" ينبغي اللجُوءُ إلى اللهِ تعالى عند البلاءِ فهو المُعينُ القدير"
"وقفةٌ مع دُعاءِ الإمامِ زين العابدين , عليه السلامُ , عِنْدَ الشِّدَّةِ والْجَهْدِ وتَعَسُّرِ الأُمُور"
:..قد كان لنا كلام مع الإمام زين العابدين , عليه السلامُ , فيما تقدمَ في بعضِ الأدعيةِ في الصحيفة السجاديةِ وذكرنا مقدمةً حول عِلو مَضامينها القيمَةِ , وندخلُ من الدعاءِ لنطلّ على الرؤية التفصيلية للإمامِ السجادِ , بخصوص حاجةِ الإنسانِ إلى الله تعالى , وكذلك المشاكل التي تواجهه مِن حبائل الشيطان ووساوس النفس , وإننا في هذه الدنيا راحلون عنها , فهي لم تكن دارَ قرارٍ بل هي دار مَمرٍ , فنحن جميعاً سنرحلُ عنها.
ولا بُدّ للإنسانِ مِن أنْ يقفَ عند الشيء الذي ينفعه ويجعله على أملٍ باللهِ تعالى وأنْ يأخذَ بيديه للنجاة من أهوال يوم القيامة.
: .. إنّ الإمامَ السجادَ ,عليه السلامُ , قد رسمَ لنا منهجاً واضحاً بوصفنا عباد اللهِ تعالى يُبينُ لنا كيفيةَ التعاملِ مع ما نمرُّ به في هذه الدنيا من ابتلاءاتٍ .
وقد ذكرنا سابقاً أنَّ قدرةَ الإنسانِ هي مَحفوظةٌ في تكليفه الشرعي في هذه الحياةِ.
قال: عليه السلامُ : (اللَّهُمَّ لَا طَاقَةَ لِي بِالْجَهْدِ ، ولَا صَبْرَ لِي عَلَى الْبَلَاءِ ، ولَا قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ ، فَلَا تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، ولَا تَكِلْنِي إِلَى خَلْقِكَ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، وتَوَلَّ كِفَايَتِي . وانْظُرْ إِلَيَّ وانْظُرْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي ، فَإِنَّكَ إِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا ولَمْ أُقِمْ مَا فِيه مَصْلَحَتُهَا ، وإِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي ، وإِنْ أَلْجَأْتَنِي إِلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي) :الصحيفةُ السجاديّة:
:.. هنا بينَ الإمامُ , عليه السلامُ , ثلاثَ نقاط , وهي تُعبرُ عن حالةٍ من الاستكانةِ والطلبِ, قال: 1: - اللَّهُمَّ لَا طَاقَةَ لِي بِالْجَهْدِ – : والجهدُ هو المَشقةُ والتعبُ , ولكن هذه المَشقةَ هي مشروطةٌ بقدرةِ الإنسانِ على تكليفه وإنْ فيها صعوبة لأنَّ اللهَ تعالى لا يكلّفُ نفساً إلاَ وسعها والتكليف مشروطٌ بالقدرةِ بحسبِ ما يقولُ العلماءُ ,وإنّما يُعلمنا الإمامُ هنا بأنْ نقرّ ونعترفَ أمامَ اللهِ بحاجتنا إليه وإعانته لنا فيما نبتلي أو نمرّ به – أي أننا لو خُلينا وقدرتنا وطاقتنا على أنْ نقومَ بجميع ِما يطلبه اللهُ منا لواجهنا جهداً ومشقةً ولكنه هو مَن يعيننا ويُمكننا في ذلك-.
