الخليفة عمر وتميم الداري
-----------------------
تميم الداري مسيحي لخمي ، أي من قبيلة لخم في سوريا ولبنان ، وَفَدَ هو وجماعته على النبي صلى الله عليه وآله في السنة التاسعة للهجرة ، أي بعد أن شمل الإسلام كل الجزيرة العربية تقريباً . وكان ظاهر تميم الصلاح والتقوى ، على رغم أن عمله مع جماعته تجارة الخمور ، فقد ذكرت بعض الروايات أنه أراد أن يهدي الى النبي أدناناً من الخمر فرفضها النبي صلى الله عليه وآله لأنها حرام ، فأصر عليه تميم أن يأخذها ويبيعها وينتفع بثمنها فقال له إن ثمنها أيضاً حرام !
وكانت ثقافة تميم يهودية مع اهتمام كبير بالأمور الخارقة للعادة والأساطير .. فهو يجمع صفات ( الحكواتي ) النموذجي بالتعبير المصري . صار تميم الداري مقرباً من الخليفة عمر بحكم احترام الخليفة للثقافة اليهودية وعلمائها، والثقافة المسيحية فرع منها.
وطلب تميم من الخليفة أن يجيزه بأن يقص للمسلمين في مسجد النبي من قصص أهل الكتاب ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله نهي المسلمين عن أخذ ثقافتهم من القصاصين، ولذلك قال الخليفة لتميم ( إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم ) يعني أخاف عليك إذا وقفت في المسجد تقص على المسلمين من قصص أهل الكتاب ، أن يدوسوك بأقدامهم .
ولكن تميماً استغل ليونة الخليفة واحترامه له وواصل طلبه من الخليفة .. فقال له عمر مرة ( إنه الذبح ) أي يذبحك المسلمون !
وقد كان هذا موقف الخليفة مع القصاصين الآخرين ، كما يذكر ابن شبة المتوفى سنة 260 في كتابه تاريخ المدينة ج 1 ص 9 ــ 11 ، قال ( مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقاص ، فخفقه بالدرة وقال : ما أنت ؟ قال : مذكر . قال كذبت ، قال الله جل ثناؤه فذكر إنما أنت مذكر ، ثم خفقه بالدرة فقال : ما أنت ؟ قال : ما أدري ما أقول لك ؟ قلت : قاص فرددت علي ، وقلت مذكر فرددت علي ! فقال قل : أنا أحمق مراء متكلف !
حدثنا أحمد بن جنان ... مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقاص فقال : ما أنت؟ قال : قاص ، قال : كذبت ، إنما يقص على الناس أمير أو مأمور ، فخفقه بالدرة وقال ما أنت ؟ قال : مذكر ، قال : كذبت ، قال الله جل ثناؤه فذكر إنما أنت مذكر . ثم خفقه بالدرة فقال : ما أنت ؟ قال : ما أدري ما أقول لك ! قلت : قاص فرددت علي وقلت : مذكر فرددت علي ! فقال : قل أنا أحمق مراء متكلف . حدثنا محمد بن مصعب قال ، حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى ، أن رجلاً استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال : وددت لو أنك رفعت الى الثريا ثم رمي بك الى الأرض ، فإياك وإياه ، فإنه الذبح ) انتهى .
الى هنا نرى أن المسألة طبيعية منسجمة مع ما ينبغي لخليفة النبي صلى الله عليه وآله من رفض ثقافة القصاصين ..
ولكن الأمر اختلف بعد مدة وفي أواخر خلافة عمر ! وأصدر الخليفة ترخيصاً لتميم الداري بالقص في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ! مما يدل على أن الخليفة كان يحب ذلك فانتظر حتى يتهيأ الرأي العام لقبوله ..!
فكيف تهيأ الرأي العام وصار المسلمون يتقبلون مجلساً رسمياً لقصص اليهود والنصارى في مسجد نبيهم ؟!
تشير الروايات الى أنه كان يوجد قصاصون متعددون صغار في مسجد النبي صلى الله عليه وآله قبل تميم ، بهم انفتح باب القص في المسجد ! وأن الخليفة مر عليهم يوماً فقال إنه يريد أن يجمعهم على قصاص واحد ، وكأنه قرر إنجاح مجلس كبير للقصاص الذي يريده وهو تميم !
وتذكر الروايات أن الخلفية لم يكتف لصاحبه تميم بإصدار المرسوم الخلافي ، بل حضر شخصياً في مجلس قصصه وحكاياته ، من أجل إعلام الرأي العام أن الخليفة قد أعطى الشرعية لمجلس تميم وأفكاره ! وعندما حضر الخليفة في ذلك اليوم تحت منبر تميم أراد أن يسأله عن توضيح كلمة سمعها منه في تلك الجلسة ، ولكنه احترم تميماً وكره أن يقطع كلامه !
