعراءِ14- وقَدْ أَجَادَ فِي وَضْعِ كَلِمَةِ "الجمود" في مكانِهَا الصَّحِيحِ-:أَلَا إنَّ عَيْناً لَمْ تَجُدْ يومَ واسطٍ عليكَ بِجَارِي دمعِهَا لَجَمُودُ

    4- تَعَاقُبُ الأدَوَاتِ:

    أ- مجيءُ بعضِهَا إِثْرَ بعضٍ, مَا يَجْعلُ الكلامَ ثَقيلاً، ومِثالُ ذَلِكَ قولُ أبِي تمَّامَ:
    كأنَّه فِي اجتِمَاعِ الرُّوحِ فِيهِ لَهُ فِي كلِّ جَارِحةٍ مِنْ جِسْمِهِ رُوحُ

    فمجيءُ "في" بَعْدَ "لَهُ", أورَثَتْ فِي البيتِ ثِقلاً جَعَلَ الِّلسَانَ يَتَعَثَّرُ عِنْدَ النُّطْقِ بِهِمَا.

    ب- كَثرةُ التَّكرَارِ, وتَتَابُعُ الإِضَافَاتِ الَّذي يَجعلُ الكَلامَ ثَقيلاً, وَمثَالُ كَثرةِ الإضَافَاتِ, قولُ ابنِ بَابَك
    15:
    حَمَامَةَ جَرعَى حَوْمَةِ الجَنْدَلِ اسجَعِي فَأنْتِ بِمرأَى مِنْ سعادَ ومَسْمَعِ16

    مُلاحظةٌ:
    إنَّ كَثرةَ التَّكْرارِ, وتَتَابعَ الإِضَافَاتِ, إذَا أفضَتْ بالَّلفْظِ إِلَى الثِّقلِ عَلَى الِّلسَانِ فَقَدْ خَرَجَتْ عَنِ الفَصَاحةِ, وإلَّا فَلَا يُخلُّ التَّكرَارُ بالفَصَاحَةِ.
    فَصَاحَةُ المُتَكَلِّمِ:
    وأمَّا فَصَاحَةُ المُتَكَلِّمِ فَهِيَ: مَلَكَةٌ يُقتدرُ بِهَا عَلَى التَّعبِيرِ عَنِ المَقصُودِ بِلفظٍ فَصِيح.


    21

    القواعد الرئيسة
    - الفَصَاحَةُ هِيَ الأَلفَاظُ البَيِّنةُ الظَّاهِرَةُ المُتَبَادِرةُ إِلَى الفَهْمِ، والمَأْنُوسَةُ الاسْتِعْمَالِ.

    - تَقَعُ الفَصَاحَةُ وَصْفاً لِلكَلِمَةِ أو الكَلَامِ والمُتَكَلِّمِ.

    - يَنْبَغِي تَوَافُرُ شُرُوطٍ فِي الَّلفْظَةِ الوَاحِدةِ حَتَّى تَكُونَ فَصِيحَةً:

    1- تَنَافُرُ الحُرُوفِ.
    2- الغَرَابَةُ فِي الاسْتِعمَالِ17.
    3- مُخَاَلفَةُ القياسِ18.
    4- الكَرَاهَةُ فِي السَّمْعِ.

    - لِكَي يَكُونَ الكَلامُ فَصِيحاً, يَجِبُ أنْ يَخْلوَ مِنَ العُيُوبِ التَّالِيةِ:

    1- ضَعْفُ التَّألِيفِ19.
    2- تَنَافُرُ الكَلِمَاتِ20.
    3- التَّعقِيدُ الَّلفْظيُّ والمَعْنَويُّ21.
    4- تَعَاقُبُ الأدَوَاتِ.
    تمارين
    1- عرّف الفصاحةَ لغةً واصطلاحاً؟

    2- متى تكون الكلمةُ فصيحةً؟

    3- عدّد شروطَ فصاحةِ الكلمة وهاتِ مثالاً على كلٍّ منها.


    4- متى يكون الكلام فصيحاً ؟.


    5- اذكر الوجه في عدم بلاغة قول الفرزدق:

    وما مثلُهُ في الناس إلا مُمَلَّكاً أبو أمِّه حيٍّ أبوه يقارِبُه

    6- التعقيدُ نوعان اذكرهما وهاتِ مثالاً على كلّ نوع.


    7- ما هي مخلّات الفصاحة في الأمثلة التالية؟

    أ- فلا يُبْرمُ الأمرُ الّذي هو حالِلُ ولا يُحْلَلُ الأمرُ الّذي هو يَبْرِمُ.
    ب- خَلَتِ البلادُ من الغزالةِ ليلُها فأعاضهاك‏ الله كي لا تحْزَنا.
    ج- أنّى يكونُ أبا البرايا آدمُ وأبوك والثقلانُ أنت محمدُ.
    د- ومن جاهلٍ بي وهو يجهل جهلَهُ ويجهل علمي أنّه بي جاهلُ.
    هـ- ولم أر مثل جـيراني ومثلي مثلهم مقام لمثلي عنـد.
    و- وتسعدني في غمرة بعد غمرة سبوح لها منها عليها شواهد.
    ز- وازْور من كان له زائر وعاف عافي العُرف عرفانه.
    للمطالعة
    كلام ابن أبي الحديد في فصاحة أمير المؤمنين عليه السلام:
    "... واعلم أنّنا لا يتخالجنا الشكّ في أنّه عليه السلام أفصح من كلّ ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين، إلّا من كلام الله سبحانه، وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأنّ فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما: مفردات الألفاظ ومركّباتها. أمّا المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية ولا معقّدة، وألفاظه عليه السلام كلّها
    كذلك، فأمّا المركّبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام، واشتماله على الصفات الّتي باعتبارها فُضّل بعض الكلام على بعض، وتلك الصفات هي الصناعة الّتي سمّاها المتأخّرون البديع، من المقابلة، والمطابقة، وحسن التقسيم، وردّ آخر الكلام على صدره، والترصيع، والتسهيم، والتوشيح، والمماثلة، والاستعارة، ولطافة استعمال المجاز، والموازنة، والتكافؤ، والتسميط، والمشاكلة. ولا شبهة أنّ هذه الصفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه، مبثوثة متفرّقة في فرش كلامه عليه السلام، وليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره، فإن
    كان قد تعمّلها وأفكر فيها، وأعمل رويّته في رصفها ونثرها، فلقد أتى بالعجب العجاب، ووجب أن يكون إمام الناس كلّهم في ذلك، لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله، وإن كان اقتضبها ابتداء، وفاضت على لسانه مرتجلة، وجاش بها طبعه بديهة، من غير رويّة ولا اعتمال، فأعجب وأعجب! وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجلياً والفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره. وبحقّ ما قال معاوية لمحقن الضبيّ، لمّا قال له: جئتك من عند أعيا الناس: يا بن اللخناء ألعليٍّ تقول هذا؟ وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره!؟. واعلم أنّ تكلّف الاستدلال على أنّ الشمس مضيئة يُتعب، وصاحبه منسوب إلى السفه، وليس جاحد الأمور المعلومة علماً ضرورياً بأشدّ سفهاً ممّن رام الاستدلال بالأدلّة النظريّة عليها"22.
    هوامش
    1- ويستعمل بعض علماء البلاغة بين "البلاغة والفصاحة" استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحد في تسوية الحكم بينهما، ومن هؤلاء العسكري في "الصناعتين"، والفخر الرازي في "نهاية الإيجاز" ويشهد لذلك قول الجوهري في "الصحاح": الفصاحة البلاغة. على أن معظمهم يرى أن الفصاحة: صفة للفظ، وأن البلاغة: صفة للمعنى مع اللفظ، والمعنى أن الكلام لا يكون بليغا إلا إذا كان فصيحا في الوقت نفسه. فلا بد لأيّ كلام بليغ أن تكون ألفاظه فصيحة، وقد يكون الكلام فصيحاً وهو غير بليغ إذا لم تتناسب الكلمات الفصيحة مع المقام الذي قيلت فيه.
    2- سورة القصص، الآية: 34.
    3- العامة من الناس: خلاف الخاصة، والعاميُّ المنسوب إلى العامة. ومن الكلام: ما نطق به العامة على غير سنن الكلام العربي.
    4- قال الخليل في كتابه العين: سمعت كلمة شنعاء لا تجوز في التأليف الرباعيّ. سئل أعرابي عن ناقته فقال: تركتها ترعى الهِعْخِعَ، فسألنا الثقات من علمائهم فأنكروا أن يكون هذا الاسم من كلام العرب. وقال الفذُّ منهم: هي شجرة يتداوى بورقها.
    5- الغدائر: جمع الغديرة، وهي الخصلة من الشَّعر.الاستشزار: الارتفاع.العقيصة: الخُصلة من الشَّعر والجمع عقص وعقائص وعِقاص.
    6- تكأكأتم: اجتمعتم. ذي جِنَّة: جنون. افرنقعوا: انصرفوا
    7- الفضل بن قدامة العجلي، أبو النجم، من بني بكر بن وائل. 130 هـ، 747 م من أكابر الرجّاز ومن أحسن الناس إنشاداً للشعر.نبغ في العصر الأموي، وكان يحضر مجالس عبد الملك بن مروان وولده هشام. قال أبو عمرو بن العلاء: كان ينزل سواد الكوفة، وهو أبلغ من العجاج في النعت.
    8- كريم الجرشّى: أي كريم النفس، والبيت من قصيدة مطلعها:
    فهمت الكتاب ابرَّ الكتب فسمعاً لأمر أمير العربْ

    9- لم اعثر على قائله.
    10- ومن الشواهد على ضعف التأليف قول حسان بن ثابت: "ولو أن مجدا أخلد الدهر واحدا من الناس أبقى مجدُهُ الدَّهْرَ مُطْعِمَا"
    11- لم يعرف قائله.
    12-علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص، ص9، جمعه ورتبه وعلق عليه ونسّقه علي بن نايف الشحود.
    13- العبّاس بن الأحنف بن الأسود، الحنفيّ (نسبة إلى بني حنيفة)، اليماميّ، أبو الفضل. 192 هـ / 807 م شاعر غَزِل رقيق، قال فيه البحتريّ: أغزل الناس، أصله من اليمامة بنجد، وكان أهله في البصرة وبها مات أبوه ونشأ ببغداد وتوفي بها، وقيل بالبصرة. خالف الشعراء في طرقهم فلم يمدح ولم يَهجُ بل كان شعره كله غزلاً وتشبيباً، وهو خال إبراهيم بن العباس الصولي، قال في البداية والنهاية: أصله من عرب خراسان ومنشؤه ببغداد.
    14- أبو عطاء السندي أفلح بن يسار السندي، أبو عطاء. 180 هـ / 796 م شاعر فحل قوي البديهة. كان عبداً أسود، من موالي بني أسد، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية، نشأ بالكوفة، وتشيع للأموية، وهجا بني هاشم، وشهد حرب بني أمية وبني العباس، فأبلى مع بني أمية. قال البغدادي: مات عقب أيام المنصور (ووفاة المنصور سنة 158 هـ) وقال ابن شاكر: توفي بعد الثمانين والمئة. وكانت في لسانه عجمة ولغثة، فتبنى وصيفاً سماه (عطاء) وروّاه شعره، وجعل إذا أراد إنشاء شعر أمره فأنشد عنه، وكان أبوه سندياً عجمياً لا يفصح.
    15- عبد الصمد بن منصور بن الحسن بن بابك، أبو القاسم. 410 هـ /1020 م شاعر مُجِيد مُكْثِر. من أهل بغداد، له (ديوان شعر- خ). طاف البلاد، ولقي الرؤساء، ومدحهم، وأجزلوا جائزته. ووفد على الصاحب بن عباد فقال له: أنت ابن بَابَك؟ فقال: بل أنا ابن بابِك! توفي ببغداد.
    16- جرعى: تأنيث الأجرع، وهي الرملة لا تُنبت شيئا. والجندل: الحجارة. السجع: هديل الحمام.
    17- الغرابة تعرف بكثرة الاطلاع على كلام العرب والاحاطة بالمفردات المأنوسة.
    18- مخالفة القياس تعرف بعلم الصرف.
    19- ضعف التاليف والتعقيد اللفظي يعرفان بعلم النحو.
    20- التنافر يعرف بالذوق السليم والحس الصادق.
    21- التعقيد المعنوي يعرف بعلم البيان.
    22- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 6، ص 278 - 279، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، الناشر دار إحياء التراث العربية، لاد، لاط، لات، فصل في ذكر القبر وسؤال الملكين.





    يتبع

  • #2
    البلاغةُ:
    البَلاغَةُ لُغةً:
    الوصُولُ والانتِهاءُ إِلَى الشيءِ, يُقَالُ: بَلَغَ فُلانٌ مُرادَهُ إذَا انتَهَى إِليهِ. قَالَ تَعالَى:
    ï´؟وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُï´¾1 أيْ: وصَلَ، وبَلَغَ الرَّاكِبُ المَدِينَةَ: إذَا وَصَلَ إِليْهَا، ومَبْلغُ الشَّيءِ: مُنتَهَاهُ.

    البَلاغَةُ اصطلاحاً:
    هِيَ مطابقةُ الكلامِ الفصيح2 لمقتضى الحالِ. أوهِيَ سَوْقُ الكَلامِ الفَصِيحِ عَلَى مقتضَى الحَالِ بِحَسبِ المقَامَاتِ3. ولا تكون البلاغة وصفاً للكلمة.


    27

    بَلاغةُ الكَلامِ4:
    البلاغةُ في الكلامِ: مطابقتُه لما يقتضيه حالُ الخطابِ مَعْ فَصاحةِ ألفَاظهِ "مفردِها ومركَّبِها".

    والكلامُ البليغُ: هو الذي يُصورِّهُ المتُكلِّمُ بصورةٍ تناسبُ أحوالَ المخاطبين.

    وحالُ الخطابِ "ويسمَّى بالمقامِ" هوَ الأمرُ الحاملُ للمتكلِّم على أن يُوردَ عبارتَه على صورةٍ مخصوصةٍ دون أخرى.

    بلاغةُ المتكلِّم
    5:
    هي مَلَكة في النَّفس يقتَدرُ بِهَا صاحبُها عَلَى تَألِيفِ كلامٍ بليغٍ, مُطابقٍ لمقتَضَى الحال، مَع فصاحتهِ في أيِّ معنًى قَصَده، وتِلكَ غَايةٌ لَنْ يَصِلَ إِليْهَا إلاَّ من أحاطَ بأساليبِ العَربِ خُبراً، وعَرَفَ سُننَ تخاطُبهِم في مُنافراتِهِم، ومُفاخَراتِهِم، ومَدِيحِهِم، وَهجائهِم وَشكرهِم، واعتذارهِم، لِيلَبسَ لكلِّ حالةٍ لبُوسَها "ولكلِّ مقامٍ مَقالٌ".

    الغايةُ منَ البلاغةِ:

    تَأدِيَةُ المعنى الجميلِ واضحاً بعبارةٍ صَحِيحةٍ فصيحة ٍ،لهَا فِي النَّفسِ أثرٌ ساحرٌ، مَع مُلاءَمَةِ كلِّ كلامٍ للموطنِ الذي يُقالُ فيهِ، والأشخاصِ الَّذينَ يُخاطَبوُنَ.

    عناصرُ البلاغةِ:

    هي لفظٌ ومعنًى، وتأليفٌ للألفاظ يمنحُها قوةً وتأثيراً وحسناً، ثم دقةٌ في اختيارِ الكَلِماتِ والأساليبِ عَلَى حَسبِ مَواطنِ الكلامِ ومواقِعِهِ، وَمَوضُوعاتِهِ،


    28

    وحالِ السَّامعينَ، والنزعةِ النفسيَّةِ الَّتِي تَتَمَلَّكُهم،وتسيطرُ عَلَى نُفوسِهم.
    أسَاسُ البَلاغةِ:6
    البَلاغةُ فنٌ مِنَ الفُنونِ, يَعتمِدُ عَلَى صَفَاءِ الاستعدادِ الفطريّ ودقَّةِ إدراكِ الجَمَالِ, وتَبينِ الفُروقِ الخفيةِ بينَ صُنوفِ الأسَاليبِ, وللمَرَانَةِ يدٌ لَا تُجْحَدُ فِي تكوينِ الذَّوقِ الفنِّيِّ, وتنشِيطِ المَواهِبِ الفاتِرَةِ, ولَا بُدَّ للطَّالِبِ إِلَى جَانِبِ ذَلِكَ مِنْ قِرَاءةِ طَرائِفِ الأَدَبِ, والتملُّؤِ مِنْ نَمِيرِهِ الفيَّاضِ, ونقدِ الآَثَارِ الأدبيَّةِ والمُوازَنَةِ بَيْنَهَا, وأنْ يَكونَ لَهُ مِنَ الثِّقةِ بِنفسِهِ مَا يَدفعُهُ إِلَى الحُكمِ بِحُسنِ مَا يَرَاهُ حسناً وبقبحِ مَا يَعُدُّه قبيحاً.

    وليسَ هناكَ مِنْ فَرقٍ بَينَ البَلِيغِ والرَّسَامِ إلَّا أنَّ هَذَا يَتَناوَلُ المَسمُوعَ مِنَ الكَلامِ, وذَلِكَ يُشَاكِلُ بَينَ المرئيِّ مِنَ الألوانِ والأشْكالِ, فالرسَّامُ إذَا همَّ برسمِ صورةٍ فَكَّرَ فِي الألوانِ المُلائِمةِ لَهَا, ثمَّ فِي تأليفِ هَذِهِ الألوانِ بِحَيثُ تَخْتَلِبُ الأبصارَ وتُثِيرُ الوجْدانَ, والَبليغُ إذَا أرادَ أنْ يُنشئَ قَصيدةً أو مَقالَةً أو خطبةً فَكَّرَ فِي أجْزائِهَا, ثمَّ دَعَا إليهِ مِنَ الألفَاظِ والأَسالِيبِ أخفَّهَا عَلَى السَّمعِ, وأكثرَهَا اتصَالاً بموضوعِهِ, ثمَّ أقواهَا أثَراً فِي نُفوسِ سَامِعيهِ وأَروعَهَا جَمَالاً.

    بَينَ الفَصَاحَةِ والبَلاغَةِ:

    ربَّ كلمَةٍ حَسُنَتْ فِي مَوطِنٍ ثمَّ كانَتْ نَابِيةً مستكرهةً فِي غَيرِهِ, ورُبَّ كَلامٍ كَانَ فِي نَفسِهِ حَسَناً خَلاَّباً حَتَّى إذَا جَاءَ فِي غَيْرِ مَكانِهِ وسَقَطَ فِي غَيرِ مَسقَطِهِ خَرَجَ عَنِ حَدِّ البَلاغَةِ وكَانَ غَرَضَاً لِسِهامِ النَّاقِدينَ, فَقَدْ كرِهَ الأُدَبَاءُ كَلِمَةَ "أيْضاً" وعَدُّوهَا مِنْ


    29

    ألفاظِ العُلمَاءِ فَلَمْ تَجْرِ بِهَا أقلامُهُم فِي شِعْرٍ أو نَثْرٍ, حَتَّى ظَهَرَ مِنْ بَيْنِهِم مَنْ قَالَ7:
    رُبَّ وَرقاءَ هتوفٍ في الضُحى ذاتِ شَجوٍ صَدَحت في فَنَنِ
    ذكرت إِلفاً ودهراً صالحاً فبكت حزناً وهاجت حَزني
    فبكائي ربما أرَّقَها وبكاها ربما أرَّقَني
    ولقد تشكو فما أفهمها ولقد أشكو فما تفهمني
    غير أنّي بالجوى أعرِفُها وهي أيضاً بالجَوى تعرفُني

    فَوَضَعَ "أيضاً" فِي مَكَانٍ لَا يَتَطَلَّبُ سِوَاهَا ولَا يَتَقبَّلُ غيرَهَا, وكانَ لَهَا مِنَ الرَّوْعَةِ والحُسْنِ فِي نفسِ الأدِيبِ مَا يَعجزُ عنْهَا البَيَانُ.

    ومِنَ الأمثِلةِ الَّتِي تُسَاقُ فِي خُروجِ الكَلَامِ عَنْ حَدِّ البَلاغَةِ, حَتَّى وإنْ كَانَ فِي نَفسِهِ حَسَناً وجَميلاً قَولُ المُتَنَبِي فِي مَطْلَعِ قصيدةٍ مَدَحَ فِيهَا كَافورَ الإخشيديَّ:
    كَفى بِكَ داءً أَن تَرى المَوتَ شافِيا وَحَسبُ المَنايا أَن يَكُنَّ أَمانِيا

    وقولُهُ:

    وَما طَرَبي لَمّا رَأَيتُكَ بِدعَةً لَقَد كُنتُ أَرجو أَن أَراكَ فَأَطرَبُ

    وقولُ أبِي النَّجْمِ لمَّا دَخَلَ عَلَى هِشَام بنِ عَبدِ المَلِكِ:
    حَتّى إِذا الشَمسُ اِجتَلاها المُجتَلي بَينَ سِماطَىْ شَفَقٍ مُهَوِّلِ
    فَهيَ عَلى الأُفقِ كَعَينِ الأَحوَلِ صَغواءَ قَد كادَت وَلَمّا تَفعَلِ8


    30

    وكانَ هِشَامُ أحولَ فأمَرَ بِحَبسِهِ.

    أقسامُ عِلمِ البلاغةِ:

    ينقسمُ علمُ البلاغة إلى ثلاثةِ أقسِامٍ:
    علمُ البيان: وهو علمٌ يعرَف به إيرادُ المعنَى الواحدِ بطُرُقٍ مختلفة ٍفِي وضوحِ الدلالةِ عليهِ.
    علمُ المعاني: وهو علمٌ يعرَفُ به أحوال اللفظ العربيِّ التي بها يطابقُ مقتضَى الحالِ.
    علمُ البديعِ: وهوَ علمٌ يُعرَفُ بِهِ وجوهُ تحسينِ الكلامِ، بَعدَ رِعَايةِ تطِبيقِهِ عَلَى مقتضَى الحالِ ووضوحِ الدلالةِ.

