أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
يذكر علماء البلاغة عادةً انقسام الفصاحة إلى فصاحةٍ في الكلمة، وفصاحة في الكلام، وفصاحة في المتكلِّم، ثم يعرّفون الفصاحة في كل قسم من هذه الأقسام على حدة، ويعلّلون ذلك بأنّه يتعذّر جمع المعاني المختلفة غير المشتركة في أمرٍ يعمّها في تعريفٍ واحد.
3- عدّد شروطَ فصاحةِ الكلمة وهاتِ مثالاً على كلٍّ منها.
4- متى يكون الكلام فصيحاً ؟.
5- اذكر الوجه في عدم بلاغة قول الفرزدق:
وما مثلُهُ في الناس إلا مُمَلَّكاً أبو أمِّه حيٍّ أبوه يقارِبُه
6- التعقيدُ نوعان اذكرهما وهاتِ مثالاً على كلّ نوع.
7- ما هي مخلّات الفصاحة في الأمثلة التالية؟
أ- فلا يُبْرمُ الأمرُ الّذي هو حالِلُ ولا يُحْلَلُ الأمرُ الّذي هو يَبْرِمُ.
ب- خَلَتِ البلادُ من الغزالةِ ليلُها فأعاضهاك الله كي لا تحْزَنا.
ج- أنّى يكونُ أبا البرايا آدمُ وأبوك والثقلانُ أنت محمدُ.
د- ومن جاهلٍ بي وهو يجهل جهلَهُ ويجهل علمي أنّه بي جاهلُ.
هـ- ولم أر مثل جـيراني ومثلي مثلهم مقام لمثلي عنـد.
و- وتسعدني في غمرة بعد غمرة سبوح لها منها عليها شواهد.
ز- وازْور من كان له زائر وعاف عافي العُرف عرفانه.
للمطالعة
كلام ابن أبي الحديد في فصاحة أمير المؤمنين عليه السلام:
"... واعلم أنّنا لا يتخالجنا الشكّ في أنّه عليه السلام أفصح من كلّ ناطق بلغة العرب من الأوّلين والآخرين، إلّا من كلام الله سبحانه، وكلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأنّ فضيلة الخطيب والكاتب في خطابته وكتابته تعتمد على أمرين هما: مفردات الألفاظ ومركّباتها. أمّا المفردات فأن تكون سهلة سلسة غير وحشية ولا معقّدة، وألفاظه عليه السلام كلّها
كذلك، فأمّا المركّبات فحسن المعنى وسرعة وصوله إلى الأفهام، واشتماله على الصفات الّتي باعتبارها فُضّل بعض الكلام على بعض، وتلك الصفات هي الصناعة الّتي سمّاها المتأخّرون البديع، من المقابلة، والمطابقة، وحسن التقسيم، وردّ آخر الكلام على صدره، والترصيع، والتسهيم، والتوشيح، والمماثلة، والاستعارة، ولطافة استعمال المجاز، والموازنة، والتكافؤ، والتسميط، والمشاكلة. ولا شبهة أنّ هذه الصفات كلّها موجودة في خطبه وكتبه، مبثوثة متفرّقة في فرش كلامه عليه السلام، وليس يوجد هذان الأمران في كلام أحد غيره، فإن
كان قد تعمّلها وأفكر فيها، وأعمل رويّته في رصفها ونثرها، فلقد أتى بالعجب العجاب، ووجب أن يكون إمام الناس كلّهم في ذلك، لأنّه ابتكره ولم يعرف من قبله، وإن كان اقتضبها ابتداء، وفاضت على لسانه مرتجلة، وجاش بها طبعه بديهة، من غير رويّة ولا اعتمال، فأعجب وأعجب! وعلى كلا الأمرين فلقد جاء مجلياً والفصحاء تنقطع أنفاسهم على أثره. وبحقّ ما قال معاوية لمحقن الضبيّ، لمّا قال له: جئتك من عند أعيا الناس: يا بن اللخناء ألعليٍّ تقول هذا؟ وهل سنّ الفصاحة لقريش غيره!؟. واعلم أنّ تكلّف الاستدلال على أنّ الشمس مضيئة يُتعب، وصاحبه منسوب إلى السفه، وليس جاحد الأمور المعلومة علماً ضرورياً بأشدّ سفهاً ممّن رام الاستدلال بالأدلّة النظريّة عليها"22.
وكانَ هِشَامُ أحولَ فأمَرَ بِحَبسِهِ.
أقسامُ عِلمِ البلاغةِ:
ينقسمُ علمُ البلاغة إلى ثلاثةِ أقسِامٍ: علمُ البيان: وهو علمٌ يعرَف به إيرادُ المعنَى الواحدِ بطُرُقٍ مختلفة ٍفِي وضوحِ الدلالةِ عليهِ. علمُ المعاني: وهو علمٌ يعرَفُ به أحوال اللفظ العربيِّ التي بها يطابقُ مقتضَى الحالِ. علمُ البديعِ: وهوَ علمٌ يُعرَفُ بِهِ وجوهُ تحسينِ الكلامِ، بَعدَ رِعَايةِ تطِبيقِهِ عَلَى مقتضَى الحالِ ووضوحِ الدلالةِ.
الهدفُ مِنْ دراسةِ البَلاغَةِ:
أ- معرفةُ إعجازِ9 القرآن الكريمِ، من جهةِ ما خصَّهُ اللهُ به من جودةِ السبَّكِ، وحُسن الوصفِ، وبَراعةِ التَّراكيبِ، ولُطفِ الإيجاز، وما اشتملَ عليه من سُهولةِ الترَّكيبِ، وجزالةِ كلماتهِ، وعُذوبِة ألفاظهِ وسلامتِها، إلى غير ذلك من محاسنهِ التي أقعدتِ العربَ عن مناهضتِه، وحارتَ عقولهُم أمامَ فصاحتهِ وبلاغتهِ.
ب- معرفة أسرارِ كلامِ النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، والائمة عليهم السلام فهم أبلغُ البلغاءِ، وأفضلُ من نطقَ بالضادِ، وذلك ليصارَ للعملِ بها، ولاقتفاء أثرهم في ذلكَ.
ج- الوقوفُ على أسرارِ البلاغةِ والفصاحةِ- في مَنثورِ كلامِ العرب ومنظومِه - كي نحتذيَ حذوهُ، وتننسُجَ على منوالهِ، ونفرِّقَ بين جَيِّدِ الكلام ورديئِهِ.
3- هل يمكن أن يكون الكلام فصيحاً غير بليغ؟ هاتِ مثالاً.
4- لماذا كان قول الشاعر أبي النجم غير بليغ؟
صفراء قد كادت ولما تفعل كأنّها في الافق عين الأحولِ
للمطالعة
أمير المؤمنين عليه السلام بلسان خصمه:
".... دعا عمرو(بن العاص) غلامه وردان، وكان داهياً مارداً، فقال: ارحل يا وردان، ثمّ قال: احطط يا وردان ثمّ قال: ارحل يا وردان. احطط يا وردان. فقال له وردان: خلطت أبا عبد الله! أما إنّك إن شئت أنبأتك بما في قلبك، قال: هات ويحك! قال: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: عليّ معه الآخرة في غير دنيا، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا عوض من الآخرة، وأنت واقف بينهما، قال: قاتلك الله ! ما أخطأت ما في قلبي، فما ترى يا وردان؟ قال: أرى أن تقيم في بيتك، فإن ظهر أهل الدِّين عشت في عفو دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغنوا عنك. قال: الآن لمّا أشهرت العرب سيري إلى معاوية! فارتحل وهو يقول:
يا قاتل الله وردانا وقدحته
لمّا تعرّضت الدنيا عرضت لها
نفس تعفّ وأخرى الحرص يغلبها
أما علي فدين ليس يشركه
فاخترت من طمعي دنيا على بصر
إنّي لأعرف ما فيها وأبصره
لكن نفسي تحبّ العيش في شرف
أبدى لعمرك ما في النفس وردان
بحرص نفسي وفي الأطباع إدهان
والمرء يأكل تبناً وهو غرثان
دنيا وذاك له دنيا وسلطان
وما معي بالّذي أختار برهان
وفيّ أيضاً لما أهواه ألوان
وليس يرضى بذل العيش إنسان
فسار حتّى قدم على معاوية، وعرف حاجة معاوية إليه، فباعده من نفسه، وكايد كلّ واحد منهما صاحبه. فقال له معاوية يوم دخل عليه: أبا عبد الله، طرقتنا في ليلتنا ثلاثة أخبار ليس فيها ورد ولا صدر، قال: وما ذاك؟ قال: منها أنّ محمّد بن أبي حذيفة كسر سجن مصر فخرج هو وأصحابه، وهو من آفّات هذا الدِّين. ومنها أنّ قيصر زحف بجماعة الروم ليغلب على الشام. ومنها أنّ عليّاً نزل الكوفة، وتهيأ للمسير إلينا. فقال عمرو: ليس كلّ ما ذكرت عظيماً، أمّا ابن أبي حذيفة، فما يتعاظمك من رجل خرج في أشباهه أن تبعث إليه رجلاً يقتله أو يأتيك به، وإن قاتل لم يضرّك. وأمّا قيصر فأهد له الوصائف وآنية الذهب والفضّة، وسله الموادعة فإنّه إليها سريع. وأمّا عليّ فلا والله يا معاوية، ما يسوي العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإنّ له في الحرب لحظّاً ما هو لأحد من قريش، وإنّه لصاحب ما هو فيه إلّا أن تظلمه. هكذا في رواية نصر بن مزاحم عن محمد بن عبيد الله. وروى نصر أيضاً عن عمر بن سعد قال: قال: معاوية لعمرو: يا أبا عبد الله، إنّي أدعوك إلى جهاد هذا الرجل الّذي عصى الله وشقّ عصا المسلمين، وقتل الخليفة وأظهر الفتنة، وفرّق الجماعة وقطع الرحم، فقال عمرو: من هو؟ قال: عليّ قال: والله يا معاوية ما أنت وعليّ بحملي بعير، ليس لك هجرته ولا سابقته، ولا صحبته ولا جهاده، ولا فقهه ولا علمه. ووالله إنّ له مع ذلك لحظّاً في الحرب ليس لأحد غيره، ولكنّي قد تعوّدت من الله تعالى إحساناً وبلاء جميلاً، فما تجعل لي إن شايعتك على حربه، وأنت تعلم ما فيه من الغرر والخطر؟ قال: حكمك، فقال: مصر طعمة. فتلكّأ عليه معاوية. قال نصر: وفي حديث غير عمر بن سعد: فقال له معاوية: يا أبا عبد الله، إنّي أكره لك أن تتحدّث العرب عنك أنّك إنّما دخلت في هذا الأمر لغرض الدنيا، قال عمرو: دعني عنك، فقال معاوية: إنّي لو شئت أن أُمنّيك وأخدعك لفعلت، قال عمرو: لا، لعمر الله ما مثلي يخدع، لأنا أكيس من ذلك، قال معاوية: أدن منّي أسارّك، فدنا منه عمرو ليسارّه، فعضّ معاوية أذنه، وقال: هذه خدعة! هل ترى في البيت أحداً ليس غيري وغيرك!"10.