والأعجب من ذلك أن الخليفة اختار لتميم أولاً يوم الجمعة قبل خطبته هو ، ثم اختار له يوم السبت ، فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً :
قسيس مسيحي سابقاً ومسلم فعلاً.. يقص على المسلمين قصص اليهود .. في مسجد نبيهم صلى الله عليه وآله .. في يوم السبت !!
روى الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 449 ( ... عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر وكان أول من قص تميماً الداري ، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر ) .
وروى ابن شبة في تاريخ المدينة ج 1 ص 11 ( ... عن ابن شهاب قال : أول من قص في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري : استأذن عمر رضي الله عنه أن يذكر الله مرة فأبى عليه ، ثم استأذن أخرى فأبى عليه ، حتى كان آخر ولايته، فأذن له أن يذكر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر رضي الله عنه . فاستأذن تميم رضي الله عنه في ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه فأذن له أن يذكر يومين من الجمعة ، فكان تميم يفعل ذلك ....
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : خرج عمر رضي الله عنه الى المسجد ، فرأى حلقاً في المسجد فقال ما هؤلاء ؟ فقالوا قصاص ، فقال : وما القصاص ؟ سنجمعهم على قاص يقص لهم في يوم سبت مرة الى مثلها من الآخر . فأمر تميم الداري رضي الله عنه ....
عن السائب بن يزيد : أنه لم يكن قص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، كان أول من قص تميم الداري رضي الله عنه . استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقص على الناس قائماً ، فأذن له عمر رضي الله عنه . حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي رواد ، عن نافع : أن تميماً الداري رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال : إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم ـ وقال أبو عاصم مرة : إنه الذبح ، وأشار الى حلقه ـ فقال : إن لي فيه نية ، وأرجو أن أوجر فيه . فأذن له قال : وجلس إليه هو وابن عباس رضي الله عنهما . وقال أبو عاصم مرة : وجلس إليه في أصحابه وهو يقص ، فسمعه يقول ( إياك وزلة العالم ) فأراد أن يسأله عنها ، فكره أن يقطع به ! قال : وتحدث هو وابن عباس رضي الله عنهما وتميم يقص ، وقاما قبل أن يفرغ .
حدثنا ابن أبي رجاء قال ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب : إنه سئل عن القصص فقال : لم يكن إلا في خلافة عمر رضي الله عنه ، سأله تميم رضي الله عنه أن يرخص له في مقام واحد في الجمعة ، فرخص له ( فسأله أن ) يزيده فزاده مقاماً آخر . ثم استخلف عثمان رضي الله عنه فاستزاده فزاده مقاماً آخر ، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة .
حدثنا موسى بن إسماعيل قال ، أنبأنا أبوعثمان قال : حدثنا عتبة أن تميم الداري رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه أن يقص ، فقال : لا . ثم استأذن أيضاً ، فقال : أما إني آذن لك فيه ، وأعلمك أنه الذبح ، وأشار الى حلقه ) . وروى نحوه في كنز العمال ج 10 ص 280 ، وقال في رمزه : المروزي في العالم ــ العسكري في المواعظ ــ أبو نعيم) ونحوه في مجمع الزوائد ج 1 ص 190 ، وقال ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ) .
إن هذا التغير في موقف الأمة من ثقافة ( القصاصين ) أي رواة قصص أهل الكتاب في مدة قليلة من أول خلافة عمر الى أواخرها ، يدل على وجود عمل في هذا الإتجاه ، كما يدل على أن سماع ثقافة أهل الكتاب اتسع في المسلمين حتى صار مألوفاً ، بل صار هو المادة الوحيدة بعد القرآن بسبب سياسة تغييب السنة ومنع التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله !!
أحاديث الجساسة والدجال
--------------------
لا يكاد مصدر مهم من مصادر إخواننا السنة يخلو من حديث تميم الداري عن الجساسة والدجال اللذين رآهما أقارب تميم في جزيرة كأنها جزيرة قبرص ، وأحاديث أخرى مشابهة عن الدجال تؤكد حتمية خروجه ، وأنه قد ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، وأنه حي يرزق قد مد الله تعالى في عمره حتى يخرج فيضل به خلق كثير ، وأن اسمه صائد أو عبدالله بن صياد من أهل المدينة !
ولذا تجد إخواننا السنة يعتقدون بوجوده لأن رواياته عندهم صحيحة من الدرجة الأولى .. ولكن بعضهم يشنع علينا اعتقادنا بالأحاديث المتواترة الصحيحة عندنا بأن الإمام المهدي عليه السلام قد مد الله تعالى في عمره حتى يظهره ويظهر به الإسلام على الدين كله ! وقد اخترع بعضهم قصصاً وأساطير عن انتطار الشيعة للإمام المهدي عليه السلام وسرداب الغيبة .. الخ . فكأن تمديد الحياة لأعداء الله ممكن ، ولأوليائه مستحيل! وكأن باء الدجال تجر وباء المهدي لا تجر ! وكأن روايات تميم وكعب وأمثالهم أوثق من روايات علي وبقية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله !!