    الهدفُ مِنْ دراسةِ البَلاغَةِ:

    أ- معرفةُ إعجازِ9 القرآن الكريمِ، من جهةِ ما خصَّهُ اللهُ به من جودةِ السبَّكِ، وحُسن الوصفِ، وبَراعةِ التَّراكيبِ، ولُطفِ الإيجاز، وما اشتملَ عليه من سُهولةِ الترَّكيبِ، وجزالةِ كلماتهِ، وعُذوبِة ألفاظهِ وسلامتِها، إلى غير ذلك من محاسنهِ التي أقعدتِ العربَ عن مناهضتِه، وحارتَ عقولهُم أمامَ فصاحتهِ وبلاغتهِ.

    ب- معرفة أسرارِ كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والائمة عليهم السلام فهم أبلغُ البلغاءِ، وأفضلُ من نطقَ بالضادِ، وذلك ليصارَ للعملِ بها، ولاقتفاء أثرهم في ذلكَ.

    ج- الوقوفُ على أسرارِ البلاغةِ والفصاحةِ- في مَنثورِ كلامِ العرب ومنظومِه - كي نحتذيَ حذوهُ، وتننسُجَ على منوالهِ، ونفرِّقَ بين جَيِّدِ الكلام ورديئِهِ.


    31

    القواعد الرئيسة
    البلاغةُ: مُطابَقَةُ الكلامِ لِمَا يقتضيهِ حَالُ الخِطابِ مَع فَصَاحَةِ أَلفَاظِهِ.

    - عَنَاصِرُ البَلاغَةِ, لَفظٌ ومعنىً وتَألِيفٌ للأَلفَاظِ.

    - تَنقسِمُ البَلاغَةٌ إِلَى ثَلاثَةِ أقسَامٍ: علمِ البيانِ وعلمِ المعانِي وعِلمِ البَدِيعِ.

    - الهدفُ مِنْ دِراسَةِ البَلاغَةِ مَعرفةُ إِعجازِ القرآنِ الكَريمِ ومعرِفةُ أسرَارِ كَلَامِ المعصومينَ عليهم السلام والوقوفُ عَلَى أسرَارِ كلامِ العَرَبِ والتفريقُ بَينَ جيِّدِهِ ورَدِيئِهِ.
    تمارين
    1- عرِّف البلاغةَ لغةً واصطلاحاً.

    2- ما الهدف من دراسة البلاغة؟

    3- هل يمكن أن يكون الكلام فصيحاً غير بليغ؟ هاتِ مثالاً.

    4- لماذا كان قول الشاعر أبي النجم غير بليغ؟

    صفراء قد كادت ولما تفعل كأنّها في الافق عين الأحولِ
    للمطالعة
    أمير المؤمنين عليه السلام بلسان خصمه:
    ".... دعا عمرو(بن العاص) غلامه وردان، وكان داهياً مارداً، فقال: ارحل يا وردان، ثمّ قال: احطط يا وردان ثمّ قال: ارحل يا وردان. احطط يا وردان. فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله! أما إنّك إن شئت أنبأتك بما في قلبك، قال: هات ويحك! قال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: عليّ معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، وأنت واقف بينهما، قال: قاتلك الله ! ما أخطأت ما في قلبي، فما ترى يا وردان؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدِّين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك. قال: الآن لمّا أشهرت العرب سيري إلى معاوية! فارتحل وهو يقول:

    يا قاتل الله وردانا وقدحته
    لمّا تعرّضت الدنيا عرضت لها
    نفس تعفّ وأخرى الحرص يغلبها
    أما علي فدين ليس يشركه
    فاخترت من طمعي دنيا على بصر
    إنّي لأعرف ما فيها وأبصره
    لكن نفسي تحبّ العيش في شرف
    أبدى لعمرك ما في النفس وردان
    بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان
    والمرء يأكل تبناً وهو غرثان
    دنيا وذاك له دنيا وسلطان
    وما معي بالّذي أختار برهان
    وفيّ أيضاً لما أهواه ألوان
    وليس يرضى بذل العيش إنسان
    فسار حتّى قدم على معاوية، وعرف حاجة معاوية إليه، فباعده من نفسه، وكايد كلّ واحد منهما صاحبه. فقال له معاوية يوم دخل عليه: أبا عبد الله، طرقتنا في ليلتنا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر، قال: وما ذاك؟ قال: منها أنّ محمّد بن أبي حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفّات هذا الدِّين. ومنها أنّ قيصر زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام. ومنها أنّ عليّاً نزل الكوفة، وتهيأ للمسير إلينا. فقال عمرو: ليس كلّ ما ذكرت عظيماً، أمّا ابن أبي حذيفة، فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه رجلاً يقتله أو يأتيك به، وإن قاتل لم يضرّك. وأمّا قيصر فأهد له الوصائف وآنية الذهب والفضّة، وسله الموادعة فإنّه إليها سريع. وأمّا عليّ فلا والله يا معاوية، ما يسوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإنّ له في الحرب لحظّاً ما هو لأحد من قريش، وإنّه لصاحب ما هو فيه إلّا أن تظلمه. هكذا في رواية نصر بن مزاحم عن محمد بن عبيد الله. وروى نصر أيضاً عن عمر بن سعد قال: قال: معاوية لعمرو: يا أبا عبد الله، إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الّذي عصى الله وشقّ عصا المسلمين، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة، وفرّق الجماعة وقطع الرحم، فقال عمرو: من هو؟ قال: عليّ قال: والله يا معاوية ما أنت وعليّ بحملي بعير، ليس لك هجرته ولا سابقته، ولا صحبته ولا جهاده، ولا فقهه ولا علمه. ووالله إنّ له مع ذلك لحظّاً في الحرب ليس لأحد غيره، ولكنّي قد تعوّدت من الله تعالى إحساناً وبلاء جميلاً، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك، فقال: مصر طعمة. فتلكّأ عليه معاوية. قال نصر: وفي حديث غير عمر بن سعد: فقال له معاوية: يا أبا عبد الله، إنّي أكره لك أن تتحدّث العرب عنك أنّك إنّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا، قال عمرو: دعني عنك، فقال معاوية: إنّي لو شئت أن أُمنّيك وأخدعك لفعلت، قال عمرو: لا، لعمر الله ما مثلي يخدع، لأنا أكيس من ذلك، قال معاوية: أدن منّي أسارّك، فدنا منه عمرو ليسارّه، فعضّ معاوية أذنه، وقال: هذه خدعة! هل ترى في البيت أحداً ليس غيري وغيرك!"10.
    هوامش
    1- سورة يوسف، الآية: 22.
    2- البلاغة أخص والفصاحة أعم.
    3- قيل لبشار: إنك لتجيء بالشيء الهجين المتفاوت، قال: وما ذاك؟ قال قلت: بينما تقول شعراً تثير به النقع وتخلع به القلوب، مثل قولك:
    إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما
    إذا ما أعرنا سيداً من قبيلة ذُرى منبرٍ صـلى عـلـينـا وسـلـمـا
    تقول:
    ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيتِ
    لها عشر دجاجات وديكٌ حسن الصوتِ
    فقال: لكل وجه وموضع، فالقول الأول جد، وهذا قلته في ربابة جارتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة هذه لها عشر دجاجات وديك فهي تجمع لي البيض وتحفظه عندهاً، فهذا عندها من قولي أحسن من: قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل عندك.
    ابي الفرج الاصفهاني، الأغاني، ج3، ص 114، بيروت، دار احياء التراث.

    4- الخطيب القزويني، الإيضاح في علوم البلاغة، ص11، الناشر دار الكتاب الاسلامي - بيروت، مطبعة أمير - قم، 1411هـ - 1990م.
    5- م. ن، ص14.
    م. ، ص11.

    6- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص10.
    7- أبو بكر الشبلي, دلف بن جحدر الشبلي. 247 - 334 هـ / 861 - 946 م, ناسك، كان في مبدأ أمره والياً في دنباوند (من نواحي رستاق الري)، وولي الحجابة للموفق العباسي, وكان أبوه حاجب الحجاب ثم ترك الولاية وعكف على العبادة، فاشتهر بالصلاح.
    له شعر جيد، سلك به مسالك المتصوفة، أصله من خراسان، ونسبته إلى قرية (شبلة) من قرى ما وراء النهر، مولده بسر من رأى، ووفاته ببغداد، اشتهر بكنيته، واختلف في اسمه ونسبه، فقيل (دلف بن جعفر) وقيل (جحدر بن دلف) و(دلف بن جعترة) و(دلف ابن جعونة) (وجعفر بن يونس).

    8- ويروى ايضا بهذه الكيفية: "صفراء قد كادت ولما تفعل كأنها في الافق عين الاحول".
    9- روى أن الوليد بن المغيرة قال لبني مخزوم: والله، لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى، فقالت قريش: صبأ والله الوليد، والله لتصبأن قريش كلهم.
    10- ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 63 - 65.




    يتبع

    تعليق


    • #3
      معنى الأسلوبِ1:
      هو المعنى المَصُوغُ في ألفاظٍ مؤلَّفةٍ على صورةٍ تكون أقربَ لنيل الغرضِ المقصود من الكلامِ، وأفعلَ في نفوسِ سامعيهِ.
      أنواعُ الأسلوبِ: ينقسمُ الأسلوبُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:أسلوبٌ علميٌّ, وأسلوبٌ أدبيٌّ, وأسلوبٌ خطابيٌّ.

      1- الأسلوبُ العلميُّ:

      وهو أهدَأُ الأساليبِ، وأكثرُها احتياجاً إلى المنطقِ السَّليمِ، والفكرِ المُستقيم، وأبعدُها عن الخيال الشِّعْرِي, لأنه يخاطبُ العقلَ، ويُناجي الفكرَ، ويَشْرَحُ الحقائق العلميَّةَ التي لا تخلو من غموضٍ وخفاءٍ.

      وأظهَرُ ميزاتِ هذا الأسلوبِ "الوُضُوحُ"، فيجبُ أن يُعنَى فيه باختيارِ الألفاظِ الواضحةِ الصريحةِ في معناها،الخاليةِ من الاشتراكِ، وأنْ تُؤَلَّفَ هذه الألفاظُ في سُهولةٍ وجلاءِ، حتى تكون ثَوباً شفَّافاً للمعنَى المقصودِ.

      أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ العلميِّ:

      1- هدفُه إظهارُ الحقائقِ وكشفُها للسامعِ أو القارئِ.


      37

      2- يمتازُ بالوضوحِ والدقةِ والتحديد، والترتيبِ المنطقيِّ.
      3- يمتازُ باستخدام الأدلةِ والبراهينَ، والبعدِ عن المبالغةِ.
      4- يمتازُ بالابتعادِ عن الخيالِ والعاطفة.
      5- تتخللُه مصطلحاتٌ علميةٌ متصلةٌ بالموضوع الذي يتناولهُ.

      مثالُ الأسلوبِ العلميِّ:

      وصفُ البركةِ في القصر:
      "وفي فناءِ القصر بركةٌ كبيرة، يزيدُ اتساعها عن مائة متر طولاً في مثلِها عرضاً، وحولَها سورٌ متوسطُ الارتفاعِ، يستطيعُ الإنسانُ أن يجلسَ على حافتهِ، ويرى ماءَ البركةِ الذي يتدفقُ إليها بشدةٍ من النهرِ المجاور، وهو ماءٌ صافٍ،لا يحجبُ قرارَ البركةِ عن العينِ".


      نوعا الأسلوبِ العلميِّ:

      ينقسم الأسلوب العلمي الى قسمين:
      1- أسلوبٌ علميٌّ بحتٌ: وهو الذي يُعنَى بعرضِ الحقائقَ العلميةِ دون انصرافٍ إلى جمالِ اللفظ، أو أناقةِ التعبيرِ.

      مثالُ الأسلوبِ العلميِّ البحتِ:

      "الثعابينُ زواحفُ معروفةٌ، تمتازُ باستطالةِ جسمِها وخلوِّهِ من الأطرافِ، وهيَ كثيرة الانتشارِ في جميع أنحاءِ المعمورةِ، ولا تخلو منها بقعةٌ في العالم إلا نيوزيلندة، وبعضُ الأجزاء الأخرى".

      2- أسلوبٌ علميٌّ متأدبٌ:
      وهو الذي يضعُ الحقائقَ العلميةَ في عبارةٍ لا تخلو من أناقةٍ في اختيارِ ألفاظِها، وإنْ كانتْ لا تصلُ في ذلك إلى الأسلوبِ الأدبيِّ.


      38

      مثالُ الأسلوبِ العلميِّ المتأدِّبِ:
      يقولُ أميرُ المؤمنينَ عليه السلام في وصفِ الطَّاووسِ: "... تَخالُ قَصَبَهُ مَدَارِيَ مِنْ فِضَّةٍ وَ مَا أُنْبِتَ عَلَيْهَا مِنْ عَجِيبِ دَارَاتِهِ وَ شُمُوسِهِ خَالِصَ الْعِقْيَانِ وَفِلَذَ الزَّبَرْجَدِ فَإِنْ شَبَّهْتَهُ بِمَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ2 قُلْتَ جَنًى3 جُنِيَ مِنْ زَهْرَةِ كُلِّ رَبِيعٍ وَإِنْ ضَاهَيْتَهُ بِالْمَلَابِسِ فَهُوَ كَمَوْشِيِّ الْحُلَلِ أَوْ كَمُونِقِ عَصْبِ الْيَمَنِ4وَإِنْ شَاكَلْتَهُ بِالْحُلِيِّ فَهُوَ كَفُصُوصٍ ذَاتِ أَلْوَانٍ قَدْ نُطِّقَتْ بِاللُّجَيْنِ الْمُكَلَّلِ5 يَمْشِي مَشْيَ الْمَرِحِ الْمُخْتَالِ6وَ يَتَصَفَّحُ ذَنَبَهُ وَ جَنَاحَيْهِ فَيُقَهْقِهُ ضَاحِكاً لِجَمَالِ سِرْبَالِهِ وَ أَصَابِيغِ وِشَاحِهِ7 فَإِذَا رَمَى بِبَصَرِهِ إِلَى قَوَائِمِهِ زَقَا مُعْوِلًا بِصَوْتٍ يَكَادُ يُبِينُ عَنِ اسْتِغَاثَتِهِ وَ يَشْهَدُ بِصَادِقِ تَوَجُّعِهِ لِأَنَّ قَوَائِمَهُ حُمْشٌ كَقَوَائِمِ الدِّيَكَةِ الْخِلَاسِيَّةِ8 وَ قَدْ نَجَمَتْ مِنْ ظُنْبُوبِ سَاقِهِ صِيصِيَةٌ خَفِيَّةٌ9 وَلَهُ فِي مَوْضِعِ الْعُرْفِ قُنْزُعَةٌ خَضْرَاءُ مُوَشَّاةٌ10وَمَخْرَجُ عَنُقِهِ كَالْإِبْرِيقِ وَمَغْرِزُهَا إِلَى حَيْثُ بَطْنُهُ كَصِبْغِ الْوَسِمَةِ الْيَمَانِيَّةِ11 أَوْ كَحَرِيرَةٍ مُلْبَسَةٍ مِرْآةً ذَاتَ صِقَالٍ12 وَكَأَنَّهُ


      39

      مُتَلَفِّعٌ بِمِعْجَرٍ أَسْحَمَ13 إِلَّا أَنَّهُ يُخَيَّلُ لِكَثْرَةِ مَائِهِ وَشِدَّةِ بَرِيقِهِ أَنَّ الْخُضْرَةَ النَّاضِرَةَ مُمْتَزِجَةٌ بِهِ وَمَعَ فَتْقِ سَمْعِهِ خَطٌّ كَمُسْتَدَقِّ الْقَلَمِ فِي لَوْنِ الْأُقْحُوَانِ أَبْيَضُ يَقَقٌ14 فَهُوَ بِبَيَاضِهِ فِي سَوَادِ مَا هُنَالِكَ يَأْتَلِقُ15وَقَلَّ صِبْغٌ16 إِلَّا وَقَدْ أَخَذَ مِنْهُ بِقِسْطٍ وَعَلَاهُ بِكَثْرَةِ صِقَالِهِ وَبَرِيقِهِ وَبَصِيصِ دِيبَاجِهِ وَرَوْنَقِهِ17 فَهُوَ كَالْأَزَاهِيرِ الْمَبْثُوثَةِ18 لَمْ تُرَبِّهَا أَمْطَارُ رَبِيعٍ وَلَا شُمُوسُ قَيْظٍ19 وَقَدْ يَنْحَسِرُ مِنْ رِيشِهِ وَ يَعْرَى مِنْ لِبَاسِهِ فَيَسْقُطُ تَتْرَى20وَيَنْبُتُ تِبَاعاً فَيَنْحَتُّ مِنْ قَصَبِهِ انْحِتَاتَ أَوْرَاقِ الْأَغْصَانِ21 ثُمَّ يَتَلَاحَقُ نَامِياً حَتَّى يَعُودَ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ سُقُوطِهِ لَا يُخَالِفُ سَالِفَ أَلْوَانِهِ وَلَا يَقَعُ لَوْنٌ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ وَ إِذَا تَصَفَّحْتَ شَعْرَةً مِنْ شَعَرَاتِ قَصَبِهِ أَرَتْكَ حُمْرَةً وَرْدِيَّةً وَتَارَةً خُضْرَةً زَبَرْجَدِيَّةً وَأَحْيَاناً صُفْرَةً عَسْجَدِيَّةً"22.
      2- الأسلوبُ الأدبيُّ:
      الجمالُ أبرزُ صفاتهِ، وأظهرُ مُمَيزاتهِ، ومنشَأُ جمالِه، لما فيه من خيالٍ رائعٍ، وتصويرٍ دقيقٍ، وتلَمُّسٍ لوجوه الشّبهِ البعيدةِ بينَ الأشياء، وإلباسِ المعنويِّ ثوبَ المحسوسِ، وإظهارَ المحسوسِ في صورةِ المعنويِّ.


      40

      أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ الأدبيِّ:
      1- يثير عاطفةَ السامع أو القارئِ ويؤثِّر في نفسه.
      2- يمتازُ باختيارِ الألفاظ ِوالتأثيرِ فيها.
      3- ويمتازُ بامتزاجِ الفكرةِ بالعاطفةِ والانفعالات.
      4- ويمتازُ بالعنايةِ بصورِ البيانِ من تشبيهٍ واستعارةٍ وكنايةٍ... الخ.
      5- ويمتازُ بالحرصِ على موسيقيةِ العبارةِ، لتصوِّرَ الإحساسَ وتهزَّ المشاعرَ.

      نموذجٌ من الأسلوبِ الأدبيِّ:

      في قصيدةٍ للمتنبي يصوِّرُ فِيهَا الحُمَّى الراجِعَةَ لا كَمَا يَرَاهَا الأَطباءُ أَثراً لجراثيمَ تَدْخلُ الجسمَ، فترفعُ حرارتَهُ، وتُسببُ رِعْدةً وقُشَعْرِيرةً. حتَّى إِذَا فرغتْ نوْبَتُها تَصبَّبَ الجسمُ عَرَقاً.

      ولكنَّه يُصوِّرها كما ترَاهَا في الأَبياتِ الآتية:

      وزَائِرتي كأَنَّ بها حياءً
      بذَلتُ لَها المَطَارف والحَشَايَا
      يضيقُ الجلدُ عَنْ نَفسِي وعنها
      كأَنَّ الصبحَ يطْرُدُها فتجري
      أُراقِبُ وقْتَها مِنْ غَيْرِ شَوْقٍ
      ويصْدُقُ وعْدُهَا والصِّدْقُ شرٌّ
      أَبِنتَ الدَّهْر عِنْدِي كلُّ بنْتٍ
      فلِيْس تَزُورُ إِلاَّ في الظَّلام
      فَعَافتها وباتتْ في عظامي
      فَتُوسِعُهُ بِأَنواعِ السَّقام
      مَدَامِعُها بأَربعة سجام
      مُرَاقَبَةَ المَشُوق الْمُسْتهَام
      إِذا أَلْقاكَ في الكُرَب العِظام
      فكيف وصَلتِ أَنتِ مِن الزِّحامِ
      3- الأسلوبُ الخطابيُّ:
      هنا تَبْرُزُ قوةُ المعاني والألفاظِ، وقوةُ العقلِ الخصيبِ، وهنا يتحدثُ الخطيبُ


      41

      إلى إرادةِ سامعيهِ، لإثارةِ عزائمهِم واستنهاضِ هممهِم، ولجمالِ هذا الأُسلوبِ ووضوحهِ شأْنٌ كبيرٌ في تأْثيره ِ ووصولهِ إلى قرارةِ النفوسِ، ومما يزيدُ في تأْثير هذا الأُسلوبِ منزلةُ الخطيبِ في نفوسِ سامعيهِ، وقوةُ عارضتِه، وسطوعُ حجَّتهِ، ونبَراتُ صوتهِ، وحسنُ إِلقائهِ، ومُحْكَم ُإِشارتهِ.

      أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ الخطابيِّ:

      1- يتميّزُ هذا الأُسلوبِ بالتكرارِ، واستعمالِ المترادفاتِ، وضربِ الأمثالِ.
      2- يختارُ الكلماتِ الجزلةَ، ذاتَ الرنينِ.
      3- تتعاقبُ ضروبُ التعبيرِ، من إِخبارٍ إلى استفهامٍ إلى تعجبٍ إلى استنكارِ...
      4- تظهر فيه مواطنُ الوقفِ قويةً شافيةً للنفسِ.

      مثال على الأسلوبِ الخطابيٍّ:

      خطبة الجهاد لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام:
      ".... أَلَا وَ إِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَيْلًا وَ نَهَاراً وَ سِرّاً وَإِعْلَاناً وَقُلْتُ لَكُمُ اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ فَوَاللهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ فِي عُقْرِ دَارِهِمْ23 إِلَّا ذَلُّوا فَتَوَاكَلْتُمْ وَ تَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ وَ مُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ وَ هَذَا أَخُو غَامِدٍ24 (و(َ قَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ وَ قَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ وَ أَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا 25 وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَ الْأُخْرَى الْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلُبَهَا وَ قَلَائِدَهَا وَ


      41

      رُعُثَهَا26 مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلَّا بِالِاسْتِرْجَاعِ وَ الِاسْتِرْحَامِ27 ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلًا مِنْهُمْ كَلْمٌ وَلَا أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ28 فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيراً، فَيَا عَجَبا عَجَباً - وَاللهِ - يُمِيتُ الْقَلْبَ وَ يَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ فَقُبْحاً لَكُمْ وَ تَرَحاً حِينَ صِرْتُمْ غَرَضاً يُرْمَى يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلَا تُغِيرُونَ وَتُغْزَوْنَ وَ لَا تَغْزُونَ وَ يُعْصَى اللهُ وَ تَرْضَوْنَ.."29.

