بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
المسافة بين الفقيه والزعيم
الشيخ محمد جواد بن الشيخ محمود بن محمّد بن مهدي آل مُغْنِيَّة العامليّ، من أبرز علماء لبنان في القرن الماضي، ولد سنة 1322 ه الموافق 1904 م في قرية طيردبا من جبل عامل.
سنوات العذاب
توفيت والدته دون أن يعيَها، ثم توفي والده الشيخ محمود مغنية وهو صغير، ولم يكن منزلهم قد اكتمل بناؤه وكان لوالده دين بذمة البنّائين، فاستولوا على البيت بعد وفاته.
انتقل للعيش في منزل أخيه الأكبر، إلا أنّ معاملة زوجته كانت منفّرة، فاضطر الفتى الصغير (وهو لم يبلغ الحادية عشر) للذهاب لبيروت مشيا على قدميه للعمل فيها أجيرا وبائعا متجولا للحلويات والمرطبات حينا وصاحب بسطة كتب أحيانا، وقضى طفولة صعبة وقاسية اضطرته للنوم محشورا في بعض الغرف المستأجرة بمشاركة عدد كبير من الناس، ولربما قضى بعض لياليه في أحد مداخل الأبنية ليقي نفسه برودة الطقس وقساوة الحياة.
في النجف
واصل كدّه في العمل حتى جمع من المال ما يكفيه للقيام برحلة السفر للنجف الأشرف حيث وصلها في العام 1925م.
انكبّ منذ وصوله للنجف ولمدة أحد عشر سنة على الدراسة والجدّ والمباحثة والمطالعة ولم يخرج من النجف أبدا طيلة فترة دراسته.
تلقى علومه الدينية على السيد حسين الحمامي والسيد محمد سعيد فضل الله والسيد محمد حسين الكربلائي والسيد أبو القاسم الخوئي.
في لبنان
عاد إلى لبنان عام 1936 حاملا إجازات الإجتهاد من أساطين الحوزة العلمية في النجف، وعمل في التبليغ والإرشاد متنقلا بين عدة قرى منها معركة وطيرحرفا.
انتقل في العام 1948 إلى بيروت حيث تولى القضاء الجعفري حتى العام 1951، ثمّ عُيّن رئيسا للمحاكم الجعفرية.
الإمتحان الصعب
في العام 1956 زاره موفدٌ من عادل عسيران لتعيين أحد المعممين في منصب القضاء الجعفري، فأصرّ الشيخ مغنية على إخضاعه لإمتحان، وعند مثول المعمم للإمتحان قدّم للشيخ مغنية إجازة من أحد أعلام النجف، فبقي الأخير على إصراره. وبعد طرح الأسئلة عليه من لجنة رباعية، تم رفضه لعدم أهليته العلمية، فأسرّها عادل عسيران في نفسه.
في نفس العام (1956) إستأنفت إحدى السيدات قضية إرث كانت قد رفعتها في محكمة صور الشرعية، فتعرّض القاضي الشرعي في صور لضغوط شديدة من الوزير آنذاك كاظم الخليل، فحكم بخلاف شرع الله وحرم السيدة من إرث زوجها الغني كما حرم الأولاد من ذلك وحصَر الإرث بوالدة المتوفى التي لم تكن قرابتها بالوزير الخليل صدفة محضة.
إستأنفت السيدة (زوجة المتوفى) القضية في محكمة بيروت الجعفرية، ووصلت القضية للشيخ محمد جواد مغنية، وبعد دراسته للملف عيّن لها جلسة، فاتّصل به كاظم الخليل في ليلة النطق بالحكم قائلا: ثبّت لي الحكم الإبتدائي أنا أثبّتك في رئاسة المحاكم مدى الحياة. فردّ عليه العلامة مغنية بالقول: المهم أن يثبت ديني أمام الله وأن تثبت قدمي على الصراط، وأقفل الهاتف بوجهه.
