أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
إن الإسلام الحنيف لم يطلب من الإنسان أن يترك الدنيا بالمطلق بحيث يتوجه إلى الصحاري والجبال ويجلس في الكهوف ويتعبد فقط. بل الإسلام أراد للإنسان بحكم كونه اجتماعياً بطبعه أن يجعل له روابط مع الناس والمحيط حتى يتكامل مع مجتمعه ليؤلفوا المجتمع الصالح، لذلك ألزمه بواجبات عديدة لها تأثير على سلوكه العملي سواء مع اللّه تعالى أم مع غيره من بني جنسه أو مع نفسه على صعيد التربية الروحية والسلوكية.
فالإسلام لم يطلب من الإنسان أن يكون رهبانياً بل أراده أن يعيش في هذه الدنيا ولكن ضمن الضوابط التي يحددها الشارع المقدس، لذلك ورد في الأحاديث أن الدنيا مزرعة الآخرة وأيضاً خذ من دنياك إلى آخرتك وورد أيضاً نعم العون الدنيا على الآخرة. ولكن كيف تكون عوناً.
هنا نرجع إلى أمير المؤمنين عليه السلام حيث يقول:
"إنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار"1.
فحياته في الدنيا تكون مليئة بالدروس والعبر، فيصحح هذا الاعتبار طريقه إلى الآخرة فينبغي أن لا تعمي الدنيا بصر الإنسان عما وراءها، وهي الدار الآخرة وفيها الحياة الحقيقية كما يقول الله تعالى:
"إنما الدنيا منتهى بصر الأعمى لا يبصر مما وراءها شيئاً والبصير ينفذها بصره ويعلم أن الدار وراءها فالبصير منها شاخص والأعمى إليها شاخص والبصير منها متزوّد والأعمى لها متزود"3.
هنا يؤكد أمير المؤمنين عليه السلام أن طالب الدنيا أعمى أي لا يفكر بآخرته التي تجمل وتختزن نتاج عمله أما المؤمن فهو البصير الذي يخرقها بصره ليرى نتاج العمل ويتزود لذلك اليوم.
وينبه أمير المؤمنين عليه السلام في مكان آخر أن أهم ما يأخذه الإنسان من الدنيا هو ما يصلح به الآخرة وما يكون ثمرته الآخرة فيوظف كل طاقاته بخدمة الحياة الأبدية الدائمة لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"إنما لك من دنياك ما أصلحت به مثواك، وإن كنت جازعاً على ما تفلَّت من يديك، فاجزع على كل ما لم يصل إليك"4.
بل على الإنسان دائماً أن ينظر إلى آخرته على أنها هي الدائمة ويصلحها فإذا أصلحها هانت عليه الدنيا، وإذا هانت عليه الدنيا هان أمر آخرته، لذلك يقول أمير المؤمنينعليه السلام:
فيكون بذلك سعيداً في الدنيا والآخرة لأنه في الدنيا عاش تحت رضا اللّه تعالى وفي الآخرة كان مقره مع الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً. وأما من اهتم فقط بسعادة الدنيا فإنه في الآخرة من الخاسرين.
عندما ننظر في حياة بعض الزاهدين نرى بأنهم يتجلببون الفقر، وربما يخطر في بال البعض بأن هناك علاقة بين الزهد وبين الفقر.
إن هذا المفهوم وهذا الانطباع خاطىء لأن الزهد هو ترك الدنيا بالقلب أو هو تفضيل الآخرة ونعيمها على الدنيا وما فيها.
ومن هنا قيل ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شيء.
لماذا نترك الدنيا؟
إن من يعيش في هذه الدنيا ويمتلك عقلاً سليماً عليه أن يخرج حب الدنيا من قلبه ويفرَّ إلى الآخرة بمعنى أن يعيش في الدنيا لأجل الآخرة وليس لأجل الدنيا خصوصاً عند التفكر في أحوال الماضين والبلاءات التي تحلَّ بالحاضرين ولغيرها من الأسباب الآتية:
أ- مخلوقون للآخرة لا للدنيا:
لأن الإنسان مخلوق لآخرته وليس للدنيا لأنها دار قرار واستقرار كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
العلاقة بين الدنيا والآخرة إما أن تكون علاقة سلب أو تكون علاقة إيجاب. أما السلب:
فهو عندما ينظر الإنسان إلى الدنيا بأنها هي الهدف ويعمل عمله كله في الدنيا ولأجل الدنيا وهذه الحالة مذمومة واتضح ذلك من خلال ما مرّ معنا في موجبات ترك الدنيا.