      42

      القواعد الرئيسة
      - الأسلوب هو المعنى المَصُوغُ في ألفاظٍ مؤلَّفةٍ على صورةٍ تكون أقربَ لنيل الغرضِ المقصود من الكلامِ، وأفعلَ في نفوسِ سامعيهِ.

      - الأسلوبُ ثلاثةُ أنواعٍ: أسلوبٌ علميٌّ,وأسلوبٌ أدبيٌّ, وأسلوبٌ خطابيٌّ.

      - ينقسمُ الأسلوب العلميُّ إلى: أسلوبٌ علميٌّ متأدبٌ, وأسلوبٌ علميٌّ بحتٌ.

      أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ العلمي:

      1- يمتازُ بالوضوحِ والدقةِ والتحديد، والترتيبِ المنطقيِّ.
      2- يمتازُ باستخدام الأدلةِ والبراهينِ، والبعدِ عن المبالغة.
      3- يمتازُ بالابتعادِ عن الخيالِ والعاطفة.

      أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ الخطابيِّ:

      1- من أظهرِ مميزاتِ هذا الأُسلوبِ التكرارُ، واستعمالُ المترادفاتِ، وضربُ الأمثالِ.
      2- اختيارُ الكلماتِ الجزلةِ، ذاتِ الرنينِ.
      3- تعاقبُ ضروبِ التعبيرِ، من إِخبارٍ إلى استفهامٍ إلى تعجبٍ إلى استنكارِ.
      تمارين
      1- وضِّح مفهومَ الأسلوبِ.
      2- بينْ أنواعَ الأسلوبِ.
      3- عددْ أهمَّ خصائصِ الأسلوبِ العلميِّ.
      4- عددْ أهمَّ ميزاتِ الأسلوبِ الأدبيِّ.
      5- عدد أهمَّ خصائص الأسلوبِ الخطابيِّ.
      6- اكتب فقرتين كل واحدة منها مؤلفة من ثلاثة أسطر، تستخدم في الأولى أسلوباً علمياً، وفي الثانية أسلوباً أدبياً، في الحديث عن الشمس؟
      للمطالعة
      زينب عليها السلام بطلة كربلاء.... ببيانها
      عن ابي إسحاق عن خذيمة الاسدي قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام وهو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شدّة المرض: يا أهل الكوفة، إنّكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟! ورأيت زينب بنت عليّ عليه السلام فلم أر والله خَفِرَةً قطّ أنطق منها، كأنّها تنطق وتفرغ على لسان علي عليه السلام، وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثمّ قالت - بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم - أمّا بعد يا أهل الكوفة يا أهل الخَتْل30 والغَدْر، والخَذْل!! ألا فلا رقأت العبرة31 ولا هدأت الزفرة، إنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً32 تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم33 هل فيكم إلّا الصلف34 والعجب، والشنف35 والكذب، وملق الإماء وغمز الأعداء36 أو كمرعى على دِمْنَة37 أو كفضة على ملحودة38 ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون أخي؟! أجل والله فابكوا فإنّكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فقد أبليتم بعارها، ومنيتم بشنارها39 ولن ترحضوا أبداً40 وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم ومقرّ سلمكم، واسى كَلْمِكُم41 ومفزعِ نازلتكم، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم42 ومنار محجّتكم، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم، وساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعساً تعساً! ونكساً نكساً! لقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذِلّة والمَسْكَنَة. (...) ثمّ أنشأت تقولعليها السلام:
      ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ماذا صنعتم وأنتم آخرُ الأممِ
      بأهل بيتي وأولادي وتَكْرمتي منهم أُسَارَى ومنهم ضُرِّجُوا بدم
      ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لكم أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رَحِمي
      إنّي لأخشى عليكم أن يحلَّ بكم مثلَ العذابِ الّذي أودى على إرم

      ثمّ ولّت عنهم43.
      هوامش
      1- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 13.
      2- القصب - جمع قصبة - هي عمود الريش. والمداري - جمع مدرى بكسر الميم - قال ابن الأثير المدرى والمدراة مصنوع من حديد أو خشب على شكل سن من أسنان المشط وأطول منه يسرح به الشعر المتلبد ويستعمله من لا مشط له. والدارات: هالات القمر. والعقيان: الذهب الخالص أو ما ينمو منه في معدنه. وفلذ - كعنب - جمع فلذة بمعنى القطعة. وما أنبت معطوف على قصبه. والتشبيه في بياض القصب والصفرة والخضرة في الريش.
      3- جنى أي مجتنى جمع كل زهر لأنه جمع كل لون.
      4- الموشى: المنقوش المنمنم على صيغة اسم الفاعل. والعصب - بالفتح - ضرب من البرود منقوش.
      5- جعل اللجين - وهو الفضة - منطقة لها. والمكلل: المزين بالجواهر. فكما تمنطقت الفصوص باللجين كذلك زين اللجين بها.
      6- المرح - ككتف - المعجب والمختال الزاهي بحسنه.
      7- السربال: اللباس مطلقا أو هو الدرع خاصة والوشاح نظامان من لؤلؤ وجوهر يخالف بينهما ويعطف أحدهما على الآخر بعد عقد طرفه به حتى يكونا كدائرتين إحداهما داخل الأخرى كل جزء من الواحدة يقابل جزءا من قرينتها ثم تلبسه المرأة على هيئة حمالة السيف، وأديم عريض مرصع بالجواهر يلبس كذلك ما بين العاتق والكشح.
      8- زقا يزقو: صاح، وأعول فهو معول رفع صوته بالبكاء يكاد يبين أي يفصح عن استغاثته من كراهة قوائمه أي ساقيه. حمش - جمع أحمش - أي دقيق. والديك الخلاسي - بكسر الخاء - هو المتولد بين دجاجتين هندية وفارسية.
      9- وقد نجمت أي نبتت من ظنبوب ساقه أي من حرف عظمه الأسفل صيصية وهي شوكة تكون في رجل الديك. والظنبوب - بالضم - كعرقوب عظم حرف الساق.
      10- القنزعة - بضم القاف والزاي - بينهما سكون - الخصلة من الشعر تترك على رأس الصبي وموشاة: منقوشة.
      11- مغرزها: الموضع الذي غرز فيه العنق منتهياً إلى مكان البطن لونه كلون الوسمة وهي نبات يخضب به، أو هي نبات النيل الذي منه صبغ النيلج المعروف بالنيلة.
      12- الصقال: الجلاء.
      13- المعجر - كمنبر -: ثوب تعتجر به المرأة فتضع طرفه على رأسها ثم تمر الطرف الآخر من تحت ذقنها حتى ترده إلى الطرف الأول فيغطى رأسها وعنقها وعاتقها وبعض صدرها وهو معنى التلفع ههنا. والأسجم الأسود.
      14- الأقحوان: البابونج. واليقق - محركا - شديد البياض.
      15- يلمع.
      16- نصيب.
      17- علاه أي فاق اللون الذي أخذه نصيبا منه بكثرة جلائه. والبصيص: اللمعان. والرونق: الحسن.
      18- الأزاهير: جمع أزهار جمع زهر.
      19- لم تربها، فعل من التربية. والقيظ: الحر.
      20- يتحسر هو من حسرة أي كشفه، أي وقد يكشف من ريشه. وتترى أي شيئا بعد شئ.
      21- ينحت: يسقط وينقشر.
      22- ذهبية.
      23- عقر الدار بالضم وسطها وأصلها وتواكلتم وكل كل منكم الأمر إلى صاحبه أي لم يتوله أحد منكم بل أحاله كل على الآخر ومنه يوصف الرجل بالوكل أي العاجز لأنه يكل أمره إلى غيره. وشنت الغارات فرقت عليكم من كل جانب كما يشن الماء متفرقا دفعة بعد دفعة وما كان إرسالا غير متفرق يقال فيه سن بالمهملة.
      24- أخو غامد هو سفيان ابن عوف من بني غامد قبيلة من اليمن من أزد شنوءة بعثه معاوية لشن الغارات على أطراف العراق تهويلا على أهله. والأنبار بلدة على الشاطئ الشرقي للفرات ويقابلها على الجانب الغربي هيت.
      25- جمع مسلحة بالفتح وهي الثغر. والمرقب حيث يخشى طروق الأعداء.
      26- المعاهدة الذمية. والحجل بالكسر خلخالها. والقلب بالضم سوارها. والرعاث جمع رعثة بالفتح ويحرك بمعنى القرط ويروى رعثها بضم الراء والعين جمع رعاث جمع رعثة.
      27- الاسترجاع ترديد الصوت بالبكاء. والاسترحام أن تناشده الرحم.
      28- وافرين تأمين على كثرتهم لم ينقص عددهم والكلم بالفتح الجرح.
      29- ترحا بالتحريك أي هما وحزنا أو فقرا والغرض ما ينصب ليرمى بالسهام ونحوها فقد صاروا بمنزلة الهدف يرميهم الرامون وهم نصب لا يدفعون وقوله ويعصى الله يشير إلى ما كان يفعله قواد جيش معاوية من السلب والنهب والقتل في المسلمين والمعاهدين ثم أهل العراق راضون بذلك إذ لو غضبوا لهموا بالمدافعة.
      30- الختل: الخداع.
      31- رقأت: جفت.
      32- أي: حلته وأفسدته بعد إبرام.
      33- أي: خيانة وخديعة.
      34- الصلف: الذي يمتدح بما ليس عنده.
      35- الشنف: البعض بغير حقّ.
      36- الغمز: الطعن والعيب.
      37- الدمنة: المزبلة.
      38- الفضة: الجص. والملحودة: القبر.
      39- الشنار: العار.
      40- أي لن تغسلوها.
      41- أي: دواء جرحكم.
      42- المدرة زعيم القوم ولسانهم المتكلّم عنهم.
      43- الشيخ الطبرسي، الاحتجاج، ج3، ص159، تحقيق شرح وترجمة أحمد غفاري مازاندراني، الناشر المكتبة المرتضوية لاحياء التراث الجعفري، لاد، لاط، لات.


      يتبع

      تعليق


      • #4
        الدرس الرابع: علم البيان - التشبيه
        أهداف الدرس:
        1- أن يتعرّف الطالب إلى علم البيان في الإصطلاح.
        2- أن يتعرّف الطالب إلى معنى التشبيه.
        3- أن يعدّد الطالب أركان التشبيه.
        4- أن يملك الطالب القدرة على معرفة وتطبيق أركان التشبيه.


        49

        مدخل في التعريف بعلم البيان:
        البيانُ فِي الُّلغَةِ: مَعْنَاهُ الظُهُورُ والوضُوحُ والإِفْصَاحُ، وَمَا تَبيَّنَ بِهِ الشَّيءُ مِنَ الدَّلاَلةِ وغيرِهَا, نَقُولُ بَانَ الشيءُ بياناً: اتّضحَ، فهو بيّنٌ، والجمعُ: أبْيناء.

        والبيان: الفصاحة واللَّسَن1، وكلام بيّن: فصيحٌ، وفلانٌ أبْينُ مِنْ فلانٍ: أفصحُ وأوْضَحُ كلاماً منْهُ.

        وَوَرَدَتْ كلمةُ "البَيَانِ" بدلَالَاتِها الُّلغَويَّةِ فِي آَياتِ القرآنِ الكريمِ, ومنْهَا قولُهُ - تَعَالَى-:
        ï´؟هَذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَï´¾2.

        وقولُهُ - تَعَالَى -:
        ï´؟الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَï´¾3.

        بِهَذَا التعليمِ تَمَيَّزَ الإنسانُ عَنْ كثيرٍ مِن خلقِهِ - تَعَالَى -، وصَارَ ناطقاً مُبِينَاً، يَستطِيعُ أنْ يعبِّرَ عمَّا يخطُرُ بخَاطِرِهِ، ويَجُولُ فِي نفسِهِ مِنَ المَعَانِي، فَيوصِلهَا إِلَى غيَرِهِ مِنَ الَبشرِ، ويَتلقَّاهَا الغَيرُ عَنْهُ، فَيَتمُّ التَفَاهُمُ.

        ثمَّ أَخَذَتْ كلمةُ "البيانِ" دلَالَاتِها الاصطلاحيَةَ فِي مَا بَعدُ فأصبَحَ "البيانُ"


        51

        أحدَ علومِ البَلاغَةِ الثلاثةِ المعروفةِ: "البيانُ والمعانِي والبَديعُ".

        وقَد تَداخَلَ علمُ "البيانِ" بادئَ الأَمرِ مَعْ عِلمِ "المعانِي"، واستوعَبَ بَعضَ مَباحثِهِ لَاحِقاً علومَ البَلاغَةِ كلَّها بعضَ الأَحيانِ.

        وقد عَرَّفَ البيانَ مجموعةٌ مِنَ الأُدَبَاءِ:
        فقال الجاحظ: "والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ الله عزّوجلّ يمدحُه، ويدعو إليه ويحثُّ عليه، بذلك نَطَقَ القُرآنُ، وبذلك تفاخَرَت العَرب، وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم، والبيان اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشَفَ لك قِناعَ المعنى، وهتكَ الحِجَاب دونَ الضمير، حتّى يُفْضِيَ السّامعُ إلى حقيقته، ويَهجُم على محصولِهِ كائناً ما كان ذلك البيانُ، ومن أيِّ جنسٍ كان الدّليل,لأنّ مَدَارَ الأمرِ والغايةَ التي إليها يجرِي القائل والسّامع، إنَّما هو الفَهْمُ والإفهام,فبأيِّ شيءٍ بلغْتَ الإفهامَ وأوضَحْتَ عن المعنى، فذلك هو البيانُ في ذلك الموضع"4.

        وقد عرَّفه الخطيب القزويني بقوله: "علم يُعرَف به إيرادُ المعنى الواحدِ بطرقٍ مختلفةٍ في وضوحِ الدَّلالة عَليهِ"5.

        والبيان كما ترى ينصب على الدلالة، وهي عند المناطقة أنواع:
        أ- دلالة المطابقة: وهي أن يدل اللفظ على المفهوم الذي وُضع له في اللغة من غير زيادة أو نقصان. فهي دلالة وضعيه كدلالة لفظ "البيت" على البيت.
        ب- دلالة التضمن: وهي أن يدل اللفظ على مفهوم يتضمنه مدلوله الأصلي كأن يدل لفظ "البيت" على السقف.
        ج- دلالة الالتزام: وهي أن يدل اللفظ على مفهوم يقتضيه مدلوله الأصلي عقلاً


        52

        أو عرفاً، كأن يدل لفظ "الحائط" على السقف.

        ودلالة التضمن والالتزام دلالتان عقليتان إذ يعتمد فيهما الذّهن على جملة من الوسائط في المرور من مدلول إلى آخر. وهذا المرور أو التجوز كثير في الكلام ولذلك انفرد علم البيان داخل علم البلاغة بدراسة وجوهه. فهو يشتغل بـ "الملازمات بين المعاني"6.

        وسوفَ نحصُرُ الحديثَ عَنْ هَذَا العلمِ فِي موضوعاتٍ, أهمُّهَا: التَّشبِيهُ بأَركانِهِ وأَنواعِهِ، والاستعارةُ بِبعضِ أنواعِها، والمجازُ المرسلُ بعلاقاتِهِ المتعدِّدةِ, والمجازُ العقليُّ, والكنايةُ.

        التشبيه
        تمهيدٌ:

        للتّشبيهِ روعةٌ وجمالٌ، وموقعٌ حسنٌ في البلاغةِ، وذلكَ لإخراجهِ الخفيَّ إلى الجليِّ، وإدنائهِ البعيدَ منَ القريبِ، يزيدُ المعاني رفعةً ووضوحاً، ويكسبُها جمالاً وفضلاً، ويكسوها شرفاً ونُبلاً، فهو فنٌّ واسعُ النطاقِ، فسيحُ الخطوِ، ممتدُ الحواشي، مُتَشعبُ الأطرافِ، مُتوعرُ المسلكِ، غامضُ المدركِ، دقيقُ المجرَى،غزيرُ الجدَوى.

        ومنْ أساليبِ البيانِ أنكَ إذا أردتَ إثباتَ صفةٍ لموصوفٍ، مع التوضيحِ، أو وجهٍ من المبالغةِ، عمدتَ إلى شيءٍ آخرَ، تكونُ هذه الصفةُ واضحةً فيه، وعقدتَ بين الاثنينِ مماثلةً، تجعلُها وسيلةً لتوضيحِ الصفةِ، أو المبالغةِ في إثباتها، لهذا كان التشبيهُ أولَ طريقةٍ تدلُّ عليهِ الطبيعةُ لبيانِ المعنَى.


        53

        تعريفُ التشبيهِ:
        التشبيهُ: لغةً التمثيل ُ، نقول: هذا شبهُ هذا ومثيلُه.
        والتشبيهُ اصطلاحاً: هو مشاركة أمر لأمر في معنى بأدواتٍ معلومةٍ7 أو هو عقدُ مماثلةٍ بينَ أمرينِ أو أكثرَ، قُصِدَ اشتراكهُما في صفةٍ أو أكثرَ، بأداةٍ, لغرضٍ يقصُدهُ المتكلِّمُ للعلمِ، كقول المَعَرِّيّ في الْمَديح:8
        أَنْتَ كالشَّمْسِ في الضِّياءِ وإِنْ جا وَزْتَ كيوانَ فِي عُلُوِّ المكانِ

        حيث عَرَفَ الشاعِرُ أَن مَمْدُوحَه وَضِيءُ الوجهِ مُتَلألئُ الطلعة، فأَراد أن يأْتيَ له بمَثِيل تَقْوَى فيه الصفةُ، وهي الضياءُ والإشراقُ، فلمْ يجدْ أقوَى مِنَ الشَّمسِ، فضَاهَاهُ بِهَا، ولِبيَانِ المضاهاةِ أتَى بالكافِ.

        وكقولِ الشاعرِ:
        كأَنَّ أَخْلاقَكَ فِي لُطْفِها ورقَّةٍ فِيها نَسِيمُ الصَّباحْ

        فقد وجَدَ الشاعرُ أخلاقَ صَدِيقِه دمِثَةً لَطِيفَةً تَرتاحُ لها النفسُ، فَعملَ على أنْ يأْتي لها بنظيرٍ تَتَجَلَّى فيه هذه الصَّفةُ وتَقْوَى، فرأَى أنَّ نسيمَ الصباحِ كذلكَ، فَعَقَدَ المماثلة بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأنَّ".

        ومِنْ هنَا نَرَى فِي كلِّ بيتٍ مِنَ البيتينِ السَّابقينِ أَنَّ شيئاً جُعِلَ مَثِيلَ شيءٍ فِي صفةٍ مشتركةٍ بينهما، وأَنَّ الَّذي دلّ عَلى هَذِهِ المُماثلةِ أَداةٌ هِي الكافُ أَو كأَنَّ، وهَذا ما يُسَمَّى بـ "التشبيهِ"، فَقَد رأَيتَ أَنْ لا بدَّ لهُ من أَركانٍ أَربعةٍ: الشيء الذي يُرادُ تشبيهُهُ ويسمَّى "المشبَّهَ"، والشيء الَّذي يُشَبَّه به ويُسمَّى"المشبَّه به"، والصفةُ المشتركة بَينَ الطَّرفين وتسمَّى "وجه الشَّبَه", و"أداةُ الَّتشبيهِ" وهي الكاف وكأَن ونحوهما.


        54

        أركانُ التشبيهِ:
        1- المُشبَّهُ: هو الأمر ُالذي يُرادُ إلحاقُهُ بغيرهِ، "وقد يكون المشبَّه محذوفاً للعلم به، ولكنَّه يُقَدَّرُ في الإِعرابِ، وهذا التقديرُ بمثابةِ وجودِهِ كَمَا إذا سُئِلت "كيفَ عليٌّ"؟ فقلتَ: "كالزهرة الذابِلةِ" فإِنَّ"كالزهرة" خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: "هو الزهرةُ الذابلةُ"9.

        2- المُشبَّهُ به: هو الأمرُ الذي يُلحَقُ بهِ المشبَّهُ، وهذانِ الركنانِ يسميانِ طرفي التشبيهِ.

        3- وجهُ الشبهِ: هو الوصفُ المشترَكُ بينَ الطرفينِ، ويكونُ في المشبَّهِ به أقوَى منهُ في المشبَّهِ، وقد يُذكرُ وجهُ الشَّبهِ في الكلامِ، وقد يُحذَفُ كما سيأتي توضيحُه10.

        4- أداة ُالتَّشبيهِ11: هي اللفظُ الذي يدلُ على التشبيهِ، ويربطُ المشبَّهَ بالمشبَّهِ به، وقد تُذكرُ الأداةُ في التشبيهِ، وقدْ تحذف.


        55

        القواعد الرئيسة
        البيانُ: أصولٌ وقواعدُ يُعرفُ بِهَا إيرادُ المَعنَى الواحد بطرقٍ مختلفةٍ.

        البيانُ فِي الُّلغَةِ: مَعْنَاهُ الظُهُورُ والوضُوحُ والإِفْصَاحُ، وَمَا تَبيَّنَ بِهِ الشَّيءُ مِنَ الدَّلاَلةِ وغيرِهَا, نَقُولُ بَانَ الشيءُ بياناً: اتّضحَ، فهو بيّنٌ.

        والبيان: الفصاحة واللَّسَن، وكلام بيّن: فصيحٌ، وفلانٌ أبْينُ مِنْ فلانٍ: أفصحُ وأوْضَحُ كلاماً منْهُ.

        ثمَّ أَخَذَتْ كلمةُ "البيانِ" دلَالَاتِها الاصطلاحيَةَ فِي مَا بَعدُ فأصبَحَ "البيانُ" أحدَ علومِ البَلاغَةِ الثلاثةِ المعروفةِ: "البيانُ والمعانِي والبَديعُ".