ينقل أحد معارفه بأن الشيخ مغنية حضر في اليوم التالي وباشر القضية بنفسه، وتوجّه للسيدة بالقول: خيّرتُ نفسي بين أن أحكم لكِ بناءً على قول الإمام الصادق، أو أن أحكم لوالدة المتوفى بناء على قول كاظم الخليل ووعوده، ولكن هيهات أن يعلو قول الوزير على قول الإمام. فنطق بالحكم، وأُقفل المحضر ووقعه، وأخذ نسخة منه ورماها في وجه الوزير وخرج من المحكمة ولم يعد إليها إلا عند إحالته على التقاعد.
طار صواب الوزير، ومن قبله الرئيس عسيران، وبعد أيام صدر القرار من رئيس الجمهورية كميل شمعون بعزله من منصبه كرئيس للمحاكم، وبقي مستشارا لحين بلوغه السن القانونية.
مؤلفاته
له مؤلفات تزيد عن الستين، بعضها موسوعات وقد شملت مختلف النواحي الإجتماعية والتاريخية والفقهية والتفسير والفلسفة والتراجم والسير و.... وكان يقضي يوميا ما بين 14 إلى 18 ساعة في مكتبته باحثا ومطالعا وكاتبا ومحققا.
وفاته
عانى الشيخ مغنية من مشاكل في قلبه، وفي العام 1979م (1400 هـ) كان يخطب في صيدا في أحد مجالس العزاء في عاشوراء، ونتيجة للإجهاد سقط من على المنبر مغشيا عليه، فأسعفه بعض الأطباء الموجودين في المجلس وحُمل إلى المستشفى، ثم نُقل لمنزله في بيروت وتوفي في ليلة العشرين من المحرّم من نفس العام.
وبناء لوصيته نُقل جثمانه للنجف، حيث صلّى عليه السيد أبو القاسم الخوئي ودُفن في إحدى غرف مقام الإمام علي، على عادة دفن كبار المراجع والعلماء.
رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه
منقول
اللهم صل على محمد وال محمد
المسافة بين الفقيه والزعيم
الشيخ محمد جواد بن الشيخ محمود بن محمّد بن مهدي آل مُغْنِيَّة العامليّ، من أبرز علماء لبنان في القرن الماضي، ولد سنة 1322 ه الموافق 1904 م في قرية طيردبا من جبل عامل.
سنوات العذاب
توفيت والدته دون أن يعيَها، ثم توفي والده الشيخ محمود مغنية وهو صغير، ولم يكن منزلهم قد اكتمل بناؤه وكان لوالده دين بذمة البنّائين، فاستولوا على البيت بعد وفاته.
انتقل للعيش في منزل أخيه الأكبر، إلا أنّ معاملة زوجته كانت منفّرة، فاضطر الفتى الصغير (وهو لم يبلغ الحادية عشر) للذهاب لبيروت مشيا على قدميه للعمل فيها أجيرا وبائعا متجولا للحلويات والمرطبات حينا وصاحب بسطة كتب أحيانا، وقضى طفولة صعبة وقاسية اضطرته للنوم محشورا في بعض الغرف المستأجرة بمشاركة عدد كبير من الناس، ولربما قضى بعض لياليه في أحد مداخل الأبنية ليقي نفسه برودة الطقس وقساوة الحياة.
في النجف
واصل كدّه في العمل حتى جمع من المال ما يكفيه للقيام برحلة السفر للنجف الأشرف حيث وصلها في العام 1925م.
انكبّ منذ وصوله للنجف ولمدة أحد عشر سنة على الدراسة والجدّ والمباحثة والمطالعة ولم يخرج من النجف أبدا طيلة فترة دراسته.
تلقى علومه الدينية على السيد حسين الحمامي والسيد محمد سعيد فضل الله والسيد محمد حسين الكربلائي والسيد أبو القاسم الخوئي.
