الهَفهاف بن المهند الراسبي البصري
آخر شهداء الطفّ
إنَّ كلَّ صفحةٍ مِن صفحاتِ التاريخ يمكن أن نستلَّ منها الدروس ونستلهم منها العِبَر، من أعلامٍ أبت أن يتجاهلها الزمن بتقادمه ويلفَّها النسيان كما لفَّ الكثير غيرها، مِن أولئك النجوم، شهداء الطفِّ الخالدون؛ أصحاب الامام الحسين، عليه السلام، الذين عبّر عنهم بقوله: «...ألا فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً مِن أصحابي»، أولئك الذين اختاروا الموت في سبيل الله والعزّة والكرامة، وفضّلوا الشهادة في سبيل إمام زمانهم بعزٍّ وشرف على الحياةِ معَ غيرِه بذلّةٍ وهوان.
والمعروف أن واقعة كربلاء انتهت باستشهاد جميع من في معسكر الإمام الحسين، عليه السلام، ثم هجوم الأعداء على مخيم النساء، وحرقها وسبي عيال الامام، عليه السلام، بيد أن الأمر لم يكن كذلك، وعندما نقول أن معركة كربلاء مستمرة من حيث المفهوم والمبدأ، وأن «كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء»، ما دام الصراع دائر الى يوم القيامة بين الحق والباطل، فان أول مصداق أكده على أرض الواقع هو ذلك التابعي الجليل الذي وصل متأخراً ليلبّي نداء الإمام الحسين وينصره في حياته، لكنه حاز التوفيق العظيم وتسجيل اسمه مع أصحاب الإمام، من الشهداء الأبرار.
إنه الهفهاف بن المهنّد الراسبي الأزدي البصري، ذلك الفارِس البصري الشُّجَاع الذي برَزَ اسمُه مُدافِعَاً عنَ نهج الحسين، عيه السلام، وكان مِن الشيعة المخلِصين في ولائهم لأهل البيت، عليهم السلام، له ذكر في المغازي والحروب وملازمته لأمير المؤمنين، عليه السلام، وحضره في يوم صفّين، ثم انضمامه إلى الامام الحسن، عليه السلام.
وصل إلى كربلاء قادماً من البصرة بعد سماع أخبار الامام الحسين وما جرى في الكوفة، ثم تعبئة الجيش لقتال الامام في كربلاء، ولبعد المسافة، وصل أرض كربلاء وهي مخضبة بالدماء مليئة بالأشلاء وقد تصاعدت أعمدة الدخان من الخيام، ورفعت الرؤوس على الرماح وانتهى كل شيء.
ولما وصل أرض كربلاء سأل شخصاً قريباً منه عن أخبار الامام الحسين، وما هذا الدخان الذي يشاهده...؟! فسأله الرجل من يكون؟ فعرفه نفسه، وهذا بدوره أخبر كبار القوم في معسكر عمر بن سعد، فأحاطوا به، فكانت فرصته التي يبحث عنها، ولو بعد حين، فسلّ سيفه وشدّ فيهم كليث العرين يضربهم بسيفه، فلم يزل يقاتلهم ويقول: «يا أيّها الجُند المجنّد، أنا الهفهاف بن المهنّد، أبغي عيال محمّد»، فأوقع فيهم مقتلة عظيمة، تقول الروايات التاريخية؛ أنه قَتل منهم جمعاً كثيراً و اُثخن بالجراحات، فحمل عليه جمع واحتوشوه، حتّى قتلوه رضوان الله تعالى عليه، ثم احتزوا رأسه، ليكون آخر من لبّى نداء الامام الحسين ويُستشهد على أرض كربلاء وهو يحمل في قلبه نيّة الدفاع عن الامام الحسين وأهل بيته، عليهم السلام.
-----------------------------
* المصدر: القاضي نعمان المغربي - كتاب شرح الأخبار.
تعليق