        تَداخَلَ علمُ "البيانِ" بادئَ الأَمرِ مَعْ عِلمِ "المعانِي"، واستوعَبَ بَعضَ مَباحثِهِ لَاحِقاً، وشَمِلَ علومَ البَلاغَةِ كلَّها بعضَ الأَحيان.

        التَّشبيهُ: هو مشاركةُ أمرٍ لأَمرٍ فِي مَعنَى بأدواتٍ معلومةٍ.

        أركانُ التَّشبيهِ أربعةٌ:
        المُشَبَّهُ، والمشُبَّهُ بهِ، "ويُسَمَّيان طَرَفَي التَّشبيهِ"، وأَداةُ التَّشْبيهِ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ، وَيَجبُ أَنْ يَكُونَ أَقْوَى وَأَظْهَرَ فِي الْمُشبَّهِ بهِ مِنْهُ فِي الْمُشَبَّهِ.
        تمارين
        1- عرّف علم البيان في اللغة والاصطلاح.

        2- عرّف التشبيهَ لغةً واصطلاحاً وهاتِ مثالاً عليه.

        3- عدّد أركانَ التشبيهِ مع التمثيل.

        4- بَيِّنْ أَركان التشبيه فيما يأتي:

        أ- أَنْت كالبحْر في السَّماحةِ والشَّمْـ ـسِ عُلُوًّا والْبدْر في الإِشراقِ
        ب- العُمْرُ مِثْلُ الضَّيْفِ أَوْ كالطِيْفِ لِيْس لَهُ إِقامةْ
        ج- كلامُ فلانٍ كالشَّهْدِ في الحلاوة.
        د- الناسُ كأَسْنان المُشْطِ في الاستواء.

        5- اشرح بإِيجاز قول المتنبي في المديح. وبيِّن جمال ما فيه من التشبيه:

        كالبَدْرِ من حَيثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبَا
        كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبَا
        كالشّمسِ في كَبِدِ السّماءِ وضَوْؤها يَغْشَى البِلادَ مَشارِقاً ومَغارِبَا
        للمطالعة
        مؤلّفات الشيعة في علم البلاغة
        أوّل من وضعه وألّف فيه المرزباني أبو عبد الله محمّد بن عمران الكاتب الخراساني البغدادي يروي عنه السيد المرتضى في أماليه كثيراً قال ابن النديم: آخر من رأينا من الأخباريين المصنّفين واسع المعرفة بالروايات كثير السماع وعدّ من مؤلّفاته كتاب المفصّل في البيان والفصاحة نحو ثلاثمائة ورقة وقال السيوطي في الأوائل: أوّل من صنّف في المعاني والبيان الشيخ عبد القاهر الجرجاني، ولكن المرزباني توفّي 378. والشيخ عبد القاهر الجرجاني توفّي 444 أو 471 فيكون المرزباني أقدم. نصّ على تشيّعه اليافعي في تاريخه وابن خَلِّكَان, فعن اليافعي أنّه أخذ عن ابن دريد وابن الأنباري العلوم الأدبية. قال:وهو صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة ورواية الأدب وصاحب التأليفات الكثيرة ثقة في الحديث قائل بمذهب التشيّع. وقال ابن خَلِّكَان: كان راويةً للأدب صاحب أخبار وتآليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ومائلاً إلى التشيّع في المذهب. وبعده الشيخ ميثم بن علي ابن ميثم البحراني معاصر للسكّاكي صاحب المفتاح وأستاذ السيد الشريف الجرجاني، ينقل عنه الشريف في أوائل فنّ البيان من شرح المفتاح معبّراً عنه ببعض مشايخنا له كتاب تجريد البلاغة في المعاني والبيان ذكره في كشف الظنون. وللمقداد السيوريّ عليه شرح سمّاه تجريد البراعة في شرح تجريد البلاغة. والشيخ عماد الدِّين يحيى بن أحمد الكاشي. له شرح المفتاح للسكّاكي ذكره في كشف الظنون وذكره بعض تلامذة الشيخ عليّ الكركي في رسالته في أسامي علمائنا، وكذا عن صاحب تذكرة المجتهدين من الإماميّة، وذكرا له الشرح المذكور، ولكن صاحب رياض العلماء ظنّ أنّه من علماء أهل السنّة، ولم يستبعد كونه بعينه حسام الدِّين المُؤَذِّني المشهور شارح المفتاح للسكاكي مجهول العصر. وأبو جعفر قطب الدِّين محمّد بن محمّد الرازي الدمشقيّ شارح الشمسيّة والمطالع له شرح المفتاح ذكره في أمل الآمل وتوفّي بصالحية دمشق 766.

        علم البديع: أوّل من أكثر استعمال الأنواع البديعية في شعره إبراهيم بن عليّ بن هرمة الشاعر مادح أهل البيت وشاعرهم أواسط المائة الثانية. ثمّ جمع قدامة بن أعفر الكاتب البغدادي في كتابه نقد الشعر عشرين نوعاً من أنواع البديع قال صفي الدِّين الحلّي في خطبة شرح بديعيته: وكان جملة ما جمع ابن المعتز منها سبعة عشر نوعاً ومعاصره قدامة بن جعفر الكاتب فجمع منها عشرين نوعاً توارد معه على سبعة منها وسلّم له ثلاثة عشر فتكامل لهما ثلاثون نوعاً ثمّ اقتدى بهما الناس في التأليف وقال ابن المعتز في صدر كتابه - على ما حُكِيَ - أنّه ما جمع قبلي فنون الأدب أحد ولا سبقني إلى تأليفه مؤلّف. وحيث أنّ قدامة معاصر له كما سمعت، فلا يُعلم أيّهما السابق. وكيف كان، فقدامة أوّل من ألّف فيه من الشيعة حوالي 310. وأوّل من جعل أنواع البديع في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على وزن قصيدة البُرْدَة وقافيتها صفي الدِّين عبد العزيز بن سرايا الحلّي، فنظم بديعيّته وشرحها وطُبعت مع الشرح، واقتدى به ابن حجّة الحَمَوِيّ والمَوْصِليّ ومحمّد بن جابر الأندلسيّ وغيرهم. والسيّد عليّ خان الشيرازي صاحب السُّلَافة نظم فيه بديعيته وشرحها وطبعت مع الشرح واسمه أنوار الربيع 112012.

        تعليق


        • #5
          الدرس الخامس: أقسام التشبيه
          أهداف الدرس:
          1- أن يتعرّف الطالب إلى أقسام التشبيه.
          2- أن يتذوّق بلاغة صور التشبيه المختلفة.
          3- أن يملك القدرة على تمييز أقسام التشبيه في مواردها.


          61

          أقسامُ التشبيهِ
          تعَرَفْنَا فِي الدَّرسِ السَّابقِ عَلَى مَعنَى البَيَانِ, والتّشبيهِ, وأنَّ التَّشبيهَ لهُ أركانٌ أربعةٌ, ونَريدُ فِي هَذَا الدَّرسِ أنْ نَتَعرَّفَ عَلَى أقسامِ التَّشبيهِ كَمَا ذكرَهَا علماءُ البَيَانِ, ولأنَّ أركانَ التَّشبيهِ ليستْ عَلَى درجةٍ واحدةٍ مِنَ الأهميةِ, فبعضُهَا ضروريٌّ لَا يَقُوم التَّشبيهُ إلَّا بهِ1، وبعضُهَا يمكنُ حذفُهُ والاستغناءُ عَنْ ذكرِهِ, كأداةِ التَّشبيهِ ووجهِ الشَّبهِ, ولأنَّ أمثلَةَ التَّشبيهِ جميعُهَا تَشتَركُ دائماً فِي وجودِ طَرفَي التَّشبيهِ الَّلذين لا يمكنُ حذفُهما في بابِ التَّشبيهِ, فسيكونُ التَمايزُ بَينَ أقسامِ التَّشبيهِ تَبعاً للأداةِ ووجهِ الشَّبهِ مِنْ ذكرٍ أو حذفٍ.

          تقسِيمُ التَّشبيهِ باعتِبارِ أداتِهِ:

          أولاً: نقرأُ قَوْلَه تَعالَى:
          ï´؟اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌï´¾2.

          فِي هذهِ الآيةِ المباركةِ عدةُ تشْبيهَاتٍ نَأخُذُ منْهَا "مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا


          63

          مِصْبَاحٌ" فَنَرَى أنَّ الله - تَعَالَى- قَدْ شبَّهَ نورَه بالمشكاةِ, والمشكاةُ كوةٌ غيرُ نافذةٍ, فيها يُوضَعُ المصباحُ، واستُعِيرتْ لصَدرِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم, وشَبَّه اللطيفةَ القدسيةَ في صدرِهِ صلى الله عليه وآله وسلم بالمصباحِ، فقولُهُ: "كمشكاة فيها مصباح" أيْ كمصبَاحٍ فِي زجاجَةٍ فِي مِشْكاةٍ, وإذَا تَأمَّلنَا هَذَا التَّشبِيهَ, رأيْنَا أنَّ أداةَ التَّشبيهِ قَدْ أُرسِلَتْ فيه, وكلُّ تَشبيهٍ ذُكِرَتْ فيهِ الأداة سُمِّيَ"تشبيها مرسلاً".

          ثانياً:
          نقرأُ قولَ الشاعرِ3: 4 5
          انْتَ نجْمٌ في رِفْعةٍ وضِياءٍ تجْتَليك الْعُيُونُ شَرْقاً وغَرْبا

          يُشبِّهُ الشاعرُ مَمْدوحَهُ بـ "النجمِ في الرفعةِ والضياءِ", ولكنَّهُ لمْ يَذْكرْ أداةَ التَّشبيهِ, فكَانَ التَّشبيهُ أَوجزَ, وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِحذْفِ الأداةِ, وكانَ أيْضاً أبلغَ وأشدَّ وقْعَاً فِي النَّفسِ, وَمَا ذَلِكَ إلَّا لإيهامِهِ بأنَّ المشبَّهَ عينُ المشبَّهِ بِهِ, وَمَا كانَ مِنَ التَّشبِيهِ خالياً مِنْ أداةِ التَّشبِيهِ يُطلقُ عًليه "التَّشبيه المؤكَّد"6.

          ثالثاً:
          قالَ اللهُ - تَعَالَى-:
          ï´؟هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّï´¾7 وَقَالَ: ï´؟وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًاï´¾8.

          يشبِّه اللهُ - تَعَالَى- فِي الآيةِ الأُولَى كلاًّ مِنَ الرَّجُلِ والمرأةِ بالِّلبَاسِ, أيْ المَسكنَ، أوْ مِنَ المُلابَسَةِ, وهِيَ الاختلاطُ والاجتِمَاعُ، ولمَّا كانَ الرجلُ والمرأةُ يَشتَمِلُ كلٌّ منْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ, شُبِّهَ بالِّلباسِ، فالرجُلُ لِباسُ المرأةِ, والمرأةُ


          64

          لبَاسُهُ. وفِي هَذَا التَّشبِيهِ نَجِدُ أنَّ أداةَ التَّشبِيهِ لَا وجودَ لَهَا, وكَذَلِكَ وجهَ الشَّبَهِ. وفِي الآيةِ الثانيةِ يقولُ: إنَّ الجبالَ أُزِيلتْ عَنْ أَماكِنِهَا فَكَانَتْ كالسَّرَابِ يُظَنُّ أنَّها جبالٌ ولَيْسَتْ كَذَلِكَ, ولكنَّنَا لمْ نرَ أثراً ظَاهِراً للأداةِ ووجهِ الشَّبهِ, بَلْ أُهملتِ الأَداةُ الَّتي تدلُّ على أَنَّ المشبَّه أَضعفُ في وجهِ الشَّبَهِ مِنَ المشبَّهِ بِهِ، وأَهملَ ذكرُ وجهِ الشّبهِ الَّذِي ينمُ عَنْ اشتراكِ الطَرَفَينِ فِي صِفَةٍ أوْ صفاتٍ دونَ غيرِهَا. ويسمَّى هَذَا النوعُ "التشبيهَ البليغَ"، وهُوَ مظهرٌ من مظاهرِ البَلاغَةِ, وميدانٌ فسيحٌ لتسابُقِ المُجِيدينَ مِنَ الشُّعراءِ والكتَّابِ"9. وسَببُ هَذِهِ التسميةِ أنَّ ذكرَ الطرفينِ فقط, أي "المشبَّهَ والمشبَّهَ بِهِ"، يوهمُ اتحادَهما، وعدمَ تفاضلهِما، فيَعْلو المشبَّهُ إِلَى مستَوى المشبَّهِ بهِ، وهَذِهِ هِيَ المبالغةُ في قوةِ التشبيهِ.
          صورُ وقوعِ التشبيهِ البليغ:
          يقعُ التشبيهُ البليغُ على الصورِ الآتيةِ:
          1- أنَ يقعَ المشبَّهُ به خبراً، نحو: صدورُ الأحرارِ قبورُ الأسرارِ.
          2- أنَ يقعَ مفعولاً ثانياً في بابِ علمتَ،نحو: علمتُ بذيءَ اللسانِ كلباً عقوراً.
          3- أنَ يقعَ مصدراً مبيِّناً للنوعِ، كقوله تعالى:
          ï´؟وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ...ï´¾10.
          4- أنْ يقعَ حالاً، نحوُ: كرَّ عليَّ أسداً.
          5- أنْ يقعَ مبيِّناً للمشبَّهِ، كقوله تعالى:
          ï´؟وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِï´¾11.
          6- أنَ يقعَ مضافاً إلى المشبَّهِ به، نحوُ: لبسَ فلان ثوبَ العافيةِ.


          65

          فإنَّ "ثوبَ" مشبهٌ بهِ مضافٌ, و"العافيةَ" مشبهٌ مضافٌ إليهِ.

          رابعاً: عَنْ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أنَّهُ قالَ: "أهلُ بيتِي كَسَفِينةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ"12.

          فِي هَذَا الحدِيثِ تشبيهٌ واضِحٌ, وهُوَ تشبيهُ أهلِ البيتِ عليهم السلام بسفينةِ نوحٍ, ولبَيَانِ هَذِهِ المماثلَةِ جَاءَ صلى الله عليه وآله وسلم بالكافِ, وبيَّن ايضاً أنَّ الصِّفَةَ المشتركةَ بَيْنَ الاثنينِ هِيَ النجاةُ فِي حَالِ الرُّكوبِ, والغرقُ فِي حالِ التَّخلُّفِ, يَعنِي أنَّ مَنْ رَكِبَ فِي سفينةِ أهلِ البيتِ عليهم السلام وَسَارَ عَلَى نَهجِهم أمِنَ مِنَ الغَرَقِ, وكُتِبَتْ لهُ النَّجَاةُ, كحَالِ الَّذينَ كانُوا فِي زمَنِ النبيِّ نوحٍ عليه السلام فَمَنْ رَكِبَ فِي سفينتِهِ أمِنَ, ومَنْ تخلَّفَ عنْهَا أدرَكَهُ الغَرقُ. وقَد رأيْنَا هَذَا التَّشبِيهَ قَد بُيِّنَ وفُصِّلَ, ومَا ذَلِكَ إلَّا لِذكْرِ وجهِ الشَّبَهِ فِيهِ, ولِذلكَ سُمِّيَ "التَّشبيهَ المُفصَّلَ".

          فالتَّشبيهُ المُفصَّلُ مَا ذُكِرَ فيهِ وجهُ الشَّبهِ أوْ مَا كانَ لازماً وتَابِعاً لهُ.

          والأولُ: (أيْ مَا ذُكرَ فِيهِ وجهُ الشَّبهِ), كالمثالِ السَّابِقِ.
          والثاني: أيْ (ما كانَ لازماً وتابعاً لهُ), كقولِهِم للكلامِ الفَصِيحِ: "هو كالعسلِ فِي الحلاوةِ". فوجهُ الشَّبهِ ليسَ الحلاوةَ, لعدمِ اشتراكِهِ فِي الطَّرَفَيْنِ, بلْ تابعُها ولازمُها وهوَ ميلُ الطَّبعِ.

          خامساً: يقولُ اللهُ - تَعَالَى-:
          ï´؟وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِï´¾13, وقالَ أيضاً: ï´؟فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍï´¾14 و15.

          فِي الآيةِ الأُولى يُشبِّهُ اللهُ - تَعَالَى- السفنَ فِي البَحْرِ بالجِبالِ الطِّوالِ فِي


          66

          البرِّ, ولكنَّهُ لمْ يَذكُرْ وجْهَ الشَّبَهِ الَّذي هُوَ العظمةُ والارتفاع, وفي الآيةِ الثَّانيةِ يُشبِّهُ حالَ قومِ عادٍ بَعْدَ تَسخِيرِ الرِّياحِ العاتيةِ عَلَيهم بأصولِ النَّخل الَّتي قُلِعتْ فَصَارَتْ نَخِرةً مُتآكِلَةَ الأجوافِ, وهُنَا لمْ يُذكَرْ أيضاً وجهُ الشَّبهِ الَّذي هُوَ الجفافُ واليَبَاسُ والبِلَى, ويُسَمَّى هَذَا النَّوعُ مِنَ التَّشبِيهِ, وهُوَ الَّذي لمْ يُذْكَرْ فِيهِ وجهُ الشَّبهِ تَشبِيهاً مُجْمَلاً.

          تنبيهٌ: بَعْدَ أنْ رَأيْنَا أنَّ اسمَ كلِّ تَشبِيهٍ إنَّمَا يُطلَقُ عَليهِ باعتِبَارِ مَا يُذْكَرُ أوْ يُحذَفُ, فإنَّنَا نَجِدُ أنَّ تشبيهاً واحداً يُحذَفُ منهُ شيءٌ ويُذكَرُ فيهِ شيءٌ, كمَا هُوَ الحَالُ فِي الأَمثلةِ السَّابقةِ, ولِذلكَ نُطلِقُ عَلَى التَّشبِيهِ الواحدِ اسمينِ فِي آنٍ واحدٍ, فَنَقُولُ: مرسلٌ مفصَّلٌ, إذَا مَا ذُكِرتِ الأداةُ ووجهُ الشَّبهِ, ومرسلٌ مجملٌ, إذَا ذُكِرَتِ الأداةُ وحُذِفَ وجهُ الشَّبَهِ, ومُؤكَّدٌ مفصَّلٌ, إذَا حُذِفَتْ الأداةُ وذُكِرَ وجهُ الشَّبَهِ, ولَا نَقُولُ: مؤكَّدٌ مجملٌ فِي التَّشبِيهِ الَّذي حُذِفَ منهُ الأَداةُ ووجهُ الشَّبهِ معاً, لأنَّه اصطُلِحَ عَلَى تسميتِهِ "بليغاً".


          67

          القواعد الرئيسة
          - التشبيهُ الْمُرْسَلُ ما ذُكِرَتْ فِيه الأداةُ.
          - التشبيهُ الْمُؤَكَّد ما حُذِفتْ منهُ الأَداةُ.
          - التشبيهُ الْمُجْمل ما حُذِف منه وجهُ الشبهِ وما يستلزمُه.
          - التشبيهُ الْمُفَصَّلُ ما ذُكِرَ فيه وجهُ الشبهِ أو ملزومُهُ.
          - التشبيه البليغُ ما حُذِفت منهُ الأَداةُ ووَجهُ الشبه.
          - يُطلقُ عَلَى التَّشبِيهِ أكثرُ مِنْ اسمٍ إلَّا فِي البليغِ.
          تمارين
          بيِّن كلَّ نوع من أَنواع التشبيه فيما يأْتي:
          - قال تعالى:
          ï´؟أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍï´¾16.

          - يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنما أنتم كَرَكْب وقوفٍ لا يدرون متى يؤمرون بالسير".

