بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
هذه الكلمات الموجزة نستوحيها من تعاليم الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) الذي يستحق إحياء ذكراه ، والانتقال إلى عصره المتقلِّب المتجهم ، لنشاهد الأحداث والوقائع .ونشهد ببراءة على العباسيين كيف سرقوا الخلافة من أبناء عمومتهم ، ثم قبضوا على ناصيتها بالقوة ، وقتلوا كل من تصدَّى للخلافة ، حتى ولو كان من أحفاد الرسول الكريم (صلى الله عليه واله وسلم).أما الإمام الصادق (عليه السلام) فساعدَهُ حِسّه ، وشعوره ، وعقله الراجح ، في تلك الفترة الحاسمة ، على اجتياز أقسى مرحلةٍ تاريخية .
مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام)
يُعتبر الإمام الصادق (عليه السلام) صاحب مدرسة فكرية كبرى ، كان لها وجود عالمي ، وفضل كبير على الإسلام .فالإمام الصادق(عليه السلام) طلب الحكمة ، وسعى لاكتشاف أسرارها ، وغاص في عميق معانيها ، وفجَّر الينابيع بطاقة العقل ، وصفاء النفس ، وأخذ بيد الإنسان وقاده إلى مناهل المعرفة ، بكلِّ ما فيها من عمق وشمول .تطبّع الإمام الصادق (عليه السلام) بصفات الفضل ، ومحبة العلم ، وتعلَّم من جَدِّه (صلى الله عليه واله وسلم) أن يُطعِم حتى لا يبقى لعياله طعاماً ، وأن يكسو حتى لا تبقى لهم كسوة .وإن إحصاء فضله (عليه السلام) ، وسعة علمه ، وآفاق فكره ، وعبقريته ، ضَرْبٌ من المستحيل ، كما أنَّ الإحاطة بتاريخ حياته(عليه السلام) من الصعوبة بمكان علم الكيمياء :
لا بُدَّ لنا ونحن في رحاب الإمام الصادق (عليه السلام) من الوقوف قليلاً لإلقاء نظرة عابرة على علم الكيمياء ، ودور تلميذه جابر بن حيَّان .الذي أخذ عنه هذا العلم ، وسعى إلى تطويره ، وإخراجه من الجمود ، والسحر ، والشعوذة ، والتدجيل ، والخرافات ، إلى علم يقوم على البحث والاختبار ، ويقود إلى خير الإنسانية ، وسعادتها .يقول ابن النديم في الفهرست رداً على بعض المصادر المغرضة التي شكّكت في وجود جابر واعتبرته أسطورة وهمية :الرجل له حقيقة ، وأمره أظهر وأشهر ، وتصنيفاته أعظم وأكثر ، ولهذا الرجل عدداً من الكتب في مذهب الشيعة . وتؤكد المصادر أنَّ جابراً كان حقيقة وليس أسطورة ، وأنه عاش في النصف الأول من القرن الثامن للميلاد .وهناك إجماع وتأكيد على اتصاله بـ( البرامكة ) ، الذين كانوا يحافظون على ( التقية ) ، في علاقاتهم بالإمام الصادق (عليه السلام) .ويقول ابن النديم أيضاً : كان جابر بن حيَّان رياضياً ، وفيلسوفاً ، وكيميائياً ، وعالماً بالفلك ، وطبيباً .له مؤلفات في المنطق ، والفلسفة ، وعلم الباطن ، وغَالى بعضهم فَنَسب إليه اختراع الجبر .إن هذه الثقافة الموسوعية يصفها جابر في أنه تلقَّاها من سيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) ، ويردُّها جميعها إلى مُلهِمِه الذي يطلق عليه اسم ( معدن الحكمة ) .ونقول : إنَّ لجابر مؤلفات عديدة في مختلف العلوم ، وقد تكون رسالته في التربية ، وبيان العلاقة بين المعلم والمتعلم أهم ما كتبه .وتعتبر من روائع الآثار التربوية ، ففيها فصَّل جابر واجبات وحقوق كل من المدرِّس والتلميذ ، ويلتقي فيها مع أحدث الأساليب للدول الحضارية المتقدمة ، صاحبة الأولية في الثقافة ، والعلوم ، والآداب .ومن الواضح أنَّ جابر ين حيَّان لم يكن الوحيد الذي تَتَلمذ على يد الإمام الصادق (عليه السلام) .فهناك العديد من العلماء ، والفقهاء ، وأصحاب المذاهب ، انتسبوا إلى مدرسته (عليه السلام) ، ودرسوا على يده الفقه ، والحديث ، وعلم الكلام ، والمنطق ، والفلسفة ، واللغة ، والآداب .والفضل كل الفضل لهذا المُعلِّم الحكيم ، الذي كرَّس حياته لخدمة الإسلام دون تمييزٍ بين فِرَقِه وطوائفه وذاهبه .
كيمياء ابن حيَّان :
لا بُدَّ لنا من عودة إلى كيمياء جابر ، وأقواله عن المعادن وطبيعتها ، وأجناسها ، وأصلها ، وكيفية صهرها ، وإذابتها ، وتحليلها ، وتحويلها .وقد أيَّد ابن سينا ما ذكره جابر ، ولكنَّه ذهب إلى العمق في تأويلها ، وأفصح عن وجهها وجوهرها ، في كتابه ( الشفاء ) قائلاً : إن المعادن كالنفوس ، فمنها الغث والثمين ، والنافع والضار ، والنفيس والخسيس ، ويأتي ( الإكسير ) معها .وقد بالغوا بالحديث عنه ، ووصفوه أنه يحوِّل المعادن كلياً ، وينقلها من الخسيس إلى النفيس .ويروي لنا جابر أنَّه استعمله في الطب ، وشفى به أمراضاً مستعصية مزمنة ، وهنا يقول ابن سينا في كتابه المذكور : من المستحيل تحويل المعادن الخسيسة إلى معادن نفيسة بواسطة ( الإكسير ) ، ولكن بالإمكان بواسطته إدخال التحسينات على بعض المعادن ، وإعطائها البريق ، واللمعان ، لكي تصبح في مستوى المعادن الأصيلة .وابن سينا هنا يؤيد أقوال الشيعة ، ويتفق مع جابر في تشبيه ( الإكسير ) بالعلوم الإمامية ، الصادرة إلى المستجيب .
|
تعليق