" إنَّ استقامةَ المؤمنِ الصادق تَعتَمِدُ على التوازن الفعلي بين الخوفِ من اللهِ سبحانه والرجاءِ برحمته – خوف في القلبِ وتقوى في السُلُوك العملي "
:1:- إنَّ الإمامَ جعفر الصادق ، عليه السلام ،يُقدّمُ لنا في وصيتّه الشهيرة لعبد الله بن جندب سُبلَ النجاةِ مِن عذابِ اللهِ وسُبل نيل رضوانه الأكبر ويُحذّرنا من العُجبِ بأنفسنا والتهاون بارتكاب الذنوب والمعاصي ، ويدعونا إلى إدخال السرور على المؤمنين .
حيث يقول : يا ابن جندب ( يَهلكُ المُتّكلُ على عملِه ، ولا ينجو المُجترُئ على الذنوب الواثق برحمة الله ، قُلتُ فَمَن ينجو ؟ قال الذين هُم بين الرجاء والخوف ، كأنَّ قلوبَهم في مَخلب طائر شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العذاب ، يا ابن جندب مَن سرّه أن يُزوِّجَه اللهُ الحورَ العِينَ ، ويُتوّجَه بالنور فليُدخِلَ على أخيه المُؤمنِ السرورَ )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 75 ،ص 280.
:2:- ليس من الصحيح الاتّكال على العمل والاعتقاد بكفايته في نيل رضا الله سبحانه ، فيصيبنا الغرورُ – وهناك صنف من المؤمنين لديه ثقة مُفرِطَة برحمة اللهِ ، بحيث يستحقرُ الذنوبَ ويتساهل في ارتكابها مُعوّلاً على أنَّ رحمة اللهِ قد وسعَت كلَّ شيء – وهذا الوثوق الزائد يجعله يستهين بالذنوب والمعاصي لحد تراكمها عليه ، مِمّا تؤدّي إلى هلاكه (ولا ينجو المُجترُئ على الذنوب الواثق برحمة الله).
:3:- إنَّ الطريق القويم إلى تحقيق استقامة المؤمن قلباً واعتقاداً وسلوكاً يتجلّى في التوزان الفعلي بين الخوف من الله سبحانه والرجاء برحمته – فينبغي أن
لا يكون الرجاء برحمة اللهِ مفرطاً وزائداً على حدّه ، وكذلك الخوف لا ينبغي أن يكون مفرطاً لدرجة اليأس من رحمة الله تعالى ، والمطلوب هو التوازن بين كفتي الرجاء والخوف معاً - وقد وردَ عن الإمام الصادق ، عليه السلام :
(إِنَّه لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خِيفَةٍ ونُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ولَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا )
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص 71 .
:4:- إنَّ الإمام الصادق هنا يُعلّمنا كيف يكون رجاؤنا وخوفنا ، إذ يقول: (كأنَّ قلوبَهم في مَخلَب طائر شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العذاب ،) :-
وبهذا ينبغي بالإنسان المؤمن أن يبذلَ كلَّ طاقاته وجهده للوصول إلى مراتب رضوان اللهِ العُليا بالرجاء المُوصل إلى الشوق إلى ثواب اللهِ ، وذلك من خلال الطاعات والعبادات والقُربات .
:5:- الرجاءُ برحمة اللهِ تعالى يجعل الإنسانَ الذي يواجه المشاكلَ والمصاعب قويّاً ويعطيه إمكاناتٍ مزيدةً في الصبر على البلاء والمواجهة – وكذلك الخوف من الله سبحانه يجعلُ الإنسانَ يُراقبُ أعماله وسلوكَه وكلامه ، ويحذرُ غضبَ اللهِ تعالى ، ويخافه في كلّ شيء يصدر منه موقفاً ورأيّاً وفعلا – ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61))) المؤمنون.
:6:- ثُمَّ يبيّنُ الإمامُ الصادقُ ، عليه السلام ، الخُلُقَ الرفيعَ الذي ينبغي أن يتّصفَ به المؤمنُ : (يا ابن جندب مَن سرّه أن يُزوِّجَه اللهُ الحورَ العِينَ ، ويُتوّجَه بالنور فليُدخِلَ على أخيه المُؤمنِ السرورَ ) :-
وفي هذا المقطع يوجّه الإمامُ إلى طريقة التعاطي الصحيحة مع المؤمنين أخلاقاً وسلوكاً بأن نكون مصدرَ خيرٍ وسرورٍ لهم ، وذلك بالتعامل بالكلمة الطّيبة وعدم ازعاجهم بإحداث المشاكل بالتسقيط الاجتماعي ،- وإطعام الجياع ومُراعاة اليتامى معنويّاً ومادّياً ، وتنفيس كُرب المهمومين منهم ، والتبسّم بوجوههم –
وإنَّ ادخال السرور عليهم هو ادخال السرور على قلبِ رسول الله وأهل بيته وعلى اللهِ تعالى .
وعن الإمام الصادق ، عليه السلام : (قَالَ مَنْ أَدْخَلَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنٍ فَقَدْ أَدْخَلَه عَلَى رَسُولِ اللَّه ، ومَنْ أَدْخَلَه عَلَى رَسُولِ اللَّه ، فَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إِلَى اللَّه وكَذَلِكَ مَنْ أَدْخَلَ عَلَيْه كَرْباً)
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص 192.