          يقول الشاعر:
          - يا شبيهَ البدرِ حُسْناً وضياءً ومنالا
          - وشبيهَ الغُصنِ لِيناً وقواماً واعتدالا

          ويقول أيضاً:

          - إنما الدنيا بلاءٌ ليس للدنيا ثبوتُ
          - إنما الدنيا كبيتٍ نسجتُه العنكبوتُ
          - إنما يكفيك منها أيها الراغبُ قوتُ

          ويقول اخر:

          - عزماتهُم قُضُبٌ، وفَيْضُ أَكُفِّهِمْ سُحُبٌ، وَبِيضُ وجوهِهِمْ أقمارُ
          للمطالعة
          دور علماء الشيعة في الأدب العربي واللغة العربية17
          ... أمّا في النثر والكتابة والخطابة وأدب الكاتب ونحو ذلك، فكفاهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إمام البلغاء وسيّد الكتّاب والخطباء في خُطَبه وكُتَبه وعهوده ووصاياه وكلماته القصيرة الّتي أعيت الفصحاء وأعجزت البلغاء أن تجاريها، وتعلّم منها كلّ كاتب وخطيب، وتلمّذ عليه فيها شيعته وأتباعه، واقتبسوا، وتعلّموا منها، وحذوا حذوها، ونهجوا نهجها، وارتضعوا من ثديها، وشربوا من منهلها، وإن لم يستطع أحد منهم ولا من غيرهم مباراتها ولا مجاراتها. ولا حاجة بنا إلى الإطناب في وصفها كما قال المتنبيّ:
          وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلا

          وقال بعض البلغاء:
          حفظت كذا وكذا من خطب الأصلع18، فغاضت، ثمّ فاضت (....) وزوجتُهُ الزهراء صاحبة الخُطَب الجليلة بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وابنُهُ الحسن عليه السلام الّذي به اقتدى، وله اقتفى، ومن خُطَبهِ المشهورة خُطْبَتُه بالكوفة بمحضر معاويةَ بعد الصلح، وأخوه الحسين عليه السلام الّذي خطب يوم الطفّ، فلم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقٍ منه، حتّى قال فيه عدوُّه ابن سعد: كلّموه، فإنّه ابن أبيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حُصِرَ. وخُطَبُ الحَسَنَيْنِ عليهما السلام ومواعظُهُمَا وكُتُبهما قد ملأ ذكرُها الأسفارَ واشْتَهرَت اشتهارَ الشمس في رائعةِ النهار. وابنتُهُ زينبُ بنتُ عليٍّ عليه السلام صاحبةُ الخُطَبِ الجليلةِ بالكوفة والشام. وزينُ العابدينَ صاحبُ الخطبِ المعروفة بالكوفة والشام والمدينة بعد قتلِ أبيه والأدعية المشهورة ببلاغتها وفصاحتها في الصحيفة الكاملة الّتي عُرفت بـ "قرآن آل محمّد" وغيرِها. وتلميذُهُ عبد الله بن عبّاس صاحبُ المقامات المشهودة في الخطابةِ والكتابةِ وخُطَبُهُ وكلامه وكتبه أشهرُ من أن تعرف، ومحاوراتُه مع ابن الزُّبَيْرِ وغيرهِ وكتابُه إلى يزيدَ بعد قتل الحسين عليه السلام أقوى شاهدٍ على تقدّمه في البلاغة والبراعة. ولمّا ذكر ابن النديم أسماء الخطباء عدّه فيهم. وغيرهم من خطباء بني هاشم وبلغائهم وغيرهم كالأحنف بن قيس وصعصعةَ بن صَوْحَانَ، عدّه ابن النديم في الخطباء، إلى غير ذلك ممّن يتعذّر استقصاؤهم. ثمّ إن جُلّ كُتّاب الدنيا من الشيعة كأبي الفضل ابن العميد الّذي قيل فيه بُدئت الكتابة بعبدِ الحميدِ وخُتِمَتْ بابن العميد (الذي) كتب كتاباً عن ركن الدولة إلى ابن بلكا لمّا عصى عليه، كان سببَ عَوْدِهِ إلى الطاعة، فناب كتابه ببلاغته وحسن أسلوبه وبيانه وما فيه من ترغيب وترهيب عن الكتائب. وكانت خزانة كتبه الّتي فيها كلُّ علم وكلُّ نوع من أنواع الأدب تحمل على مائة وقْر وزيادة. وابنُهُ أبو الفتح تلميذ أحمد بن فارس وخِرّيجُه. والصاحب بن عبّاد، وله كتاب "الكافي"، رسائل في فنون الكتابة، رتّبها على خمسة عشر باباً، وهي غير "ديوان رسائله" المرتّب على عشرين باباً. وأبو بكر الخوارزمي. وبديع الزمان الهمذاني أوّل من اخترع المقامات وسبق بها الحَرِيريَّ وغيرُهُمْ ممّن مرّ ذكرهم في كتاب الشيعة. وكانوا يَعُدُّون كُتّاب الدنيا في الصدر الأوّل أربعة: عبدَ الحميدِ وابنَ العميدِ والصاحبَ والصابِيَ ونصفُهُم من الشيعة. والصابي وإن لم يكن مسلماً إلّا أنّ الّذين فتحوا لهَاتِهِ بالأدب والكتابة إنّما هم ملوكُ الشيعة. وأبو بكر الصوليّ كان من مشاهيرِ الكُتّاب وله كتاب "أدب الكاتب" على الحقيقة، ذكره ابن النديم.
          هوامش
          1- إن حذف أي من المشبّه والمشبّه به يخرجنا إلى باب آخر من أبواب البيان هو (الاستعارة) كما سيأتي.
          2- سورة النور، الآية: 35.
          3- لم اعثر له على قائل.
          4- تجتليك: تنظر اليك.
          5- جواهر البلاغة.
          6- ومن المؤكدِ ما أضيفَ فيه المشبَّهُ به إلى المشبَّه، كقول الشاعر:
          وَالرِّيحُ تَعبَثُ بِالْغُصُونِ، وقَدْ جَرَى... ذَهَبُ الأَصيلِ عَلى لُجَيْنِ الْمَاءِ
          أي أصيلٌ كالذهبِ على ماءِ كاللجَين.

          7- سورة البقرة، الآية: 187.
          8- سورة النبأ، الآية: 20.
          9- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 25.
          10- سورة النمل، الآية: 88.
          11- سورة البقرة، الآية: 187.
          12- محمد بن الحسن، الحر العاملي: وسائل الشيعة، ج27، ص 34، تحقيق مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث، الناشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لاحياء التراث بقم، دار مهر - قم، ط2، 1414 هـ، باب تحريم الحكم بغير الكتاب والسنة.
          13- الجوار: السفن، الأعلام: جمع علم وهو الحبل الطويل على الأرض. سورة الرحمن، الآية: 24.
          14- كأنهم أصول نخل نخرة.
          15- سورة الحاقة، الآية: 7.
          16- سورة إبراهيم، الآيات: 24-26.
          17- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 184 - 185.
          18- كناية عن أمير المؤمنين عليه السلام، لأنه كان أنزع الشعر.


          يتبع

          تعليق


          • #6
            الدرس السادس: تـَشـْبيهُ التـّمثيلِ
            أهداف الدرس:
            1- أن يتعرّف الطالب إلى تشبيه التمثيل.
            2- أن يدرك نوعي تشبيه التمثيل.
            3- أن يتمكّن من تطبيق وتمييز تشبيه التمثيل.


            73

            تَشْبيهُ التّمثيلِ:
            إِذَا تَأَمَّلْنَا وَجْهَ الشَّبَهِ فِي كُلِّ تشبيهٍ مِنْ التشبيهاتِ الَّتي مرَّتْ معنَا سَابقاً, رَأيْنَا أنَّهُ صِفَةٌ أَو صِفَاتٌ اشتَرَكَتْ بَيْنَ شَيْئَيْنِ لَيْسَ غير, ويُسَمَّى وجْهُ الشَّبَهِ إذَا كَانَ كَذَلِكَ مُفْرَدًا، أمَّا مَا نَحْنُ الآنَ بِصَدَدِهِ مِنْ أَنْوَاعِ التَشْبِيهِ فيَحْتَاجُ مِنَّا إِلى إمْعَانٍ أكبرَ لِنَتَلَمَّسَ طَرَفَيْهِ, ونَتَذَوَّقَ مَعْنَاهُ، ولِنَسْتَوْضِحَ هَذَا النَّوعَ مِنَ التَشْبيهِ نَتَأمَّلُ مَعَاً بتمهُّلٍ قولَ اللهِ - تَعَالَى -:
            ï´؟إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَï´¾1.

            نتأملُ فِي الآيةِ الكريمةِ, فنَجِدُ أنَّ هناكَ تشبِيهَاً, ولكنْ أينَ وجهُ الشَّبَهِ؟ وهلْ أرادَ اللهُ أنْ يُشبِّهَ الحياةَ الدنيا بماءٍ؟ كلَّا, أنَّه لمْ يردْ ذلكَ, بل المرادُ هو التشبيهُ بهيئةٍ مخصوصةٍ, أيْ تشبيهُ حالِ الدنيا فِي نَضَارَتِهَا وبَهْجَتِهَا وَمَا يَتَعَقبها مِنَ الهلاكِ والفناءِ بحالِ النباتِ الحاصِلِ مِنَ المَاءِ, يكونُ أخضرَ ناضراً شديدَ الخضرةِ ثم ييبسُ فتطيِّرُهُ الرِّياحُ كأنْ لمْ يكنْ, فوجهُ الشَّبهِ هنَا صورةٌ لَا


            74

            مفردٌ, وهذِهِ الصورةُ مأخوذةُ او منتزعةُ مِنْ أشياءَ عدَّةٍ, والصورةُ المشتركةُ بَيْنَ الطَّرفينِ هِيَ وجودُ شيءٍ مبهِجٍ يبعثُ الأَمَلَ فِي النُّفوسِ فِي أوَّلِ أمرِهِ ثمَّ لَا يلبثُ أنْ يظهرَ فِي حالٍ تدعُو إِلَى اليأسِ والقنوطِ.

            ولتتضحَ الفكرةُ أكثرَ نتأملُ مثالاً آخرَ من شعرِ أبِي فِراسٍ الحَمْدانيّ2:

            وَالماءُ يَفصِلُ بَينَ زَهـ ـرِ الرَوضِ في الشَطَّينِ3 فَصلا
            كَبِساطِ وَشيٍ جَرَّدَت أَيدي القُيونِ4 عَلَيهِ نَصلا5

            يشبِّهُ أَبو فِراس حال ماء الجدول، وهو يجري بين روضتين على شاطئيه حلَّاهما الزَّهْر ببدائع ألوانه مُنْبثًّا بين الخُضرة الناضرة، بحال سيفٍ لماعٍ لا يزال في بريقِ جدَّته، وقد جرّدَه القُيُونُ على بساطٍ من حريرٍ مُطَرَّزٍ. فأَينَ وجهُ الشبهِ؟ أنظنُّ أَنَّ الشاعر يريد أنْ يَعْقِدَ تشبيهين: الأَولُ تشبيهُ الجدول بالسيفِ، والثاني تشبيهُ الروضة بالبِساط الْمُوَشّى؟ لا، إِنّه لم يرد ذلك، إِنما يريد أَنْ يشبّه صورةً رآها بصورة تخيّلها، يريدُ أنْ يشبِّه حال الجدول، وهو بين الرياض بحالِ السيف فوق البساط الموشَّى، فوجهُ الشبه هنا صورةٌ لا مفردٌ، وهذه الصورةُ مأخوذةٌ أَو مُنْتَزَعَةٌ من أَشياءَ عدَّةٍ، والصورة المشتركةُ بين الطرفين هي وجود بياضٍ مستطيلٍ حوله اخضرار فيه أَلوان مختلفةٌ.

            فهذان التشبيهان اللذان مرّا بنا واللذان رأينا أنَّ وجهَ الشَّبهِ فيهما صورةٌ مكوَّنةٌ من أشياءَ عِدَّةٍ يسمَّى كلُّ تشبيهٍ فيهما تمثيلاً6.


            76

            تشبيهُ التمثيلِ نوعانِ:
            الأولُ: ما كانَ ظاهرَ الأداةِ، نحو قوله تعالى:
            ï´؟مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًاï´¾7، فالمشبَّهُ: همُ الذين حُمّلوا التوراةَ ولم يعقلوا ما بها: والمشبَّهُ به (الحمارُ) الذي يحملُ الكتبَ النافعةَ، دونَ استفادتهِ منها، والأداةُ الكافُ، ووجهُ الشبَّهِ الهيئةُ الحاصلةُ منَ التعبِ في حملِ النافعِ دونَ فائدةٍ.

            الثاني:
            ما كانَ خفيَّ الأداةِ: كقولكَ للذي يتردّدُ في الشيء بينَ أن يفعلَهُ، وألاّ يفعلَهُ (أراكَ تقدِّمُ رِجلاً وتُؤخِّرُ أخرَى)، إذِ الأصلُ أراكَ في ترددكَ مثلَ مَنْ يقدِّم ُرجلاً مرةً، ثم يؤخّرُها مرة ًأخرى، فالأداةُ محذوفةٌ، ووجهُ الشبهِ هيئةُ الإقدامِ والإحجامِ المصحوبينِ بالشَكِّ.

            مواقعُ تشبيهِ التمثيلِ:

            لتشبيهِ التمثيلِ موقعانِ:
            الاول: أنْ يكونَ في مفتتحِ الكلامِ، فيكونَ قياساً موضِّحاً، وبرهانا مصاحِباً، وهو كثيرٌ جدًّاً في القرآن، نحو قوله تعالى:
            ï´؟مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌï´¾8.

            الثاني: ما يجيءُ بعد تمامِ المعاني، لإيضاحِها وتقريرِها، فيُشبهُ البرهانَ الذي تثبتُ بهِ الدَّعوى، نحو قول الشاعر لبيد9:


            77

            وما المالُ والأَهْلوُنَ إلاّ وَدائِعٌ ولا بدَّ يوماً أَنْ تُرَدَّ الوَدائِعُ

            ونحو قول الشاعر10:
            لا يَنزِلُ المَجدُ إِلّا في مَنازِلنا وَمَنزل المَجد آل المُصطَفى وَعلِيْ
            وَلَيسَ لِلمَجدِ مَأوى غَير ساحَتهِم كَالنومِ لَيسَ لَه مَأوى سِوى المُقَلِ


            78

            فــــائـــدة
            التمثيلُ يُكْسِبُ القولَ قوةً، فإنْ كان في المدح كانَ أهزَّ للعِطفِ، وأنبلَ في النفسَ، وإنْ كان في الذمِّ كان وقعُه أشدَّ، وإنْ كان وعظاً كان أشفَى للصدرِ، وأبلغَ في التنبيهِ والزجرِ، وإنْ كان افتخاراً كان شأوهُ أبعدَ، كقولِ الأزَرِيّ11 يصفُ نُزُولَ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام إلى عمروِ بنِ ودّ العامريّ فِي معركةِ الخندقِ:12
            ومشَى يطلبُ الصفوفَ كَمَا تَمْشِي خماصُ الحَشَا إلى مرعَاهَا
            فـانتضَـى مشرفـيَّـهُ فـتلـقَّـى ســاقَ عـمـروٍ بـضَـربةٍ فـبـرَاها
            وإلى الحشرِ رِنَّةُ السيفِ منهُ يمـلأُ الـخـافـقـيـن رجـعُ صـدَاها
            يا لها ضربةً حوتْ مكرماتٍ لَـْم يَــزنْ ثـقـلَ أجـرِها ثـَقَـلاهَا
            هذِهِ مِن عُلَاهُ إحدَى المَعاَلي وعـلى هـذَهَ فـقـسْ مـَـا سِــواهَا
            القواعد الرئيسة
            1- يُسمَّى التشبيهُ تمثيلاً إِذا كان وجهُ الشَّبه فيهِ صورةٌ مُنْتَزَعَةٌ منْ متعددٍ، وغيْرَ تَمْثِيل إِذَا لم يَكُنْ وجْهُ الشَّبَهِ كذلك.
            2- تَشبِيهُ التَمْثيِلِ نَوْعَان: إمَّا ظَاهِرُ الأداةِ وإمَّا خَفِيُ الأداةِ.
            3- لِتَشْبِيهِ التَمْثيلِ مَوْقِعَان: إمَّا فِي صَدْرِ الكلامِ وإمَّا بَعْدَ تَمَامِ المَعَانِي.
            تمارين
            1- بيِّنِ المشبَّهَ والمشبَّهَ به فيما يأتي:
            أ- وَالشَيبُ يَنهَضُ في السَوادِ كَأَنَّهُ لَيلٌ يَصيحُ بِجانِبَيهِ نَهارُ
            ب- وَصَحِبتُ قَوماً لَستُ مِن نَظَرائِهِم فَكَأَنَّني في الطِّرْسِ سَطرٌ مُلحَقُ
            ج- ما أنْسَ لا أنس خَبَّازًا مَرَرْتُ به يدْحُو الرُّقاقَة وشْكَ اللمْح بالبصر
            ما ببْنَ رُؤيتِهَا في كَفِّهِ كُرَةً وبَيْنَ رُؤيتِهَا قَوْراءَ كالقَمِر
            إِلا بمقدَار ما تَنْدَاحُ دائِرةٌ في صفْحَةِ الماءِ تَرْمى فِيهِ بالحجر

            د - وقال تعالى:
            ï´؟وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِï´¾13.

            هـ- وقال تعالى:
            ï´؟اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِï´¾14.

            2- ميِّزْ تشبيهَ التمثيل من غيره فيما يأتي:

            - قال تعالى:
            ï´؟مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَï´¾15.
            - وقال تعالى:
            ï´؟فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍï´¾16.
            - وقال تعالى:
            ï´؟مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاء فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ واللّهُ مُحِيطٌ بِالْكافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاء لَهُم مَّشَوْاْ فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُواْ وَلَوْ شَاء اللّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّه عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ï´¾17.

            - فالعيْش نوْمٌ والمنِيَّة يقظَةٌ والمرْءُ بينهما خيالٌ سارِ.
            - والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم.
            للمطالعة
            دور الامامية في الأدب العربي واللغة العربية18وأمّا في الشعر فقد كان منهم في صدر الإسلام من فحول الشعراء المُفْلِقِينَ الذائعي الصِّيتِ من خدم الأدب العربي واللغة العربية بمنظوماته المنتشرة في الأقطار أعظم خدمة مثل كعب بن زهير بن أبي سلمى صاحب: "بانت سعاد" الّتي شرحها كثير من علماء اللغة والأدب، وحُفظ بسببها قسم وافر من لغة العرب وطريقتهم في نظم الشعر، والنابغة الجعدي من مشاهير شعراء الصدر الأوّل أحد الرجلين الملقّبين بالنابغة في الشعراء لنبوغهما. وأبو دهبل الجُمَحِيّ من شعراء الحماسة، وشهرة شعره وجودته للغاية تُغني عن إطالة وصفه. والفَرَزْدَقُ الّذي اعترف له خصمه جَرٍيرٌ بأنّ نَبْعَةَ19 الشعر في يده، والّذي كان يكرمه ملوك بني أميّة مع تظاهره بالتشيّع للعلويّين وعداوته لهم، ويهابون لسانه. وكُثَيِّرُ عَزَّة أوّل من أطال المديح, قال ابن رشيق كان ابن أبي إسحاق - وهو عالم ناقد ومتقدّم مشهور - يقول: أشعرُ الجاهليّين مُرَقِّش، وأشعر الاسلاميين كُثَيِّر, قال ابن رشيق: وهذا غلوّ مفرط، غيرَ أنّهم مجمعون على أنّه أوّل من أطال المديح اه‍. وكان بنو أميّة يقدّمونه ويكرمونه مع علمهم بتشيّعه لمكان تقدّمه في الشعر. والكُمَيْت قال ابن عكرمة الضبّيّ: لولا شعر الكميت لم يكن للغّة تَرْجُمَان، ولا للبيان لسان. وقال مُعاذ بن مسلم الهَرّاء لمّا سُئل عنه: ذاك أشعر الأوّلين والآخرين، وكفاه شهادة الفرزدق لمّا عَرَضَ عليه أوّلَ شعره واستشاره في إذاعته فقال: أذع يا ابن أخي ثمّ أذع. وأبو نواس وشهرته تُغني عن وصفه فليس في المولدين أشهر اسماً منه حتّى قال الشاعر:
            إن تكن فارساً فكن كعليٍ أو تكن شاعراً فكن كابنِ هاني

            وقال الشريف الرضي فيه وفي البحتري وهو يصف قصيدة:
            كأنّ أبا عبادة شَقَّ فاها وقَبَّلَ ثغرها الحسنُ بنُ هاني

            وأبو تمّامٍ والبحتريُّ اللذان أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر كلّهم مُجيد، كما في عمدة ابن رشيق. وأوّل من قيل فيه: "صَيْقَلُ المعاني" أبو تمّام، وأوّل من قيل في شعره: "سلاسل الذهب" البحتري. ودعبل الخزاعي. وديك الجن الحمصي الّذي شهد له دِعْبِل بأنّه أشعر الجنّ والأنس. وابن الرومي قال: ابن رشيق أكثر المُوَلّدين اختراعاً وتوليداً فيما يقول الحُذَّاق: أبو تمّام وابن الرومي. والسيّد الحِمْيَرِيّ أقدر الناس على نظم الأخبار والأحاديث والقَصَصِ، ولم يُسمع بشاعر مكثر مطيل مجيد غيره. قال ابن المعتز في التذكرة: كان للسيّد أربع بناتٍ كلُّ واحدة منهن تحفظ أربعمائة قصيدة لأبيها. نظم كلما سمعه في فضل عليٍّ ومناقبه ما مثله في نظم الحديث وكلُّ قصائده طوال.
            هوامش
            1- سورة يونس، الآية: 24.
            2- أبو فراس الحمداني (320 - 357 ه‍) الحارث بن أبي العلا سعيد بن حمدان بن حمدون الحمداني ابن عم ناصر الدولة وسيف الدولة ابني حمدان قال الثعالبي في وصفه: كان فرد دهره وشمس عصره أدبا وفضلا وكرما ومجدا وبلاغة وبراعة وفراسة وشجاعة. وشعره مشهور بين الحسن والجودة والسهولة والجزالة والعذوبة والفخامة والحلاوة.. الخ.
            3- الشط: جانب النهر.
            4- القيون جمع بين وهون العبد وكانت العبيد تشتهر بصناعة السلاح.
            5- الوشي: نوع من الثياب المنقوشة،وجرد السيف: سله، والقيون: جمع قين وهو صانع الأسلحة، والنصل: حديدة ا لسيف أو السهم أو الرمح أو السكين.
            6- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 33.
            7- سورة الجمعة، الآية: 5.
            8- سورة البقرة، الآية: 261.
            9- أبو عقيل، لبيد بن ربيعة بن مالك بن جعفر بن كِلَاب العامريّ، وكان يقال لأبيه: ربيعُ المقترينَ لسخائه، كان من شعراء الجاهليّة وفرسانهم، وأدرك الإسلام، وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وفد بني كِلَاب، فأسلموا، ورجعوا إلى بلادهم، ثم قدم لبيد الكوفة، ومات بها، وهو ابن مائة وسبع وخمسين سنة وهو أحد أصحاب المُعَلّقات.
            10- المفتي عبد اللطيف بن علي فتح الله, اديب من أهل بيروت تولى القضاء والافتاء
            11- الشيخ كاظم ابن الحاج محمد ابن الحاج مراد التميمي البغدادي، شاعر معروف وأديب فاضل, صاحب القصيدة الأزرية التي يزيد عدد ابياتها على خمسمائة بيت في مدح أمير المؤمنين عليه السلام ولد في بغداد سنة 1143 ه‍ / 1730 م وتوفي سنة 1212 ه‍/1797 م.
            12- ديوان الأزري الكبير، ص 36.
            13- سورة النور، الآية: 39.
            14- سورة الحديد، الآية: 20.
            15- سورة العنكبوت، الآية: 41.
            16- سورة المدثر، الآيات: 49-51.
            17- سورة البقرة، الآيات: 17-20.
            18- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 1، ص 185 - 186.
            19- النبعة: الشجرة.



            يتبع

            تعليق


            • #7
              الدرس السابع: التـَّشـْبيهُ الضمنيُّ
              أهداف الدرس:
              1- أن يتعرّف الطالب إلى التشبيه الضمني.
              2- أن يدرك بلاغة التشبيه الضمني.
              3- أن يملك القدرة على فهم التشبيه الضمني في النصوص الأدبية.