لا شك عندنا في أن أصل رواية الدجال رواية صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن من حق الباحث أن يتساءل عن هذا الحجم الضخم لمسألة الدجال ، أليس من الممكن أن تكون أثرت فيها رواسب الثقافة اليهودية عن طريق كعب وتميم .. ؟
وأن يتساءل عن ذلك المدني عبدالله ابن صياد الذي كان مسلماً عادياً وشارك في الفتوحات وتوفي .. أليس من الممكن أن يكون ضحية هذه التأثيرات ؟!
ويظهر أن حديث ( جساسة ) تميم كان قبل حديث ابن صياد .. يقول
تميم : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الظهر ، ثم صعد المنبر ، فاستنكر الناس ذلك فبين قائم وجالس ، ولم يكن يصعده قبل ذلك إلايوم الجمعة ، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ، ثم قال : والله ما قمت مقامي هذا لأمر ( ينفعكم ) لرغبة ولا لرهبة ، ولكن تميماً الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عم لتميم الداري أخذتهم عاصف في البحر فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فصعدوا فإذا هم بشئ أسود أهدب كثير الشعر ، قالوا لها ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، قالوا : فأخبرينا ، قالت : ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه ، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاُ بالأشواق الى أن يخبركم وتخبروه، فأتوه فدخلوا عليه فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر فقال لهم : من أين ؟ قالوا : من الشام قال : ما فعلت العرب ؟ قالوا نحن قوم من العرب ، قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خير ناواه قوم فأظهره الله عليهم فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد ودينهم واحد ، قال : ذلك خير لهم ، قال : ما فعلت عين زغر ؟ قالوا : يسقون منها زروعهم ويشربون منها لسقيهم ، قال : ما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا : يطعم في جناه كل عام ، قال : ما فعلت بحيرة طبرية ؟ قالوا : تدفق جانباها من كثرة الماء ، فزفر ثلاث زفرات ثم قال : إني لو قد انفلت من وثاقي هذا لم أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سلطان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الى هذا انتهى فرحي ، هذه طيبة والذي نفس محمد بيده مامنها طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف الى يوم القيامة ) انتهى .
وقد أوردنا هذا الحديث في ( معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ) تحت رقم 470 واستوفينا ذكر مصادره وقلنا هناك :
( يختلف التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة في مصادرنا الشيعية عن الدجال وحركته ، عن التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة في المصادر السنية ببعض الأمور :
منها : خلو أحاديثنا من أكثر العناصر التصويرية المتقدمة .
ومنها : أن حركة الدجال فيها ليست حادثاً ابتدائياً بل هي حركة مضادة لثورة الإمام المهدي الشاملة ، وقوام هذه الحركة المضادة اليهود والمنافقون من الداخل الذين يتصفون بدرجة خاصة من العداء للإمام المهدي وأهل البيت عليهم السلام .
ومنها : أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي وليس عيسى عليهما السلام ) انتهى .
ومع كل روايات تميم عن الجساسة والدجال فقد بقيت في مصادر إخواننا السنة روايات تؤيد ما ورد في مصادرنا عن الدجال .. منها ما رواه الطبراني في معجمه الصغير ج 1 ص 139 ( ... عن حنش بن المعتمر ، أنه سمع أباذر الغفاري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ) انتهى، وروى نحوه الحاكم في مستدركه ج3 ص 150 ـ 151 ومسند الشهاب ج2 ص273 وابن المغازلي في المناقب ص68 ح99 ، وص134 والشجري في الأمالي : ج 1 ص 151.. وغيرهم .
وروى الطوسي شبيهاً لها في الأمالي ج 1 ص 59 وفيه ( ... وَقَاتَلَ أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال . إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك ) انتهى، ونحوه في ج 2 ص 74 ورواه في الإيقاظ من الهجعة ص 245 و246، ومجمع الرجال ج2 ص56، وبحار الأنوار ج 2 ص 408 وج 23 ص 119 ، والدرجات الرفيعة ص 239، وتنقيح المقال ج1 ص 235 ، ومعجم رجال الحديث ج 4 ص 167 .. وتفصيل ذلك خارج عن بحثنا ..
نتيجة احترام الخليفة لتميم الداري !
--------------------------------
إن تأثير كعب وتميم وتلامذة مدرستهما على ثقافتنا الإسلامية ، ليس من نوع واحد ، فمنه الواضح البين .. ومنه الخفي البين الذي يمكنك أن تلحظه إذا تأملت أكثر ودققت .. ومنه الخفي الخفي ، الذي يحتاج الى اطلاع واسع على الإسلام واليهودية والنصرانية لتمييز مفردات عقائدها وأحكامها وإرجاع المورد الى أصله !