في لبنان
عاد إلى لبنان عام 1936 حاملا إجازات الإجتهاد من أساطين الحوزة العلمية في النجف، وعمل في التبليغ والإرشاد متنقلا بين عدة قرى منها معركة وطيرحرفا.
انتقل في العام 1948 إلى بيروت حيث تولى القضاء الجعفري حتى العام 1951، ثمّ عُيّن رئيسا للمحاكم الجعفرية.
الإمتحان الصعب
في العام 1956 زاره موفدٌ من عادل عسيران لتعيين أحد المعممين في منصب القضاء الجعفري، فأصرّ الشيخ مغنية على إخضاعه لإمتحان، وعند مثول المعمم للإمتحان قدّم للشيخ مغنية إجازة من أحد أعلام النجف، فبقي الأخير على إصراره. وبعد طرح الأسئلة عليه من لجنة رباعية، تم رفضه لعدم أهليته العلمية، فأسرّها عادل عسيران في نفسه.
في نفس العام (1956) إستأنفت إحدى السيدات قضية إرث كانت قد رفعتها في محكمة صور الشرعية، فتعرّض القاضي الشرعي في صور لضغوط شديدة من الوزير آنذاك كاظم الخليل، فحكم بخلاف شرع الله وحرم السيدة من إرث زوجها الغني كما حرم الأولاد من ذلك وحصَر الإرث بوالدة المتوفى التي لم تكن قرابتها بالوزير الخليل صدفة محضة.
إستأنفت السيدة (زوجة المتوفى) القضية في محكمة بيروت الجعفرية، ووصلت القضية للشيخ محمد جواد مغنية، وبعد دراسته للملف عيّن لها جلسة، فاتّصل به كاظم الخليل في ليلة النطق بالحكم قائلا: ثبّت لي الحكم الإبتدائي أنا أثبّتك في رئاسة المحاكم مدى الحياة. فردّ عليه العلامة مغنية بالقول: المهم أن يثبت ديني أمام الله وأن تثبت قدمي على الصراط، وأقفل الهاتف بوجهه.
ينقل أحد معارفه بأن الشيخ مغنية حضر في اليوم التالي وباشر القضية بنفسه، وتوجّه للسيدة بالقول: خيّرتُ نفسي بين أن أحكم لكِ بناءً على قول الإمام الصادق، أو أن أحكم لوالدة المتوفى بناء على قول كاظم الخليل ووعوده، ولكن هيهات أن يعلو قول الوزير على قول الإمام. فنطق بالحكم، وأُقفل المحضر ووقعه، وأخذ نسخة منه ورماها في وجه الوزير وخرج من المحكمة ولم يعد إليها إلا عند إحالته على التقاعد.
طار صواب الوزير، ومن قبله الرئيس عسيران، وبعد أيام صدر القرار من رئيس الجمهورية كميل شمعون بعزله من منصبه كرئيس للمحاكم، وبقي مستشارا لحين بلوغه السن القانونية.
مؤلفاته
له مؤلفات تزيد عن الستين، بعضها موسوعات وقد شملت مختلف النواحي الإجتماعية والتاريخية والفقهية والتفسير والفلسفة والتراجم والسير و.... وكان يقضي يوميا ما بين 14 إلى 18 ساعة في مكتبته باحثا ومطالعا وكاتبا ومحققا.
وفاته
عانى الشيخ مغنية من مشاكل في قلبه، وفي العام 1979م (1400 هـ) كان يخطب في صيدا في أحد مجالس العزاء في عاشوراء، ونتيجة للإجهاد سقط من على المنبر مغشيا عليه، فأسعفه بعض الأطباء الموجودين في المجلس وحُمل إلى المستشفى، ثم نُقل لمنزله في بيروت وتوفي في ليلة العشرين من المحرّم من نفس العام.
وبناء لوصيته نُقل جثمانه للنجف، حيث صلّى عليه السيد أبو القاسم الخوئي ودُفن في إحدى غرف مقام الإمام علي، على عادة دفن كبار المراجع والعلماء.
رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه
منقول
تعليق