(الحلقة السادسة)
لا تنتهي مهازل آل الزبير عند حد زواج فاطمة من عبد الله بن عمرو بن عثمان فقد وضعوا أكذوبة أخرى في سيرة السيدة فاطمة بنت الحسين, وكالعادة رواها المؤرخون والكتاب رواية المسلمات.. فروى السيوطي في (الدر المنثور) وعمر رضا كحالة في كتابه (أعلام النساء) في ترجمة السيدة فاطمة بنت الحسين هذه الرواية:
(لما مات عنها عبد الله بن عمرو بن عثمان ــ زوج فاطمة المزعوم ــ خطبها عبد الرحمن بن الضحاك الفهري وهو عامل على المدينة فقالت والله ما أريد النكاح، ولقد قعدت على بني هؤلاء وجعلت تحاجزه وتكره أن تنابذه لما تخاف منه فألح ابن الضحاك في طلبه وقال: والله لئن لم تفعلي لأجلدن أكبر بنيك في الخمر، يعني عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي في شراب ثُمَّ لأضربنه عَلَى رؤوس الناس، وكان على ديوان المدينة ابن هرمز من أهل الشام فكتب إليه يزيد بن عبد الملك أن يرفع حسابه، ويدفع الديوان فدخل ابن هرمز على فاطمة بنت الحسين يودعها فقال هل من حاجة؟ فقالت تخبر يزيد بن عبد الملك بما ألقى من ابن الضحاك وما يتعرض مني وبعثت رسولاً ومعه كتاب إلى يزيد معه تخبره وتذكره قرابتها ورحمها وتذكر ما ينال ابن الضحاك منها، وما يتوعدها به فقدم ابن هرمز والرسول معا، فدخل ابن هرمز على يزيد فاستخبره عن المدينة وقال هل كان من مغربة خبر؟ فلم يذكر ابن هرمز من شأن ابنة الحسين فقال الحاجب: أصلح الله الأمير بالباب رسول فاطمة بنت الحسين فقال ابن هرمز: إن فاطمة بنت الحسين يوم خرجت حملتني رسالة إليك وأخبره الخبر فنزل يزيد من على فراشه وقال: لا أم لك ألم أسألك هل من مغربة خبر وهذا عندك لا تخبرنيه فاعتذر بالنسيان ثم أذن للرسول فأدخله، فأخذ الكتاب فقرأه وجعل يضرب بخيزران في يديه وهو يقول: لقد اجترأ ابن الضحاك هل من رجل يسمعني صوته في العذاب وأنا على فراشي؟
فقال ابن هرمز: عبد الواحد بن عبد الله بن بشر النضري وهو بالطائف فوله المدينة ومره بأمرك، فدعا يزيد بقرطاس فكتب بيده إلى عبد الواحد النضري:
سلام عليك... أما بعد فإني قد وليتك المدينة فإذا جاءك كتابي هذا فاهبط واعزل عنها ابن الضحاك واغرمه أربعين ألف دينار وعذبه حتى أسمع صوته وأنا في فراشي) فأخذ البريد الكتاب وقدم به المدينة ولم يدخل على ابن الضحاك وقد أوجست نفس ابن الضحاك خيفة فأرسل إلى البريد فكشف له عن طرف المفرش فإذا ألف دينار فقال: هذه ألف دينار لك ولك العهد والميثاق لئن أنت أخبرتني خبر وجهك هذا دفعتها إليك فأخبره، فاستنظر البريد ثلاثاً حتى يسير ففعل، ثم خرج ابن الضحاك حتى نزل على مسلمة بن عبد الملك فقال: أنا في جوارك فغدا مسلمة على يزيد فرفعه وذكر حاجة جاءها فقال يزيد: كل حاجة تكلمت فيها هي في يدك ما لم يكن ابن الضحاك، فقال: هو والله ابن الضحاك فقال: والله لا أعفيه أبداً وقد فعل ما فعل فأغرم النضري ابن الضحاك أربعين ألف دينار وعذبه وطاف به في جبة من صوف)!!
