علاقتنا بحرم عش آل محمد علاقة مودة أولي القربى، وأوّل عنوان ومصداق لمودة أولي القربى البضعة المحمدية الفاطمية، والتي دارت على معرفتها القرون الأولى.
نالت السيدة المعصومة (عليها السلام)، حفيدة السيدة فاطمة الزهراء، منزلةً رفيعةً عند الله سبحانه وتعالى، وحرماً شامخاً، ومشهداً مقدَّساً تضمّن جثمانها الطاهر، وحرمها الشامخ يرمز لقبرٍ خفيٍّ؛ قبر بنت محمد سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
حفيدة الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) والمحدثة، العالمة، العابدة، الزاهدة، العارفة اختصّتْها يدُ العناية الإلهية، تداوي بالطواف حول ضريحها، والإقامة بجوارها، قلوباً حرقى، وأكباداً جرحى، وصدوراً حَرَّى.
حيث تزداد ذرفات الدموع والأنين على مظلومية نور البضعة المحمدية، الزهراء البتول ولسان حال زوّارها:
أين قبر البتول يا ابنة موسى؟
حرمها مفزع لكل قلب يتدفّق بنبض يا مهديَّ فاطمة أدركنا.
يلجأ أيتام آل محمد من فتن الدهر الخوّان إلى روضتها الشريفة.
روضتها مركز وعاصمة محبي أهل البيت (عليهم السلام) وموطنٌ لكل المتلهّفين للدين والعِلم.
حتى تكتمل أرواح المؤمنين بتحقّق زمن حضور الإمام يوسف الزهراء (عليه السلام).
فصارت قم المقدسة بوجودها النوريّ مأوى الفاطميين وسَكينة المؤمنين.
بيتها وروضتها (عليها السلام) صارا سبباً لسيادة ذرية رسول الله، وموفد محبّي أهل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
ربيبة بيت الإمامة ارتشفت من أبيها وشقيقها الإمام الرضا (عليه السلام)، معين الرسالة الزلال، فحازت مقام شباهتها بجدّتها سيدة الطهر فاطمة الزهراء (عليها السلام).
هناك مشتركات وخصائص فريدة وأسرار عظيمة بين نور بنت محمد وبنت موسى، كمالات وأوسمة لايمكننا إحاطتها، والتي تقلّدتْها من أمّها البضعة البتول (عليها السلام)، ممّا ينبؤ عن شأنها ومكانتها ومقامها الرفيع عند الله سبحانه وتعالى.
من الخصوصيات التي نالتها السيدة المعصومة (عليها السلام)، نذكر أربع خصائص:
عصمتها، وإن كانت بمستوى العصمة الصغرى، فمن الجهل أن نتصوّر أن السيّدة المعصومة امراة عادية، فهذا تقصير في مدى إدراك قلوبنا لمقاماتها عند الله سبحانه وتعالى.
تشابهت السيدة المعصومة مع أمها السيدة الزهراء ببيت رفيع ترعرعت فيه، يشبه بيت الوحي الرسالي، بيوتهما أسمى البيوت التي مدحها وأشاد بها القرآن الكريم؛ بيوت النور، بيوت الأنبياء وبيوت آل محمد الأطهار (عليهم السلام).
بيوت النور فاضت على معالم شخصيتها العلم، والفقه، والتفسير والأخلاق، وكل تجليات الكمال والنور.
الزهراء، مع أصالة نورها، إلا أنها حظيت في هذا البيت الرفيع بنور أبيها وبعلها؛ نور النبوة والإمامة.
والسيدة المعصومة أخذت نور الإمامة من أبيها الإمام الكاظم (عليه السلام) وأخيها الإمام الرضا (عليه السلام).
قبر السيدة الزهراء المخفي له من الشأن والعظمة، حتى وإن كنّا لا نبصره بأعيننا الحسية، كذلك قبر السيّدة المعصومة، هو تجلّ لقبر أمّها (سلام الله عليها).
السيّدة الزهراء (عليها السلام) تُعدّ من أبرز مظاهر الشفاعة الكبرى يوم القيامة، والسيّدة المعصومة نالت أيضاً مقام الشفاعة، ولو كانت بدرجة أقلّ من سيّدة المحشر بنت محمد (عليها السلام).