              83

              التَّشْبيهُ الضمنيُّ1:
              إنَّ كلَّ مَا مرَّ مَعَنَا مِن أنواعِ التَّشبيهِ كانَ تشبِيهاً صريحاً، أيْ أنَّ مُنشِئَ العِبارةِ التَّشبِيهيَّةِ قَد عَمَدَ إِلى التَّشبِيهِ فِي عباراتِهِ بصراحةٍ ووضوحٍ، وجاءَ بمشبَّهٍ ومشبَّهٍ بهِ ظاهرَيْنِ يُمْكِنُ الإِشَارةُ إليهِمَا. ولكنه قدْ يَنْحو الكاتبُ أو الشاعر منْحًى منَ البلاغةِ يُوحِي فِيهِ بالتَّشبيهِ مِنْ غيرِ أنْ يُصرِّحَ بهِ في صورةٍ من صورهِ المعروفةِ2، يفعلُ ذلك نُزوعاً إلى الابتكارِ، وإِقامةً للدليلِ علَى الحكمِ الَّذي أَسندهُ إلى المشبَّه، ورغبةً في إخفاءِ التشبيهِ, لأَنَّ التشبيه كلمَّا دقَّ وخَفيَ كانَ أبلغَ وأفعلَ فِي النَّفسِ, ولمعرِفَةِ مَا فِي هذَا النَّوعِ مِنْ التَّشبيهاتِ مِنْ جَمَالٍ وروعةٍ لَا بدَّ مِنْ ذِكرِ بعضِ الأمثلةِ الَّتي جرتْ عَلَى ألسنةِ الشُّعراءِ والأدباءِ.


              85

              يقولُ أبو الطيِّب المتنبِّي3
              مَن يَهُن يَسهُلِ الهَوانُ عَلَيهِ ما لِجُرحٍ بِمَـيِّـتٍ إيلامُ4

              يعني أنَّ الذي اعتادَ الهوانَ يسهلُ عليه تحمُّلهُ ولا يتأَلمُ لهُ، وليسَ هذَا الادعاءُ باطلاً, لأَنَّ المَيْتَ إذا جُرحَ لا يتأَلمُ، هلْ تجدُ فِي هَذَا البيتِ مِنَ الشِّعرِ تشبِيهَاً؟ إذا وجدتَهُ فَمَا هُوَ؟ وهَلْ يُمكنُكَ أنْ تشيرَ إليهِ بالإصبعِ؟ الجوابُ هو لا, لأنَّه لمْ يوضعْ فِي صُورةٍ مِنْ صورِ التَّشبِيهِ المعروفةِ, ولمْ يأتِ المتنبِّي بتشبيهٍ صريحٍ, فهُوَ لمْ يقلْ: إنَّ الشخصَ الَّذي اعتادَ الهَوَانَ والذُّلَ وصَارَ لَا يَشعُرُ بقسوةِ الإهانةِ, كالمَيْتِ الَّذي لَا يتألمُ حتَّى وإنْ أصابتْهُ الجراحُ, ولكنّنا نَرَى أنَّه يشبِّه ضمناً مَنْ هانَتْ عليهِ نفسُه, فهُوَ لَا يتأثَّرُ, كالمَيْتِ فاقدِ الشعورِ والإحساسِ, وأتَى بجملةٍ ضمَّنَها هَذَا المَعْنَى فِي صورةِ البرهَانِ.

              وإلَى المِعْنِى نفسه وبالكيفيّةِ ذاتِها مِنَ التَّشبيهِ يشيرُ المتنبِّي فِي بيتٍ آخَرَ إلَى حالِ الواقِعِ فِي أسرِ الذّلِ مع سعةِ رزقِهِ ويُسرِ حالِهِ وحُسنِ مظهرِهِ, كالميِّتِ لَا يفرحُ بِمَا يُلفُّ به مِنَ الأكفانِ الحِسَانِ:
              لا يُعْجِبَنَّ مَضيماً حُسْنُ بِزّتِهِ وهَلْ تَرُوقُ دَفيناً جُودَةُ الكفَنِ5

              وقالَ البُحتريُّ6 فِي وصفِ أَخلاقِ ممدوحِهِ:


              86

              وَقَدْ زَادَهَا إفْرَاطَ حُسْنٍ جِوَارُهَا خَلاَئقَ أصْفَارٍ7 مِنَ المَجْدِ، خُيَّبِ
              وَحُسنُ دَرَارِيِّ الكَوَاكِبِ8 أنْ تُرَى طَوَالِعَ في دَاجٍ مِنَ اللَّيلِ، غَيهَبِ9

              شبَّهَ البُحتُريّ أخلاقَ ممدوحِهِ التي تزدادُ حسناً وتألُّقاً لوجودِهَا فِي جوارِ أخلاقٍ وضيعةٍ لأقوامٍ لَا فضلَ فيهِم ولَا مجدَ لهُم, بحالِ الكواكبِ العظامِ تزدادُ تلألؤاً في اللَّيلِ البَهيمِ, وقَد رأيْنَا أنَّه لمْ يصرِّح بالتَّشبيهِ, ولمْ يأتِ بطرفَيهِ عَلَى صورةٍ من صورِهِ المعروفةِ, فَلَا مشبَّهَ ولَا مشَبَّهَ بِهِ ظاهرانِ صريحانِ, وإنَّما لمّحَ إليهما, وضَمّنَهُما فِي الكلامِ, ورأينَا كذلكَ كيف أنَّه ضَمَّنَ التَّشبِيهَ برهاناً عَلَى أنَّ الحكمَ الَّذي أسندهُ إلَى المشبَّهِ - وهُوَ ظُهُورُ الأخلاقِ الحَسَنَةِ وازديادُ جمالِها لوجودِهَا إلَى جانِبِ قومٍ لَا أخلاقَ فِيهم- ممكن, والدَّليلُ عَلَى ذَلكَ أنَّ الكواكبَ المضيئَةَ يحسن منظرها ويزيدُ اشعاعها وتألقها إذا كانَ الَّليلُ شديدَ الظُّلمةِ.

              إذاً, فَفِي الأمثلةِ نجدُ أركانَ التَّشبيهِ ونلمحُهَا, ولكنَّنَا لَا نجدُها في صورةٍ مِنْ صورِهِ الَّتي عرفنَاهَا, وهَذَا يُسمَّى "التشبيه الضمني".

              بلاغةُ التشبيهِ الضمنيِّ:
              1- أنه دعوى مع البيِّنةِ والبرهانِ.
              2- أنه إبرازٌ لما يبدو غريباً ومستحيلاً.
              3- أنه جمعٌ بين أمرينِ متباعدينِ،وجنسينِ غيرِ متقاربينِ.
              4- أنهُ دلالةٌ على التشبيهِ بالإشارةِ، لا بالوضوحِ والصراحةِ.


              87

              استنتاج: بناءً على ما تقدّم نستنتجُ أنّ التشبيهَ الضمنيّ تشبيه يفهم من المشبّه والمشبّه به ضمناً من خلال السياق اللغوي، فهو يُفهم من سياق الكلام، ولا يأتي في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يُلمح من الكلام لمحاً من خلال السياق، ليفيد أنّ الحكم الذي أُسند للمشبّه ممكن.

              88

              القواعد الرئيسة
              التشبيهُ الضِّمنيُّ: تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُورِ التشبيهِ المعروفةِ، بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيبِ. وهذا النوع يُؤْتَى به لِيُفيدَ أن َّالحُكم الذي أُسْنِدَ إلَى المشَبَّهِ مُمكنٌ10.

              يفهم التشبيه الضمني من سياق الكلام، ولا يأتي في صور التشبيه المعروفة.

              إنَّ مُنشِئَ العِبارةِ التَّشبِيهيَّةِ تارةً يعَمَدَ إِلى التَّشبِيهِ فِي عباراتِهِ بصراحةٍ ووضوحٍ، ويأتي بمشبهٍ ومشبهٍ بهِ ظاهرَيْنِ يُمْكِنُ الإِشَارةُ إليهِمَا.وتارةً يَنْحو الكاتبُ أو الشاعر منْحًى منَ البلاغةِ يُوحِي فِيهِ بالتَّشبيهِ مِنْ غيرِ أنْ يُصرِّحَ بهِ في صورةٍ من صورهِ المعروفةِ, يفعلُ ذلك نُزوعاً إلى الابتكارِ، وإِقامةً للدليلِ علَى الحكمِ الَّذي أَسندهُ إلى المشبَّه، ورغبةً في إخفاءِ التشبيهِ، وهذا الثاني هو التشبيهُ الضِّمنيُّ، وذلك لأَنَّ التشبيه كلمَّا دقَّ وخَفيَ كانَ أبلغَ وأفعلَ فِي النَّفسِ.
              تمارين
              1- بيِّنِ المشبَّهَ والمشبَّهَ به ونوعَ التشبيه فيما يأْتي مع ذكر السببِ:
              أ- ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عني أسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ
              ب- وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
              ج- سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ وفي الليلة ِ الظلماءِ، يُفتقدُ البدرُ
              د- تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلكْ مسالِكَها اِنَّ السَّفينَةَ لا تجْري على اليَبَس
              هـ فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ
              و - كأنّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رُؤُّوسنا وأسيافَنا ليلٌ تهاوَى كواكبُه

              2- بيّنِ التشبيهَ الصَّريحَ ونوعَه والتشبيهَ الضمنيَّ فيما يأْتي:

              أ - حِبْرُ أبي حفصٍ لعابُ الليلِ كأنهُ ألوانُ دُهْمِ الخيلِ
              يجري إلى الإخوانِ جَريَ السَّيلِ بغيرِ وزنٍ وبغير كيلِ
              ب- ويْلاهُ إنْ نَظَرتْ وإن هِيَ أعْرضتْ وقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليم
              ج- ليسَ الحِجابُ بِمُقْضٍ عنكَ لي أملاً إنَّ السماءَ تُرَجَّى حينَ تحتَجبُ
              د- واللَّيلُ تجري الدَّراري في مجرَّته كالرَّوضِ تطفو على نهرٍ أزاهرُهُ

              3- حول التشبيهات الضمنية الآتية إلى تشبيهات صريحة:

              أ- قال أبو تمام:
              اصبر عبى مضض الحسو د فإنّ صبرك قاتلُهْ
              النار تأكل بعضها إنْ لم تجدْ ما تأكلُهُ

              ب- قال المتنبي:
              فإن تَفقِ الأنام وأنت منهم فإنّ المسْكَ بعضُ دَمِ الغَزالِ
              للمطالعة
              من شعرائنا: السيّد حيدر الحلّي11
              ولد بالحلّة في شعبان سنة 1240 أو 42 أو 46 هـ،وتوفّي فيها تاسع ربيع الثاني سنة 1304، وحُمل إلى النجف، فدفن في الصحن الشريف أمام الرأس الشريف. كان شاعراً مُجِيداً من أشهر شعراء العراق أديباً ناثراً جيّد الخطّ، نظم فأكثر، ولا سيّما في رثاء الحسين عليه السلام ومدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم.

              فاق شعراء عصره في رثاء الحسين عليه السلام (...) كان شاعراً بارعاً غير منازع، وله إلمام بالعربية، مصنّفاً تقيّاً ناسكاً ويتقرّب إلى الله - تعالى - من مدح أهل البيت عليهم السلام بالسبب الأقوى.

              بعض ما يُحكى عنه: أخبرني السيّد حسن بن السيّد هادي الكاظمي قال: أخبرني السيّد حيدر الحلّي قال: رأيت في المنام فاطمة الزهراء عليها السلام فأتيت إليها مسلّماً عليها مقبّلاً يديها فالتفتتْ إليّ وقالتْ:
              أَنَاعيَ قتلى الطفِّ لا زلتَ ناعيا تهيجُ على طول الليالي البواكيا

              فجعلتُ أبكي وانتبهتُ وأنا أُردّد هذا البيت فجعلت أتمشّى وأنا أبكي وأريد التتميم ففتح الله عليّ أن قلت:
              أعد ذكرهم في كربلا إنّ ذكرهم طوى جزعاً طيّ السِّجِلِّ فؤاديا

              إلى آخر القصيدة. قال: ثمّ أوصى أن تُكتب وتوضع معه في كفنه. وقيل إنّه لمّا نظم قصيدته العينية في رثاء الحسين عليه السلام الّتي أوّلها:
              قد عهِدنا الربوعَ وهي ربيعُ أينَ لا أينَ أُنسها المجموعُ

              أنشدها بعض أدباء الحلّة فلمّا وصل فيها إلى قوله:
              سبق الدمعُ حين قلت سقتها فتركتُ السما وقلت الدموعُ

              قال له ذلك الأديب لو قلت الحيا بدل السما لكان أنسب فقال له إذاً أكون مِثْلَكَ فأخجله.
              مؤلّفاته: 1- ديوان شعره كبير مطبوع 2- العقد المفصّل في قبيلة المجد المؤثل يعني آل كبّة وهو كتاب أدبي ألّفه باسم الحاج محمّد حسن ابن الحاج محمّد صالح.12

              من شعره قوله:

              إن لم أقف حيثُ جيش الموت يزدحمُ
              لا بدَّ أن أتداوى بالقنا فلقد
              عندي من العزمِ سِرٌّ لا أبوحُ به
              لا أرضعتْ لِيْ العلا ابناً صفو درَّتِها
              إليةً بضبا قومي الّتي حَمِدت
              لأحلِبنَّ ثديَ الحربِ وَهْيَ قناً
              مالي أُسالم قوماً عندهم تِرَتي
              مَن حامِلٌ لوليّ الأمرِ مألكةً
              يا بن الأُلى يُقعِدون الموتَ إن نهضت
              الخيلُ عندك ملَّتها مرابطها
              هذي الخدور ألا عدَّاءَ هاتكةً
              لا تطهرُ الأرضُ من رجسِ العدى أبداً
              بحيثُ موضعُ كلٍّ منهُمُ لكَ في
              أُعيذ سيفَكَ أن تصدا حديدتهُ
              فلا مشتْ بِيَ في طُرْقِ العلا قدمُ
              صبرتُ حتَّى فؤادي كُلُّه ألمُ
              حتّى تبوحَ به الهنديَّة الخُذُمُ
              إنْ هكذا ظلَّ رُمحي وهو مُنفَطِمُ
              قدماً مواقعَها الهيجاءُ لا القِممُ
              لِبانُها من صدور الشوسِ وَهْوَ دمُ
              لا سالمتني يدُ الأيَّام إن سَلِموا
              تُطوى على نفثاتٍ كلّها ضَرم
              بهم لدى الروعِ في وجه الظُبا الهِممُ
              والبِيضُ منها عَرى أغمادَها السأمُ
              وذي الجباه ألا مشحوذةً تسمُ
              ما لم يَسِل فوقها سيل الدمِ العَرِمُ
              دماه تغسِله الصمصامةُ الخذَمُ
              ولم تكن فيه تُجْلَى هذه الغُممُ
              هوامش
              1- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 41.
              2- صور التشبيه المعروفة هي ما يأتي:
              ما ذكرت فيه الأداة نحو الماء كاللُجَيْنِ. أوحذفت والمشبه به خبر نحو: الماء لجـين وكان الماء لجيناً. أو حال نحو سال الماء لجيناً. أومصدر مبيّن للنوع مضاف نحو: صفا الماء صفاء اللجين. أو مضاف إلى المشبه نحو: سال لجين الماء. أو مفعول به ثان لفعل من أفعال اليقين والرجحان نحو: علمت الماء لجيناً، أوصفة على التأويل بالمشتق نحو: سال ماء لجين، أو أضيف المشبه إلى المشبه به بحيث يكون الثاني بياناً للأول نحو: ماء اللجين، أي: ماء هو اللجين. أو بُيِّنَ المشبهُ بالمشبه به نحو: جرى ماء من لجين.

              3- أبو الطيب المتنبي ( 303 - 354 ه‍ = 915 - 965 م ) أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجُعْفِيّ الكوفيّ الكنديّ، أبو الطيب المتنبي: الشاعر الحكيم، وأحد مفاخر الأدب العربي. له الأمثال السائرة والحكم البالغة والمعاني المبتكرة. وفي علماء الأدب من يعدّه أشعر الاسلاميين. ولد بالكوفة في محلة تسمى (كِنْدَة) وإليها نِسْبَتُه. ونشأ بالشام، ثم تنقل في البادية يطلب الأدب وعِلْمَ العربية وأيّامَ الناس.
              4- ديوان المتنبي.
              5- ديوان المتنبي.
              6- البحتري ( 206 - 284 ه‍ - 821 - 898 م ) الوليد بن عبيد بن يحيى الطائي، أبو عبادة البحتريّ: شاعر كبير، يقال لشعره "سلاسل الذهب". وهو أحد الثلاثة الذين كانوا أشعر أبناء عصرهم: المتنبي، وأبو تمام، والبحتري. قيل لأبي العلاء المعري: أي الثلاثة أشعر؟ فقال: المتنبيّ وأبو تمّام حكيمان، وإنما الشاعر البحتريّ. ولد بمنبج ( بين حلب والفرات ) ورحل إلى العراق، فاتصل بجماعة من الخلفاء أولهم المتوكل العباسي، ثم عاد إلى الشام، وتوفي بمنبج. له ديوان شعر وكتاب "الحماسة" على مثال حماسة أبي تمّام.
              7- الصفر مثلثة الصاد: الخالي.
              8- الدراري: النجوم العظام.
              9- الغيهب: المظلم.
              10- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 43.
              11- السيد محسن الأمين, أعيان الشيعة, ج 6, ص 266 - 267.
              12- التيرة الوِتر: اي انا موتور منهم وعندهم ثأري.



              يتبع

              تعليق


              • #8
                الدرس الثامن: أغراضُ التشبيهِ
                أهداف الدرس:
                1- أن يتعرّف الطالب إلى أغراض التشبيه.
                2- أن يستخدم التشبيه في أغراضه المختلفة.


                93

                أغراضُ التشبيهِ1:
                الأغراضُ جمْعُ غرَضٍ والمرادُ به الأمرُ الباعثُ للمتكلِّمِ في استعمالِ التشبيهِ، حيثُ إنَّ لكلِّ تشبيهٍ مرَّ مَعَنَا هَدَفاً يُريدُ المتكلمُ الوصولَ إليهِ وغَرَضَاً يُريدُ بيانَهُ, وقَدْ قُسِّمَتْ أَغراضُ التَّشبِيهِ إِلَى قِسمَينِ: أحدُهما أنْ يكونَ غَرَضاً عائداً إلى المُشبَّهِ, والثاني يكونُ عائداً إلى المُشبَّهِ بهِ2، وسنذكرُ - هنَا - أهمَّ الأغراضِ الَّتِي تَعُودُ إِلَى المشبَّهِ3:
                أوَّلاً: بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، وذلكَ حينَ يسنَدُ إليهِ أمرٌ مستغرب ٌ لا تزولُ غرابتُه إلَّا بذكرِ شبيهٍ لهُ، معروفٍ واضحِ مسلَّمٍ بِهِ، ليثبتَ في ذهنِ السامعِ ويُقَرِّرَ، كقولِ الله - عزَّ وجلَّ -:
                ï´؟إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُï´¾4 حيثُ اعترضَ قومٌ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي شأنِ ولادةِ عيسى عليه السلام, وقالوا: كيفَ يمكنُ أنْ يَكونَ ولدٌ ولَا يكونُ له والدٌ؟! فجاءتِ الآيةُ الكريمةُ لتقولَ من خلالِ هَذَا التَّشبِيهِ: إنَّ هَذَا الأمرَ ممكنٌ, حيثُ لَا ينكرُ أحدٌ أنَّ آدمَ عليه السلام مخلوقٌ مِن غيرِ أبٍ, ومَنْ كانَ قادراً عَلَى أنْ يَخلُقَ آدمَ مِن غيرِ أبٍ وأمٍّ، قادرٌ عَلَى خَلْقِ المَسِيحِ مِن غيرِ أبٍ, فشبَّهَ شَأنَ عيسى وحالَتَهُ العجيبةَ بشأنِ آدمَ

                95

                الَّذي يَعتَقِدُ الجميعُ أنَّه خُلِقَ مِن غَيرِ أبٍ ولا أمّ، فكانَ الغرضُ مِنَ التَّشبِيهِ بيانَ إمكانيةِ المشبَّهِ بتشبيهه بما هو مماثل من جهة، وأبعد منه في التحقق - مع التسليم بحصوله - من جهة أخرى.

                ثانياً: بيانُ حالِ المشبَّهِ: حيثُ يكونُ المشبَّه مبهماً غيرَ معروفِ الصفةِ الّتي يُرادُ إثباتُها لهُ قبلَ التشبيهِ، ويكونُ المشبَّهُ بِهِ معلوماً عندَ السَّامعِ بتلكَ الصِّفةِ الَّتي يُقصَدُ اشتراكُ الطرفين فِيها، فيفيدُه التشبيهُ الوصفَ، ويوضِّحُه المشبَّهُ بِه،ِ كمَا فِي قولِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: "مثلُ المؤمنين في توادِّهِم وتراحُمِهِم وتعاطُفِهِم مثلُ الجَسَدِ، إِذَا اشتَكَى مِنهُ عضوٌ تداعَى لهُ سائرُ الجسدِ بالسَّهر والحُمَّى"5، حيث أرادَ أنْ يُبَيِّنَ حالَ المؤمنِينَ في مودّة بعضهم لبعض وتراحمهم, وهُوَ أمْرٌ مُبْهَمٌ لَا يعرفُهُ المُخاطَبُونَ آنَذاكَ, فجاءَ بمشبَّه بِهِ معلومٍ لديهِم وهُوَ الجسدُ الَّذي يَتَألَّمُ جميعُهُ بِتَأَلُّمِ بعضِهِ، وهَذَا هُوَ الغَرَضُ مِنَ التَّشبِيهِ.