معنى الأسلوبِ1:
هو المعنى المَصُوغُ في ألفاظٍ مؤلَّفةٍ على صورةٍ تكون أقربَ لنيل الغرضِ المقصود من الكلامِ، وأفعلَ في نفوسِ سامعيهِ.
أنواعُ الأسلوبِ: ينقسمُ الأسلوبُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ:أسلوبٌ علميٌّ, وأسلوبٌ أدبيٌّ, وأسلوبٌ خطابيٌّ.
1- الأسلوبُ العلميُّ:
وهو أهدَأُ الأساليبِ، وأكثرُها احتياجاً إلى المنطقِ السَّليمِ، والفكرِ المُستقيم، وأبعدُها عن الخيال الشِّعْرِي, لأنه يخاطبُ العقلَ، ويُناجي الفكرَ، ويَشْرَحُ الحقائق العلميَّةَ التي لا تخلو من غموضٍ وخفاءٍ.
وأظهَرُ ميزاتِ هذا الأسلوبِ "الوُضُوحُ"، فيجبُ أن يُعنَى فيه باختيارِ الألفاظِ الواضحةِ الصريحةِ في معناها،الخاليةِ من الاشتراكِ، وأنْ تُؤَلَّفَ هذه الألفاظُ في سُهولةٍ وجلاءِ، حتى تكون ثَوباً شفَّافاً للمعنَى المقصودِ.
أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ العلميِّ:
1- هدفُه إظهارُ الحقائقِ وكشفُها للسامعِ أو القارئِ.
37
2- يمتازُ بالوضوحِ والدقةِ والتحديد، والترتيبِ المنطقيِّ.
3- يمتازُ باستخدام الأدلةِ والبراهينَ، والبعدِ عن المبالغةِ.
4- يمتازُ بالابتعادِ عن الخيالِ والعاطفة.
5- تتخللُه مصطلحاتٌ علميةٌ متصلةٌ بالموضوع الذي يتناولهُ.
مثالُ الأسلوبِ العلميِّ:
وصفُ البركةِ في القصر:
"وفي فناءِ القصر بركةٌ كبيرة، يزيدُ اتساعها عن مائة متر طولاً في مثلِها عرضاً، وحولَها سورٌ متوسطُ الارتفاعِ، يستطيعُ الإنسانُ أن يجلسَ على حافتهِ، ويرى ماءَ البركةِ الذي يتدفقُ إليها بشدةٍ من النهرِ المجاور، وهو ماءٌ صافٍ،لا يحجبُ قرارَ البركةِ عن العينِ".
نوعا الأسلوبِ العلميِّ:
ينقسم الأسلوب العلمي الى قسمين: 1- أسلوبٌ علميٌّ بحتٌ: وهو الذي يُعنَى بعرضِ الحقائقَ العلميةِ دون انصرافٍ إلى جمالِ اللفظ، أو أناقةِ التعبيرِ.
مثالُ الأسلوبِ العلميِّ البحتِ:
"الثعابينُ زواحفُ معروفةٌ، تمتازُ باستطالةِ جسمِها وخلوِّهِ من الأطرافِ، وهيَ كثيرة الانتشارِ في جميع أنحاءِ المعمورةِ، ولا تخلو منها بقعةٌ في العالم إلا نيوزيلندة، وبعضُ الأجزاء الأخرى".
2- أسلوبٌ علميٌّ متأدبٌ: وهو الذي يضعُ الحقائقَ العلميةَ في عبارةٍ لا تخلو من أناقةٍ في اختيارِ ألفاظِها، وإنْ كانتْ لا تصلُ في ذلك إلى الأسلوبِ الأدبيِّ.
- ينقسمُ الأسلوب العلميُّ إلى: أسلوبٌ علميٌّ متأدبٌ, وأسلوبٌ علميٌّ بحتٌ.
أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ العلمي:
1- يمتازُ بالوضوحِ والدقةِ والتحديد، والترتيبِ المنطقيِّ.
2- يمتازُ باستخدام الأدلةِ والبراهينِ، والبعدِ عن المبالغة.
3- يمتازُ بالابتعادِ عن الخيالِ والعاطفة.
أهمُّ مميزاتِ الأسلوبِ الخطابيِّ:
1- من أظهرِ مميزاتِ هذا الأُسلوبِ التكرارُ، واستعمالُ المترادفاتِ، وضربُ الأمثالِ.
2- اختيارُ الكلماتِ الجزلةِ، ذاتِ الرنينِ.
3- تعاقبُ ضروبِ التعبيرِ، من إِخبارٍ إلى استفهامٍ إلى تعجبٍ إلى استنكارِ.
تمارين
1- وضِّح مفهومَ الأسلوبِ.
2- بينْ أنواعَ الأسلوبِ.
3- عددْ أهمَّ خصائصِ الأسلوبِ العلميِّ.
4- عددْ أهمَّ ميزاتِ الأسلوبِ الأدبيِّ.
5- عدد أهمَّ خصائص الأسلوبِ الخطابيِّ.
6- اكتب فقرتين كل واحدة منها مؤلفة من ثلاثة أسطر، تستخدم في الأولى أسلوباً علمياً، وفي الثانية أسلوباً أدبياً، في الحديث عن الشمس؟
للمطالعة
زينب عليها السلام بطلة كربلاء.... ببيانها
عن ابي إسحاق عن خذيمة الاسدي قال: سمعت عليّ بن الحسين عليه السلام وهو يقول بصوت ضئيل قد نحل من شدّة المرض: يا أهل الكوفة، إنّكم تبكون علينا، فمن قتلنا غيركم؟! ورأيت زينب بنت عليّ عليه السلام فلم أر والله خَفِرَةً قطّ أنطق منها، كأنّها تنطق وتفرغ على لسان علي عليه السلام، وقد أشارت إلى الناس بأن أنصتوا فارتدّت الأنفاس وسكنت الأجراس، ثمّ قالت - بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم - أمّا بعد يا أهل الكوفة يا أهل الخَتْل30 والغَدْر، والخَذْل!! ألا فلا رقأت العبرة31 ولا هدأت الزفرة، إنّما مثلكم كمثل الّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً32 تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم33 هل فيكم إلّا الصلف34 والعجب، والشنف35 والكذب، وملق الإماء وغمز الأعداء36 أو كمرعى على دِمْنَة37 أو كفضة على ملحودة38 ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون أخي؟! أجل والله فابكوا فإنّكم أحرى بالبكاء فابكوا كثيراً، واضحكوا قليلاً، فقد أبليتم بعارها، ومنيتم بشنارها39 ولن ترحضوا أبداً40 وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ومعدن الرسالة، وسيّد شباب أهل الجنّة، وملاذ حربكم، ومعاذ حزبكم ومقرّ سلمكم، واسى كَلْمِكُم41 ومفزعِ نازلتكم، والمرجع إليه عند مقاتلتكم ومدرة حججكم42 ومنار محجّتكم، ألا ساء ما قدّمت لكم أنفسكم، وساء ما تزرون ليوم بعثكم، فتعساً تعساً! ونكساً نكساً! لقد خاب السعي، وتبّت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذِلّة والمَسْكَنَة. (...) ثمّ أنشأت تقولعليها السلام:
ماذا تقولون إذ قال النبيّ لكم ماذا صنعتم وأنتم آخرُ الأممِ
بأهل بيتي وأولادي وتَكْرمتي منهم أُسَارَى ومنهم ضُرِّجُوا بدم
ما كان ذاك جزائي إذ نصحتُ لكم أن تخلفوني بسوءٍ في ذوي رَحِمي
إنّي لأخشى عليكم أن يحلَّ بكم مثلَ العذابِ الّذي أودى على إرم
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى علم البيان في الإصطلاح.
2- أن يتعرّف الطالب إلى معنى التشبيه.
3- أن يعدّد الطالب أركان التشبيه.
4- أن يملك الطالب القدرة على معرفة وتطبيق أركان التشبيه.
49
مدخل في التعريف بعلم البيان: البيانُ فِي الُّلغَةِ: مَعْنَاهُ الظُهُورُ والوضُوحُ والإِفْصَاحُ، وَمَا تَبيَّنَ بِهِ الشَّيءُ مِنَ الدَّلاَلةِ وغيرِهَا, نَقُولُ بَانَ الشيءُ بياناً: اتّضحَ، فهو بيّنٌ، والجمعُ: أبْيناء.
وقَد تَداخَلَ علمُ "البيانِ" بادئَ الأَمرِ مَعْ عِلمِ "المعانِي"، واستوعَبَ بَعضَ مَباحثِهِ لَاحِقاً علومَ البَلاغَةِ كلَّها بعضَ الأَحيانِ.
وقد عَرَّفَ البيانَ مجموعةٌ مِنَ الأُدَبَاءِ: فقال الجاحظ: "والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ الله عزّوجلّ يمدحُه، ويدعو إليه ويحثُّ عليه، بذلك نَطَقَ القُرآنُ، وبذلك تفاخَرَت العَرب، وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم، والبيان اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشَفَ لك قِناعَ المعنى، وهتكَ الحِجَاب دونَ الضمير، حتّى يُفْضِيَ السّامعُ إلى حقيقته، ويَهجُم على محصولِهِ كائناً ما كان ذلك البيانُ، ومن أيِّ جنسٍ كان الدّليل,لأنّ مَدَارَ الأمرِ والغايةَ التي إليها يجرِي القائل والسّامع، إنَّما هو الفَهْمُ والإفهام,فبأيِّ شيءٍ بلغْتَ الإفهامَ وأوضَحْتَ عن المعنى، فذلك هو البيانُ في ذلك الموضع"4.