هذه بعض النقاط والخصائص المضيئة بين السيّدتين النوريتين (عليهما السلام).
وهناك خصائص أخرى نأمل من الله أن تدركنا عنايته كي ننغمس في بحر ولايتها وولاية أبنائها المعصومين (عليهم السلام).
ولا أنسى في هذا المقام الاستشهاد بكلمة روح الله (قدّس سرّه) في حق سيدة الوجود فاطمة الزهراء (عليها السلام).
يقول:
طلبت السيّدة فاطمة الطباطبائي زوجة المرحوم السيّد أحمد الخميني من الإمام الخميني أن يكتب لها حول مقام مولاتنا السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، فكتب (عليه الرحمة والرضوان):
"ابنتي العزيزة فاطمة.. تريدين من عجوز بائس، خالي الوفاض من المعارف والمعالم الإلهيّة، ما لا يستطيع العرفاء الكبار والفلاسفة العظام الاقتراب منه. وماذا يستطيع المرء أن يقول أو يدرك حول شخصيّة تتمتّع بآلاف الأبعاد الإلهيّة، يعجز عن تبيان كلٍّ منها القلم واللّسان؟!
إنّه ليس بوسع أحد أن يعرف شخصيّة الزهراء المرضيّة والصدّيقة الطاهرة (عليها السلام)، سوى الذين ارتقوا مدارج الأبعاد الإلهيّة حتّى ذروتها، وهو ما لم يبلغه سوى أُولي العزم من الأنبياء والخُلّص من الأولياء، كالمعصومين (عليهم صلوات الله).
إنّها ظاهرة من مرتبة الغيب الأحديّة،... كحال الخُلَّص الأولياء (عليهم سلام الله)، ويُخطئ مَن يدَّعي معرفة مقامها المقدَّس من العرفاء أو الفلاسفة أو العلماء. وكيف يُمكن إماطة اللّثام عن منزلتها الرفيعة، وقد كان رسول الإسلام يتعامل معها في حال حياته معاملة الكامل المطلق!!.
إنّك تطلبين منّي أن أتحدث وأكتب عن هذه السيّدة العظيمة، فكيف لي ولقلمي ولغةِ البشر، الحديث عن سيّدة كانت تستنزل جبرائيل، كمثل أبيها، بقدرة الملكوت، من غيب عالم الملكوت إلى عالم المُلك، وتجعل ما في الغيب ظاهراً في الشهادة! فدعيني أذاً أجتاز هذا الوادي المريع، وأقول بأنّ فاطمة (عليها السلام)، والتي هي هكذا في المراحل الإلهيّة الغيبيّة، قد ظهرت في عالم الشهادة وتجسَّدت كأبيها وبعلها في صورة بشر ظاهر، لتؤدّي دورها ورسالتها في شؤون عالم المُلك كافّة من تعليم وتعلُّم، ونشر للثقافة الإسلاميّة، ومعارضة للطواغيت، وجدٍّ من أجل قيام حكومة العدل، وإحقاق حقوق البشريّة، ودحض وتفنيد الدعاوى الشيطانيّة..".
حقاً للسيدة الصديقة الزهراء (عليها السلام)، موقعية كبيرة في القرآن الكريم، وفي العديد من سوره، لها سيادة وحاكمية بما أنيط لها من أدوار في عوالم مختلفة، وتكفي حاكميّتها يوم القيامة في الجنة والنار.
السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) لم تكن إماماً ولكنها كانت حجةً على الأوصياء (عليهم السلام).
ولم تكن نبياً ولكنها كانت بحر النبوة.
ولم تكن ملكاً ولكن الملائكة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى.
وكانت ولايتها مفروضة على جميع الخلق.
نسأل الله بحق النورين؛ نور البضعة الطاهرة ونور ابنتها فاطمة، أن يدخلنا بشفاعتهما جنة النعيم.
والحمد لله رب العالمين.
بقلم الأستاذة نداء الأحمد (أم رضا)
تعليق