يقول عليه السلام:
"إن الدنيا والآخرة عدوان متفاوتان وسبيلان مختلفان، فمن أحب الدنيا وتولاها أبغض الآخرة وعاداها، وهما بمنزلة المشرق والمغرب، وما شيء بينهما كلما قرب واحد بعد من الآخر، وهما بعدُ ضرّتان"22.
ويقول عليه السلام:
"واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد في الآخرة خير مما نقص من الآخرة وزاد في الدنيا"23.
"ألا وإنه لا يضركم تضييع شيء من دنياكم بعد حفظكم قائمة دينكم إلا وأنه لا ينفعكم بعد تضييع دينكم شيء حافظتم عليه من أمر دنياكم"24. وأما علاقة الإيجاب:
فهي أن ينظر الإنسان إلى الآخرة بأنها هي الهدف وأنها هي المستقر والمأوى لذلك عليه أن يأخذ من دار الممر إلى دار المقر وعليه أن يصلح دار مقره ولا ينسي نصيبه من الدنيا ولكن ضمن الموازين الشرعية.
ليكن الهم في هذه الدنيا هو تحصيل المكارم وهجران المآثم حتى يسعد في الدنيا والآخرة يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"فمن آتاه اللّه مالاً فليصل به القرابة، وليحسن منه الضيافة وليفُكَّ به الأسير والعالي، وليُعط منه الفقير والغارم، وليصبر نفسه على الحقوق والنوائب، ابتغاء الثواب، فإن فوزاً بهذه الخصال شرف مكارم الدنيا، ودرك فضائل الآخرة، إن شاء اللّه"27.
120
خلاصة الدرس
1- إن الإسلام الحنيف لم يطلب من الإنسان أن يترك الدنيا، بحيث يتوجه إلى الصحاري والجبال ويجلس في الكهوف ويتعبد فقط. بل شرع للإنسان بحكم كونه اجتماعياً بطبعه أن يقيم روابط مع الناس ومحيطه حتى يتكامل مع مجتمعه ليؤلفوا المجتمع الصالح، لذلك ألزمه بواجبات عديدة لها تأثير على سلوكه العملي مع بني جنسه أو مع نفسه على صعيد التربية الروحية والسلوكية.
2- كثير من الفقراء عندما يصبحون أغنياء يتركون طريق الزهد ليتحوّلوا إلى عاديين ثم يأخذون في ترك التدين شيئاً فشيئاً ويتراجعون أمام إغراءات هذه الدنيا وإغواءات الشياطين.
3- أن الزهد هو ترك الدنيا بالقلب والجوارح إلا للضرورة أو هو تفضيل الآخرة ونعيمها على الدنيا وما فيها، وعلى هذا فإن الفقير لا يملك شيئاً حتى يزهد فيه، فاختبار الزاهدين لا يكون إلا مع الملك والتمكن ومن هنا قيل ليس الزهد أن لا تملك شيئاً بل الزهد أن لا يملكك شيء.
4- إن الله تعالى يريد من الناس أن يؤمنوا باللّه تعالى إخلاصاً له وليس رهبةً وخوفاً من القوة والسلطة والغنى، ويريد تعالى من الناس أن يتبعوا الأنبياء إيماناً وإخلاصاً وليس من أجل الدنيا وإغراءاتها.
5- ليكن الهم في هذه الدنيا هو تحصيل المكارم وهجران المآثم حتى يسعد في الدنيا والآخرة.
للحفظ
من أقوال أمير المؤمنين عليه السلام:
"ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخيير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرّى".
"إنما ينظر المؤمن إلى الدنيا بعين الاعتبار ويقتات منها ببطن الاضطرار".