:... إنَّ الإنسانَ يواجه في هذه الدنيا مجموعة ابتلاءاتٍ وعليه أن يصبرَ وأن يتحملَ ,
وأنْ لا تخرجه من دينه , ففي الصبرِ على البلاءِ رفعةٌ في الدرجةِ والأجرِ عند الله سبحانه, والإنسانُ في مواردِ البلاء وفي بعض الحالاتِ لا يعلمُ مِن نفسه أنْ قد يصبرَ أو يعترضَ أو يتمللَ فهذا غير معلومٍ , وفي مثلِ هذا الحالة ينبغي به أن يلجأ إلى اللهِ تعالىِ ليضمن من نفسه الصبرَ والثباتَ , وقد وردَ في أخبارٍ كثيرةٍ وفي الصحيفةِ السجادية أيضاً أنْ - أسألوا اللهَ العافيةَ – (عن جابر عن أبي جعفر أنَّ النبي, صلى الله عليه وسلم , مَرّ معنا شيءٌ فسجدَ وقالَ اسألوا اللهَ العافيةَ ): المصنف, ابن أبي شيبة الكوفي , ج2 ,ص367.:
, العافيةَ في الأديانِ والأبدانِ , في الدينا والآخرةِ , لأنّه من غير المضمون أنَّ الإنسانَ إذا عرضَ له البلاءُ أن يصبرَ ويثبتَ , والابتلاءُ يأتي بحسبِ درجاتِ الإيمانِ ,الأنبياءُ فالأمثل ثم الأمثل ,كلٌّ بحسبِ درجةِ إيمانه, وقد صبرَ الأنبياءُ على ما ابتلوا به , وقد مدحهم اللهُ تعالى, كالنبي أيوب فقد جائه مدحٌ خاصٌ فيه , وكذا نبينا الأكرم مُحمّد , صلى الله عليه وآله وسلّم , فقد واجه أشدَّ الابتلاءاتِ وكيف تعامل معها بقوة وثباتٍ , وهكذا الإمامُ الحُسَين , عليه السلامُ , فقد تعرّضَ لبلاءٍ عظيم ٍ في واقعةِ الطفِ لا يقوى أيِّ أحدٍ على أنْ يبقى فيه أو يصمدَ كما فعلَ الإمامُ الحُسَين ,وعندما يكون البلاءُ رفعةً في ازديادِ درجةِ الإيمان والقربِ من اللهِ عزّ وجل , يُتَلَذَذُ به.
:2:- ولَا صَبْرَ لِي عَلَى الْبَلَاءِ -: قد يكونُ البلاءُ سبباً في إخراجِ الإنسانِ المؤمن من وقاره وهدوءه , وفي المستوى العام ينبغي التمسكُ باللهِ القوي والذي بيده جميع الأسبابِ.
:.. نحنُ الذين نحجبُ أنفسنا عن اللهِ سبحانه بذنوبنا وبعدمِ قدرتنا على فَهمِ ما قدّمه لنا أئمتُنا المعصومون , عليهم السلامُ ,.
ومن المعلومِ أنَّ الإمامَ زينَ العابدين , عليه السلامُ , هو إمامٌ معصومٌ وصبورٌ ولكن يُريدُ ذلك منّا خاصةً , وهو قد حضرَ واقعةَ الطفِ وصبرَ على البلاءِ العظيم , فهو يريدُ منا أن نكونَ في حالِ صبرٍ على البلاءِ لأنَّه في الواقع الإنسانُ قد لا يصبرُ إلاّ برحمةٍ من اللهِ تعالى.
:3: - ولَا قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ - :المقصودُ مِن الفَقرِ هنا هو الفَقرُ النسبي لا المُطلَقُ لأننا واقعاً كلنا فقراءُِ إلى اللهِ تعالى ,والفقيرُ هو الذي لا يجدُ قوتَ يومه وإذا ما وجده فهو يسيرٌ جداً , والابتلاءُ بالفقرِ يحتاجُ إلى قوةٍ نفسيةٍ يتحملُ معها ويثبتُ ,.
:..إنَّ الفقرَ في بعضِ الحالاتِ قد يكونُ سوط اللهِ يضربُ به المُتكبرين ومرَّ علينا ما في قصةِ قارون وما حكاه القرآنُ عنه ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82))) القصص.
:.. إنَّ الفقرَ ليس عيباً وقد يكون من عواملِ القُرب من اللهِ تعالى , والإمامُ عليٌّ , عليه السلامُ , قد حكى عن أنّ النبي الأكرمَ لم يشبع من برّكم – الحنطة – ثلاثةَ أيامٍ متواصلةٍ , وكذا السيدة الزهراء , عليها السلامُ , قد عانتْ ما عانتْ وتحملتْ ولكنها وهي طاويةٌ قد أعطتْ كلَّ ما عندها للسائل والفقير والمسكين , لوجه اللهِ تعالى.
:.. إنَّ هذه الخصالَ التي بينها الإمامُ السجادُ في دعائه هي فضائلُ في الواقع وليستْ خصال مذمومة وبها قد يصلُ الإنسانُ بصبره إلى أعلى المراتبِ عنده سبحانه.