                ثالثاً: بيانُ مقدارِ حالِ المشبَّهِ في القوةِ والضعفِ، والزيادةِ والنقصانِ، وذَلِكَ إذَا كانَ المشبَّهُ معلوماً معروفَ الصفةِ الّتي يرادُ إثباتُها لهُ معرفةً إجماليةً قبلَ التَّشبيهِ، بحيثُ يرادُ مِنْ ذَلِكَ التَّشبيهِ بيانُ مقدار نصيبِ المشبَّهِ من هذه الصفةِ، وذلك بأنْ يعمدَ المتكلِّمُ إلى بيان ما يعنيهِ من هذا المقدارِ، كقولِهِ - تَعَالَى -:
                ï´؟ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةًï´¾6، فشبَّهَ قلوبَهم بالحجارةِ فِي الصَّلابَةِ والقَسوةِ، فَلو لمْ يرِدِ اللهُ تعالى أنْ يبيِّنَ مقدارَ قساوةِ قلوبِهِم لقالَ: "قلوبُهم قاسيةٌ", ولكنَّه أرادَ تَبْيينَ مقدارِ هَذِهِ القَسوةِ وبيان شدتِّهَا, فَجَاءَ بِهَذا التَّشبيهِ لأجلِ ذَلِكَ, ومثلُ ذَلِكَ قولُ المتنبِي7 فِي وصْفِ أسدٍ:

                96

                ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا8

                فإنَّه "يصفُ عَيْنَي الأَسدِ في الظلام بشدةِ الاحمرار والتوقّدِ، حتى إِنَّ من يراهما من بُعْدٍ يظنَّهما ناراً لقومٍ حُلول مقيمين، فلو لم يعْمدِ المتنبي إِلى التشبيه لقال: إِنَّ عَيْنَي الأَسدِ محمرّتانِ, ولكنه اضْطُرَّ إِلى التشبيه لِيُبَيِّنَ مقدارَ هذا الاحمرار وعِظَمه، وهذا منْ أغراض التشبيه أيضاً"9.

                رابعاً: تقريرُ حالهِ وتقويةُ شأنِها، و تمكينُه في ذهن السامعِ، بإبرازِها فيما هي فيه أظهرُ، كما إذا كان ما أسنِدَ إلى المشبَّهِ يحتاجُ إلى التثبيتِ والإيضاحِ، ويأْتي هذا الغرضُ حينما يكون المشبَّهُ أمرًا معنويًّا, لأَنَّ النفسَ لا تجزم بالمعنوياتِ جزمَها بالحسيَّات، فهي في حاجةٍ إلى الإقناعِ، فتأتي بمشبَّهٍ به حسيٍّ قريبِ التصوُّرِ، يزيدُ معنى المشبِّهِ إيضاحاً لما في المشبَّهِ به من قوةِ الظهورِ والتمامِ،كقولِهِ - تَعَالَى-:
                ï´؟لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍï´¾10.

                تتحدث الآية "في شأن مَنْ يعْبدونَ الأوثانَ، وأنَّهم إذَا دَعَوْا آلهتَهم لا يستجيبونَ لهُم، ولَا يرجِعُ إِليهِم هَذَا الدعاءُ بفائدةٍ، وقدْ أرادَ الله - جل شأْنه - أنْ يُقرِّر هذه الحالَ ويُثَبتَها في الأَذهانِ، فشبَّهَ هؤلاءِ الوثنيّينِ بمن يبسُط كفَّيْهِ إلى الماء ليشربَ فلا يصلُ الماءُ إلى فمِهِ بالبداهةِ, لأنَّه يَخْرُجُ من خلالِ أصابِعِهِ مَا دامتْ كفَّاهُ مبسوطتينِ ولأنهما مبسوطتان فلا تجمعان ماء، وينزلق الماء عنهما. فالغرضُ منْ هذا التشبيه تقريرُ حالِ المشبَّهِ"11.


                97

                خامساً: مدحهُ وتحسينُ حالهِ، ترغيباً فيه، أو تعظيماً له، بتصويرهِ بصورةٍ تهيِّجُ في النفسِ قوى الاستحسانِ، بأنْ يعمدَ المتكلِّمُ إلى ذكر مشبَّهِ بهِ مُعجبٍ، قد استقرَّ في النفسِ حُسنُه و حبُّه، فيصوِّرُ المشبَّهَ بصُورتِه، كقولِهِ - تَعَالَى - فِي وَصْفِ الحُورِ العِينِ: ï´؟وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِï´¾12.
                وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ فِي المَدِيحِ والرِّثَاء والفَخْرِ وَوَصْفِ مَا تَمِيلُ إِليهِ النُّفُوسُ, وأمثلتُهُ فِي الشِّعرِ العربيِّ كثيرةٌ, منهَا مَا قالَه أحمدُ شوقي13 في مدحِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم:
                تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّت بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصَابا
                وَأَسدَتْ لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهْبٍ يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
                لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجاً مُنيراً كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِّهَابا
                فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نوراً يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِّقَابا14

                سادساً: تشويهُ المشبَّهِ وتقبيحُه، تنفيراً منه أو تحقيراً له، بأنْ نصوِّرَه بصورةٍ تَمَجُّها النفسُ، ويشمئزُّ منها الطبعُ، كقولِ اللهِ - تَبَارَكَ وتَعَالَى-:
                ï´؟وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَï´¾15 ضَرَبَ اللهُ مثلَ اللَّاهِثِ

                98

                وراءَ الدُّنيا, العادل عن آياتِ اللهِ وهُوَ عارفٌ بِهَا, بأخسِّ مثلٍ فِي أخسِّ أحوالِهِ، فشبَّهَهُ بالكلبِ, لأنَّ كلَّ شئٍ يلهثُ فإنما يلهثُ فِي حالِ الإعياءِ والتعبِ إلَّا الكلب، فإنَّه يلهثُ في حالِ الرَّاحةِ وحال التَّعبِ، وحالِ الصّحّةِ وحالِ المرضِ. وحالِ الرّيّ وحالِ العطشِ، وفي جميعِ الأحوالِ، فقالَ تَعاَلى: إنْ وعظتَهُ، فهُوَ ضالّ، وإنْ لمْ تعظْهُ، فهُو ضالّ, كالكلبِ, إنْ طردتَه وزجرتَه، فإنِّه يلهثُ، وإنْ تركتَه، يلهثُ.والغرضُ مِنْ هَذَا التَّشبيهِ التقبيحُ، وأكثرُ ما يكونُ في الهجاءِ ووصفِ ما تنفِرُ منه النفسُ. وهذا الغرضُ أيضاً لهُ أمثلةٌ كثيرةٌ مشهورةٌ في كلامِ العربِ.

                99

                القواعد الرئيسة
                أَغْرَاضُ التشبيهِ كثيرةٌ منها ما يأْتي:
                1- بيانُ إِمْكان المشبَّه: وذلك حِينَ يُسْنَدُ إِليْهِ أمْرٌ مُسْتغْرَبٌ لا تزول غرابتُه إلا بذكر شبيهٍ له.
                2- بيانُ حالِهِ: وذلك حينما يكونُ المشبَّهُ غيرَ معروف الصفةِ قَبْلَ التشبيه، فَيُفيدُهُ التشبيهُ الوصفَ.
                3- بيانُ مقدار حالِهِ: وذلك إذا كان المشبَّهُ معروفَ الصفةِ قَبْلَ التشبيهِ مَعْرفَةً إِجْماليَّةً، وكان التشبيه يُبَيِّنُ مقدارَ هذه الصفةِ.
                4- تَقْريرُ حالِهِ: كما إذا كانَ ما أُسْنِدَ إِلى المشبَّه يحتاج إِلى التثبيت والإِيضاح بالمثال.
                5- تَزْيينُ الْمُشَبَّهِ.
                6- تَقْبيحُ المشبهِ.
                تمارين
                بيِّنِ الغرضَ منْ كلِّ تشبيهٍ فيما يأتي:
                أ- دَنَوْتَ تَوَاضُعاً، وَبَعدتَ قَدراً فشَأناكَ انْحِدارٌ، وارْتِفَاعُ
                كذاكَ الشّمسُ تَبعَدُ إنْ تَسامى وَيَدْنُو الضّوْءُ مِنْهَا، والشّعاعُ

                ب- أُحِبكِ يا لوْنَ الشَّبابِ لأنني رأيْتُكما في القلْبِ والعينِ تَوْأما
                سَكَنْتِ سوادَ القَلْب إِذ كنْتِ شِبههُ فلمْ أدر منْ عِزٍّ من القَلْبُ منْكما

                ج- وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ

                د- لي منزلٌ كَوِجارِ الضَّبِّ أَنزِلُه ضَنْكٌ تَقارَبَ قُطراهُ فقد ضاقَا
                أراه قَالَبَ جسمي حينَ أَدخُلُه فما أَمُدُّ به رجلاً و لا سَاقا

                هـ- وأَنا ابْنُ سوْداءِ الجبين كأَنَّها ضَبُعٌ تَرعْرَع في رُسومِ المنْزل
                الساق منها مثلُ ساق نعامةٍ والشَّعرُ منها مثْلُ حَبِّ الفُلْفُل
                للمطالعة
                من شعرائنا: الشيخ البهائي16
                الشيخ بهاء الدِّين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن صالح الحارثيّ الهَمْدَانيّ العامليّ الجبعيّ نزيل أصفهان: نسبتُهُ الحارثيّ الهمدانيّ نسبة إلى الحارث الهَمْداني صاحب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، والهَمْدَانيّ نسبةٌ إلى هَمْدان القبيلة العربية المشهورة، وهم حيّ من اليمن. والحارث الهمداني هو الّذي قال له أمير المؤمنين عليه السلام شعراً له:
                يا حار هَمْدَان من يمت يَرَني من مؤمن أو منافق قبلا

                ولد بـ (بَعلبك) يوم الخميس لثلاث عشرة بقين من المحرّم سنة 953. وقال أبو المعالي الطالوي: إنّه ولد بقزوين، والله أعلم. وتوفّي بأصفهان 12 شوال سنة 1030هـ. على ما ذكره تلميذه السيد حسين ابن السيّد حيدر الحسيني الكركي العاملي والمجلسي الأوّل الّذي حضر وفاته والصلاة عليه، فهما أعرف بتاريخ وفاته. ثمّ نُقل قبل الدفن إلى مشهد الرضا عليه السلام، ودفن هناك في داره بجانب الحضرة المقدّسة الرَّضَويّة، وقبره هناك مشهور مزور إلى اليوم. حاله في الفقه، والعلم، والفضل، والتحقيق، والتدقيق، وجلالة القدر، وعظم الشأن، وحسن التصنيف، ورشاقة العبارة، وجمع المحاسن أظهر من أن يُذكر، وفضائله أكثر من أن تُحصر. وكان ماهراً متبحراً، جامعاً، كاملاً، شاعراً، أديباً، منشئاً، عديم النظير في زمانه في الفقه، والحديث، والمعاني، والبيان، وغيرها.

                له شعر كثير بالعربيّة والفارسيّة, فمن شعره قصيدته الّتي يمدح بها صاحب الزمان وسمّاها: "وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان"، كما في شرح المنيني عليها، وبعضهم يقول اسمها: "روح الجنان" كما في ديوان الشيخ جعفر الخطّي، وهي الّتي شرحها الشيخ أحمد بن عليّ المنيني الدمشقي بطلب السيّد محمّد هاشم قاضي دمشق الشام، وطبعت مع شرحها في آخر الكشكول وأوّلها:
                سرى البرق من نجد فهيّج تذكاري عهوداً بحزوى والعَذِيبِ وَذي قَارِ
                وهيّج من أشواقنا كلَّ كامنٍ وأجّج في أحشائنا لاعجَ النارِ

                ومن شعره في الوعظ:

                ألا يا خائضاً بحرَ الأماني
                أضعتَ العمر عصياناً وجهلا
                مضى عصرُ الشباب وأنت غافلْ
                إلى كم كالبهائم أنت هائمْ
                وطرفك لا يرى إلّا طموحا
                وقلبك لا يفيق عن المعاصي
                بِلالُ الشيب نادى في المفارقْ
                هداك الله ما هذا التواني
                فمهلاً أيّها المغرورُ مهلا
                وفي ثوب العمى والغيّ رافلْ
                وفي وقت الغنائم أنت نائمْ
                ونفسك لم تزل أبداً جموحا
                فويلك يوم يؤخذ بالنواصي
                بِحَيَّ على الذهابِ وأنتَ غارقْ
                هوامش
                1- وقد تسمى فوائد التشبيه، السيد أحمد الهاشمي، جواهر البلاغة، ص 238.
                2- وهو ما يكون في التشبيه المقلوب.
                3- أغراض التشبيه في الغالب تعود الى المشبه.
                4- سورة آل عمران، الآية: 59.
                5- الريشهري، ميزان الحكمة، ج4، ص2837.
                6- سورة البقرة، الآية: 74.
                7- شرح ديوان المتنبي، ج 1، ص 116.
                8- الدجى: جمع دجية وهي الظلمة، والفريق: الجماعة، وحلولا: أي مقيمين وهو حال من الفريق.
                9- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 48.
                10- سورة الرعد، الآية: 14.
                11- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص 49.
                12- سورة الواقعة، الآيتان: 22-23.
                13- أحمد بن علي بن أحمد شوقي. 1285 - 1351 هـ / 1868 - 1932 م أشهر شعراء العصر الأخير، يلقب بأمير الشعراء، مولده ووفاته بالقاهرة،عالج أكثر فنون الشعر: مديحاً، وغزلاً، ورثاءً، ووصفاً، ثم ارتفع محلقاً فتناول الأحداث الاجتماعية والسياسية في مصر والشرق والعالم الإسلامي وهو أول من جود القصص الشعري التمثيلي بالعربية وقد حاوله قبله أفراد، فنبذهم وتفرد. وأراد أن يجمع بين عنصري البيان: الشعر والنثر، فكتب نثراً مسموعاً على نمط المقامات فلم يلق نجاحاً فعاد إلى الشعر.
                14- الشاهد في البيتين الاخيرين.
                15- سورة الأعراف، الآيتان: 175-176.
                16- السيد محسن الأمين, أعيان الشيعة, ج 9, ص 234.



                يتبع

                تعليق


                • #9
                  الدرس التاسع: التشبيهُ المقلوبُ
                  أهداف الدرس:
                  1- أن يتعرّف الطالب إلى التشبيه المقلوب.
                  2- أن يدرك بلاغة التشبيه المقلوب.


                  105

                  التشبيهُ المقلوبُ1:
                  الأصلُ في التشبيهِ أنْ يكونَ وجهُ الشبهِ في المشبهِ بهِ أتمَّ وأظهر, كما هوَ الحالُ في الأمثلةِ التي مرَّتْ علينا سابقاً, فكانَ المشبهُ بهِ هوَ الاصلَ, والمشبهُ هوَ الفرعَ, ولكنْ قَدْ يُجْعَلُ مَا كانَ الأصلُ فيهِ أنْ يكونَ مشبهاً بهِ مشبهاً، ومَا كَانَ الأصلُ2 أنْ يكونَ مشبَهَاً مشبَهَاً بِهِ قَصْداً إلى إيهَامِ أنَّ مَا صَارَ مشبَهَاً بِهِ أتمُّ في وجهِ الشبَهِ مِنَ الذي صَارَ مشبَهَاً، حَتَّى صَارَ هوَ الأصلَ، والآخرُ الفرعَ. ومِنْ أمْثِلَةِ ذَلِكَ فِي القرآنِ الكَرِيمِ قولُهُ - تَعَالَى - حِكَايةً عَنِ الكُفَّارِ:
                  ï´؟قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا...ï´¾3، في مقامِ دعوى أنَّ الرِّبا مثلُ البيعِ, وإنَّمَا عَكَسُوا ذَلِكَ لإيهامِ أنَّ الرِّبا عندهمْ أحلُّ من البيعِ، لأنَّ الغرضَ هو الربحُ، وهو أثبتُ وجوداً في الرّبا منه في البيعِ، فيكونُ أحقَّ بالحلِّ على حدِّ زعمِهم.

                  وقَد جَرَتْ ألسنةُ الشُّعراءِ والأُدَبَاءِ والمُتكلِّميِنَ بكثيرٍ مِنَ التَّشبيهاتِ الَّتي جَرَتْ عَلَى غيرِ العَادَةِ فِي التَّشبيهِ, ومنهم الشَّاعرُ محمَّدُ بنُ وهيبٍ الحِمْيَرِيّ4, حيثُ يقولُ:


                  107

                  وبَدا الصباحُ كأن غُرَّتهُ وَجهُ الخليفة حينَ يُمْتَدحُ

                  اعتدْنَا فِيمَا مَضَى أنْ نَقرأَ أو نُحلِّل تَشبِيهاً يكونُ فِيهِ وجهُ الشَّبهِ فِي المشبَّه بِهِ أجلَى وأظهرَ مِنهُ فِي المشبَّهِ, فيُشَبَّهُ الوجْهُ المشرقُ بغرَّةِ الصَّباحِ, والوضاءُ بالشَّمسِ, والمنيرُ بالبدرِ, لأنَّ وجهَ الشَّبَهِ فِي هَذِهِ أَقوَى, أمَّا فِي هَذَا البيتِ الَّذي يقولُ فِيهِ الحِمْيَريّ: "إِنَّ تباشيرَ الصَّباحِ تُشبِهُ فِي التلألؤِ وجهَ الخليفةِ عندَ سَمَاعِهِ المديحَ، فإنَّنا نَرَى هنَا أنَّ هذا التَّشبيهَ خَرَجَ عَمَّا كانَ مستقرًّا فِي نفوسِنَا مِنْ أنَّ الشيءَ يُشَبَّه دائماً بِمَا هُو أَقوَى منه في وجهِ الشَّبهِ، إذِ المألوفُ أَنْ يقال إِنَّ الخليفةَ يُشبهُ الصَّباحَ، ولكنَّهُ عَكَسَ وقَلَبَ للمبالغَةِ والإغراقِ, بادعاءِ أَنَّ وجهَ الشبه أَقوَى في المشبَّهِ، وهذا التشبيهُ مظهرٌ من مظاهرِ الافتنانِ والإبداعِ"5.

                  وللبُحْتُريّ6 أيضاً يدٌ فِي إبداعِ هَذَا النَّوعِ مِنَ التَّشبيهاتِ, فيقولُ فِي تشبيهِ بركةٍ:
                  كأنّهَا حِينَ لَجّتْ في تَدَفّقِهَا يَدُ الخَليفَةِ لَمّا سَالَ وَادِيهَا

                  فقد شبَّهَ الشُّعَراءُ اليَدَ بالجَدولِ أو النَّهرِ والينبُوعِ فِي كثرةِ التَّدفُّقِ, فاليدُ الَّتي تتدفَّقُ بالإحسانِ والعطاءِ والخيرِ, كالجدولِ يتدفَّقُ بالماءِ الَّذي هُوَ حياةُ النُّفوسِ, إلَّا أنَّ للبُحتُريّ رأياً فِي أنَّ يَقلِبَ التَّشبيهَ, حيثُ شَبَّهَ البركةَ وتدفقَهَا بيدِ الخليفةِ, مدَّعِيَاً أنَّ تدفُّقَ العطاءِ فِي يدِ الممدوحِ أقوَى مِن تدفُّقِ الماءِ فِي البركةِ, وهَذَا أيضاً مظهرٌ مِن مظاهرِ الإبداعِ, ومَا جَاءَ عَلَى هَذِهِ الشَّاكلةِ مِنَ التَّشبيهِ هُوَ مَا يُسمَّى بـ"التَّشبيهِ المقلوبِ".


                  108

                  القواعد الرئيسة
                  التشبيهُ المقلوبُ هو جعل المشبَّهِ مشبَّهاً به بادِّعاءِ أَنَّ وجه الشبه فيه أَقوَى وأَظهرُ.

                  جَرَتْ ألسنةُ الشُّعراءِ والأُدَبَاءِ والمُتكلِّميِنَ بكثيرٍ مِنَ التَّشبيهاتِ الَّتي جَرَتْ عَلَى غيرِ العَادَةِ فِي التَّشبيهِ, ومنهم الشَّاعرُ محمَّدُ بنُ وهيبٍ الحِمْيَرِيّ, حيثُ يقولُ:
                  وبَدا الصباحُ كأن غُرَّتهُ وَجهُ الخليفة حينَ يُمْتَدحُ

                  فالملاحظ فِي هَذَا البيتِ الَّذي يقولُ فِيهِ الحِمْيَريّ: "إِنَّ تباشيرَ الصَّباحِ تُشبِهُ فِي التلألؤِ وجهَ الخليفةِ عندَ سَمَاعِهِ المديحَ، فإنَّنا نَرَى هنَا أنَّ هذا التَّشبيهَ خَرَجَ عَمَّا كانَ مستقرًّا فِي نفوسِنَا مِنْ أنَّ الشيءَ يُشَبَّه دائماً بِمَا هُو أَقوَى منه في وجهِ الشَّبهِ، إذِ المألوفُ أَنْ يقال إِنَّ الخليفةَ يُشبهُ الصَّباحَ، ولكنَّهُ عَكَسَ وقَلَبَ للمبالغَةِ والإغراقِ, بادعاءِ أَنَّ وجهَ الشبه أَقوَى في المشبَّهِ، وهذا التشبيهُ مظهرٌ من مظاهرِ الافتنانِ والإبداعِ".
                  تمارين
                  ميِّزِ التشبيهَ المقلوبَ منْ غير المقلوبِ فيما يأتي وبيّنِ الغرضَ منْ كلِّ تشبيهٍ:
                  - كأنَّ سوادَ الليلِ شعرٌ فاحمٌ.
                  - يَزُورُ الأعادي في سَمَاءِ عَجَاجَةٍ أسِنّتُهُ في جانِبَيْها الكَواكِبُ
                  - كأَنَّ النَّبْلَ كلامُه، وكأنَّ الوَبْل نوالُه.
                  - كلماتي قلائدُ الأعناقِ سَوْفَ تَفنى الدُّهُورُ وَهْيَ بَواقِ
                  قَدْ بعَثْنَا بِجوَادٍ مِثلُهُ لَيْس يُرامُ
                  فَرَسٌ يُزْهَى بِهِ لِلـ ـحُسْنِ سرْجٌ ولِجامُ
                  وجْههُ صُبْحٌ ولكنْ سائرُ الجسْم ظَلامُ
                  والذِي يصْلح لِلمَوْ لَى على العبْدِ حرامُ
                  والصُّبحُ في طُرَّة لَيْلٍ مُسْفِرِ كأنَّهُ غُرَّةُ مُهْرٍ أشقَر
                  في حُمرَةِ الوَرْدِ شَكْلٌ من تَلَهّبِها وللقَضِيبِ نَصِيبٌ مِنْ تَثَنّيهَا
                  للمطالعة
                  بلاغةُ التشبيهِ وبعضُ ما أُثِرَ منه عن العرب والمُحْدَثين7
                  تنْشأُ بلاغةُ التشبيه منْ أنّه ينتقل بكَ منَ الشيء نفسِه إلى شيءٍ طريفٍ يشبهه، أو صورةٍ بارعة تمثِّله. وكلّما كان هذا الانتقالُ بعيدًا قليلَ الخطورة بالبال، أو ممتزجاً بقليل أو كثيرٍ من الخيال، كان التشبيهُ أروعَ للنفس وأدعَى إلى إعجابها واهتزازها.