"من أصلح أمر آخرته أصلح اللّه له أمر دنياه".
"إنما المرء في الدنيا غرض تنتقل فيه المنايا...".
أسئلة حول الدرس
1- هل يعني الزهد في الدنيا الفقر؟
2- لماذا يجب علينا ترك الدنيا والسعي إلى الآخرة؟
3- لماذا ينشأ حب الاشباع في نفس الإنسان؟
4- قارن ما بين الدنيا والآخرة وصف لنا العلاقة بينهما؟
5- ما هي آثار ترك الدنيا؟
إقرأ
مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام
كتاب "مناقب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام" لمؤلفه الحافظ محمد بن سليمان الكوفي القاضي، من أعلام القرن الثالث.
حققه وعلق عليه المحقق الخبير العلامة الشيخ محمد باقر المحمودي.
كتاب قيم يقع في ثلاث مجلدات من القطع الكبير يتميز بعدة مزايا:
1- أنه من الكتب القديمة التراثية حيث أنه ألف قبل ألف ومئة سنة ونيف.
2- مؤلفه من العلماء الكبار الذين اشتهروا بالحفظ والرواية.
3- يتميز الكتاب بسعته وشموليته بحيث لم يترك شاردة من التاريخ تتحدث عن أمير المؤمنين عليه السلام إلا وجمعها.
4- يتميز أيضا بعدم ترتيب أبوابه فهو أشبه بالكشكول منه إلى المصنف المقسم إلى أبواب وفصول.
يعتبر هذا الكتاب من الكتب التي أهملها التاريخ إهمالا كبيرا، فعلى الرغم من أهميتها إلا أنها بقيت مخطوطة إلى أن انتصرت الثورة الإسلامية في إيران حيث كان هناك مؤسسة تعنى بنشر التراث القديم للإسلام فقامت بإزاحة الغبار المتراكم عبر السنين عن هذا السفر القيم.
يعتبر هذا الكتاب من الكتب المتخصصة، حيث أنها تركز على موضوع واحد على الرغم من حجمه الكبير، فالذي ينوي الإطلاع الدقيق على ما ورد في تاريخ الإسلام حول مناقب أمير المؤمنين عليه السلام فما عليه إلا أن يتلقف هذا الكتاب القيم الذي يعد من أعظم ما كتب في هذا المجال.
للمطالعة
الدنيا
أتى عليُّ عليه السلام سوق الكرابيس فإذا هو برجل وسيم، فقال:
يا هذا، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟
فوثب الرّجل فقال: نعم، يا أمير المؤمنين.
فلمّا عرفه مضى عنه وتركه، فوقف على غلام فقال له: يا غلام، عندك ثوبان بخمسة دراهم؟
فقال: نعم، عندي ثوبان أحدهما أخير من الآخر، واحد بثلاثة والآخر بدرهمين.
قال: هلمَّهما، فقال: يا قنبر، خذ الذي بثلاثة.
قال: أنت أولى به، يا أمير المؤمنين، تصعد المنبر وتخطب الناس.
فقال: يا قنبر، أنت شاب ولك شرَّة الشَّباب28، وأنا أستحيي من ربي أن أتفضّل عليك، لأني سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
"ألبسوهم ممّا تلبسون، وأطعموهم مما تأكلون".
ثم لبس القميص ومدّ يده في ردنه29 فإذا هو يفضل عن أصابعه.
فقال: يا غلام، اقطع هذا الفضل، فقطعه.
فقال الغلام: هلمَّه أكفّه يا شيخ.
فقال: دعه كما هو فإن الأمر أسرع من ذلك30.
إن الإسلام العظيم اهتم اهتماماً بالغاً بموضوع الموت وما بعده باعتبار أنه حقيقة واقعة لا مفرّ منها ولا ملجأ، وذلك عبر الآيات والروايات الكثيرة وكذلك لأمير المؤمنين عليه السلام في كلامه اهتمام شديد بهذا الموضوع، وهذا ما ينبه الإنسان إلى ضرورة الالتفات إلى هذه المرحلة من مراحل المسيرة الإنسانية.
