تويت
قال أمير المؤمنين (ع): اياك واتكالك على المنى فإنها من بضائع الموتى.
ان الماء الراكد يحتوي على الميكروبات والفايروسات المضرة والمميتة وبالنتيجة يكون منبعا للأمراض..
والماء الجاري رقصه وجريانه على الاحجار دليل على الحيوية والنشاط والحركة والتجدد..
وفي حياتنا العملية يجب الابتعاد عن الحالة الاولى والعمل بالحالة الثانية..
وهذا ما يؤكده أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الامام الحسن (عليه السلام) في نهج البلاغة التي يذكرها والتي تدل على النهي للاتكال على المنى بدليل اياك بمعنى تجنب وابتعد واحذر للاتكال على المنى.
اتكالك أي إذا اعتمدته كمنهج وعادة تعتمد عليها في حياتك.
وفي معنى مُنَى: اسم علم مؤنث عربي، بصيغة الجمع، واحده مُنْية. معناها: الأماني، الرغبات، ما يأمل القلب تحقيقه. والمُنَى، بضم الميم: جمع المُنية، وهو ما يَتَمَنَّى الرجل.
(ال) هي استغراقية والتي تتضمن جميع الامنيات.
والامنية نتيجة الآمال والسرحان والخيال اللامتناهي واللامحدود الذي يأخذ بالإنسان في كل مكان والى كل ما يحب ويود الوصول اليه ولكن بلا حراك.
فمن خصوصيات الأماني:
- ما لا يمكن تحققه.
- كما يأخذ الانسان الى عالم الخيال الواسع واللامتناهي بحيث يبتعد وينسى عالمه الحقيقي والواقعي.
- ينسى الموازين والقوانين الحاكمة في الواقع، اذ ان هناك سنن وقوانين كونية.
- سهلة جدا لأنها بدون جهد ومؤونة.
- يتعلم الانسان فيها الكسل وعدم العمل، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): آفة النجاح الكسل، وقال أيضا
من دام كسله خاب أمله).- يتعلم على اللامبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية.
فالنتيجة التي يحصد من جراءها هي بضائع الموتى اذ ان الميت متمدد لا يمكنه الحركة والعمل وانما ما يراه مجرد تصاوير تمر امامه، وقد يكون هناك معنى ثاني وهو ان حال الميت بعد موته وبعد انكشاف الحجب عنه يرى الحقائق كلها فيتمنى أن يرجع الى هذه الدنيا ليستأنف العمل (وقال ارجعوني لعلي اعمل صالحا) هذه هي بضاعة الميت اماني لا يمكن تحققها ومستحيلة الحصول.
فيكون ظاهر المقطوعة اياك أن يكون منهجك في الحياة هي الأماني التي لا تخطو خطوة واحدة لتحقيقها فإنها بلا فائدة وبلا ثمرة.
وقد يكون مفهومها انه إذا اردت ان تصل لأي شيء لابد من الانجاز والتخطيط والحركة والعمل الجاد والمستمر لتحقق ما يجول ببالك وتصل اليه.
فلو تساءلنا ما هو الفرق بين الانسان الناجح والانسان العادي؟
وما هو الفرق بين المجتمع المتقدم والمجتمع المتأخر؟
لكانت الاجابة بسيطة وواضحة وهي ان الاول هو من يعمل ويتحرك ويطمح بينما الثاني غارق في الخيال والسرحان بدون حركة.
هناك ثلاث عوالم تحيط بشخصية الانسان:
1- الآمال والتطلعات:
العقل من أفضل نعم الله سبحانه وتعالى على الانسان فبواسطته يتمكن الانسان من الخيال الذي بواسطته يبدع ويبتكر ويأمل، فلهذا هذه الامور لها دور التحفيز والوقود لحركة الانسان وبالتالي تقدمه. ولكن إذا لم يتمكن هذا الخيال والامل ان يشعل فتيل الحركة للإنسان والوقود، بل يتحول الى امنيات واهية وفارغة يتلذذ الانسان بمرورها في مخيلته فانه يفقد أثره وقيمته واعتباره اذ انها تتحول الى امنيات لا يمكن تحقيقها (أم للإنسان ما تمنى).