وقد عرَّفه الخطيب القزويني بقوله: "علم يُعرَف به إيرادُ المعنى الواحدِ بطرقٍ مختلفةٍ في وضوحِ الدَّلالة عَليهِ"5. والبيان كما ترى ينصب على الدلالة، وهي عند المناطقة أنواع: أ- دلالة المطابقة: وهي أن يدل اللفظ على المفهوم الذي وُضع له في اللغة من غير زيادة أو نقصان. فهي دلالة وضعيه كدلالة لفظ "البيت" على البيت. ب- دلالة التضمن: وهي أن يدل اللفظ على مفهوم يتضمنه مدلوله الأصلي كأن يدل لفظ "البيت" على السقف. ج- دلالة الالتزام: وهي أن يدل اللفظ على مفهوم يقتضيه مدلوله الأصلي عقلاً
52
أو عرفاً، كأن يدل لفظ "الحائط" على السقف.
ودلالة التضمن والالتزام دلالتان عقليتان إذ يعتمد فيهما الذّهن على جملة من الوسائط في المرور من مدلول إلى آخر. وهذا المرور أو التجوز كثير في الكلام ولذلك انفرد علم البيان داخل علم البلاغة بدراسة وجوهه. فهو يشتغل بـ "الملازمات بين المعاني"6.
ومنْ أساليبِ البيانِ أنكَ إذا أردتَ إثباتَ صفةٍ لموصوفٍ، مع التوضيحِ، أو وجهٍ من المبالغةِ، عمدتَ إلى شيءٍ آخرَ، تكونُ هذه الصفةُ واضحةً فيه، وعقدتَ بين الاثنينِ مماثلةً، تجعلُها وسيلةً لتوضيحِ الصفةِ، أو المبالغةِ في إثباتها، لهذا كان التشبيهُ أولَ طريقةٍ تدلُّ عليهِ الطبيعةُ لبيانِ المعنَى.
53
تعريفُ التشبيهِ: التشبيهُ: لغةً التمثيل ُ، نقول: هذا شبهُ هذا ومثيلُه. والتشبيهُ اصطلاحاً: هو مشاركة أمر لأمر في معنى بأدواتٍ معلومةٍ7 أو هو عقدُ مماثلةٍ بينَ أمرينِ أو أكثرَ، قُصِدَ اشتراكهُما في صفةٍ أو أكثرَ، بأداةٍ, لغرضٍ يقصُدهُ المتكلِّمُ للعلمِ، كقول المَعَرِّيّ في الْمَديح:8
أَنْتَ كالشَّمْسِ في الضِّياءِ وإِنْ جا وَزْتَ كيوانَ فِي عُلُوِّ المكانِ
حيث عَرَفَ الشاعِرُ أَن مَمْدُوحَه وَضِيءُ الوجهِ مُتَلألئُ الطلعة، فأَراد أن يأْتيَ له بمَثِيل تَقْوَى فيه الصفةُ، وهي الضياءُ والإشراقُ، فلمْ يجدْ أقوَى مِنَ الشَّمسِ، فضَاهَاهُ بِهَا، ولِبيَانِ المضاهاةِ أتَى بالكافِ.
فقد وجَدَ الشاعرُ أخلاقَ صَدِيقِه دمِثَةً لَطِيفَةً تَرتاحُ لها النفسُ، فَعملَ على أنْ يأْتي لها بنظيرٍ تَتَجَلَّى فيه هذه الصَّفةُ وتَقْوَى، فرأَى أنَّ نسيمَ الصباحِ كذلكَ، فَعَقَدَ المماثلة بينهما، وبيَّن هذه المماثلة بالحرف "كأنَّ".
ومِنْ هنَا نَرَى فِي كلِّ بيتٍ مِنَ البيتينِ السَّابقينِ أَنَّ شيئاً جُعِلَ مَثِيلَ شيءٍ فِي صفةٍ مشتركةٍ بينهما، وأَنَّ الَّذي دلّ عَلى هَذِهِ المُماثلةِ أَداةٌ هِي الكافُ أَو كأَنَّ، وهَذا ما يُسَمَّى بـ "التشبيهِ"، فَقَد رأَيتَ أَنْ لا بدَّ لهُ من أَركانٍ أَربعةٍ: الشيء الذي يُرادُ تشبيهُهُ ويسمَّى "المشبَّهَ"، والشيء الَّذي يُشَبَّه به ويُسمَّى"المشبَّه به"، والصفةُ المشتركة بَينَ الطَّرفين وتسمَّى "وجه الشَّبَه", و"أداةُ الَّتشبيهِ" وهي الكاف وكأَن ونحوهما.
54
أركانُ التشبيهِ: 1- المُشبَّهُ: هو الأمر ُالذي يُرادُ إلحاقُهُ بغيرهِ، "وقد يكون المشبَّه محذوفاً للعلم به، ولكنَّه يُقَدَّرُ في الإِعرابِ، وهذا التقديرُ بمثابةِ وجودِهِ كَمَا إذا سُئِلت "كيفَ عليٌّ"؟ فقلتَ: "كالزهرة الذابِلةِ" فإِنَّ"كالزهرة" خبرٌ لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: "هو الزهرةُ الذابلةُ"9.
2- المُشبَّهُ به: هو الأمرُ الذي يُلحَقُ بهِ المشبَّهُ، وهذانِ الركنانِ يسميانِ طرفي التشبيهِ.
3- وجهُ الشبهِ: هو الوصفُ المشترَكُ بينَ الطرفينِ، ويكونُ في المشبَّهِ به أقوَى منهُ في المشبَّهِ، وقد يُذكرُ وجهُ الشَّبهِ في الكلامِ، وقد يُحذَفُ كما سيأتي توضيحُه10.
4- أداة ُالتَّشبيهِ11: هي اللفظُ الذي يدلُ على التشبيهِ، ويربطُ المشبَّهَ بالمشبَّهِ به، وقد تُذكرُ الأداةُ في التشبيهِ، وقدْ تحذف.
55
القواعد الرئيسة
البيانُ: أصولٌ وقواعدُ يُعرفُ بِهَا إيرادُ المَعنَى الواحد بطرقٍ مختلفةٍ.
2- عرّف التشبيهَ لغةً واصطلاحاً وهاتِ مثالاً عليه.
3- عدّد أركانَ التشبيهِ مع التمثيل.
4- بَيِّنْ أَركان التشبيه فيما يأتي:
أ- أَنْت كالبحْر في السَّماحةِ والشَّمْـ ـسِ عُلُوًّا والْبدْر في الإِشراقِ
ب- العُمْرُ مِثْلُ الضَّيْفِ أَوْ كالطِيْفِ لِيْس لَهُ إِقامةْ
ج- كلامُ فلانٍ كالشَّهْدِ في الحلاوة.
د- الناسُ كأَسْنان المُشْطِ في الاستواء.
5- اشرح بإِيجاز قول المتنبي في المديح. وبيِّن جمال ما فيه من التشبيه:
كالبَدْرِ من حَيثُ التَفَتَّ رَأيْتَهُ يُهْدي إلى عَيْنَيْكَ نُوراً ثاقِبَا
كالبَحْرِ يَقذِفُ للقَريبِ جَواهِراً جُوداً ويَبْعَثُ للبَعيدِ سَحائِبَا
كالشّمسِ في كَبِدِ السّماءِ وضَوْؤها يَغْشَى البِلادَ مَشارِقاً ومَغارِبَا
للمطالعة
مؤلّفات الشيعة في علم البلاغة
أوّل من وضعه وألّف فيه المرزباني أبو عبد الله محمّد بن عمران الكاتب الخراساني البغدادي يروي عنه السيد المرتضى في أماليه كثيراً قال ابن النديم: آخر من رأينا من الأخباريين المصنّفين واسع المعرفة بالروايات كثير السماع وعدّ من مؤلّفاته كتاب المفصّل في البيان والفصاحة نحو ثلاثمائة ورقة وقال السيوطي في الأوائل: أوّل من صنّف في المعاني والبيان الشيخ عبد القاهر الجرجاني، ولكن المرزباني توفّي 378. والشيخ عبد القاهر الجرجاني توفّي 444 أو 471 فيكون المرزباني أقدم. نصّ على تشيّعه اليافعي في تاريخه وابن خَلِّكَان, فعن اليافعي أنّه أخذ عن ابن دريد وابن الأنباري العلوم الأدبية. قال:وهو صاحب التصانيف المشهورة والمجاميع الغريبة ورواية الأدب وصاحب التأليفات الكثيرة ثقة في الحديث قائل بمذهب التشيّع. وقال ابن خَلِّكَان: كان راويةً للأدب صاحب أخبار وتآليفه كثيرة وكان ثقة في الحديث ومائلاً إلى التشيّع في المذهب. وبعده الشيخ ميثم بن علي ابن ميثم البحراني معاصر للسكّاكي صاحب المفتاح وأستاذ السيد الشريف الجرجاني، ينقل عنه الشريف في أوائل فنّ البيان من شرح المفتاح معبّراً عنه ببعض مشايخنا له كتاب تجريد البلاغة في المعاني والبيان ذكره في كشف الظنون. وللمقداد السيوريّ عليه شرح سمّاه تجريد البراعة في شرح تجريد البلاغة. والشيخ عماد الدِّين يحيى بن أحمد الكاشي. له شرح المفتاح للسكّاكي ذكره في كشف الظنون وذكره بعض تلامذة الشيخ عليّ الكركي في رسالته في أسامي علمائنا، وكذا عن صاحب تذكرة المجتهدين من الإماميّة، وذكرا له الشرح المذكور، ولكن صاحب رياض العلماء ظنّ أنّه من علماء أهل السنّة، ولم يستبعد كونه بعينه حسام الدِّين المُؤَذِّني المشهور شارح المفتاح للسكاكي مجهول العصر. وأبو جعفر قطب الدِّين محمّد بن محمّد الرازي الدمشقيّ شارح الشمسيّة والمطالع له شرح المفتاح ذكره في أمل الآمل وتوفّي بصالحية دمشق 766.