الخوف من الموت:
إن الخوف من الموت شعور ينتاب الكثيرين ويجعلهم يعيشون حالة القلق، وإن قلبهم ليخفق دائماً ويضطرب عندما يسمعون عن الموت وما بعد الموت وأنه ملاقيهم.
والشعور بالخوف ونوعه يختلف من إنسان إلى آخر، فالملحد مثلاً يرهب الموت رهبة عظيمة لأنه يعتقد أنه فناء، بخلاف المؤمن فإنه أقل خوفاً من الموت لأنه مؤمن بأن الموت حياة جديدة، ومن المؤمنين المتقين من يستأنس بذكر الموت ويستبشر به.
ويحدثنا عنهم أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة المتقين يقول:
"ولولا الأجل الذي كتب اللّه عليهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العقاب"1.
ويصف عليه السلام حال ضعيفي الإيمان مع الموت بقوله عليه السلام:
"إذا دعوتكم إلى جهاد عدوِّكم، دارت أعينكم، كأنكم من الموت في غمرة، ومن الذهول في سكرة".
ليس غريباً أن يخاف ويجزع غير المؤمن من الموت لأن حياته التي قضاها بالمعصية والفساد والظلم، جعلت آخرته مظلمة ومخيفة، فكيف له أن يطمئن؟
اسمعوا إلى الإمام عليه السلام كيف يصف هذا الصنف حال موته:
"... وجاءهم من فراق الدنيا ما كانوا يأمنون، وقدموا من الآخرة على ما كانوا يوعدون، فغير موصوف ما نزل بهم.
اجتمعت عليهم سكرة الموت وحسرة الفوت، ففترت لها أطرافهم، وتغيَّرت لها ألوانهم، ثم ازداد الموت فيهم ولوجاً، فحيل بين أحدهم وبين منطقه، وإنه لبين أهله ينظر ببصره، ويسمع بأذنه، على صحة من عقله، وبقاء من لبِّه، يفكر فيما أفنى عمره، وفيما أذهب دهره، ويتذكر أموالاً جمعها، أغمض6 في مطالبها، وأخذها من مصرَّحاتها ومشتبهاتها، قد لزمته
126
تبعات جمعها،... فهو يعض يده ندامة... فلم يزل الموت يبالغ في جسده..."7.
وفي هذا المعنى كلام كثير له عليه السلام.
وللتقي شأن آخر:
فيما التقي يقدم على ربِّ رحيم، وقد جاهد نفسه وأطاع ربَّه، فلماذا الخوف إذن؟
يقول الإمام علي عليه السلام مطمئناً المتقي بعد موته:
"فيا لها حسرة على كلِّ ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجَّة"13. ذكر الموت:
ولأجل أن لا تغفل عن الموت، وتكون مستعداً لهذه الساعة، عليك أن تذكرها دائماً، ليس ذكر الخوف والقلق واليأس، بل ذكر الطمأنينة وإعمار الحياة، وكبح جماح الشهوات وارتكاب المعاصي لأن ذكر الموت هو من أهم المنبهات إلى طريق الاستقامة.
يقول الإمام عليه السلام في ذكر الموت:
".. وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات، عند المساورة14"15.
إن العبد بعد موته وبعد أن يفرغ من حسابه فلا بد له من مقرٍ يسكنه، فهنا تظهر الوجوه فإما أن تكون ناعمة ناظرة إلى ربها ناضرة لسعيها راضية وإما أن تكون عليها غبرة ترهقها قترة، أي إما أن يكون من أهل الجنة أو من أهل النار.
يقول عليه السلام:
"وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به"19.
ونراه قد وصف لنا الجنة والنار وكأنه قد رآهما وعاينهما.