ثم منه ما يسهل إقناع إخواننا السنة به ، ومنه ما يصعب إقناعهم به أو يستحيل ، لأن فلاناً روى فيه رواية أسندها الى النبي صلى الله عليه وآله ، أو لأن فلاناً من الصحابة تبنى هذه الفكرة !
على أي حال صار تميم وكعب وجماعتهما عند إخواننا السنة بسبب احترام الخليفة عمر ، من أولياء الله الصالحين ..
وصار ما يروى عنهم مقبولاً عندهم حتى لو شموا منه رائحة يهودية قوية .
والظاهر أن مجلس القص الذي استمر عليه تميم نحو عشر سنين في مسجد النبي صلى الله عليه وآله أعطاه مكانة عند عوام المسلمين فوق مكانة كعب .. ونكتفي هنا بذكر نماذج مما رووه من كراماته :
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 445 ( ... عن المنكدر بن محمد ، عن أبيه : أن تميماً الداري نام ليلة لم يقم يتهجد ، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة للذي صنع! ... وروى حماد ، عن ثابت : أن تميماً أخذ حلة بألف ، يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر ) انتهى ، ولعل الألف درهم في عصره كانت تشتري مئتي شاة !
وقال البيهقي في دلائل النبوة ج 6 ص 80 ( باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري رضي الله عنه شرفاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم وتنويها باسم من آمن به . أخبرنا أبو عبدالله الحافظ... عن أبي العلاء ، عن معاوية بن حرمل ، قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم ، قال : فأتيت عمر ، فقلت : يا أميرالمؤمنين تائب من قبل أن يقدر عليه ، قال : من أنت ؟ قلت : أنا معاوية بن حرمل، قال : إذهب الى خير المؤمنين فأنزل عليه ، قال : وكان تميم الدارمي إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهب بهما ، فصليت الى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام ، فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع، قال: فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة فجاء عمر الى تميم فقال: قم الى هذه النار ، فقال يا أمير المؤمنين ! ومن أنا وما أنا ، قال : فلم يزل به حتى قام معه ، قال وتبعتهما فانطلقا الى النار ، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ، ودخل تميم خلفها !! قال : فجعل عمر يقول : ليس من رأى كمن لم ير . قالها ثلاثاً . لفظ حديث الصنعاني ) انتهى .
ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 447 وقال ( سمعها عفان من حماد ، وابن حرمل لا يعرف ) وقال في هامشه ( هذا ما قاله المؤلف هنا وفي تاريخه 2 ــ 189، أما الحافظ ابن حجر فقد ذكره في الإصابة 10 ــ 35 في القسم الثالث فقال : معاوية بن حرمل الحنفي صهر مسيلمة الكذاب، له إدراك. وكان مع مسيلمة في الردة، ثم قدم على عمر تائباً ، ثم أورد هذا الخبر من طريق البغوي ، عن الجريري ) انتهى .
وما ندري لماذا اكتفى الذهبي بقوله عن ابن حرمل: لا يعرف.. ولماذا لم يوجد أحد من المسلمين يروي هذا الحديث والحدث الكبير الذي وقع في المدينة في عهد الخليفة عمر ، إلا صهر مسيلمة الكذاب ، الجائع ، الذي بقي فاراً بعد قتل مسيلمة ولم يتب إلا في زمن الخليفة عمر ؟!
-----------------------
تميم الداري مسيحي لخمي ، أي من قبيلة لخم في سوريا ولبنان ، وَفَدَ هو وجماعته على النبي صلى الله عليه وآله في السنة التاسعة للهجرة ، أي بعد أن شمل الإسلام كل الجزيرة العربية تقريباً . وكان ظاهر تميم الصلاح والتقوى ، على رغم أن عمله مع جماعته تجارة الخمور ، فقد ذكرت بعض الروايات أنه أراد أن يهدي الى النبي أدناناً من الخمر فرفضها النبي صلى الله عليه وآله لأنها حرام ، فأصر عليه تميم أن يأخذها ويبيعها وينتفع بثمنها فقال له إن ثمنها أيضاً حرام !
وكانت ثقافة تميم يهودية مع اهتمام كبير بالأمور الخارقة للعادة والأساطير .. فهو يجمع صفات ( الحكواتي ) النموذجي بالتعبير المصري . صار تميم الداري مقرباً من الخليفة عمر بحكم احترام الخليفة للثقافة اليهودية وعلمائها، والثقافة المسيحية فرع منها.