فنيلسون مانديلا الرئيس السابق لجمهورية جنوب افريقيا قضى سبعة وعشرين عاما داخل السجن وهو يناضل التمييز العنصري كان خيال مانديلا يقوده وليس ذاكرته، وكان يكمن داخله ايمان عميق بقيمة كل مواطني جنوب افريقيا. فذلك الخيال كان وقودا لإيجاد ذلك الايمان بكل مواطن افريقي.
2- الأفكار والمعتقدات:
وهي ما يحمله الانسان من اجوبة لكثير من التساؤلات من حيث المبدأ والمصير والخالق والموجه له و... فاذا لم تنعكس هذه المعتقدات على واقع وسلوك الانسان فتفقد فائدتها وغايتها. ولهذا نرى القرآن الكريم يقرن دائما الايمان مع العمل الصالح (الذين آمنوا وعملوا الصالحات)، فلهذا يخاطب الامام علي (عليه السلام): (الشرف عند الله سبحانه وتعالى بحسن الأعمال لا بحسن الأقوال). وفي غزوة أحد خير دليل على ذلك فان المسلمين يحملون الاعتقاد الكامل وفيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن لم يعملوا بالخطة اللازمة فكانت النتيجة هي الخسارة.
3- الأعمال والسلوك:
فالعمل هو الذي يرسم واقع الانسان كفرد أو كمجتمع أو كحضارة، ومن ذلك ينتج التقدم والتخلف والنجاح والفشل قال تعالى (لكل درجات مما عملوا وماربك بغافل عما يعملون)، فلهذا كان التأكيد على العمل، (وقل اعملوا)، فعن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لبني عبد المطلب: ايتوني بأعمالكم لا بأحسابكم وأنسابكم، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): (قيمة كل امرئ ما يحسنه) فالعمل بأنواعه هو حصاد لما سبق.
ما هي اهمية العمل في الحياة؟
- يعزز الشعور بالمسؤولية لدى الفرد.
- يُشكِّل قيمة أساسية ترتكز عليها عمليّة تطوير الإنسان لقواه وقابليّاته.
- يجعل الفرد نشيطا وحيويا.
- يجنب الفرد من أربعة أشياء غير محمودة، هي: الملل، ومن العادات السيئة، ومن ذل الحاجة، ومن جلسات الثرثرة بمضامينها الفارغة والضارة كالغيبة والنميمة واللغو في الكلام.
- لا يكون الفرد اتكاليا على الآخرين.
- يحفز الانسان للتقدم والتطور.
- يمرن العقل ويدربه ويغذيه بوافر الخبرات.
- يسبب تقدم المجتمع وبالتالي حركته وتطوره.
- الحياة جميلة بالعمل، ويجملها العمل. وحيث قال باستور: الحياة جميلة، ولكن معنى الحياة أن نعمل شيئاً لا أن نجلس ونرى غيرنا يعمل.
سؤال يطرح نفسه:
كيف نشيع ثقافة العمل في المجتمع؟
1- تعزيز الشعور بالمسؤولية لدى الفرد وذلك عبر التربية فالطفل الذي يرى والده ووالدته يؤديان الاعمال الخاصة بهما بأنفسهما فان ذلك سينعكس على الطفل ليؤدي بدوره أعماله الخاصة، إضافة الى بعض المهام التي توكل الى الطفل الخاصة بالأسرة لتأديتها، حتى يكبر هذا الشعور ويصبح لديه اشعاع على المجتمع ايضا.
2- غرس حب العمل في النفوس والتركيز على الاطفال والناشئة وجعلها ثقافة لديهم فكما يذكر ان الاطفال في اليابان هم من ينظفون مدارسهم ولا يحتاجون الى من ينظفها.
3- تأسيس المنظمات والجمعيات الجماهيرية لنشر حب واهمية العمل ويكونوا هم من المبادرين لذلك.
4- نشر الوعي عبر وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وبيان الفرق بين من يعمل ومن لا يعمل.
5- تشجيع الابداع ومكافأة المبدعين بمكافآت جزيلة إذ إن هذا يؤدي الى حب العمل.
ان من يطمح ان يعيش حيا وبعزة وكرامة لا ان يكون في عداد الاموات العمل ثم العمل فهو الحد الفاصل بينهما وبإمكانه ان يجعل الفرد يعيش في جنة زاهرة أو في نار مدمرة.
شبكة النبا المعلوماتية