علم البديع: أوّل من أكثر استعمال الأنواع البديعية في شعره إبراهيم بن عليّ بن هرمة الشاعر مادح أهل البيت وشاعرهم أواسط المائة الثانية. ثمّ جمع قدامة بن أعفر الكاتب البغدادي في كتابه نقد الشعر عشرين نوعاً من أنواع البديع قال صفي الدِّين الحلّي في خطبة شرح بديعيته: وكان جملة ما جمع ابن المعتز منها سبعة عشر نوعاً ومعاصره قدامة بن جعفر الكاتب فجمع منها عشرين نوعاً توارد معه على سبعة منها وسلّم له ثلاثة عشر فتكامل لهما ثلاثون نوعاً ثمّ اقتدى بهما الناس في التأليف وقال ابن المعتز في صدر كتابه - على ما حُكِيَ - أنّه ما جمع قبلي فنون الأدب أحد ولا سبقني إلى تأليفه مؤلّف. وحيث أنّ قدامة معاصر له كما سمعت، فلا يُعلم أيّهما السابق. وكيف كان، فقدامة أوّل من ألّف فيه من الشيعة حوالي 310. وأوّل من جعل أنواع البديع في مدح النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على وزن قصيدة البُرْدَة وقافيتها صفي الدِّين عبد العزيز بن سرايا الحلّي، فنظم بديعيّته وشرحها وطُبعت مع الشرح، واقتدى به ابن حجّة الحَمَوِيّ والمَوْصِليّ ومحمّد بن جابر الأندلسيّ وغيرهم. والسيّد عليّ خان الشيرازي صاحب السُّلَافة نظم فيه بديعيته وشرحها وطبعت مع الشرح واسمه أنوار الربيع 112012.
- يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "وإنما أنتم كَرَكْب وقوفٍ لا يدرون متى يؤمرون بالسير".
يقول الشاعر:
- يا شبيهَ البدرِ حُسْناً وضياءً ومنالا
- وشبيهَ الغُصنِ لِيناً وقواماً واعتدالا
ويقول أيضاً:
- إنما الدنيا بلاءٌ ليس للدنيا ثبوتُ
- إنما الدنيا كبيتٍ نسجتُه العنكبوتُ
- إنما يكفيك منها أيها الراغبُ قوتُ
ويقول اخر:
- عزماتهُم قُضُبٌ، وفَيْضُ أَكُفِّهِمْ سُحُبٌ، وَبِيضُ وجوهِهِمْ أقمارُ
للمطالعة
دور علماء الشيعة في الأدب العربي واللغة العربية17
... أمّا في النثر والكتابة والخطابة وأدب الكاتب ونحو ذلك، فكفاهم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام إمام البلغاء وسيّد الكتّاب والخطباء في خُطَبه وكُتَبه وعهوده ووصاياه وكلماته القصيرة الّتي أعيت الفصحاء وأعجزت البلغاء أن تجاريها، وتعلّم منها كلّ كاتب وخطيب، وتلمّذ عليه فيها شيعته وأتباعه، واقتبسوا، وتعلّموا منها، وحذوا حذوها، ونهجوا نهجها، وارتضعوا من ثديها، وشربوا من منهلها، وإن لم يستطع أحد منهم ولا من غيرهم مباراتها ولا مجاراتها. ولا حاجة بنا إلى الإطناب في وصفها كما قال المتنبيّ: وإذا استطال الشيء قام بنفسه وصفاتُ ضوء الشمس تذهبُ باطلا
وقال بعض البلغاء: حفظت كذا وكذا من خطب الأصلع18، فغاضت، ثمّ فاضت (....) وزوجتُهُ الزهراء صاحبة الخُطَب الجليلة بعد وفاة أبيها صلى الله عليه وآله وسلم، وابنُهُ الحسن عليه السلام الّذي به اقتدى، وله اقتفى، ومن خُطَبهِ المشهورة خُطْبَتُه بالكوفة بمحضر معاويةَ بعد الصلح، وأخوه الحسين عليه السلام الّذي خطب يوم الطفّ، فلم يُسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطقٍ منه، حتّى قال فيه عدوُّه ابن سعد: كلّموه، فإنّه ابن أبيه، والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حُصِرَ. وخُطَبُ الحَسَنَيْنِ عليهما السلام ومواعظُهُمَا وكُتُبهما قد ملأ ذكرُها الأسفارَ واشْتَهرَت اشتهارَ الشمس في رائعةِ النهار. وابنتُهُ زينبُ بنتُ عليٍّ عليه السلام صاحبةُ الخُطَبِ الجليلةِ بالكوفة والشام. وزينُ العابدينَ صاحبُ الخطبِ المعروفة بالكوفة والشام والمدينة بعد قتلِ أبيه والأدعية المشهورة ببلاغتها وفصاحتها في الصحيفة الكاملة الّتي عُرفت بـ "قرآن آل محمّد" وغيرِها. وتلميذُهُ عبد الله بن عبّاس صاحبُ المقامات المشهودة في الخطابةِ والكتابةِ وخُطَبُهُ وكلامه وكتبه أشهرُ من أن تعرف، ومحاوراتُه مع ابن الزُّبَيْرِ وغيرهِ وكتابُه إلى يزيدَ بعد قتل الحسين عليه السلام أقوى شاهدٍ على تقدّمه في البلاغة والبراعة. ولمّا ذكر ابن النديم أسماء الخطباء عدّه فيهم. وغيرهم من خطباء بني هاشم وبلغائهم وغيرهم كالأحنف بن قيس وصعصعةَ بن صَوْحَانَ، عدّه ابن النديم في الخطباء، إلى غير ذلك ممّن يتعذّر استقصاؤهم. ثمّ إن جُلّ كُتّاب الدنيا من الشيعة كأبي الفضل ابن العميد الّذي قيل فيه بُدئت الكتابة بعبدِ الحميدِ وخُتِمَتْ بابن العميد (الذي) كتب كتاباً عن ركن الدولة إلى ابن بلكا لمّا عصى عليه، كان سببَ عَوْدِهِ إلى الطاعة، فناب كتابه ببلاغته وحسن أسلوبه وبيانه وما فيه من ترغيب وترهيب عن الكتائب. وكانت خزانة كتبه الّتي فيها كلُّ علم وكلُّ نوع من أنواع الأدب تحمل على مائة وقْر وزيادة. وابنُهُ أبو الفتح تلميذ أحمد بن فارس وخِرّيجُه. والصاحب بن عبّاد، وله كتاب "الكافي"، رسائل في فنون الكتابة، رتّبها على خمسة عشر باباً، وهي غير "ديوان رسائله" المرتّب على عشرين باباً. وأبو بكر الخوارزمي. وبديع الزمان الهمذاني أوّل من اخترع المقامات وسبق بها الحَرِيريَّ وغيرُهُمْ ممّن مرّ ذكرهم في كتاب الشيعة. وكانوا يَعُدُّون كُتّاب الدنيا في الصدر الأوّل أربعة: عبدَ الحميدِ وابنَ العميدِ والصاحبَ والصابِيَ ونصفُهُم من الشيعة. والصابي وإن لم يكن مسلماً إلّا أنّ الّذين فتحوا لهَاتِهِ بالأدب والكتابة إنّما هم ملوكُ الشيعة. وأبو بكر الصوليّ كان من مشاهيرِ الكُتّاب وله كتاب "أدب الكاتب" على الحقيقة، ذكره ابن النديم.
وَالماءُ يَفصِلُ بَينَ زَهـ ـرِ الرَوضِ في الشَطَّينِ3 فَصلا
كَبِساطِ وَشيٍ جَرَّدَت أَيدي القُيونِ4 عَلَيهِ نَصلا5 يشبِّهُ أَبو فِراس حال ماء الجدول، وهو يجري بين روضتين على شاطئيه حلَّاهما الزَّهْر ببدائع ألوانه مُنْبثًّا بين الخُضرة الناضرة، بحال سيفٍ لماعٍ لا يزال في بريقِ جدَّته، وقد جرّدَه القُيُونُ على بساطٍ من حريرٍ مُطَرَّزٍ. فأَينَ وجهُ الشبهِ؟ أنظنُّ أَنَّ الشاعر يريد أنْ يَعْقِدَ تشبيهين: الأَولُ تشبيهُ الجدول بالسيفِ، والثاني تشبيهُ الروضة بالبِساط الْمُوَشّى؟ لا، إِنّه لم يرد ذلك، إِنما يريد أَنْ يشبّه صورةً رآها بصورة تخيّلها، يريدُ أنْ يشبِّه حال الجدول، وهو بين الرياض بحالِ السيف فوق البساط الموشَّى، فوجهُ الشبه هنا صورةٌ لا مفردٌ، وهذه الصورةُ مأخوذةٌ أَو مُنْتَزَعَةٌ من أَشياءَ عدَّةٍ، والصورة المشتركةُ بين الطرفين هي وجود بياضٍ مستطيلٍ حوله اخضرار فيه أَلوان مختلفةٌ.
- فالعيْش نوْمٌ والمنِيَّة يقظَةٌ والمرْءُ بينهما خيالٌ سارِ.
- والنفسُ كالطفلِ إن تهملهُ شَبَّ على حُبِّ الرَّضاعِ وإنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِم.