وطلب تميم من الخليفة أن يجيزه بأن يقص للمسلمين في مسجد النبي من قصص أهل الكتاب ، ولكن النبي صلى الله عليه وآله نهي المسلمين عن أخذ ثقافتهم من القصاصين، ولذلك قال الخليفة لتميم ( إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم ) يعني أخاف عليك إذا وقفت في المسجد تقص على المسلمين من قصص أهل الكتاب ، أن يدوسوك بأقدامهم .
ولكن تميماً استغل ليونة الخليفة واحترامه له وواصل طلبه من الخليفة .. فقال له عمر مرة ( إنه الذبح ) أي يذبحك المسلمون !
وقد كان هذا موقف الخليفة مع القصاصين الآخرين ، كما يذكر ابن شبة المتوفى سنة 260 في كتابه تاريخ المدينة ج 1 ص 9 ــ 11 ، قال ( مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقاص ، فخفقه بالدرة وقال : ما أنت ؟ قال : مذكر . قال كذبت ، قال الله جل ثناؤه فذكر إنما أنت مذكر ، ثم خفقه بالدرة فقال : ما أنت ؟ قال : ما أدري ما أقول لك ؟ قلت : قاص فرددت علي ، وقلت مذكر فرددت علي ! فقال قل : أنا أحمق مراء متكلف !
حدثنا أحمد بن جنان ... مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بقاص فقال : ما أنت؟ قال : قاص ، قال : كذبت ، إنما يقص على الناس أمير أو مأمور ، فخفقه بالدرة وقال ما أنت ؟ قال : مذكر ، قال : كذبت ، قال الله جل ثناؤه فذكر إنما أنت مذكر . ثم خفقه بالدرة فقال : ما أنت ؟ قال : ما أدري ما أقول لك ! قلت : قاص فرددت علي وقلت : مذكر فرددت علي ! فقال : قل أنا أحمق مراء متكلف . حدثنا محمد بن مصعب قال ، حدثنا الأوزاعي ، عن يحيى ، أن رجلاً استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال : وددت لو أنك رفعت الى الثريا ثم رمي بك الى الأرض ، فإياك وإياه ، فإنه الذبح ) انتهى .
الى هنا نرى أن المسألة طبيعية منسجمة مع ما ينبغي لخليفة النبي صلى الله عليه وآله من رفض ثقافة القصاصين ..
ولكن الأمر اختلف بعد مدة وفي أواخر خلافة عمر ! وأصدر الخليفة ترخيصاً لتميم الداري بالقص في مسجد النبي صلى الله عليه وآله ! مما يدل على أن الخليفة كان يحب ذلك فانتظر حتى يتهيأ الرأي العام لقبوله ..!
فكيف تهيأ الرأي العام وصار المسلمون يتقبلون مجلساً رسمياً لقصص اليهود والنصارى في مسجد نبيهم ؟!
تشير الروايات الى أنه كان يوجد قصاصون متعددون صغار في مسجد النبي صلى الله عليه وآله قبل تميم ، بهم انفتح باب القص في المسجد ! وأن الخليفة مر عليهم يوماً فقال إنه يريد أن يجمعهم على قصاص واحد ، وكأنه قرر إنجاح مجلس كبير للقصاص الذي يريده وهو تميم !
وتذكر الروايات أن الخلفية لم يكتف لصاحبه تميم بإصدار المرسوم الخلافي ، بل حضر شخصياً في مجلس قصصه وحكاياته ، من أجل إعلام الرأي العام أن الخليفة قد أعطى الشرعية لمجلس تميم وأفكاره ! وعندما حضر الخليفة في ذلك اليوم تحت منبر تميم أراد أن يسأله عن توضيح كلمة سمعها منه في تلك الجلسة ، ولكنه احترم تميماً وكره أن يقطع كلامه !
والأعجب من ذلك أن الخليفة اختار لتميم أولاً يوم الجمعة قبل خطبته هو ، ثم اختار له يوم السبت ، فصارت النتيجة مزيجاً طريفاً :
قسيس مسيحي سابقاً ومسلم فعلاً.. يقص على المسلمين قصص اليهود .. في مسجد نبيهم صلى الله عليه وآله .. في يوم السبت !!
روى الإمام أحمد في مسنده ج 3 ص 449 ( ... عن الزهري عن السائب بن يزيد أنه لم يكن يقص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر وكان أول من قص تميماً الداري ، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص على الناس قائماً فأذن له عمر ) .
وروى ابن شبة في تاريخ المدينة ج 1 ص 11 ( ... عن ابن شهاب قال : أول من قص في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تميم الداري : استأذن عمر رضي الله عنه أن يذكر الله مرة فأبى عليه ، ثم استأذن أخرى فأبى عليه ، حتى كان آخر ولايته، فأذن له أن يذكر يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر رضي الله عنه . فاستأذن تميم رضي الله عنه في ذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه فأذن له أن يذكر يومين من الجمعة ، فكان تميم يفعل ذلك ....
عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : خرج عمر رضي الله عنه الى المسجد ، فرأى حلقاً في المسجد فقال ما هؤلاء ؟ فقالوا قصاص ، فقال : وما القصاص ؟ سنجمعهم على قاص يقص لهم في يوم سبت مرة الى مثلها من الآخر . فأمر تميم الداري رضي الله عنه ....
عن السائب بن يزيد : أنه لم يكن قص على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه ، كان أول من قص تميم الداري رضي الله عنه . استأذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقص على الناس قائماً ، فأذن له عمر رضي الله عنه . حدثنا أبو عاصم عن ابن أبي رواد ، عن نافع : أن تميماً الداري رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه في القصص فقال : إني أخاف أن يجعلك الله تحت أقدامهم ـ وقال أبو عاصم مرة : إنه الذبح ، وأشار الى حلقه ـ فقال : إن لي فيه نية ، وأرجو أن أوجر فيه . فأذن له قال : وجلس إليه هو وابن عباس رضي الله عنهما . وقال أبو عاصم مرة : وجلس إليه في أصحابه وهو يقص ، فسمعه يقول ( إياك وزلة العالم ) فأراد أن يسأله عنها ، فكره أن يقطع به ! قال : وتحدث هو وابن عباس رضي الله عنهما وتميم يقص ، وقاما قبل أن يفرغ .
حدثنا ابن أبي رجاء قال ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، عن ابن شهاب : إنه سئل عن القصص فقال : لم يكن إلا في خلافة عمر رضي الله عنه ، سأله تميم رضي الله عنه أن يرخص له في مقام واحد في الجمعة ، فرخص له ( فسأله أن ) يزيده فزاده مقاماً آخر . ثم استخلف عثمان رضي الله عنه فاستزاده فزاده مقاماً آخر ، فكان يقوم ثلاث مرات في الجمعة .
حدثنا موسى بن إسماعيل قال ، أنبأنا أبوعثمان قال : حدثنا عتبة أن تميم الداري رضي الله عنه استأذن عمر رضي الله عنه أن يقص ، فقال : لا . ثم استأذن أيضاً ، فقال : أما إني آذن لك فيه ، وأعلمك أنه الذبح ، وأشار الى حلقه ) . وروى نحوه في كنز العمال ج 10 ص 280 ، وقال في رمزه : المروزي في العالم ــ العسكري في المواعظ ــ أبو نعيم) ونحوه في مجمع الزوائد ج 1 ص 190 ، وقال ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ) .
إن هذا التغير في موقف الأمة من ثقافة ( القصاصين ) أي رواة قصص أهل الكتاب في مدة قليلة من أول خلافة عمر الى أواخرها ، يدل على وجود عمل في هذا الإتجاه ، كما يدل على أن سماع ثقافة أهل الكتاب اتسع في المسلمين حتى صار مألوفاً ، بل صار هو المادة الوحيدة بعد القرآن بسبب سياسة تغييب السنة ومنع التحديث عن النبي صلى الله عليه وآله !!
أحاديث الجساسة والدجال
--------------------
لا يكاد مصدر مهم من مصادر إخواننا السنة يخلو من حديث تميم الداري عن الجساسة والدجال اللذين رآهما أقارب تميم في جزيرة كأنها جزيرة قبرص ، وأحاديث أخرى مشابهة عن الدجال تؤكد حتمية خروجه ، وأنه قد ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله ، وأنه حي يرزق قد مد الله تعالى في عمره حتى يخرج فيضل به خلق كثير ، وأن اسمه صائد أو عبدالله بن صياد من أهل المدينة !
ولذا تجد إخواننا السنة يعتقدون بوجوده لأن رواياته عندهم صحيحة من الدرجة الأولى .. ولكن بعضهم يشنع علينا اعتقادنا بالأحاديث المتواترة الصحيحة عندنا بأن الإمام المهدي عليه السلام قد مد الله تعالى في عمره حتى يظهره ويظهر به الإسلام على الدين كله ! وقد اخترع بعضهم قصصاً وأساطير عن انتطار الشيعة للإمام المهدي عليه السلام وسرداب الغيبة .. الخ . فكأن تمديد الحياة لأعداء الله ممكن ، ولأوليائه مستحيل! وكأن باء الدجال تجر وباء المهدي لا تجر ! وكأن روايات تميم وكعب وأمثالهم أوثق من روايات علي وبقية أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله !!
لا شك عندنا في أن أصل رواية الدجال رواية صحيحة عن النبي صلى الله عليه وآله، ولكن من حق الباحث أن يتساءل عن هذا الحجم الضخم لمسألة الدجال ، أليس من الممكن أن تكون أثرت فيها رواسب الثقافة اليهودية عن طريق كعب وتميم .. ؟
وأن يتساءل عن ذلك المدني عبدالله ابن صياد الذي كان مسلماً عادياً وشارك في الفتوحات وتوفي .. أليس من الممكن أن يكون ضحية هذه التأثيرات ؟!