إلى هنا تنتهي الحكاية التي ينقصها شيء واحد لكي يتم وضعها مع قصص ألف ليلة وليلة وهو أن تختم بما تختم به قصص تلك الليالي (وأدركت شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح) فعلا أن شر البلية ما يضحك!!! وأية بلية أعظم من هذه البلية؟ هل يدرك هؤلاء عمن يتحدثون وبماذا يتقولون؟ وإذا أنكروا هم عقولهم فهل علينا نحن أيضا أن نسير على خطاهم ونحن معصوبي الأعين؟
أن ابن الضحاك الفهري هذا قد تولى المدينة من عام (101هـ) إلى (104هـ) ولو فرضنا جدلاً إنه خطب فاطمة في بداية ولايته فإن عمر فاطمة الشريف قد جاوز الستين عاما!!
ثم هناك ما ينفي هذه الرواية من أصلها وهو قول ابن حزم الأندلسي في (جمهرة أنساب العرب) (ج1ص37) والذي ذكرناه في الحلقة السابقة ونذكره هنا: حيث يقول في ترجمة عبد الله بن عمرو إنه لم يكن له أولاد واقتصر نسله على البنات فقال ما نصه: (وكان لعبد الله ابن عمرو بن عثمان بن عفان من البنات: حفصة، تزوجها عبد العزيز بن مروان ابن الحكم، فماتت عنده؛ وأم عبد الله، تزوجها الوليد بن عبد الملك، فولدت له عبد الرحمن، ثم مات الوليد عنها؛ فخلف عليها ابن أخيه أيوب بن سليمان بن عبد الملك؛ وعائشة. تزوجها سليمان بن عبد الملك، فولدت له يحيى وعبد الله، وتوفيت عنده؛ وأم سعيد، تزوجها يزيد بن عبد الملك، فولدت له عبد الله، ثم مات يزيد، فخلف عليها أخوه هشام بن عبد الملك، ثم طلقها ولم تلد له، ورقية، تزوجها هشام بن عبد الملك، فولدت له ابنة، وماتت في نفاسها. ولا يعلم رجل تزوج بناته أربعة خلفاء إلا عبد الله بن عمرو بن عثمان هذا).
فقد ذكر ابن حزم أن يزيد بن عبد الملك تزوج أم سعيد بنت عبد الله بن عمرو بن عثمان فولدت له عبد الله، ثم مات يزيد، فتزوجها أخوه هشام بن عبد الملك فلو كان عبد الله تزوج حقيقة فاطمة بنت الحسين فكيف يجرؤ ابن الضحاك على خطبة عمة الخليفة؟ بل ويهددها؟ وولاة الأمويين أعرف الناس ببطش حكامهم وسطوتهم وقسوتهم؟ وإن خطر على بال معترض وحاول أن يبدي احتمالا بأن أم سعيد بنت عبد الله ليست من فاطمة فلا يغير ذلك من الأمر أهمية ففاطمة إذا افترضنا الزواج تبقى زوجة عم الخليفة.
ثم لا أدري أين هم بنو هاشم من هذا التهديد والوعيد من قبل ابن الضحاك لكي يتركوا فاطمة ترسل رسولاً إلى يزيد بن عبد الملك وهم لا يعلمون؟ أين الإمام زين العابدين والباقر وبنو هاشم من كل هذه الأمور؟ وكيف ينسى ابن هرمز طلب فاطمة وقد رافق رسولها من المدينة إلى الشام؟ وكيف يخون رسول البريد الخليفة؟ بل لا يعرف ما في البريد فيتوجه إلى ابن الضحاك ويطلعه على كناب الخليفة وكيف..... كل ذلك ينفي هذا الزواج والخطبة من أساسهما ويثير شعوراً لدى القارئ بالهمس مع نفسه: قاتل الله الزبير ولعنه.
محمد طاهر الصفار
العتبة الحسينية المقدسة
تعليق