للمطالعة
دور الامامية في الأدب العربي واللغة العربية18وأمّا في الشعر فقد كان منهم في صدر الإسلام من فحول الشعراء المُفْلِقِينَ الذائعي الصِّيتِ من خدم الأدب العربي واللغة العربية بمنظوماته المنتشرة في الأقطار أعظم خدمة مثل كعب بن زهير بن أبي سلمى صاحب: "بانت سعاد" الّتي شرحها كثير من علماء اللغة والأدب، وحُفظ بسببها قسم وافر من لغة العرب وطريقتهم في نظم الشعر، والنابغة الجعدي من مشاهير شعراء الصدر الأوّل أحد الرجلين الملقّبين بالنابغة في الشعراء لنبوغهما. وأبو دهبل الجُمَحِيّ من شعراء الحماسة، وشهرة شعره وجودته للغاية تُغني عن إطالة وصفه. والفَرَزْدَقُ الّذي اعترف له خصمه جَرٍيرٌ بأنّ نَبْعَةَ19 الشعر في يده، والّذي كان يكرمه ملوك بني أميّة مع تظاهره بالتشيّع للعلويّين وعداوته لهم، ويهابون لسانه. وكُثَيِّرُ عَزَّة أوّل من أطال المديح, قال ابن رشيق كان ابن أبي إسحاق - وهو عالم ناقد ومتقدّم مشهور - يقول: أشعرُ الجاهليّين مُرَقِّش، وأشعر الاسلاميين كُثَيِّر, قال ابن رشيق: وهذا غلوّ مفرط، غيرَ أنّهم مجمعون على أنّه أوّل من أطال المديح اه. وكان بنو أميّة يقدّمونه ويكرمونه مع علمهم بتشيّعه لمكان تقدّمه في الشعر. والكُمَيْت قال ابن عكرمة الضبّيّ: لولا شعر الكميت لم يكن للغّة تَرْجُمَان، ولا للبيان لسان. وقال مُعاذ بن مسلم الهَرّاء لمّا سُئل عنه: ذاك أشعر الأوّلين والآخرين، وكفاه شهادة الفرزدق لمّا عَرَضَ عليه أوّلَ شعره واستشاره في إذاعته فقال: أذع يا ابن أخي ثمّ أذع. وأبو نواس وشهرته تُغني عن وصفه فليس في المولدين أشهر اسماً منه حتّى قال الشاعر: إن تكن فارساً فكن كعليٍ أو تكن شاعراً فكن كابنِ هاني
وقال الشريف الرضي فيه وفي البحتري وهو يصف قصيدة: كأنّ أبا عبادة شَقَّ فاها وقَبَّلَ ثغرها الحسنُ بنُ هاني
وأبو تمّامٍ والبحتريُّ اللذان أخملا في زمانهما خمسمائة شاعر كلّهم مُجيد، كما في عمدة ابن رشيق. وأوّل من قيل فيه: "صَيْقَلُ المعاني" أبو تمّام، وأوّل من قيل في شعره: "سلاسل الذهب" البحتري. ودعبل الخزاعي. وديك الجن الحمصي الّذي شهد له دِعْبِل بأنّه أشعر الجنّ والأنس. وابن الرومي قال: ابن رشيق أكثر المُوَلّدين اختراعاً وتوليداً فيما يقول الحُذَّاق: أبو تمّام وابن الرومي. والسيّد الحِمْيَرِيّ أقدر الناس على نظم الأخبار والأحاديث والقَصَصِ، ولم يُسمع بشاعر مكثر مطيل مجيد غيره. قال ابن المعتز في التذكرة: كان للسيّد أربع بناتٍ كلُّ واحدة منهن تحفظ أربعمائة قصيدة لأبيها. نظم كلما سمعه في فضل عليٍّ ومناقبه ما مثله في نظم الحديث وكلُّ قصائده طوال.
إذاً, فَفِي الأمثلةِ نجدُ أركانَ التَّشبيهِ ونلمحُهَا, ولكنَّنَا لَا نجدُها في صورةٍ مِنْ صورِهِ الَّتي عرفنَاهَا, وهَذَا يُسمَّى "التشبيه الضمني". بلاغةُ التشبيهِ الضمنيِّ:
1- أنه دعوى مع البيِّنةِ والبرهانِ.
2- أنه إبرازٌ لما يبدو غريباً ومستحيلاً.
3- أنه جمعٌ بين أمرينِ متباعدينِ،وجنسينِ غيرِ متقاربينِ.
4- أنهُ دلالةٌ على التشبيهِ بالإشارةِ، لا بالوضوحِ والصراحةِ.
87
استنتاج: بناءً على ما تقدّم نستنتجُ أنّ التشبيهَ الضمنيّ تشبيه يفهم من المشبّه والمشبّه به ضمناً من خلال السياق اللغوي، فهو يُفهم من سياق الكلام، ولا يأتي في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يُلمح من الكلام لمحاً من خلال السياق، ليفيد أنّ الحكم الذي أُسند للمشبّه ممكن.
88
القواعد الرئيسة
التشبيهُ الضِّمنيُّ: تشبيهٌ لا يُوضعُ فيه الْمُشَبَّهُ والمشبَّهُ بهِ في صورةٍ من صُورِ التشبيهِ المعروفةِ، بَلْ يُلْمَحان فِي الترْكِيبِ. وهذا النوع يُؤْتَى به لِيُفيدَ أن َّالحُكم الذي أُسْنِدَ إلَى المشَبَّهِ مُمكنٌ10.
يفهم التشبيه الضمني من سياق الكلام، ولا يأتي في صور التشبيه المعروفة.
إنَّ مُنشِئَ العِبارةِ التَّشبِيهيَّةِ تارةً يعَمَدَ إِلى التَّشبِيهِ فِي عباراتِهِ بصراحةٍ ووضوحٍ، ويأتي بمشبهٍ ومشبهٍ بهِ ظاهرَيْنِ يُمْكِنُ الإِشَارةُ إليهِمَا.وتارةً يَنْحو الكاتبُ أو الشاعر منْحًى منَ البلاغةِ يُوحِي فِيهِ بالتَّشبيهِ مِنْ غيرِ أنْ يُصرِّحَ بهِ في صورةٍ من صورهِ المعروفةِ, يفعلُ ذلك نُزوعاً إلى الابتكارِ، وإِقامةً للدليلِ علَى الحكمِ الَّذي أَسندهُ إلى المشبَّه، ورغبةً في إخفاءِ التشبيهِ، وهذا الثاني هو التشبيهُ الضِّمنيُّ، وذلك لأَنَّ التشبيه كلمَّا دقَّ وخَفيَ كانَ أبلغَ وأفعلَ فِي النَّفسِ.
تمارين
1- بيِّنِ المشبَّهَ والمشبَّهَ به ونوعَ التشبيه فيما يأْتي مع ذكر السببِ:
أ- ومِنَ الخَيرِ بُطْءُ سَيْبِكَ عني أسرَعُ السُّحْبِ في المَسيرِ الجَهامُ
ب- وما أنا مِنْهُمُ بالعَيشِ فيهم ولكنْ مَعدِنُ الذّهَبِ الرَّغامُ
ج- سَيَذْكُرُني قَوْمي إذا جَدّ جدّهُمْ وفي الليلة ِ الظلماءِ، يُفتقدُ البدرُ
د- تَرْجو النَّجاةَ ولَمْ تَسلكْ مسالِكَها اِنَّ السَّفينَةَ لا تجْري على اليَبَس
هـ فإنْ تَفُقِ الأنامَ وأنْتَ مِنهُمْ فإنّ المسكَ بَعضُ دَمِ الغزالِ
و - كأنّ مُثارَ النَّقعِ فوقَ رُؤُّوسنا وأسيافَنا ليلٌ تهاوَى كواكبُه
2- بيّنِ التشبيهَ الصَّريحَ ونوعَه والتشبيهَ الضمنيَّ فيما يأْتي:
أ - حِبْرُ أبي حفصٍ لعابُ الليلِ كأنهُ ألوانُ دُهْمِ الخيلِ
يجري إلى الإخوانِ جَريَ السَّيلِ بغيرِ وزنٍ وبغير كيلِ
ب- ويْلاهُ إنْ نَظَرتْ وإن هِيَ أعْرضتْ وقْعُ السِّهام ونَزْعُهُنَّ أليم
ج- ليسَ الحِجابُ بِمُقْضٍ عنكَ لي أملاً إنَّ السماءَ تُرَجَّى حينَ تحتَجبُ
د- واللَّيلُ تجري الدَّراري في مجرَّته كالرَّوضِ تطفو على نهرٍ أزاهرُهُ
3- حول التشبيهات الضمنية الآتية إلى تشبيهات صريحة:
أ- قال أبو تمام:
اصبر عبى مضض الحسو د فإنّ صبرك قاتلُهْ
النار تأكل بعضها إنْ لم تجدْ ما تأكلُهُ
ب- قال المتنبي:
فإن تَفقِ الأنام وأنت منهم فإنّ المسْكَ بعضُ دَمِ الغَزالِ
للمطالعة
من شعرائنا: السيّد حيدر الحلّي11
ولد بالحلّة في شعبان سنة 1240 أو 42 أو 46 هـ،وتوفّي فيها تاسع ربيع الثاني سنة 1304، وحُمل إلى النجف، فدفن في الصحن الشريف أمام الرأس الشريف. كان شاعراً مُجِيداً من أشهر شعراء العراق أديباً ناثراً جيّد الخطّ، نظم فأكثر، ولا سيّما في رثاء الحسين عليه السلام ومدائح أهل البيت عليهم السلام ومراثيهم.
فاق شعراء عصره في رثاء الحسين عليه السلام (...) كان شاعراً بارعاً غير منازع، وله إلمام بالعربية، مصنّفاً تقيّاً ناسكاً ويتقرّب إلى الله - تعالى - من مدح أهل البيت عليهم السلام بالسبب الأقوى.
بعض ما يُحكى عنه: أخبرني السيّد حسن بن السيّد هادي الكاظمي قال: أخبرني السيّد حيدر الحلّي قال: رأيت في المنام فاطمة الزهراء عليها السلام فأتيت إليها مسلّماً عليها مقبّلاً يديها فالتفتتْ إليّ وقالتْ:
أَنَاعيَ قتلى الطفِّ لا زلتَ ناعيا تهيجُ على طول الليالي البواكيا
فجعلتُ أبكي وانتبهتُ وأنا أُردّد هذا البيت فجعلت أتمشّى وأنا أبكي وأريد التتميم ففتح الله عليّ أن قلت:
أعد ذكرهم في كربلا إنّ ذكرهم طوى جزعاً طيّ السِّجِلِّ فؤاديا
إلى آخر القصيدة. قال: ثمّ أوصى أن تُكتب وتوضع معه في كفنه. وقيل إنّه لمّا نظم قصيدته العينية في رثاء الحسين عليه السلام الّتي أوّلها:
قد عهِدنا الربوعَ وهي ربيعُ أينَ لا أينَ أُنسها المجموعُ
أنشدها بعض أدباء الحلّة فلمّا وصل فيها إلى قوله:
سبق الدمعُ حين قلت سقتها فتركتُ السما وقلت الدموعُ
قال له ذلك الأديب لو قلت الحيا بدل السما لكان أنسب فقال له إذاً أكون مِثْلَكَ فأخجله.