قال: عليه السلامُ :- فَلَا تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، ولَا تَكِلْنِي إِلَى خَلْقِكَ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، وتَوَلَّ كِفَايَتِي -: إنَّ اللهَ تعالى هو الرازقُ الحقيقي والرزاقُ من أسمائه الحسنى ,
والرزقُ يطلبنا كما الموتُ يطلبنا أيضاً ,وإنما طلبَ الإمامُ السجادُ , عليه السلامُ , من اللهِ بأن لا يمنعه رزقه في إشارةٍ لضرورةِ حفظِ كرامةِ المؤمنِ لأنَّ كرامةَ المؤمنِ عزيزةٌ
لا ينبغي هدرها , وربما يُستشكلُ على المؤمنِ هدر كرامته , ذلك لأنَّ الإيمانَ صفةُ تكريمٍ ,والله يرضى لرضاه ويغضبُ لغضبه بعنوانِ الإيمانِ قال تعالى)) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ))(8)المنافقون.
وللرزق في الواقع سبلٌ ووسائلٌ وقد يغفلُ عنها الإنسانُ فينظرُ إلى الظاهرِ منها وينسى الرازقَ الحقيقي وهو الله تعالى , والكلامُ هنا في كيف أنّ اللهَ يرزقنا ونرى أنّ ما بأيدي الناس فيه ما فيه ,وتحصيل الرزق مطلوبٌ ,ولكن الرزق الحقيقي بيدِ اللهِ تعالى ,
وما نجده من تفاوتٍ في كسبِ الأرزاقِ فهو من ورائه حكمةٌ , فالله تعالى قد يهددُ بالعقوباتِ على الفعلِ في بعض الحالاتِ وقد يبتلي بالفقرِ في مواردٍ ليرى مدى تحملنا ومدى تمسكنا به .
:.. إنَّ من الوضع الطبيعي في هذه الدنيا أن يعرضَ علينا البلاءُ والمهمُ هنا هو مَن الذي يُعيننا عليه ,وليس غير اللهِ من مُعين ,(( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))(28)الرعد.
:.. ينبغي بالمؤمنِ أن يتصرفَ وفقَ معاييرِ اللجوءِ إلى الله تعالى في كلِّ شيءٍ ,
وقد قال تعالى (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) (124)طه. ولابُدّ من تقويةِ العلاقةِ مع الله تعالى , وأنْ لا نغفلَ عنه سبحانه.
____________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى التي ألقاهَا سَماحةُ السيّد أحمد الصافي, دَامَ عِزّه,
الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ,
الخامس من ربيع الأول ,1439 هجري, الرابع والعشرون من تشرين الثاني ,2017 م .
________________________________________________
- تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ -
_______________________________________________
"وقفةٌ مع دُعاءِ الإمامِ زين العابدين , عليه السلامُ , عِنْدَ الشِّدَّةِ والْجَهْدِ وتَعَسُّرِ الأُمُور"
:..قد كان لنا كلام مع الإمام زين العابدين , عليه السلامُ , فيما تقدمَ في بعضِ الأدعيةِ في الصحيفة السجاديةِ وذكرنا مقدمةً حول عِلو مَضامينها القيمَةِ , وندخلُ من الدعاءِ لنطلّ على الرؤية التفصيلية للإمامِ السجادِ , بخصوص حاجةِ الإنسانِ إلى الله تعالى , وكذلك المشاكل التي تواجهه مِن حبائل الشيطان ووساوس النفس , وإننا في هذه الدنيا راحلون عنها , فهي لم تكن دارَ قرارٍ بل هي دار مَمرٍ , فنحن جميعاً سنرحلُ عنها.
ولا بُدّ للإنسانِ مِن أنْ يقفَ عند الشيء الذي ينفعه ويجعله على أملٍ باللهِ تعالى وأنْ يأخذَ بيديه للنجاة من أهوال يوم القيامة.
: .. إنّ الإمامَ السجادَ ,عليه السلامُ , قد رسمَ لنا منهجاً واضحاً بوصفنا عباد اللهِ تعالى يُبينُ لنا كيفيةَ التعاملِ مع ما نمرُّ به في هذه الدنيا من ابتلاءاتٍ .
وقد ذكرنا سابقاً أنَّ قدرةَ الإنسانِ هي مَحفوظةٌ في تكليفه الشرعي في هذه الحياةِ.