من هنا علينا أن لا نغفل عن السعي في فكاك رقابنا من النار خصوصاً أن باب
128
التوبة ما زال مفتوحاً أمام الطالبين ولا نسوِّف إلى أن يحين الأجل فعندها لا نرى من أعمالنا ما نستحق به دخول الجنة وتجنب النار يقول مولى الموحدين عليه السلام:
"وإياك أن ينزل بك الموت وأنت آبق من ربك في طلب الدنيا"21. بعض ما يوجب دخول النار:
1- القتل:
إن من أبرز ما يوجب دخول النار هو سفك الدماء المحترمة التي حرَّم اللّه قتلها، وذلك ما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله:
"واللّه سبحانه مبتدىء بالحكم بين العباد، فيما تسافكوا من الدماء، يوم القيامة"22. 2- كثرة الكلام قد يورد النار:
يقول عليه السلام:
"ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار"23. 3- الإمام (السلطان) الجائر:
يقول عليه السلام:
"وإن شر الناس عند اللّه إمام جائر ضلّ وضُلّ به، فأمات سنّة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة"24. 4- من كان خصماؤه المساكين:
يقول عليه السلام:
"... وإلا تفعل فإنك من أكثر الناس خصوماً يوم القيامة، وبؤسى لمن
129
خصمه عند اللّه الفقراء والمساكين والسائلون والمدفوعون، والغارمون وأبناء السبيل، ومن استهان بالأمانة، ورتع في الخيانة، ولم ينزه نفسه ودينه عنها"25. بعض ما يقرّب من الجنة: 1- طاعة الإمام:
طاعة ولي الأمر هي من الأمور المهمة التي تدخل الجنة لأنه بطاعته يكون الإنسان قد أدَّى التكليف المفترض عليه لأنه أعرف بمصالح الأمة ومفاسدها وأن اللّه تعالى أكدَّ على هذه المسألة في القرآن الكريم:
"وإنما الأئمة قوَّام اللّه على خلقه، وعرفاؤه على عباده، ولا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه فإن أطعتموني فإني حاملكم إنشاء اللّه على سبيل الجنة"27. 2- أداء الفرائض:
إن من أفضل الأعمال عند اللّه (عز وجل) هو أداء الفرائض المتوجبة على الإنسان لأن اللّه تعالى إما يُعبد بأدائها على نحو الخلوص إليه تعالى في النية ومن يفعل ذلك فإن مثواه الجنة لأنه أدى ما عليه.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"الفرائض، الفرائض: أدّوها إلى اللّه تؤدكم إلى الجنة"28.
3- صدق النية:
إنما الأعمال بالنيات وإن لكل امريء ما نوى وبالنية يجازى الإنسان على عمله إن كانت خالصة لوجه اللّه تعالى خالية من الرياء فعندها تؤدي بصاحبها إلى الجنة.
130
يقول إمامنا عليه السلام:
"وإن اللّه يُدخل بصدق النية والسريرة الصالحة من يشاء من عباده الجنة"29.
4- الجهاد في سبيل اللّه:
هو من أفضل الأبواب التي تورد إلى الجنة لما فيه من إعلاء كلمة اللّه تعالى وحفظ الأمة وتقوية شوكتها وبما فيها من الانتصار للمؤمنين والمستضعفين وكسر شوكة المستكبرين، لذلك في الجنة باب باسم الجهاد يرد منه المجاهدون الذين انتصروا إما بدمائهم وشهادتهم أو بالعزة التي منحوها للأمة بثباتهم وإخلاصهم وعزيمتهم.
يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه اللّه لخاصة أوليائه..."30.
في الختام:
إن طريق الجنة وطريق النار واضحان، ويمكن أن يختبر ذلك كل واحد منا داخل نفسه من خلال سلوكه مع قليلٍ من المراقبة للنفس ومسلكها، فإن طريق الجنة طريق صعب مستصعب لأن الإنسان في هذا الطريق سوف يتنازل عن كثير من مشتهايته وملذاته الشخصية التي تحصل بغير رضا اللّه ولا يراعى فيها مصلحة الآخرين والمصلحة الأخروية فلذلك تسمى بطريق ذات الشوكة وكل هذا الألم ألم آنيّ ينقضي بانتهاء الدنيا حتى يحل مكانه السعادة الأبدية والدائمة. هذا بخلاف طريق النار المحفوف بالشهوات والملذات وما يزينّه الشيطان وأعوانه للإنسان حيث يزين له القبيح ويقبِّح له الحسن حتى يصل الإنسان في هذا الطريق إلى مرحلة الاغترار بالإثم.
لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام:
"إن الجنة حفَّت بالمكاره وإن النار حفَّت بالشهوات"31.
لأن ما بعد الموت هو الحياة الأبدية الدائمة... الموت يأتي بغتة فما أسرع الملتقى، فعلينا أن نتهيأ لهذه اللقيا ونتزود بخير الزائد:
"فإن كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى"33.
132
خلاصة الدرس
1- إن الإسلام العظيم اهتم اهتماماً بالغاً بموضوع الموت وما بعده باعتبار أنه حقيقة واقعة لا مفرّ منه ولا ملجأ، وذلك عبر الآيات والروايات الكثيرة.
2- إن الخوف من الموت شعور إنساني عام، ففكرة الموت تجعل الإنسان يعيش حالة القلق، وإن قلبه ليخفق دائماً ويضطرب عندما يسمع عن الموت وما بعد الموت وأنه سيموت لا محالة.
3- أن غير المؤمن يخاف ويجزع من الموت لأنه قضى حياته بالمعصية والفساد والظلم، فكيف له أن يطمئن، وأما المؤمن فإنه يعلم أنه مقدم على ربِّ رحيم، وقد جاهد نفسه وأطاع ربَّه، فلماذا يخاف؟
4- إن تذكر الموت دائماًً، ليس ذكر الخوف والقلق وتدمير الحياة، بل ذكر الطمأنينة وإعمار الحياة، وكبح جماح المعاصي، لأنه من أهم المنبهات إلى طريق الاستقامة.
5- مما يوجب دخول النار في الآخرة:
1- القتل للنفس المحترمة.
2- اتباع السلطان الجائر.
6- مما يوجب دخول الجنة:
1- طاعة الإمام المفترض الطاعة وولي الأمر.
2- أداء الفرائض.
3- الجهاد في سبيل الله.
للحفظ
من أقوال أمير المؤمنين عليه السلام:
"هيهات بعد اللتيا والتي، واللّه لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمِّه".
"وطالب للدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه... ألا فاذكروا هادم اللذات، ومنغِّص الشهوات، وقاطع الأمنيات".
"ومن ارتقب الموت سارع إلى الخيرات".
"ومن كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلّ ورعه، ومن قلّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار".
أسئلة حول الدرس
1- كيف يختلف الخوف من الموت بين إنسان وآخر ولماذا؟
2- كيف يكون الإنسان مستعداً للموت؟
3- ما هي آثار تذكُّر الموت؟
4- اذكر بعض الأمور التي توجب دخول النار؟
5- اذكر بعض الأمور التي تقرب من الجنة؟
إقرأ
منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة
كتاب عظيم الشأن صنفه العلامة المحقق الحاج ميرزا حبيب الله الهاشمي الخوئي رحمه الله.
ويعتبر هذا الكتاب من أفضل الشروح التي كتبت لنهج البلاغة في القرن الأخير وهو كتاب ضخم يقع في أقل طبعاته في إحدى وعشرين مجلدا.
ومن الأمور التي امتاز بها هذا الكتاب:
ذكر أسانيد نهج البلاغة من أصولها، وإرجاع ما تبعثر من كلام أمير المؤمنين عليه السلام أو نقص منه إلى محله، كما أن المصنف تحدث بالتفصيل حول الأمور التاريخية التي تضمن النهج إشارات إليها.
يقول المصنف في مقدمته: ..... وسميته منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة، وجعلته هدية إلى حضرة من دون فنائه يحط مطايا الآمال، وببابه تقرع أيادي السؤال، حجة الله على العالمين، وآية الله في الأرضين، المتشرف بمنقبة:
نعمة الله على الأبرار، ونقمته على الفجار الحائز قصب السبق في مضمار الفخار، الجامع من بدايع الفضل للوامع الافتخار، صاحب المواهب الزاهرة، وحاوي المناقب الباهرة سيدي ومولاي، ومولى الكونين ووصي رسول الثقلين، أبي الحسنين، يعسوب الدين، أمير المؤمنين، أسد الله الغالب علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه وعلى أولاده الطاهرين ونفسي وروحي فداه مع أرواح العالمين.