مؤلّفاته: 1- ديوان شعره كبير مطبوع 2- العقد المفصّل في قبيلة المجد المؤثل يعني آل كبّة وهو كتاب أدبي ألّفه باسم الحاج محمّد حسن ابن الحاج محمّد صالح.12
من شعره قوله:
إن لم أقف حيثُ جيش الموت يزدحمُ
لا بدَّ أن أتداوى بالقنا فلقد
عندي من العزمِ سِرٌّ لا أبوحُ به
لا أرضعتْ لِيْ العلا ابناً صفو درَّتِها
إليةً بضبا قومي الّتي حَمِدت
لأحلِبنَّ ثديَ الحربِ وَهْيَ قناً
مالي أُسالم قوماً عندهم تِرَتي
مَن حامِلٌ لوليّ الأمرِ مألكةً
يا بن الأُلى يُقعِدون الموتَ إن نهضت
الخيلُ عندك ملَّتها مرابطها
هذي الخدور ألا عدَّاءَ هاتكةً
لا تطهرُ الأرضُ من رجسِ العدى أبداً
بحيثُ موضعُ كلٍّ منهُمُ لكَ في
أُعيذ سيفَكَ أن تصدا حديدتهُ
فلا مشتْ بِيَ في طُرْقِ العلا قدمُ
صبرتُ حتَّى فؤادي كُلُّه ألمُ
حتّى تبوحَ به الهنديَّة الخُذُمُ
إنْ هكذا ظلَّ رُمحي وهو مُنفَطِمُ
قدماً مواقعَها الهيجاءُ لا القِممُ
لِبانُها من صدور الشوسِ وَهْوَ دمُ
لا سالمتني يدُ الأيَّام إن سَلِموا
تُطوى على نفثاتٍ كلّها ضَرم
بهم لدى الروعِ في وجه الظُبا الهِممُ
والبِيضُ منها عَرى أغمادَها السأمُ
وذي الجباه ألا مشحوذةً تسمُ
ما لم يَسِل فوقها سيل الدمِ العَرِمُ
دماه تغسِله الصمصامةُ الخذَمُ
ولم تكن فيه تُجْلَى هذه الغُممُ
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى أغراض التشبيه.
2- أن يستخدم التشبيه في أغراضه المختلفة.
93
أغراضُ التشبيهِ1:
الأغراضُ جمْعُ غرَضٍ والمرادُ به الأمرُ الباعثُ للمتكلِّمِ في استعمالِ التشبيهِ، حيثُ إنَّ لكلِّ تشبيهٍ مرَّ مَعَنَا هَدَفاً يُريدُ المتكلمُ الوصولَ إليهِ وغَرَضَاً يُريدُ بيانَهُ, وقَدْ قُسِّمَتْ أَغراضُ التَّشبِيهِ إِلَى قِسمَينِ: أحدُهما أنْ يكونَ غَرَضاً عائداً إلى المُشبَّهِ, والثاني يكونُ عائداً إلى المُشبَّهِ بهِ2، وسنذكرُ - هنَا - أهمَّ الأغراضِ الَّتِي تَعُودُ إِلَى المشبَّهِ3: أوَّلاً: بيانُ إمكانِ المشبَّهِ، وذلكَ حينَ يسنَدُ إليهِ أمرٌ مستغرب ٌ لا تزولُ غرابتُه إلَّا بذكرِ شبيهٍ لهُ، معروفٍ واضحِ مسلَّمٍ بِهِ، ليثبتَ في ذهنِ السامعِ ويُقَرِّرَ، كقولِ الله - عزَّ وجلَّ -: ï´؟إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُï´¾4 حيثُ اعترضَ قومٌ عَلَى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي شأنِ ولادةِ عيسى عليه السلام, وقالوا: كيفَ يمكنُ أنْ يَكونَ ولدٌ ولَا يكونُ له والدٌ؟! فجاءتِ الآيةُ الكريمةُ لتقولَ من خلالِ هَذَا التَّشبِيهِ: إنَّ هَذَا الأمرَ ممكنٌ, حيثُ لَا ينكرُ أحدٌ أنَّ آدمَ عليه السلام مخلوقٌ مِن غيرِ أبٍ, ومَنْ كانَ قادراً عَلَى أنْ يَخلُقَ آدمَ مِن غيرِ أبٍ وأمٍّ، قادرٌ عَلَى خَلْقِ المَسِيحِ مِن غيرِ أبٍ, فشبَّهَ شَأنَ عيسى وحالَتَهُ العجيبةَ بشأنِ آدمَ
95
الَّذي يَعتَقِدُ الجميعُ أنَّه خُلِقَ مِن غَيرِ أبٍ ولا أمّ، فكانَ الغرضُ مِنَ التَّشبِيهِ بيانَ إمكانيةِ المشبَّهِ بتشبيهه بما هو مماثل من جهة، وأبعد منه في التحقق - مع التسليم بحصوله - من جهة أخرى.
ما قُوبِلَتْ عَيْناهُ إلاّ ظُنّتَا تَحْتَ الدُّجَى نارَ الفَريقِ حُلُولا8
فإنَّه "يصفُ عَيْنَي الأَسدِ في الظلام بشدةِ الاحمرار والتوقّدِ، حتى إِنَّ من يراهما من بُعْدٍ يظنَّهما ناراً لقومٍ حُلول مقيمين، فلو لم يعْمدِ المتنبي إِلى التشبيه لقال: إِنَّ عَيْنَي الأَسدِ محمرّتانِ, ولكنه اضْطُرَّ إِلى التشبيه لِيُبَيِّنَ مقدارَ هذا الاحمرار وعِظَمه، وهذا منْ أغراض التشبيه أيضاً"9.
رابعاً: تقريرُ حالهِ وتقويةُ شأنِها، و تمكينُه في ذهن السامعِ، بإبرازِها فيما هي فيه أظهرُ، كما إذا كان ما أسنِدَ إلى المشبَّهِ يحتاجُ إلى التثبيتِ والإيضاحِ، ويأْتي هذا الغرضُ حينما يكون المشبَّهُ أمرًا معنويًّا, لأَنَّ النفسَ لا تجزم بالمعنوياتِ جزمَها بالحسيَّات، فهي في حاجةٍ إلى الإقناعِ، فتأتي بمشبَّهٍ به حسيٍّ قريبِ التصوُّرِ، يزيدُ معنى المشبِّهِ إيضاحاً لما في المشبَّهِ به من قوةِ الظهورِ والتمامِ،كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍï´¾10.
تتحدث الآية "في شأن مَنْ يعْبدونَ الأوثانَ، وأنَّهم إذَا دَعَوْا آلهتَهم لا يستجيبونَ لهُم، ولَا يرجِعُ إِليهِم هَذَا الدعاءُ بفائدةٍ، وقدْ أرادَ الله - جل شأْنه - أنْ يُقرِّر هذه الحالَ ويُثَبتَها في الأَذهانِ، فشبَّهَ هؤلاءِ الوثنيّينِ بمن يبسُط كفَّيْهِ إلى الماء ليشربَ فلا يصلُ الماءُ إلى فمِهِ بالبداهةِ, لأنَّه يَخْرُجُ من خلالِ أصابِعِهِ مَا دامتْ كفَّاهُ مبسوطتينِ ولأنهما مبسوطتان فلا تجمعان ماء، وينزلق الماء عنهما. فالغرضُ منْ هذا التشبيه تقريرُ حالِ المشبَّهِ"11.
97
خامساً: مدحهُ وتحسينُ حالهِ، ترغيباً فيه، أو تعظيماً له، بتصويرهِ بصورةٍ تهيِّجُ في النفسِ قوى الاستحسانِ، بأنْ يعمدَ المتكلِّمُ إلى ذكر مشبَّهِ بهِ مُعجبٍ، قد استقرَّ في النفسِ حُسنُه و حبُّه، فيصوِّرُ المشبَّهَ بصُورتِه، كقولِهِ - تَعَالَى - فِي وَصْفِ الحُورِ العِينِ: ï´؟وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِï´¾12. وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ هَذَا النَّوْعُ فِي المَدِيحِ والرِّثَاء والفَخْرِ وَوَصْفِ مَا تَمِيلُ إِليهِ النُّفُوسُ, وأمثلتُهُ فِي الشِّعرِ العربيِّ كثيرةٌ, منهَا مَا قالَه أحمدُ شوقي13 في مدحِ رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم:
تَجَلّى مَولِدُ الهادي وَعَمَّت بَشائِرُهُ البَوادي وَالقِصَابا
وَأَسدَتْ لِلبَرِيَّةِ بِنتُ وَهْبٍ يَداً بَيضاءَ طَوَّقَتِ الرِقابا
لَقَد وَضَعَتهُ وَهّاجاً مُنيراً كَما تَلِدُ السَماواتُ الشِّهَابا
فَقامَ عَلى سَماءِ البَيتِ نوراً يُضيءُ جِبالَ مَكَّةَ وَالنِّقَابا14
وراءَ الدُّنيا, العادل عن آياتِ اللهِ وهُوَ عارفٌ بِهَا, بأخسِّ مثلٍ فِي أخسِّ أحوالِهِ، فشبَّهَهُ بالكلبِ, لأنَّ كلَّ شئٍ يلهثُ فإنما يلهثُ فِي حالِ الإعياءِ والتعبِ إلَّا الكلب، فإنَّه يلهثُ في حالِ الرَّاحةِ وحال التَّعبِ، وحالِ الصّحّةِ وحالِ المرضِ. وحالِ الرّيّ وحالِ العطشِ، وفي جميعِ الأحوالِ، فقالَ تَعاَلى: إنْ وعظتَهُ، فهُوَ ضالّ، وإنْ لمْ تعظْهُ، فهُو ضالّ, كالكلبِ, إنْ طردتَه وزجرتَه، فإنِّه يلهثُ، وإنْ تركتَه، يلهثُ.والغرضُ مِنْ هَذَا التَّشبيهِ التقبيحُ، وأكثرُ ما يكونُ في الهجاءِ ووصفِ ما تنفِرُ منه النفسُ. وهذا الغرضُ أيضاً لهُ أمثلةٌ كثيرةٌ مشهورةٌ في كلامِ العربِ.