ويظهر أن حديث ( جساسة ) تميم كان قبل حديث ابن صياد .. يقول
تميم : ( صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم الظهر ، ثم صعد المنبر ، فاستنكر الناس ذلك فبين قائم وجالس ، ولم يكن يصعده قبل ذلك إلايوم الجمعة ، فأشار إليهم بيده أن اجلسوا ، ثم قال : والله ما قمت مقامي هذا لأمر ( ينفعكم ) لرغبة ولا لرهبة ، ولكن تميماً الداري أتاني فأخبرني خبراً منعني القيلولة من الفرح وقرة العين ، ألا إن بني عم لتميم الداري أخذتهم عاصف في البحر فألجأتهم الريح إلى جزيرة لا يعرفونها ، فقعدوا في قوارب السفينة فصعدوا فإذا هم بشئ أسود أهدب كثير الشعر ، قالوا لها ما أنت ؟ قالت : أنا الجساسة ، قالوا : فأخبرينا ، قالت : ما أنا بمخبرتكم ولا سائلتكم عنه ، ولكن هذا الدير قد رمقتموه فأتوه فإن فيه رجلاُ بالأشواق الى أن يخبركم وتخبروه، فأتوه فدخلوا عليه فإذا هم بشيخ موثق في الحديد شديد الوثاق كثير الشعر فقال لهم : من أين ؟ قالوا : من الشام قال : ما فعلت العرب ؟ قالوا نحن قوم من العرب ، قال : ما فعل هذا الرجل الذي خرج فيكم ؟ قالوا : خير ناواه قوم فأظهره الله عليهم فأمرهم اليوم جميع وإلههم واحد ودينهم واحد ، قال : ذلك خير لهم ، قال : ما فعلت عين زغر ؟ قالوا : يسقون منها زروعهم ويشربون منها لسقيهم ، قال : ما فعل نخل بين عمان وبيسان ؟ قالوا : يطعم في جناه كل عام ، قال : ما فعلت بحيرة طبرية ؟ قالوا : تدفق جانباها من كثرة الماء ، فزفر ثلاث زفرات ثم قال : إني لو قد انفلت من وثاقي هذا لم أترك أرضاً إلا وطأتها بقدمي هاتين إلا طيبة ليس لي عليها سلطان . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الى هذا انتهى فرحي ، هذه طيبة والذي نفس محمد بيده مامنها طريق ضيق ولا واسع إلا عليه ملك شاهر بالسيف الى يوم القيامة ) انتهى .
وقد أوردنا هذا الحديث في ( معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام ) تحت رقم 470 واستوفينا ذكر مصادره وقلنا هناك :
( يختلف التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة في مصادرنا الشيعية عن الدجال وحركته ، عن التصور الذي تقدمه الأحاديث الواردة في المصادر السنية ببعض الأمور :
منها : خلو أحاديثنا من أكثر العناصر التصويرية المتقدمة .
ومنها : أن حركة الدجال فيها ليست حادثاً ابتدائياً بل هي حركة مضادة لثورة الإمام المهدي الشاملة ، وقوام هذه الحركة المضادة اليهود والمنافقون من الداخل الذين يتصفون بدرجة خاصة من العداء للإمام المهدي وأهل البيت عليهم السلام .
ومنها : أن الذي يقتل الدجال هو الإمام المهدي وليس عيسى عليهما السلام ) انتهى .
ومع كل روايات تميم عن الجساسة والدجال فقد بقيت في مصادر إخواننا السنة روايات تؤيد ما ورد في مصادرنا عن الدجال .. منها ما رواه الطبراني في معجمه الصغير ج 1 ص 139 ( ... عن حنش بن المعتمر ، أنه سمع أباذر الغفاري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح ، من ركب فيها نجا ، ومن تخلف عنها غرق ، ومن قاتلنا في آخر الزمان فكأنما قاتل مع الدجال ) انتهى، وروى نحوه الحاكم في مستدركه ج3 ص 150 ـ 151 ومسند الشهاب ج2 ص273 وابن المغازلي في المناقب ص68 ح99 ، وص134 والشجري في الأمالي : ج 1 ص 151.. وغيرهم .
وروى الطوسي شبيهاً لها في الأمالي ج 1 ص 59 وفيه ( ... وَقَاتَلَ أهل بيتي في الثانية حشره الله تعالى في الثالثة مع الدجال . إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، ومثل باب حطة من دخله نجا ومن لم يدخله هلك ) انتهى، ونحوه في ج 2 ص 74 ورواه في الإيقاظ من الهجعة ص 245 و246، ومجمع الرجال ج2 ص56، وبحار الأنوار ج 2 ص 408 وج 23 ص 119 ، والدرجات الرفيعة ص 239، وتنقيح المقال ج1 ص 235 ، ومعجم رجال الحديث ج 4 ص 167 .. وتفصيل ذلك خارج عن بحثنا ..
