الإنسان في الدنيا وحيد.. إنه فيها غريب، لكن هذا لا يعني أنه لا "الله" له، بل يعني أنه ليس له إلا الله. نحن معاشر البشر مخلوقاتٌ وحيدة عموماً وإحساس الوحدة هذا يعكّر صَفوَ الإنسان، إحساس الوحدة هذا يبعث في الإنسان سوء الظن بمحيطه، وبعالَمه، ويدفعه إلى التفكير بجدّية في أنه ما من سنَدٍ يحميه. فحين يستشعر امرؤٌ العزلة - نوعاً ما - عن الجميع، واليأس من الكل فسيسيء الظنّ بالبيئة التي تكتنفه وبالعالم الذي يعيش فيه. فإن قلتَ له وحالُه هذه: "توجَّه إلى الله، فهو بك رؤوفٌ رحيم" فمن العسير جدّاً عليه الاقتناع بهذا، في حين أنه ينبغي لغُربتنا في الدنيا أن تسوقنا نحو بارئ الخلائق لنبدّد عزلتنا بصُحبته عزّ وجلّ، وأنّ هذه الغربة هي فرصة لكي لا ننشغل ببعضنا البعض، بل ننشغل مع الله، لكنّ البشر يحتارون في مثل هذا الموقف؛ فبينما يتعيّن علينا، إذا أحسسنا الوَحدة في الدنيا، أن نتّصل بربنا، ونرى أنه تعالى الحلّ الوحيد الذي يُخرِجنا من عُزلتنا، فإننا، على العكس، حين نقع ضحية الوحدة ونعاني من العزلة يتملّكُنا القنوط فنقول: "ما من أحد يحبّنا!"إذا ما وجَدنا أنفسَنا وحيدين في خضم معترك الحياة فماذا نصنع كي لا تُخرجنا وحدتُنا عن الصراط السَوِيّ؟ كي لا تدفعنا عزلتنا إلى إنكار رحمة ربنا؟ كي لا تقودنا وحدتنا إلى الإحساس بغياب السند والحامي؟ ماذا نصنع؟ علينا أن نتمّرس على الوحدة. ولقد أوصونا، من أجل التمرّس على الوحدة، بصلاة الليل.. انهض من فراشك وحيداً.. وقل: «إِلَهِي مَنْ لِي غَيْرُك».. وكأنّ هذه الوحدة المُتّخَذة عن طواعية، والمُخطَّط لها تُمرِّن الإنسان على أن لا يفرّط بربه متى ما شعر بالعزلة. هي أشبه بمناورة غايتها التصديق بحقيقة "أن الله معي،" و"أنه لا يتركني وحيداً،" و"أنّه رؤوفٌ رحيمٌ بي". إنها تتضمن مناورة تلقينية مكثفة يخرج الإنسان بعدها رابط الجأش فلا يعود ينظر إلى أنماط العزلة في حياته بسلبية على الإطلاق.فلنرتب لأنفسنا أجواء عزلة في أحضان رحمة الله عزّ وجلّ لنملأ فراغ وحدتنا بوجود ربّنا، ولا نيأسَنّ منه تعالى ونحن وحيدين نقاسي معاناة العزلة، فالحكمة من الوحدة هي أن نخاطب ربنا: «إِلَهِي مَنْ لِي غَيْرُك».. فإن تحوّل المرء بسبب وحدته إلى شخص سيّئ الطباع فهو لأنه لم يملأ فراغ وحدته بوجود ربّه.
# سماحة الشيخ بناهيان
تعليق