للمطالعة
الجنة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام:
"فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما أخرج إلى الدنيا من شهواتها ولذّاتها، وزخارف مناظرها، ولذهلت بالفكر في اصطفاف34 أشجار غيّبت عروقها في كثبان35 المسك على سواحل أنهارها، وفي تعليق كبائس الؤلؤ الرَّطب في عساليجها وأفنانها36، وطلوع تلك الثمار مختلفة في غلف أكمامها37 تُجنى38 من غير تكلُّف فتأتي على منية مجتنيها، ويُطاف على نُزالها في أفنية قصورها بالأعسال المصّفقة39... قوم لم تزل الكرامة تتمادى بهم حتى حلُّوا دار القرار، وأمنوا نقلة الأسفار. فلو شغلت قلبك أيها المستمع بالوصول إلى ما يهجم عليك من تلك المناظر المونقة، لزهقت نفسك شوقاً إليها، ولتحملّت من مجلسي هذا إلى مجاورة أهل القبور استعجالاً بها. جعلنا اللّه وإياكم ممن يسعى بقلبه إلى منازل الأبرار برحمته"40.
هذا بعض صفة الجنة، أما بعض صفة النار.
النار في كلام أمير المؤمنين عليه السلام:
وردت أحاديث كثيرة عن أمير المؤمنين عليه السلام يصف فيها أهل النار وهم في النار.
يقول عليه السلام:
"أما أهل المعصية فأنزلهم شرَّ دار، وغلَّ الأيدي إلى الأعناق، وقرن النَّواصي بالأقدام، وألبسهم سرابيل41 القطران، ومقطعات النيران، في عذاب قد اشتد حرّه، وباب قد أُطبق على أهله في نار لها كلب42 ولجب43، ولهب ساطع، وقصيف44 هائل، لا يظعنُ مقيمها ولا يُفادى أسيرها ولا تفصمُ كبولها45"46.
ويقول عليه السلام أيضاً في وصف النار وغضب خازنها:
"أفريتم جزع أحدكم من الشوكة تصيبه، والعثرة تدميه والرمضاء تحرقه؟ فكيف إذا كان بين طابقين من نار ضجيع حجر وقرين شيطان، أعلمتم أن مالكاً47 إذا غضب على النار حطم بعضها بعضاً لغضبه، وإذا زجرها توثبت بين أبوابها جزعاً من زجرته"48.
عن أبي الصَّلت الهرويِّ، قال: قال المأمون لعلي بن موسى الرضا عليه السلام:
أخبرني عن جدِّك أمير المؤمنين بأي وجه هو قسيم الجنّة والنار؟
فقال له الرِّضا عليه السلام: ألم ترو عن آبائك، عن عبد اللَّه بن عبّا أنه قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
"حبُّ عليٍّ إيمان، بغضه كفر"؟
فقال: بلى. فقال الرِّضا عليه السلام:
"فلما كانت الجنّة للمؤمن، والنار للكافر، فقسمة الجنّة والنار إذا كان على حبّه وبغضه فهو قسيم الجنّة والنار".
فقال المأمون: لا أبقاني اللَّه بعدك إنك وارث جدّك.
قال أبو الصَّلت: لمّا انصرف الرضا عليه السلام إلى منزله، قلت له: جعلت فداك، ما أحسن ما أجبت به!
فقال عليه السلام: يا أبا الصَّلت، إنما كلّمته من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدِّث عن آبائه، عن علي عليه السلام أنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم:
"يا علي أنت قسيم الجنّة والنار يوم القيامة، تقول للنار: هذا لي، وهذا لك"50.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
احسنتم واجدتم الاخ الفاضل على جميل اختياركم وتسليطكم الضوء على هذا السفر الخالد (نهج البلاغة)..سائلا الله تعالى لك شفاعة امير المؤمنين صلوات الله تعالى عليه وشفاعة ابنائه الغر الميامين
تعليق