99
القواعد الرئيسة
أَغْرَاضُ التشبيهِ كثيرةٌ منها ما يأْتي:
1- بيانُ إِمْكان المشبَّه: وذلك حِينَ يُسْنَدُ إِليْهِ أمْرٌ مُسْتغْرَبٌ لا تزول غرابتُه إلا بذكر شبيهٍ له.
2- بيانُ حالِهِ: وذلك حينما يكونُ المشبَّهُ غيرَ معروف الصفةِ قَبْلَ التشبيه، فَيُفيدُهُ التشبيهُ الوصفَ.
3- بيانُ مقدار حالِهِ: وذلك إذا كان المشبَّهُ معروفَ الصفةِ قَبْلَ التشبيهِ مَعْرفَةً إِجْماليَّةً، وكان التشبيه يُبَيِّنُ مقدارَ هذه الصفةِ.
4- تَقْريرُ حالِهِ: كما إذا كانَ ما أُسْنِدَ إِلى المشبَّه يحتاج إِلى التثبيت والإِيضاح بالمثال.
5- تَزْيينُ الْمُشَبَّهِ.
6- تَقْبيحُ المشبهِ.
د- لي منزلٌ كَوِجارِ الضَّبِّ أَنزِلُه ضَنْكٌ تَقارَبَ قُطراهُ فقد ضاقَا
أراه قَالَبَ جسمي حينَ أَدخُلُه فما أَمُدُّ به رجلاً و لا سَاقا
هـ- وأَنا ابْنُ سوْداءِ الجبين كأَنَّها ضَبُعٌ تَرعْرَع في رُسومِ المنْزل
الساق منها مثلُ ساق نعامةٍ والشَّعرُ منها مثْلُ حَبِّ الفُلْفُل
للمطالعة
من شعرائنا: الشيخ البهائي16
الشيخ بهاء الدِّين محمّد بن الحسين بن عبد الصمد بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن صالح الحارثيّ الهَمْدَانيّ العامليّ الجبعيّ نزيل أصفهان: نسبتُهُ الحارثيّ الهمدانيّ نسبة إلى الحارث الهَمْداني صاحب أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، والهَمْدَانيّ نسبةٌ إلى هَمْدان القبيلة العربية المشهورة، وهم حيّ من اليمن. والحارث الهمداني هو الّذي قال له أمير المؤمنين عليه السلام شعراً له:
يا حار هَمْدَان من يمت يَرَني من مؤمن أو منافق قبلا
ولد بـ (بَعلبك) يوم الخميس لثلاث عشرة بقين من المحرّم سنة 953. وقال أبو المعالي الطالوي: إنّه ولد بقزوين، والله أعلم. وتوفّي بأصفهان 12 شوال سنة 1030هـ. على ما ذكره تلميذه السيد حسين ابن السيّد حيدر الحسيني الكركي العاملي والمجلسي الأوّل الّذي حضر وفاته والصلاة عليه، فهما أعرف بتاريخ وفاته. ثمّ نُقل قبل الدفن إلى مشهد الرضا عليه السلام، ودفن هناك في داره بجانب الحضرة المقدّسة الرَّضَويّة، وقبره هناك مشهور مزور إلى اليوم. حاله في الفقه، والعلم، والفضل، والتحقيق، والتدقيق، وجلالة القدر، وعظم الشأن، وحسن التصنيف، ورشاقة العبارة، وجمع المحاسن أظهر من أن يُذكر، وفضائله أكثر من أن تُحصر. وكان ماهراً متبحراً، جامعاً، كاملاً، شاعراً، أديباً، منشئاً، عديم النظير في زمانه في الفقه، والحديث، والمعاني، والبيان، وغيرها.
له شعر كثير بالعربيّة والفارسيّة, فمن شعره قصيدته الّتي يمدح بها صاحب الزمان وسمّاها: "وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان"، كما في شرح المنيني عليها، وبعضهم يقول اسمها: "روح الجنان" كما في ديوان الشيخ جعفر الخطّي، وهي الّتي شرحها الشيخ أحمد بن عليّ المنيني الدمشقي بطلب السيّد محمّد هاشم قاضي دمشق الشام، وطبعت مع شرحها في آخر الكشكول وأوّلها:
سرى البرق من نجد فهيّج تذكاري عهوداً بحزوى والعَذِيبِ وَذي قَارِ
وهيّج من أشواقنا كلَّ كامنٍ وأجّج في أحشائنا لاعجَ النارِ
ومن شعره في الوعظ:
ألا يا خائضاً بحرَ الأماني
أضعتَ العمر عصياناً وجهلا
مضى عصرُ الشباب وأنت غافلْ
إلى كم كالبهائم أنت هائمْ
وطرفك لا يرى إلّا طموحا
وقلبك لا يفيق عن المعاصي
بِلالُ الشيب نادى في المفارقْ
هداك الله ما هذا التواني
فمهلاً أيّها المغرورُ مهلا
وفي ثوب العمى والغيّ رافلْ
وفي وقت الغنائم أنت نائمْ
ونفسك لم تزل أبداً جموحا
فويلك يوم يؤخذ بالنواصي
بِحَيَّ على الذهابِ وأنتَ غارقْ
فالملاحظ فِي هَذَا البيتِ الَّذي يقولُ فِيهِ الحِمْيَريّ: "إِنَّ تباشيرَ الصَّباحِ تُشبِهُ فِي التلألؤِ وجهَ الخليفةِ عندَ سَمَاعِهِ المديحَ، فإنَّنا نَرَى هنَا أنَّ هذا التَّشبيهَ خَرَجَ عَمَّا كانَ مستقرًّا فِي نفوسِنَا مِنْ أنَّ الشيءَ يُشَبَّه دائماً بِمَا هُو أَقوَى منه في وجهِ الشَّبهِ، إذِ المألوفُ أَنْ يقال إِنَّ الخليفةَ يُشبهُ الصَّباحَ، ولكنَّهُ عَكَسَ وقَلَبَ للمبالغَةِ والإغراقِ, بادعاءِ أَنَّ وجهَ الشبه أَقوَى في المشبَّهِ، وهذا التشبيهُ مظهرٌ من مظاهرِ الافتنانِ والإبداعِ".
تمارين
ميِّزِ التشبيهَ المقلوبَ منْ غير المقلوبِ فيما يأتي وبيّنِ الغرضَ منْ كلِّ تشبيهٍ:
- كأنَّ سوادَ الليلِ شعرٌ فاحمٌ.
- يَزُورُ الأعادي في سَمَاءِ عَجَاجَةٍ أسِنّتُهُ في جانِبَيْها الكَواكِبُ
- كأَنَّ النَّبْلَ كلامُه، وكأنَّ الوَبْل نوالُه.
- كلماتي قلائدُ الأعناقِ سَوْفَ تَفنى الدُّهُورُ وَهْيَ بَواقِ
قَدْ بعَثْنَا بِجوَادٍ مِثلُهُ لَيْس يُرامُ
فَرَسٌ يُزْهَى بِهِ لِلـ ـحُسْنِ سرْجٌ ولِجامُ
وجْههُ صُبْحٌ ولكنْ سائرُ الجسْم ظَلامُ
والذِي يصْلح لِلمَوْ لَى على العبْدِ حرامُ
والصُّبحُ في طُرَّة لَيْلٍ مُسْفِرِ كأنَّهُ غُرَّةُ مُهْرٍ أشقَر
في حُمرَةِ الوَرْدِ شَكْلٌ من تَلَهّبِها وللقَضِيبِ نَصِيبٌ مِنْ تَثَنّيهَا
للمطالعة
بلاغةُ التشبيهِ وبعضُ ما أُثِرَ منه عن العرب والمُحْدَثين7
تنْشأُ بلاغةُ التشبيه منْ أنّه ينتقل بكَ منَ الشيء نفسِه إلى شيءٍ طريفٍ يشبهه، أو صورةٍ بارعة تمثِّله. وكلّما كان هذا الانتقالُ بعيدًا قليلَ الخطورة بالبال، أو ممتزجاً بقليل أو كثيرٍ من الخيال، كان التشبيهُ أروعَ للنفس وأدعَى إلى إعجابها واهتزازها.
فإذا قلتَ: فلانٌ يُشبه فلاناً في الطول، أو إِنَّ الأرضَ تشبهُ الكرة في الشكل، أو إنَّ الجزرَ البريطانية تشبهُ بلادَ اليابان، لم يكنْ لهذه التشبيهاتِ أثرٌ في البلاغةِ, لظهورِ المشابهةِ وعدم احتياج العثور عليها إلى براعةٍ وجهْدٍ أدبيٍّ، ولخلوّها منَ الخيال.
وهذا الضربُ منَ التشبيه يُقصَدُ به البيانُ والإيضاح وتقريبُ الشيء إلى الأفهام، وأكثر ما يستعمل في العلوم والفنون.
ولكنّكَ تأخذكَ رَوْعةُ التشبيه حينما تسمعُ قول المعرّيّ يَصِف نجماً:
يُسرِعُ اللّمح في احمرارٍ كما تُس رِعُ في اللّمحِ مُقلةُ الغَضبانِ
فإنَّ تشبيهَ لمحات النجم وتأَلّقِه مع احمرارِ ضوئه بسرعةِ لمحةِ الغضبان من التشبيهاتِ النادرة الّتي لا تنقادُ إلّا لأَديب. ومنْ ذلك قولُ الشاعر:
وكأنَ النُّجُومَ بينَ دُجاها سُننٌ لاحَ بينهُنَّ ابتداعُ
فإِنَّ جمال هذا التشبيه جاء من شعورك ببراعة الشاعر وحذقه في عقد المشابهة بين حالتين ما كان يخطر بالبال تشابههما، وهما حالةُ النجوم في رُقْعةِ الليل بحال السُّننِ الدينية الصحيحة متفرّقةً بين البدعِ الباطلةٍ. ولهذا التشبيه روْعةٌ أخرى جاءَت منْ أَنَّ الشاعر تخيّل أنَّ السنن مضيئةٌ لمَّاعةٌ، وأَنَّ البدعَ مظلمةٌ قاتمةٌ.