قال: عليه السلامُ : (اللَّهُمَّ لَا طَاقَةَ لِي بِالْجَهْدِ ، ولَا صَبْرَ لِي عَلَى الْبَلَاءِ ، ولَا قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ ، فَلَا تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، ولَا تَكِلْنِي إِلَى خَلْقِكَ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، وتَوَلَّ كِفَايَتِي . وانْظُرْ إِلَيَّ وانْظُرْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي ، فَإِنَّكَ إِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا ولَمْ أُقِمْ مَا فِيه مَصْلَحَتُهَا ، وإِنْ وَكَلْتَنِي إِلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي ، وإِنْ أَلْجَأْتَنِي إِلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي) :الصحيفةُ السجاديّة:
:.. هنا بينَ الإمامُ , عليه السلامُ , ثلاثَ نقاط , وهي تُعبرُ عن حالةٍ من الاستكانةِ والطلبِ, قال: 1: - اللَّهُمَّ لَا طَاقَةَ لِي بِالْجَهْدِ – : والجهدُ هو المَشقةُ والتعبُ , ولكن هذه المَشقةَ هي مشروطةٌ بقدرةِ الإنسانِ على تكليفه وإنْ فيها صعوبة لأنَّ اللهَ تعالى لا يكلّفُ نفساً إلاَ وسعها والتكليف مشروطٌ بالقدرةِ بحسبِ ما يقولُ العلماءُ ,وإنّما يُعلمنا الإمامُ هنا بأنْ نقرّ ونعترفَ أمامَ اللهِ بحاجتنا إليه وإعانته لنا فيما نبتلي أو نمرّ به – أي أننا لو خُلينا وقدرتنا وطاقتنا على أنْ نقومَ بجميع ِما يطلبه اللهُ منا لواجهنا جهداً ومشقةً ولكنه هو مَن يعيننا ويُمكننا في ذلك-.
:... إنَّ الإنسانَ يواجه في هذه الدنيا مجموعة ابتلاءاتٍ وعليه أن يصبرَ وأن يتحملَ ,
وأنْ لا تخرجه من دينه , ففي الصبرِ على البلاءِ رفعةٌ في الدرجةِ والأجرِ عند الله سبحانه, والإنسانُ في مواردِ البلاء وفي بعض الحالاتِ لا يعلمُ مِن نفسه أنْ قد يصبرَ أو يعترضَ أو يتمللَ فهذا غير معلومٍ , وفي مثلِ هذا الحالة ينبغي به أن يلجأ إلى اللهِ تعالىِ ليضمن من نفسه الصبرَ والثباتَ , وقد وردَ في أخبارٍ كثيرةٍ وفي الصحيفةِ السجادية أيضاً أنْ - أسألوا اللهَ العافيةَ – (عن جابر عن أبي جعفر أنَّ النبي, صلى الله عليه وسلم , مَرّ معنا شيءٌ فسجدَ وقالَ اسألوا اللهَ العافيةَ ): المصنف, ابن أبي شيبة الكوفي , ج2 ,ص367.:
, العافيةَ في الأديانِ والأبدانِ , في الدينا والآخرةِ , لأنّه من غير المضمون أنَّ الإنسانَ إذا عرضَ له البلاءُ أن يصبرَ ويثبتَ , والابتلاءُ يأتي بحسبِ درجاتِ الإيمانِ ,الأنبياءُ فالأمثل ثم الأمثل ,كلٌّ بحسبِ درجةِ إيمانه, وقد صبرَ الأنبياءُ على ما ابتلوا به , وقد مدحهم اللهُ تعالى, كالنبي أيوب فقد جائه مدحٌ خاصٌ فيه , وكذا نبينا الأكرم مُحمّد , صلى الله عليه وآله وسلّم , فقد واجه أشدَّ الابتلاءاتِ وكيف تعامل معها بقوة وثباتٍ , وهكذا الإمامُ الحُسَين , عليه السلامُ , فقد تعرّضَ لبلاءٍ عظيم ٍ في واقعةِ الطفِ لا يقوى أيِّ أحدٍ على أنْ يبقى فيه أو يصمدَ كما فعلَ الإمامُ الحُسَين ,وعندما يكون البلاءُ رفعةً في ازديادِ درجةِ الإيمان والقربِ من اللهِ عزّ وجل , يُتَلَذَذُ به.
:2:- ولَا صَبْرَ لِي عَلَى الْبَلَاءِ -: قد يكونُ البلاءُ سبباً في إخراجِ الإنسانِ المؤمن من وقاره وهدوءه , وفي المستوى العام ينبغي التمسكُ باللهِ القوي والذي بيده جميع الأسبابِ.
:.. نحنُ الذين نحجبُ أنفسنا عن اللهِ سبحانه بذنوبنا وبعدمِ قدرتنا على فَهمِ ما قدّمه لنا أئمتُنا المعصومون , عليهم السلامُ ,.
ومن المعلومِ أنَّ الإمامَ زينَ العابدين , عليه السلامُ , هو إمامٌ معصومٌ وصبورٌ ولكن يُريدُ ذلك منّا خاصةً , وهو قد حضرَ واقعةَ الطفِ وصبرَ على البلاءِ العظيم , فهو يريدُ منا أن نكونَ في حالِ صبرٍ على البلاءِ لأنَّه في الواقع الإنسانُ قد لا يصبرُ إلاّ برحمةٍ من اللهِ تعالى.
