يا لتلك المشيئة الإلهية التي جسدتها السيدة زينب، عليها السلام، بأروع صورة فحقّ لها اسم بطلة كربلاء!
لابدّ وأنَّ هنالك ما يدعو لأن تكون عقيلة بني هاشم في هذا الموقع، ولاشك في أنّه تواجد ريادي غاية في الأهمية، والحكمة الإلهية تترجم هذا التواجد وهذا الحضور، حتماً الدور جدُّ عظيم، وقد جاء في القرآن الكريم: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}، (سورة الأحزاب: 21)، فالرسول أسوة، والسيدة زينب بضعة الرسول، صلى الله عليه وآله، إذا هي لنا أسوة أيضاً.
لنتعمق قليلا في المشيئة التي أرادها الله - تبارك وتعالى- لعقيلة بني هاشم، ونستمد منها الدروس والعبر، وندرس جانباً من شخصيتها، علّنا ندرك بعض الدور الموكل إليها ونتأسى بها.
إنَّ ما أوكل إلى الحوراء زينب، عليها السلام، هو دور وقفة الحق في وجه الباطل، وقد تجلى الحق بأجمعه في شخصها الكريم، كما اختصر الباطل كلّه في شخص الطاغية يزيد.
هي قضية لم تختصر في كربلاء، إنَّما دورها نموذج رائع للتأسي، إضافة إلى الصبر وقوة عزيمتها، لقد جسدت العقيلة أروع مشهد لمنظومة الكون، حيث الصراع الأزلي بين معسكريّ الحق والباطل، وأعلت كلمة الحق، وكلمة الله، وأن يتجلى الحق في شخص امرأة ما هو إلا كمال لشخصها المبارك، أراده الله لها.
إذاً؛ ظاهر السبي قيد، ولكن باطنه حرية مطلقة، باطنه نور، وتجسيد نوراني لإرادة الله - عز وجل - نعم؛ السبي كان مشيئة الله، ولم يكن إرادة منه - تعالى- فالله تبارك وتعالى لا يريد لأوليائه الأطهار، القتل والسبي، ولكن شاء لهم ذلك لدور ألقاه على عاتقهم لاستمرارية حفظ دين رسول الله، ثم إن العقيلة زينب كانت مؤيدة بقوة إلهية فحين رأت الحسين قتيلا قالت بكل شجاعة: «اللهمّ تقبّل منّا هذا القربان»، كانت الإرادة الإلهية في أن تقف زينب في وجه الطغيان المتمثل بطاغوت عصرها، لذا يزيد لم يتمكن من قتل النهج المحمدي بقتله الحسين، عليه السلام، فها هو لسان زينب، عليها السلام، ينطق به، بل ويترجمه عبارات كان لها وقعها على مر العصور، وأدركها جميع الطواغيت بعد أن وصلوا إلى نهاياتهم.
«...فو الله لن تمحو ذكرنا ولن تميت وحينا».
لقد حاول يزيد أن يقتل محمداً وعليَّاً، صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما والإسلام برمته بقتل الحسين، ولكن هيهات، لقد كان ردها على استهزاء الطاغية «...ما رأيت إلا جميلا»، كيف لا، وهي ترى الصورة الباطنية لمشيئة الله، وتنطق بإرادته.
لقد أدرك يزيد لعنه الله أن النهج المحمّدي لا يداس بصدر الحسين، إن داسته حوافر الخيل، بل سينطلق ويتردد صداه في صوت زينب، كانت زينب صوت الحسين وصولته، دم الحسين وديمومته، وشخص الحسين وشخصيته، وبصر الحسين وبصيرته، كانت هي الحسين في قالب امرأة، قلوب سكنها عرش الله فنطقت بوحيه، قال الإمام زين العابدين لعمته: «أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة وفهمة غير مفهَّمة».
هي زينب أنموذج الامتداد النبوي الولائي ستكمل الدور ففصول الصراع لم تنته.
-----------
* كاتبة من سوريا.
تعليق