ومنِ أبدع التشبيهاتِ قولُ المتنبيّ:
بَليتُ بِلى الأطْلالِ إنْ لم أقِفْ بها وُقوفَ شَحيحٍ ضاعَ في التُّرْبِ خَاتَمُهْ
يدعو على نفسه بالبِلى والفناءِ إِذا هو لم يقفْ بالأَطلال ليذكرَ عهد مَن كانوا بها، ثمّ أَراد أَنْ يصوِّرَ لك هيئةَ وقوفه، فقال:كما يقفُ شحيِحٌ فقد خاتَمُهُ في التراب، مَنْ كان يُوفَّقُ إلى تصوير حال الذاهلِ المتحيّر المحزون المُطْرِقِ برأسه المنتقل منْ مكان إِلى مكان في اضطراب ودهشة بحال شحيحٍ فقد في التراب خاتمًا ثميناً؟ ولو أردنا أن نورد لك أمثلة منْ هذا النوع لطالَ الكلامُ.
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الحقيقة في الاستعمال اللغوي.
2- أن يتعرّف الطالب إلى معنى المجاز وهدفه في الاستعمال اللغوي.
3- أن يتقن استخدام الحقيقة والمجاز.
113
تعريفُ الحقيقةِ و المجازِ اللغوي1:
الحقيقةُ فِي الأصلِ: (فعيل) بمعنى فاعل من حقَّ الشيءُ إذا ثَبتَ، أو بمعنَى (مفعول) من قولِهم: حَقَّقْتُ الشَّيء، إذا أثبتّهُ.
وفِي الاصطلاحِ: "استعمالُ الَّلفظ فيمَا وُضِعَ لهُ، فِي اصطلاحِ التَّخاطُبِ"2.
والمجاز في الأصل: (مفعل) من جاز المكان يجوزه، إذا تعدّاه، نقل الى الكلمة الجائزة ـ المتعدية ـ معناه الأصلي، أو المجوز بها عن معناها الأصلي، فعلى الأول هي اسم فاعل، و على الثاني اسم مفعول.
ثمّ إنّ المجازَ على قسمينِ: لغويُّ: وهو استعمالُ اللفظِ فِي غيرِ مَا وُضعَ لهُ لعلاقةٍ، لمناسبةٍ بين المَعْنَى الحقيقيِّ والمعنى المجازيِّ - مع وجود قرينة مانعةٍ من إرادةِ المعنى الحقيقيِّ، وهي قد تكون لفظيّةً، وقد تكون حاليّةً، وكلّما أُطلقَ المجازُ، انصرفَ إلى هذا المجازِ، وهو المجازُ اللغويُّ. والمجازُ المرسلُ.
عقليٌّ: وهو يجري في الإسنادِ، بمعنى أن يكونَ الإسنادُ إلى غير من هوَ لهُ، نحو: ليل العابد قائم ونهاره صائم، إسناد الوصف وهو اسم الفاعل قائم وصائم الى فاعلهما المستتر مجاز عقلي بعلاته الزمانية، والقرينة واضحة فالليل لا يقوم والنهار لا يصوم.
يقولُ المتنبِّي حينَمَا رَأَى مطراً يهطلُ على سيفِ الدولةِ12:
لِعَيني كُلَّ يَومٍ مِنكَ حَظٌّ تَحَيَّرُ مِنهُ في أَمرٍ عُجابِ13
حِمالَةُ ذا الحُسامِ عَلى حُسامٍ وَمَوقِعُ ذا السَحابِ عَلى سَحابِ14
نستطيعُ بعدَ الأمثلةِ الَّتي ذكرنَاهَا أنْ ندركَ في البيتِ الثانِي للمتنبّي أنَّ كلمةَ "حسام" الثانيةَ استُعملتْ في غيرِ معناهَا الحقيقيّ لعلاقةِ المشابهةِ بينَ سيفِ الدولةِ والحسامِ فِي تَحمُّلِ الأَخطارِ. إلَّا أنَّ الفارقَ أنَّه في الأمثلةِ السابقةِ كانتْ القرينةُ الدالّةُ على عدمِ إرادةِ المَعنَى الحقيقيّ لفظيةً إلَّا أنَّ القرينةَ هنا تُفهمُ مِنَ المقامِ, فهي حالِيّةٌ، وكذلكَ الحالُ في كلمةِ "سحاب" الأَخيرة فإِنَّها استُعملتْ لتدلَّ على سيفِ الدولةِ لعلاقةِ المشابهةِ بينه وبينَ السَّحابِ في الكرمِ، والقرينةُ حالِيَّةٌ أيضاً15.
118
ومما ذكرنا يتَّضحُ أنَّ الكلماتِ: شمسٌ، وماتَ، وحُسامٌ، وسحابٌ،استُعملت في غير معناها الحقيقيّ لعلاقةٍ وارتباطٍ بين المعنى الحقيقيّ والمعنى العارضِ. وتسمَّى كلُّ كلمة من هذه مجازاً لغويًّا.
119
القواعد الرئيسة
المَجَازُ اللّغَويُّ: هُوَ اللفظُ المُسْتعْمَلُ في غير ما وُضِعَ لَه لِعَلاقة مع قَرينةٍ مانِعةٍ مِنْ إِرادَةِ المعْنَى الحقيقي. والعَلاقةُ بَيْنَ الْمَعْنَى الحقيقي والمعنى المجازيِّ قدْ تكونُ المُشَابَهةَ، وقد تكونُ غيرَها، والقَرينَةُ قد تكونُ لفظيةً وقد تكونُ حَالِيَّةً.
تمارين
في الأبيات الآتيات كلمات متكررة أو مثنّاة أو مجموعة بعضها أو بعض أفرادها مجاز وبعضها حقيقية,بيَّنِ المجاز مع ذكر العلاقةِ والقرينةِ لفظيةً أَو حاليَّةً.
- قال أبو الطيب حين مرض بالحمَّى بمصر:
فإنْ أمرَضْ فما مَرِضَ اصْطِباري وَإنْ أُحْمَمْ فَمَا حُمَّ اعتزَامي
وقال حينما أنْذر السحابُ بالمطر وكان مع ممدوحه:
تَعَرّضَ لي السّحابُ وقد قَفَلْنا فقُلتُ إليكَ إنّ مَعي السّحابَا
- وقال آخر:
بِلادي وإِنْ جارتْ على عزِيزهٌ وقومي وإنْ ضَنُّوا عليَّ كِرامُ
- قال المتنبي في المديح:
فيَوْماً بخَيْلٍ تَطْرُدُ الرّومَ عنهُمُ وَيَوْماً بجُودٍ تطرُدُ الفقرَ وَالجَدْبَا
- وقال أيضاً:
فَلا زَالَتِ الشّمسُ التي في سَمَائِهِ مُطالِعَةَ الشّمسِ التي في لِثَامِهِ
- وقال أيضاً:
عَيْبٌ عَلَيكَ تُرَى بسَيفٍ في الوَغى مَا يَصْنَعُ الصّمْصَامُ بالصّمصَامِ
- وقال أيضاً:
إذا اعتلَّ سيفُ الدوْلةِ اعتلّتِ الأرْضُ وَمَنْ فوْقَها والبأسُ وَالكرَمُ المَحضُ
- وقال يَرثي أخت سيف الدولة:
فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ
- قال المتنبي:
نَشَرَتْ ثَلاثَ ذَوائِبٍ من شَعْرِها في لَيْلَةٍ فَأرَتْ لَيَاليَ أرْبَعَا
- قال المتنبي:
واستَقْبَلَتْ قَمَرَ السّماءِ بوَجْهِها فأرَتْنيَ القَمَرَينِ في وقْتٍ مَعَا
للمطالعة
من شعرائنا: الشيخ محمد نجيب مروة 16
الشيخ محمّد نجيب مروة ابن الشيخ باقر ابن الشيخ محمّد حسين الشهير بالحافظ. ولد في قرية الزرارية حوالي سنة 1299 وتوفي سنة 1376 هـ. في قرية عيثا الزط (الجبل) من جبل عامل ودفن فيها. نشأ وترعرع في قرية سلعا العامليّة، فما دخل مدرسة ولا قرأ عند معلّم، غير أنّ والدته عّلمته مبادئ القراءة والكتابة، أمّا والده فكان مشغولاً عنه بأسفاره الكثيرة، ولمّا شبّ تتبّع الكتب والشيوخ، فأتقن اللغة وقواعدها، وسلك طريق الشعر الفُكَاهِيَ حتّى غدا علماً فيه. ولقد كان محدّثاً طلق اللسان وراويةً مُتْقِناً يحفظ الكثير من الأخبار والنوادر، ويرويها بأسلوب شيّق ما جعل الناس على اختلاف طبقاتهم يتشوّقون إلى مجالسته ويتسابقون إلى الاستمتاع بأحاديثه وأشعاره، على أنّه في مواقف الجدّ يكون في شعره جادّاً صارماً كما سترى في قصيدته الفلسطينية الميميّة الآتية، وفي هذه الأبيات الّتي نظمها إبان اشتداد المظالم التركية في الحرب العامّة الأولى مخاطباً العرب:
ألا فليُفِقْ بعد الرُّقَادِ وينثني إلى الحرب من غلمانِكَمْ كلّ نائمِ
فحتّى متى هذا القعودُ وقد سقت بنو الترك من أَوْدَاجِكُم كلّ صَارِمِ
وله أيضاً:
لعمري لو جلست مكان شوقي لفاض الشعر من تحتي وفوقي
ولكنَّ النوائب فوق طوقي تكلّفني فتسلبني الشعورا
ومن طرائفه قوله17:
رُبَّ شيخٍ قد غدا مُفْتَتِناً بفتاةٍ عقلُهُ منها انبَهَرْ
قد حكتْ سُمْرَ القنا قامَتُهَا صاحَ لكنْ عقلُهَا يشكو القِصَرْ
وإذا أبصرْتَهَا يوماً ترى جسمَهَا أشبَهُ شيءٍ بالبقرْ
قد رَمَتْهُ بسهامِ اللحْظِ من مقلةٍ حَوْلَا كميزانِ الجَزَرْ
ليتَ شِعرِيْ ما الّذي قد شاقَهُ عندها حتّى رآها كالقَمَرْ
سألتْهَا البعضُ من جاراتِهَا أتحبّينَ "عَلِيْ" قالت: "فَشَرْ"
تعليق