:3: - ولَا قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ - :المقصودُ مِن الفَقرِ هنا هو الفَقرُ النسبي لا المُطلَقُ لأننا واقعاً كلنا فقراءُِ إلى اللهِ تعالى ,والفقيرُ هو الذي لا يجدُ قوتَ يومه وإذا ما وجده فهو يسيرٌ جداً , والابتلاءُ بالفقرِ يحتاجُ إلى قوةٍ نفسيةٍ يتحملُ معها ويثبتُ ,.
:..إنَّ الفقرَ في بعضِ الحالاتِ قد يكونُ سوط اللهِ يضربُ به المُتكبرين ومرَّ علينا ما في قصةِ قارون وما حكاه القرآنُ عنه ((قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلَا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ (78) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (79) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82))) القصص.
:.. إنَّ الفقرَ ليس عيباً وقد يكون من عواملِ القُرب من اللهِ تعالى , والإمامُ عليٌّ , عليه السلامُ , قد حكى عن أنّ النبي الأكرمَ لم يشبع من برّكم – الحنطة – ثلاثةَ أيامٍ متواصلةٍ , وكذا السيدة الزهراء , عليها السلامُ , قد عانتْ ما عانتْ وتحملتْ ولكنها وهي طاويةٌ قد أعطتْ كلَّ ما عندها للسائل والفقير والمسكين , لوجه اللهِ تعالى.
:.. إنَّ هذه الخصالَ التي بينها الإمامُ السجادُ في دعائه هي فضائلُ في الواقع وليستْ خصال مذمومة وبها قد يصلُ الإنسانُ بصبره إلى أعلى المراتبِ عنده سبحانه.
قال: عليه السلامُ :- فَلَا تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي ، ولَا تَكِلْنِي إِلَى خَلْقِكَ ، بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي ، وتَوَلَّ كِفَايَتِي -: إنَّ اللهَ تعالى هو الرازقُ الحقيقي والرزاقُ من أسمائه الحسنى ,
والرزقُ يطلبنا كما الموتُ يطلبنا أيضاً ,وإنما طلبَ الإمامُ السجادُ , عليه السلامُ , من اللهِ بأن لا يمنعه رزقه في إشارةٍ لضرورةِ حفظِ كرامةِ المؤمنِ لأنَّ كرامةَ المؤمنِ عزيزةٌ
لا ينبغي هدرها , وربما يُستشكلُ على المؤمنِ هدر كرامته , ذلك لأنَّ الإيمانَ صفةُ تكريمٍ ,والله يرضى لرضاه ويغضبُ لغضبه بعنوانِ الإيمانِ قال تعالى)) وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ ))(8)المنافقون.
وللرزق في الواقع سبلٌ ووسائلٌ وقد يغفلُ عنها الإنسانُ فينظرُ إلى الظاهرِ منها وينسى الرازقَ الحقيقي وهو الله تعالى , والكلامُ هنا في كيف أنّ اللهَ يرزقنا ونرى أنّ ما بأيدي الناس فيه ما فيه ,وتحصيل الرزق مطلوبٌ ,ولكن الرزق الحقيقي بيدِ اللهِ تعالى ,
وما نجده من تفاوتٍ في كسبِ الأرزاقِ فهو من ورائه حكمةٌ , فالله تعالى قد يهددُ بالعقوباتِ على الفعلِ في بعض الحالاتِ وقد يبتلي بالفقرِ في مواردٍ ليرى مدى تحملنا ومدى تمسكنا به .
:.. إنَّ من الوضع الطبيعي في هذه الدنيا أن يعرضَ علينا البلاءُ والمهمُ هنا هو مَن الذي يُعيننا عليه ,وليس غير اللهِ من مُعين ,(( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ))(28)الرعد.
:.. ينبغي بالمؤمنِ أن يتصرفَ وفقَ معاييرِ اللجوءِ إلى الله تعالى في كلِّ شيءٍ ,
وقد قال تعالى (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى)) (124)طه. ولابُدّ من تقويةِ العلاقةِ مع الله تعالى , وأنْ لا نغفلَ عنه سبحانه.
____________________________________________
مَضمونُ خطبةِ الجُمعَةِ الأولى التي ألقاهَا سَماحةُ السيّد أحمد الصافي, دَامَ عِزّه,
الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ,
الخامس من ربيع الأول ,1439 هجري, الرابع والعشرون من تشرين الثاني ,2017 م .
________________________________________________
- تدوين – مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي – النَجَفُ الأشْرَفُ –
- كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تعالى , رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ -
_______________________________________________
تعليق