كثير من البشر يعيشون مع عمالقة التاريخ وعباقرة الدهر وصفوة الخلق، يأكلون ويشربون معهم، يسيرون، يجاهدون، يسافرون وينامون معهم إلا انهم هم هم في مستواهم ودرجتهم واولئك هم هم في مثلهم الاعلى لم يتأثروا بهم ولم يستفيدوا منهم حق الاستفادة ولم يتفاعلوا معهم حسب ما يتطلبه الامر، عاشوا معهم وكأنهم لم يعيشوا معهم وعاصروهم وكأنهم لم يعاصروهم.
وقليل هم الذين انغمروا في قادتهم فتأثروا بهم أيما تأثر واقتفوا اثرهم فصاروا في ايام معدودة قادة ورموزاً للتاريخ كسادتهم يتطلع اليهم كل من رام العلو والارتقاء.
فمن عاشر قوماً اربعين يوماً صار مثلهم فما على الذي عاشر مولاتنا فاطمة وعيالها اعوام واعوام؟!
استطاعت فضة ببقائها بدار مولاتنا الزهراء صلوات الله عليها ان تصنع لها حاضراً ومستقبلاً وتاريخاً عظيماً يخلد لها من ذاك الحين حتى يومنا هذا.
صفاتها
كانت فضة سمراء اللون مليحة الوجه عذبة الكلام جميلة المنطق وكان الناس يقصدونها ليسمعوا كلامها وحلاوة حديثها، كانت حافظة للقرآن الكريم وعارفة بمعانيه وتأويله، عالمة ذات اخلاق عالية متواضعة معطاء مؤثرة الاخرين على نفسها.
هي أمة قد وهبها النبي (ص) لفاطمة الزهراء (ع) فملكتها وكانت تخدمها في حياتها ثم بعد وفاتها كانت تخدم امير المؤمنين وتخدم اولاده (ع).
فضة في يوم المصيبة العظمى قابلة!
لم تدع فضة فرصة او حدثاً يفوتها إلا واشتركت فيه وابرزت مواقف مشرفة كي تخلدها على مر التاريخ
ففي يوم الهجوم على دار الزهراء وحرقها كانت حاضرة تؤازر مولاتها الزهراء (ع) والاحداث المروعة يوم الهجوم على الدار فرضت عليها ان تقوم بدور القابلة لمولاتها الزهراء والمسعفة لجراحاتها.
فعن المفضل بن عمر قال: سألت الصادق (ع) هل للمأمور المنتظر (عج) من وقت معلوم يعلمه الناس؟ فأجابه بحديث طويل ذكر فيه احوال المهدي (عج) وكيف ينتصر لآل الرسول الى ان يصل الى مصيبة الزهراء يوم الهجوم.. فيقول.... وصاح امير المؤمنين بفضة يا فضة! مولاتك فاقبلي منها ما تقبله النساء فقد جاءها المخاض من الرفسة وردّ الباب فأسقط محسناً فقالت: يا امير المؤمنين فإنه لاحق بجده رسول الله (ص) فيشكو اليه.
وكانت فضة هي الراوية للأحداث التي جرت على مولاتنا الزهراء لأنها عاشرتها حتى اغمضت عيناها
ولم يحضر غسل الزهراء الا اهل بيت امير المؤمنين والخواص من مواليهم بناءاً لطلبها وما اوصت به وكانت فضة من النساء الخواص اللواتي استثنين في نيل شرف حضور غسلها.
فضة في كربلاء
مما يزيد السيدة فضة عظمة حضورها في كربلاء ومشاركتها الفعالة يوم عاشوراء فلقد مد الله في عمرها حتى سطرت مواقف عظيمة وجليلة يوم الطف فلقد منعت الخيل من وطءِ ظهر الحسين، عن ادريس بن عبد الله الأودي قال: لما قتل الحسين اراد القوم ان يوطئوه الخيل فقالت فضة لزينب: سيدتي ان سفينة كسر به في البحر فخرج به الى جزيرة فإذا هو بأسد.
فقال يا ابا الحارث انا مولى رسول الله فهمهم بين يديه حتى وقفه على الطريق والاسد رابض في ناحية فدعيني امضي اليه فأعلمهم ما هم صانعون غداً قال: فمضت اليه فقالت: يا ابا الحارث! فرفع رأسه ثم قالت أتدري مايريدون ان يعملون غداً بأبي عبد الله (ع)!؟ يريدون ان يوطئوا الخيل ظهره قال: فمشى حتى وضع يديه على جسد الحسين (ع) فأقبل الخيل فلما نظروا اليه قال عمر بن سعد (لعنه الله) فتنة لا تثيروها انصرفوا فانصَرَفوا.
ومع تلك الظروف الصعبة وذلَّ الاسر ومهانة الاعداء تبادر وتتحمل اركاب مولاتها زينب الناقة.
كراماتها
ذكر انها استنزلت مائدة من اطعمة الجنة ذات الالوان المستطابة في شهر رمضان لما تشرفت بدعوة النبي (ص) في بيتها ليفطر صومه بيدها فلما شم النبي (ص) من بيتها ريح الجنة قال مفتخراً الحمد لله الذي وهب لابنتي فاطمة جارية مثلها كمثل مريم بنت عمران.
وفاتها وقبرها
يحتمل ان وفاتها كانت اوائل الستينات للهجرة ويظهر من المصادر التاريخية انها توفيت في الشام وان قبرها موجود بمقبرة الباب الصغير بدمشق ويوجد لها قبة منصوبة وقبر مشيد يراه كل من زار تلك المقبرة، فالسلام على روحها الطاهرة ابداً.
سجى الكربلائي
تعليق