أسس التكافل الاجتماعي ومبدأ الأخوة الإيمانية
لم تنبت فكرة التكافل بلا جذور، ولم تنطلق من فراغ، وإنّما سبقتها ومهدت لها وأسهمت في فاعليتها وديمومتها مجموعة من الأسس والمبادئ العامة، كانت بمثابة البنىظ° التحتية التي عملت على بلورة فكرة التكافل وإرساء قواعدها، وفي طليعة هذه الأسس والمبادئ:
مبدأ الأخوّة الإيمانية
عمل الإسلام على بناء وتدعيم علاقات طيبة بين الناس تقوم على أساس الأخوّة والألفة، وإذا كان علم الاجتماع معنياً أولاً وقبل كل شيء بالظواهر الاجتماعية، فإن ظاهرة الأخوّة التي أوجدها الإسلام بين أفراده تستحق الدراسة والتأمل، فقد كان العرب ـ في الجاهلية ـ على شفا حفرة من نار الخلاف والاختلاف والتمزق والتقاتل، ولكنهم بعد أن ارتضعوا من لبان ثقافة الإسلام أصبحوا أمة متحدة، مرهوبة الجانب تمتلك أسباب التمدّن والرّقي.
فقد أحدثت مبادئ الإسلام وخاصة مبدأ الأخوة إنعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط تفكير وسلوك الغالبية الغالبة من المسلمين، حيث كان الإنسان الجاهلي قبل الإسلام منكفئاً على ذاته، ومتقوقعاً داخل أسوار نفسه، فغدا بفضل الإسلام إنساناً إجتماعياً يشعر بمعاناة إخوته، ويمدّ يده العون لهم، ويشاركهم في مكاره الدهر.
وهذه النقلة الحضارية يشير إليها القرآن بصورة جلّية، في قوله عز من قائل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىظ° شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)[1]. وكان للسُنة النبوية الأثر البالغ في تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات إجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله: «من سعىظ° في حاجة أخيه المؤمنين، فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليلة»[2]. وقال صلىاللهعليهوآله: «من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله دهره»[3].
وقال صلىاللهعليهوآله: «من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله»[4]. فهنا نجد أن قضاء حوائج الأخوان وخاصة تلك التي لابد منها لاستمرار العيش الكريم يرفعها الرسول صلىاللهعليهوآله إلى درجة العبادة العملية التي تستلزم الثواب الأخروي الجزيل. وكان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يحثّ على صون كرامة الأخ المؤمن وعدم إراقة ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته، لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة، وهذه توصية حضارية في غاية الأهمية، قال صلىاللهعليهوآله: «لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته»[5]. ونسجت مدرسة أهل البيت: على هذا المنوال بأقوال عديدة تعكس حالة التضامن والتكافل التي ترغب في إشاعتها بين أفراد المجتمع، فعن الإمام علي عليهالسلام قال: «خير الاخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه»[6].
وقال أيضاً: «خير اخوانك من واساك»[7].
ورسم لنا أمير المؤمنين عليهالسلام مقياساً للتفاضل الاجتماعي يقوم على المنفعة المتبادلة، عندما قال: «خير الناس من نفع الناس»[8].
في حين أن حفيده الإمام الصادق عليهالسلام يرسم لنا معادلة إلهية، هي: «إنّ الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه»[9]. وعنه عليهالسلام: أن «من قضى لأخيه المؤمن حاجة، قضى الله عزّوجل له يوم القيامة مئة ألف حاجة»[10].
ويقول أيضاً: «من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته، ما كان في حاجة أخيه»[11] وقال عليهالسلام: «قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبّلة بمناسكها، وعتق ألف رقبة لوجه الله، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجامها»[12].
نتيجة لكل ذلك ما انفك إمامنا الصادق عليهالسلام يوصي بمبدأ الأخوة في مختلف الأحوال والظروف، عن محمد بن مسلم، قال: أتاني رجل من أهل الجبل، فدخلت معه على أبي عبدالله عليهالسلام، فقال له عند الوداع: أوصني. فقال: «أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم، وأحب له ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فاعطه... فوازره وأكرمه ولاطفه، فإنّه منك وأنت منه»[13].
ويظهر على ضوء ما تقدم من أحاديث أهل البيت: أن التكافل من أروع أنواع عبادة الله، بل ويضاهي العبادات الأخرىظ°، ويفوقها ثواباً، قال الإمام الباقر عليهالسلام: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين... أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [ وحجّة ]، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً، حتى بلغ عشرة، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين»[14].
* التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت (ع)
[1] سورة آل عمران: 3 / 103.
[2] من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصّدوق 2: 190، الناشر: جماعة المدرسين، قم ـ ط 2 1404 ه.
لم تنبت فكرة التكافل بلا جذور، ولم تنطلق من فراغ، وإنّما سبقتها ومهدت لها وأسهمت في فاعليتها وديمومتها مجموعة من الأسس والمبادئ العامة، كانت بمثابة البنىظ° التحتية التي عملت على بلورة فكرة التكافل وإرساء قواعدها، وفي طليعة هذه الأسس والمبادئ:
مبدأ الأخوّة الإيمانية
عمل الإسلام على بناء وتدعيم علاقات طيبة بين الناس تقوم على أساس الأخوّة والألفة، وإذا كان علم الاجتماع معنياً أولاً وقبل كل شيء بالظواهر الاجتماعية، فإن ظاهرة الأخوّة التي أوجدها الإسلام بين أفراده تستحق الدراسة والتأمل، فقد كان العرب ـ في الجاهلية ـ على شفا حفرة من نار الخلاف والاختلاف والتمزق والتقاتل، ولكنهم بعد أن ارتضعوا من لبان ثقافة الإسلام أصبحوا أمة متحدة، مرهوبة الجانب تمتلك أسباب التمدّن والرّقي.