نتيجة احترام الخليفة لتميم الداري !
--------------------------------
إن تأثير كعب وتميم وتلامذة مدرستهما على ثقافتنا الإسلامية ، ليس من نوع واحد ، فمنه الواضح البين .. ومنه الخفي البين الذي يمكنك أن تلحظه إذا تأملت أكثر ودققت .. ومنه الخفي الخفي ، الذي يحتاج الى اطلاع واسع على الإسلام واليهودية والنصرانية لتمييز مفردات عقائدها وأحكامها وإرجاع المورد الى أصله !
ثم منه ما يسهل إقناع إخواننا السنة به ، ومنه ما يصعب إقناعهم به أو يستحيل ، لأن فلاناً روى فيه رواية أسندها الى النبي صلى الله عليه وآله ، أو لأن فلاناً من الصحابة تبنى هذه الفكرة !
على أي حال صار تميم وكعب وجماعتهما عند إخواننا السنة بسبب احترام الخليفة عمر ، من أولياء الله الصالحين ..
وصار ما يروى عنهم مقبولاً عندهم حتى لو شموا منه رائحة يهودية قوية .
والظاهر أن مجلس القص الذي استمر عليه تميم نحو عشر سنين في مسجد النبي صلى الله عليه وآله أعطاه مكانة عند عوام المسلمين فوق مكانة كعب .. ونكتفي هنا بذكر نماذج مما رووه من كراماته :
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 445 ( ... عن المنكدر بن محمد ، عن أبيه : أن تميماً الداري نام ليلة لم يقم يتهجد ، فقام سنة لم ينم فيها، عقوبة للذي صنع! ... وروى حماد ، عن ثابت : أن تميماً أخذ حلة بألف ، يلبسها في الليلة التي ترجى فيها ليلة القدر ) انتهى ، ولعل الألف درهم في عصره كانت تشتري مئتي شاة !
وقال البيهقي في دلائل النبوة ج 6 ص 80 ( باب ما جاء في الكرامة التي ظهرت على تميم الداري رضي الله عنه شرفاً للمصطفى صلى الله عليه وسلم وتنويها باسم من آمن به . أخبرنا أبو عبدالله الحافظ... عن أبي العلاء ، عن معاوية بن حرمل ، قال: قدمت المدينة فلبثت في المسجد ثلاثاً لا أطعم ، قال : فأتيت عمر ، فقلت : يا أميرالمؤمنين تائب من قبل أن يقدر عليه ، قال : من أنت ؟ قلت : أنا معاوية بن حرمل، قال : إذهب الى خير المؤمنين فأنزل عليه ، قال : وكان تميم الدارمي إذا صلى ضرب بيده عن يمينه وعن شماله فأخذ رجلين فذهب بهما ، فصليت الى جنبه فضرب يده فأخذ بيدي فذهب بي فأتينا بطعام ، فأكلت أكلاً شديداً وما شبعت من شدة الجوع، قال: فبينا نحن ذات يوم إذ خرجت نار بالحرة فجاء عمر الى تميم فقال: قم الى هذه النار ، فقال يا أمير المؤمنين ! ومن أنا وما أنا ، قال : فلم يزل به حتى قام معه ، قال وتبعتهما فانطلقا الى النار ، فجعل تميم يحوشها بيده حتى دخلت الشعب ، ودخل تميم خلفها !! قال : فجعل عمر يقول : ليس من رأى كمن لم ير . قالها ثلاثاً . لفظ حديث الصنعاني ) انتهى .
ورواه الذهبي في سير أعلام النبلاء ج 2 ص 447 وقال ( سمعها عفان من حماد ، وابن حرمل لا يعرف ) وقال في هامشه ( هذا ما قاله المؤلف هنا وفي تاريخه 2 ــ 189، أما الحافظ ابن حجر فقد ذكره في الإصابة 10 ــ 35 في القسم الثالث فقال : معاوية بن حرمل الحنفي صهر مسيلمة الكذاب، له إدراك. وكان مع مسيلمة في الردة، ثم قدم على عمر تائباً ، ثم أورد هذا الخبر من طريق البغوي ، عن الجريري ) انتهى .
وما ندري لماذا اكتفى الذهبي بقوله عن ابن حرمل: لا يعرف.. ولماذا لم يوجد أحد من المسلمين يروي هذا الحديث والحدث الكبير الذي وقع في المدينة في عهد الخليفة عمر ، إلا صهر مسيلمة الكذاب ، الجائع ، الذي بقي فاراً بعد قتل مسيلمة ولم يتب إلا في زمن الخليفة عمر ؟!
تعليق