                  فإذا قلتَ: فلانٌ يُشبه فلاناً في الطول، أو إِنَّ الأرضَ تشبهُ الكرة في الشكل، أو إنَّ الجزرَ البريطانية تشبهُ بلادَ اليابان، لم يكنْ لهذه التشبيهاتِ أثرٌ في البلاغةِ, لظهورِ المشابهةِ وعدم احتياج العثور عليها إلى براعةٍ وجهْدٍ أدبيٍّ، ولخلوّها منَ الخيال.

                  وهذا الضربُ منَ التشبيه يُقصَدُ به البيانُ والإيضاح وتقريبُ الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.

                  ولكنّكَ تأخذكَ رَوْعةُ التشبيه حينما تسمعُ قول المعرّيّ يَصِف نجماً:
                  يُسرِعُ اللّمح في احمرارٍ كما تُس رِعُ في اللّمحِ مُقلةُ الغَضبانِ

                  فإنَّ تشبيهَ لمحات النجم وتأَلّقِه مع احمرارِ ضوئه بسرعةِ لمحةِ الغضبان من التشبيهاتِ النادرة الّتي لا تنقادُ إلّا لأَديب. ومنْ ذلك قولُ الشاعر:
                  وكأنَ النُّجُومَ بينَ دُجاها سُننٌ لاحَ بينهُنَّ ابتداعُ

                  فإِنَّ جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالةُ النجوم في رُقْعةِ الليل بحال السُّننِ الدينية الصحيحة متفرّقةً بين البدعِ الباطلةٍ. ولهذا التشبيه روْعةٌ أخرى جاءَت منْ أَنَّ الشاعر تخيّل أنَّ السنن مضيئةٌ لمَّاعةٌ، وأَنَّ البدعَ مظلمةٌ قاتمةٌ.

                  ومنِ أبدع التشبيهاتِ قولُ المتنبيّ:
                  بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خَاتَمُهْ

                  يدعو على نفسه بالبِلى والفناءِ إِذا هو لم يقفْ بالأَطلال ليذكرَ عهد مَن كانوا بها، ثمّ أَراد أَنْ يصوِّرَ لك هيئةَ وقوفه، فقال:كما يقفُ شحيِحٌ فقد خاتَمُهُ في التراب، مَنْ كان يُوفَّقُ إلى تصوير حال الذاهلِ المتحيّر المحزون المُطْرِقِ برأسه المنتقل منْ مكان إِلى مكان في اضطراب ودهشة بحال شحيحٍ فقد في التراب خاتمًا ثميناً؟ ولو أردنا أن نورد لك أمثلة منْ هذا النوع لطالَ الكلامُ.

                  تعليق


                  • #10
                    الدرس العاشر: الحقيقةُ والمجازُ - المجاز اللغوي
                    أهداف الدرس:
                    1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الحقيقة في الاستعمال اللغوي.
                    2- أن يتعرّف الطالب إلى معنى المجاز وهدفه في الاستعمال اللغوي.
                    3- أن يتقن استخدام الحقيقة والمجاز.


                    113

                    تعريفُ الحقيقةِ و المجازِ اللغوي1:
                    الحقيقةُ فِي الأصلِ:
                    (فعيل) بمعنى فاعل من حقَّ الشيءُ إذا ثَبتَ، أو بمعنَى (مفعول) من قولِهم: حَقَّقْتُ الشَّيء، إذا أثبتّهُ.

                    وفِي الاصطلاحِ: "استعمالُ الَّلفظ فيمَا وُضِعَ لهُ، فِي اصطلاحِ التَّخاطُبِ"2.

                    والمجاز في الأصل:
                    (مفعل) من جاز المكان يجوزه، إذا تعدّاه، نقل الى الكلمة الجائزة ـ المتعدية ـ معناه الأصلي، أو المجوز بها عن معناها الأصلي، فعلى الأول هي اسم فاعل، و على الثاني اسم مفعول.

                    وفي الاصطلاحِ: "استعمالُ الَّلَّفظ فِي غيرِ مَا وُضِعَ لَهُ، فِي اصطلاحِ التَّخاطُبِ، عَلَى وجَهِ يصحُّ، مَعْ قرينةٍ3 مَانِعةٍ مِن إرادةِ مَا وضعَ لَهُ"4.


                    115

                    والمجازُ مِنْ أحسنِ الوَسَائِلِ البيانيَّةِ الَّتي تَهدِي إليهَا الطبيعةُ، لإيضاحِ المَعْنَى، إذْ بِهِ يَخْرُجُ المَعْنَى متصِّفاً بصفةٍ حسّيَّةٍ تكادُ تعرضُهُ عَلَى عيانِ السَّـامِعِ لِهَذَا شغفتِ العَرَبُ بالمَجَازِ، وآثـرتْهُ عَلَى الحقيقةِ فِي الاستعمالِ, لمَيْلِهَا إلَى الاتِّساعِ فِي الكـلامِ، وإلَى الدَّلالةِ عَلَى كَثْـرةِ معاني الألفاظِ، ولِمَا فِيهِ مِنَ الدِّقَةِ فِي التَّعبيرِ، فيحصلُ للنَّفسِ بِهِ سرورٌ وأريحيَّةٌ5.

                    ثمّ إنّ المجازَ على قسمينِ:
                    لغويُّ: وهو استعمالُ اللفظِ فِي غيرِ مَا وُضعَ لهُ لعلاقةٍ، لمناسبةٍ بين المَعْنَى الحقيقيِّ والمعنى المجازيِّ - مع وجود قرينة مانعةٍ من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ، وهي قد تكون لفظيّةً، وقد تكون حاليّةً، وكلّما أُطلقَ المجازُ، انصرفَ إلى هذا المجازِ، وهو المجازُ اللغويُّ. والمجازُ المرسلُ.

                    عقليٌّ: وهو يجري في الإسنادِ، بمعنى أن يكونَ الإسنادُ إلى غير من هوَ لهُ، نحو: ليل العابد قائم ونهاره صائم، إسناد الوصف وهو اسم الفاعل قائم وصائم الى فاعلهما المستتر مجاز عقلي بعلاته الزمانية، والقرينة واضحة فالليل لا يقوم والنهار لا يصوم.

                    وفي هذا الدرسِ سنتعرضُ للمجازِ بِمَا هُوَ مجازٌ بغضِّ النَّظر عَنْ تقسيماتِهِ باعتبارِ العلاقةِ الَّتي تكونُ إمَّا علاقةَ مشابهةٍ6 أو غيرَ مشابهةٍ7.

                    يقولُ ابنُ العميد8:
                    قَامَتْ تُظَلِّلُنِي مِنَ الشَّمْسِ نَفْسٌ أَعَزُّ عَلَيَّ مِنْ نَفْسِي


                    116

                    قامَتْ تُظَلِّلُنِي ومِنْ عجَبٍ شَمْسٌ تُظَلِّلُنِي مِنَ الشَّمْسِ

                    مَا الَّذي نلاحظُهُ فِي هَذَينِ البيتينِ مِنَ الشِّعرِ؟ نلاحظُ أنَّ كلمةَ الشَّمسِ قد استُعمِلتْ فِي معنيين: أحدُهما المعنَى الحقيقيّ للشَّمسِ الَّتي نَعرفُهَا، وهِيَ الَّتي تظهرُ فِي المشرقِ صبْحاً وتختفِي عندَ الغروبِ مساءً، والثانِي إنسانٌ وَضّاءُ الوجهِ يشبِهُ الشَّمسَ في التلأْلؤِ، وهَذَا المَعنَى غيرُ حقيقيّ. وإِذَا تأمَّلنَا رأيْنَا صِلَةً وعلاقةً بين المعنَى الأصليِّ للشَّمسِ والمعنَى العارضِ الَّذي اسْتُعْمِلَتْ فيه. وهذه العلاقة هي المشابهةُ, لأَنَّ الشخصَ وضيءَ الوجهِ يُشْبِهُ الشَّمسَ فِي الإِشراقِ، ولا يمكنُ أنْ يلتبسَ علينا الأَمرُ فنَفْهَم منْ"شمس تظللني" المعنى الحقيقيّ للشَّمسِ, لأَنَّ الشمسَ الحقيقيّة لا تُظَلِّل، فكلمة "تظللني" - إذن - تمنعُ مِنْ إِرادةِ المَعنَى الحقيقيّ, ولِهَذَا تسمَّى قرينةً دالةً على أَنَّ المعنى المقصودَ هو المعنى الجديدُ العارضُ.

                    وقالَ أبو تمّام
                    9: 1011
                    وما ماتَ حتّى مات مَضْرِبُ سَيْفِهِ مِن الضَّرْبِ واعْتَلَّتْ عليه القَنا السُّمْرُ

                    الموتُ مِنْ شأنِ الأحياءِ، فلا يموتُ إلَّا مَنْ كانَ حياً. وهَذا حقيقيّ فِي لفظة


                    117

                    "مات" الأولى ولكنَّ الشَّاعر يقولُ: إنَّ مضربَ السَّيفِ قَد مَاتَ, ومضربُ السَّيفِ جمادٌ لَا حياةَ فيهِ, فكيفَ يصيرُ ميتاً؟ ألَا نَرَى أنَّ استعمالَ لفظةِ "مات" الثانية فِي السَّيفِ هُوَ استعمالٌ فِي غيرِ مَا وضعَ لهُ لوجودِ علاقةٍ هِيَ المشابهةُ بَينَ اللفظتينِ حيثُ إنَّ مَا قصدَه الشَّاعرُ بموتِ السَّيفِ هُوَ انكسارُهُ وعدمُ النَّفعِ منهُ فَهُو كالميِّت, ولكنْ كيفَ عرفْنَا أنَّ اللفظَةَ استُعمِلَتْ في غيرِ معناهَا الحقيقيّ ومَا الَّذي دلَّنَا عَلَى ذَلكَ؟ إنَّها كلمةُ "مضربُ سيفه" فهي قرينةٌ تدلُّ على أنَّ المعنَى المرادَ في "مات" الثانية ليسَ المعنَى الحقيقيَ للموتِ وتُسمَّى هَذِهِ القرينةُ لفظيةً.

                    يقولُ المتنبِّي حينَمَا رَأَى مطراً يهطلُ على سيفِ الدولةِ12:
                    لِعَيني كُلَّ يَومٍ مِنكَ حَظٌّ تَحَيَّرُ مِنهُ في أَمرٍ عُجابِ13
                    حِمالَةُ ذا الحُسامِ عَلى حُسامٍ وَمَوقِعُ ذا السَحابِ عَلى سَحابِ14

                    نستطيعُ بعدَ الأمثلةِ الَّتي ذكرنَاهَا أنْ ندركَ في البيتِ الثانِي للمتنبّي أنَّ كلمةَ "حسام" الثانيةَ استُعملتْ في غيرِ معناهَا الحقيقيّ لعلاقةِ المشابهةِ بينَ سيفِ الدولةِ والحسامِ فِي تَحمُّلِ الأَخطارِ. إلَّا أنَّ الفارقَ أنَّه في الأمثلةِ السابقةِ كانتْ القرينةُ الدالّةُ على عدمِ إرادةِ المَعنَى الحقيقيّ لفظيةً إلَّا أنَّ القرينةَ هنا تُفهمُ مِنَ المقامِ, فهي حالِيّةٌ، وكذلكَ الحالُ في كلمةِ "سحاب" الأَخيرة فإِنَّها استُعملتْ لتدلَّ على سيفِ الدولةِ لعلاقةِ المشابهةِ بينه وبينَ السَّحابِ في الكرمِ، والقرينةُ حالِيَّةٌ أيضاً15.


                    118

                    ومما ذكرنا يتَّضحُ أنَّ الكلماتِ: شمسٌ، وماتَ، وحُسامٌ، وسحابٌ،استُعملت في غير معناها الحقيقيّ لعلاقةٍ وارتباطٍ بين المعنى الحقيقيّ والمعنى العارضِ. وتسمَّى كلُّ كلمة من هذه مجازاً لغويًّا.

                    119

                    القواعد الرئيسة
                    المَجَازُ اللّغَويُّ: هُوَ اللفظُ المُسْتعْمَلُ في غير ما وُضِعَ لَه لِعَلاقة مع قَرينةٍ مانِعةٍ مِنْ إِرادَةِ المعْنَى الحقيقي. والعَلاقةُ بَيْنَ الْمَعْنَى الحقيقي والمعنى المجازيِّ قدْ تكونُ المُشَابَهةَ، وقد تكونُ غيرَها، والقَرينَةُ قد تكونُ لفظيةً وقد تكونُ حَالِيَّةً.
                    تمارين
                    في الأبيات الآتيات كلمات متكررة أو مثنّاة أو مجموعة بعضها أو بعض أفرادها مجاز وبعضها حقيقية,بيَّنِ المجاز مع ذكر العلاقةِ والقرينةِ لفظيةً أَو حاليَّةً.

                    - قال أبو الطيب حين مرض بالحمَّى بمصر:
                    فإنْ أمرَضْ فما مَرِضَ اصْطِباري وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي

                    وقال حينما أنْذر السحابُ بالمطر وكان مع ممدوحه:
                    تَعَرّضَ لي السّحابُ وقد قَفَلْنا فقُلتُ إليكَ إنّ مَعي السّحابَا

                    - وقال آخر:
                    بِلادي وإِنْ جارتْ على عزِيزهٌ وقومي وإنْ ضَنُّوا عليَّ كِرامُ

                    - قال المتنبي في المديح:
                    فيَوْماً بخَيْلٍ تَطْرُدُ الرّومَ عنهُمُ وَيَوْماً بجُودٍ تطرُدُ الفقرَ وَالجَدْبَا

                    - وقال أيضاً:
                    فَلا زَالَتِ الشّمسُ التي في سَمَائِهِ مُطالِعَةَ الشّمسِ التي في لِثَامِهِ

                    - وقال أيضاً:
                    عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ

                    - وقال أيضاً:
                    إذا اعتلَّ سيفُ الدوْلةِ اعتلّتِ الأرْضُ وَمَنْ فوْقَها والبأسُ وَالكرَمُ المَحضُ

                    - وقال يَرثي أخت سيف الدولة:
                    فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ

                    - قال الشاعر:
                    وَقدْ نَظَرتْ بدْرُ الدُّجَى ورأَيْتُهَا فَكان كِلانا ناظِرًا وَحْدَه بَدْرَا

                    - قال المتنبي:
                    نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا

                    - قال المتنبي:
                    واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا
                    للمطالعة
                    من شعرائنا: الشيخ محمد نجيب مروة 16
                    الشيخ محمّد نجيب مروة ابن الشيخ باقر ابن الشيخ محمّد حسين الشهير بالحافظ. ولد في قرية الزرارية حوالي سنة 1299 وتوفي سنة 1376 هـ. في قرية عيثا الزط (الجبل) من جبل عامل ودفن فيها. نشأ وترعرع في قرية سلعا العامليّة، فما دخل مدرسة ولا قرأ عند معلّم، غير أنّ والدته عّلمته مبادئ القراءة والكتابة، أمّا والده فكان مشغولاً عنه بأسفاره الكثيرة، ولمّا شبّ تتبّع الكتب والشيوخ، فأتقن اللغة وقواعدها، وسلك طريق الشعر الفُكَاهِيَ حتّى غدا علماً فيه. ولقد كان محدّثاً طلق اللسان وراويةً مُتْقِناً يحفظ الكثير من الأخبار والنوادر، ويرويها بأسلوب شيّق ما جعل الناس على اختلاف طبقاتهم يتشوّقون إلى مجالسته ويتسابقون إلى الاستمتاع بأحاديثه وأشعاره، على أنّه في مواقف الجدّ يكون في شعره جادّاً صارماً كما سترى في قصيدته الفلسطينية الميميّة الآتية، وفي هذه الأبيات الّتي نظمها إبان اشتداد المظالم التركية في الحرب العامّة الأولى مخاطباً العرب:
                    ألا فليُفِقْ بعد الرُّقَادِ وينثني إلى الحرب من غلمانِكَمْ كلّ نائمِ
                    فحتّى متى هذا القعودُ وقد سقت بنو الترك من أَوْدَاجِكُم كلّ صَارِمِ

                    وله أيضاً:

                    لعمري لو جلست مكان شوقي لفاض الشعر من تحتي وفوقي
                    ولكنَّ النوائب فوق طوقي تكلّفني فتسلبني الشعورا

                    ومن طرائفه قوله
                    17:
                    رُبَّ شيخٍ قد غدا مُفْتَتِناً بفتاةٍ عقلُهُ منها انبَهَرْ
                    قد حكتْ سُمْرَ القنا قامَتُهَا صاحَ لكنْ عقلُهَا يشكو القِصَرْ
                    وإذا أبصرْتَهَا يوماً ترى جسمَهَا أشبَهُ شيءٍ بالبقرْ
                    قد رَمَتْهُ بسهامِ اللحْظِ من مقلةٍ حَوْلَا كميزانِ الجَزَرْ
                    ليتَ شِعرِيْ ما الّذي قد شاقَهُ عندها حتّى رآها كالقَمَرْ
                    سألتْهَا البعضُ من جاراتِهَا أتحبّينَ "عَلِيْ" قالت: "فَشَرْ"
                    هوامش
                    1- في مقابل المجاز العقلي.
                    2- فاللفظ قبل الاستعمال، وبعد الوضع لا يتصف بالحقيقة والمجاز. وقولنا "فيما وضع له" مخرج للمجاز والغلط، وقولنا: "في اصطلاح التخاطب" مخرج لمثل الصلاة إذا استعملت عند أهل الشرع في الدعاء فإنها مجاز في الاصطلاح الذي وقع به التخاطب، وإن كانت حقيقة باصطلاح تخاطب أهل اللغة.
                    3- القرينة الحالية تعرف من الأحوال المتعلقة بمقام الكلام، ولا تعرف من اللفظ المتكلَم به، أما القرينة اللفظية فلا تعرف إلا من اللفظ نفسه.
                    4- يفهم من هذا التعريف أن المجاز يتقوم بأمور ثلاثة:
                    أ- استعمال اللفظ في غير ما وضع له.
                    ب- وجود علاقة ومناسبة بين المعنى الموضوع له اللفظ، والمعنى المستعمل فيه. وفهم ذلك من قولنا: "على وجه يصح"، وبهذا الأمر يخرج الغلط عن كونه مجازا, لأنه استعمال في غير ما وضع له، بلا وجه يصح.
                    ج- القرينة الدالة على إرادة غير ما وضع له، والمانعة من إرادة ما وضع له.

                    5- الصور البيانية، ص 222.
                    6- وهو ما يسمى بالاستعارة.
                    7- وهو ما يسمى بالمجاز المرسل.
                    8- هو الوزير أبو الفضل محمد بن العميد نبغ في الأدب وعلوم الفلسفة والنجوم، وقد برز في الكتابة على أهل زمانه حتى قيل: "بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن العميد" توفى سنة 360هـ.
                    9- حبيب بن أوس بن الحارث الطائي188 - 231 هـ / 803 - 845 م. أحد أمراء البيان، ولد بجاسم (من قرى حوران بسورية)، ورحل إلى مصر، واستقدمه المعتصم إلى بغداد، فأجازه وقدّمه على شعراء وقته، فأقام في العراق، ثم ولي بريد الموصل، فلم يتم سنتين حتى توفي بها. اختُلِفَ في التفضيل بينه وبين المتنبي والبحتريّ، له تصانيف، منها فحول الشعراء، وديوان الحماسة، ومختار أشعار القبائل...
                    10- مضرب السيف: حدّه، والقنا: الرماح، والسمر: الرماح أيضاً، أي لم يمت في ساحة الحرب حتى تَثَلّم سيفه وضعفت الرماح عن المقاومة.
                    11- يقول ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة: سمعت النقيب أبا زيد يحيى بن زيد العلويّ البصريّ، يقول: كأن أبيات أبي تمّام في محمد بن حميد الطائي ما قيلت إلا في الحسين عليه السلام:
                    وقد كان فوتُ الموت سهلاً فردّه إليه الحِفَاظُ المُرُّ والخُلُقُ الوَعْرُ
                    ونفسٌ تعافُ الضيمَ حتى كأنه هو الكفرُ يوم الرَّوْعِ أو دونه الكفرُ
                    فأثبتَ في مستنقعِ الموت رِجله وقال لها: من تحت أخمَصك الحشر
                    تَرَدّى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليلُ إلا وهي من سُنْدسٍ خُضْرِ

                    12- علي بن عبد الله بن حَمْدان التغلبيّ الربعيّ، أبو الحسن، سيف الدولة الأمير، صاحب المتنبي وممدوحه. 303 - 356 هـ / 915 - 967 م، يقال: لم يجتمع بباب أحد من الملوك بعد الخلفاء ما اجتمع بباب سيف الدولة من شيوخ العلم ونجوم الدهر! ولد في ميافارقين (بديار بكر)، ونشأ شجاعاً مهذباً عالي الهمة.وملك واسطاً وما جاورها، ومال إلى الشام فامتلك دمشق، وعاد إلى حلب فملكها سنة 333هـ، وتوفي فيها، ودفن في ميافارقين.
                    13- تَحَيَّرَ: أصلها تتحير حذفت منها إحدى التاءين. يقول كل يوم ترى عيني منك شيئاً عجيباً تتحير منه.
                    14- الحِمَالة التي يحمل بها السيف وهي المحمل - أيضاً - يقول سيف حمل سيفا وسحاب يمطر على سحاب هذا هو العجاب.
                    15- علي الجارم ومصطفى أمين، البلاغة الواضحة، ص (بتصرّف)
                    16- السيد محسن الأمين، أعيان الشيعة، ج 9، ص 214.
                    17- "فشر": لغة عامية، ومعناها "خابَ".

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X