فقد أحدثت مبادئ الإسلام وخاصة مبدأ الأخوة إنعطافاً اجتماعياً حاداً في أنماط تفكير وسلوك الغالبية الغالبة من المسلمين، حيث كان الإنسان الجاهلي قبل الإسلام منكفئاً على ذاته، ومتقوقعاً داخل أسوار نفسه، فغدا بفضل الإسلام إنساناً إجتماعياً يشعر بمعاناة إخوته، ويمدّ يده العون لهم، ويشاركهم في مكاره الدهر.
وهذه النقلة الحضارية يشير إليها القرآن بصورة جلّية، في قوله عز من قائل: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىظ° شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا)[1]. وكان للسُنة النبوية الأثر البالغ في تدعيم وترسيخ مبدأ التكافل من خلال تأكيدها على مبدأ الأخوة وما يستلزمه من التزامات إجتماعية كقضاء حوائج الإخوان وإعانتهم، قال رسول الله صلىاللهعليهوآله: «من سعىظ° في حاجة أخيه المؤمنين، فكأنّما عبد الله تسعة آلاف سنة، صائماً نهاره، قائماً ليلة»[2]. وقال صلىاللهعليهوآله: «من قضى لأخيه المؤمن حاجةً، كان كمن عبد الله دهره»[3].
وقال صلىاللهعليهوآله: «من مشى في عون أخيه ومنفعته، فله ثواب المجاهدين في سبيل الله»[4]. فهنا نجد أن قضاء حوائج الأخوان وخاصة تلك التي لابد منها لاستمرار العيش الكريم يرفعها الرسول صلىاللهعليهوآله إلى درجة العبادة العملية التي تستلزم الثواب الأخروي الجزيل. وكان الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله يحثّ على صون كرامة الأخ المؤمن وعدم إراقة ماء وجهه بعدم تكليفه الطلب عند حاجته، لذلك يدعو إلى المبادرة بقضاء حوائجه بمجرّد الشعور بحاجته إلى المساعدة، وهذه توصية حضارية في غاية الأهمية، قال صلىاللهعليهوآله: «لا يكلّف المؤمن أخاه الطلب إليه إذا علم حاجته»[5]. ونسجت مدرسة أهل البيت: على هذا المنوال بأقوال عديدة تعكس حالة التضامن والتكافل التي ترغب في إشاعتها بين أفراد المجتمع، فعن الإمام علي عليهالسلام قال: «خير الاخوان من لا يحوج إخوانه إلى سواه»[6].
وقال أيضاً: «خير اخوانك من واساك»[7].
ورسم لنا أمير المؤمنين عليهالسلام مقياساً للتفاضل الاجتماعي يقوم على المنفعة المتبادلة، عندما قال: «خير الناس من نفع الناس»[8].
في حين أن حفيده الإمام الصادق عليهالسلام يرسم لنا معادلة إلهية، هي: «إنّ الله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه»[9]. وعنه عليهالسلام: أن «من قضى لأخيه المؤمن حاجة، قضى الله عزّوجل له يوم القيامة مئة ألف حاجة»[10].
ويقول أيضاً: «من كان في حاجة أخيه المؤمن المسلم كان الله في حاجته، ما كان في حاجة أخيه»[11] وقال عليهالسلام: «قضاء حاجة المؤمن أفضل من ألف حجّة متقبّلة بمناسكها، وعتق ألف رقبة لوجه الله، وحملان ألف فرس في سبيل الله بسرجها ولجامها»[12].
نتيجة لكل ذلك ما انفك إمامنا الصادق عليهالسلام يوصي بمبدأ الأخوة في مختلف الأحوال والظروف، عن محمد بن مسلم، قال: أتاني رجل من أهل الجبل، فدخلت معه على أبي عبدالله عليهالسلام، فقال له عند الوداع: أوصني. فقال: «أوصيك بتقوى الله وبرّ أخيك المسلم، وأحب له ما تحبّ لنفسك، واكره له ما تكره لنفسك، وإن سألك فاعطه... فوازره وأكرمه ولاطفه، فإنّه منك وأنت منه»[13].
ويظهر على ضوء ما تقدم من أحاديث أهل البيت: أن التكافل من أروع أنواع عبادة الله، بل ويضاهي العبادات الأخرىظ°، ويفوقها ثواباً، قال الإمام الباقر عليهالسلام: «لأن أعول أهل بيت من المسلمين... أسدّ جوعتهم وأكسو عورتهم، فأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحجّ حجّة وحجّة [ وحجّة ]، ومثلها ومثلها حتى بلغ عشراً، حتى بلغ عشرة، ومثلها ومثلها حتى بلغ السبعين»[14].
* التكافل الاجتماعي في مدرسة أهل البيت (ع)
[1] سورة آل عمران: 3 / 103.
[2] من لا يحضره الفقيه / الشيخ الصّدوق 2: 190، الناشر: جماعة المدرسين، قم ـ ط 2 1404 ه.
تعليق