وعنه أيضاً قال: (منْ أَغَاثَ أَخَاه الْمُؤْمِنَ اللَّهْفَانَ اللَّهْثَانَ عِنْدَ جَهْدِه فَنَفَّسَ كُرْبَتَه وأَعَانَه عَلَى نَجَاحِ حَاجَتِه كَتَبَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَه بِذَلِكَ ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ رَحْمَةً مِنَ اللَّه يُعَجِّلُ لَه مِنْهَا وَاحِدَةً يُصْلِحُ بِهَا أَمْرَ مَعِيشَتِه ويَدَّخِرُ لَه إِحْدَى وسَبْعِينَ رَحْمَةً لأَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وأَهْوَالِه)
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص 199 .
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهَدي الكربلائي، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ، السابع من رجب 1440 هجري ، الخامس عشَر من آذار 2019م .
______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى، رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________
:1:- إنَّ الإمامَ جعفر الصادق ، عليه السلام ،يُقدّمُ لنا في وصيتّه الشهيرة لعبد الله بن جندب سُبلَ النجاةِ مِن عذابِ اللهِ وسُبل نيل رضوانه الأكبر ويُحذّرنا من العُجبِ بأنفسنا والتهاون بارتكاب الذنوب والمعاصي ، ويدعونا إلى إدخال السرور على المؤمنين .
حيث يقول : يا ابن جندب ( يَهلكُ المُتّكلُ على عملِه ، ولا ينجو المُجترُئ على الذنوب الواثق برحمة الله ، قُلتُ فَمَن ينجو ؟ قال الذين هُم بين الرجاء والخوف ، كأنَّ قلوبَهم في مَخلب طائر شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العذاب ، يا ابن جندب مَن سرّه أن يُزوِّجَه اللهُ الحورَ العِينَ ، ويُتوّجَه بالنور فليُدخِلَ على أخيه المُؤمنِ السرورَ )
: بحار الأنوار ، المجلسي ، ج 75 ،ص 280.
:2:- ليس من الصحيح الاتّكال على العمل والاعتقاد بكفايته في نيل رضا الله سبحانه ، فيصيبنا الغرورُ – وهناك صنف من المؤمنين لديه ثقة مُفرِطَة برحمة اللهِ ، بحيث يستحقرُ الذنوبَ ويتساهل في ارتكابها مُعوّلاً على أنَّ رحمة اللهِ قد وسعَت كلَّ شيء – وهذا الوثوق الزائد يجعله يستهين بالذنوب والمعاصي لحد تراكمها عليه ، مِمّا تؤدّي إلى هلاكه (ولا ينجو المُجترُئ على الذنوب الواثق برحمة الله).
:3:- إنَّ الطريق القويم إلى تحقيق استقامة المؤمن قلباً واعتقاداً وسلوكاً يتجلّى في التوزان الفعلي بين الخوف من الله سبحانه والرجاء برحمته – فينبغي أن
لا يكون الرجاء برحمة اللهِ مفرطاً وزائداً على حدّه ، وكذلك الخوف لا ينبغي أن يكون مفرطاً لدرجة اليأس من رحمة الله تعالى ، والمطلوب هو التوازن بين كفتي الرجاء والخوف معاً - وقد وردَ عن الإمام الصادق ، عليه السلام :
(إِنَّه لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلَّا وفِي قَلْبِه نُورَانِ نُورُ خِيفَةٍ ونُورُ رَجَاءٍ لَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ولَوْ وُزِنَ هَذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا )
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص 71 .
:4:- إنَّ الإمام الصادق هنا يُعلّمنا كيف يكون رجاؤنا وخوفنا ، إذ يقول: (كأنَّ قلوبَهم في مَخلَب طائر شوقاً إلى الثواب وخوفاً من العذاب ،) :-
وبهذا ينبغي بالإنسان المؤمن أن يبذلَ كلَّ طاقاته وجهده للوصول إلى مراتب رضوان اللهِ العُليا بالرجاء المُوصل إلى الشوق إلى ثواب اللهِ ، وذلك من خلال الطاعات والعبادات والقُربات .
:5:- الرجاءُ برحمة اللهِ تعالى يجعل الإنسانَ الذي يواجه المشاكلَ والمصاعب قويّاً ويعطيه إمكاناتٍ مزيدةً في الصبر على البلاء والمواجهة – وكذلك الخوف من الله سبحانه يجعلُ الإنسانَ يُراقبُ أعماله وسلوكَه وكلامه ، ويحذرُ غضبَ اللهِ تعالى ، ويخافه في كلّ شيء يصدر منه موقفاً ورأيّاً وفعلا – ((وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61))) المؤمنون.
:6:- ثُمَّ يبيّنُ الإمامُ الصادقُ ، عليه السلام ، الخُلُقَ الرفيعَ الذي ينبغي أن يتّصفَ به المؤمنُ : (يا ابن جندب مَن سرّه أن يُزوِّجَه اللهُ الحورَ العِينَ ، ويُتوّجَه بالنور فليُدخِلَ على أخيه المُؤمنِ السرورَ ) :-
وفي هذا المقطع يوجّه الإمامُ إلى طريقة التعاطي الصحيحة مع المؤمنين أخلاقاً وسلوكاً بأن نكون مصدرَ خيرٍ وسرورٍ لهم ، وذلك بالتعامل بالكلمة الطّيبة وعدم ازعاجهم بإحداث المشاكل بالتسقيط الاجتماعي ،- وإطعام الجياع ومُراعاة اليتامى معنويّاً ومادّياً ، وتنفيس كُرب المهمومين منهم ، والتبسّم بوجوههم –
وإنَّ ادخال السرور عليهم هو ادخال السرور على قلبِ رسول الله وأهل بيته وعلى اللهِ تعالى .
وعن الإمام الصادق ، عليه السلام : (قَالَ مَنْ أَدْخَلَ السُّرُورَ عَلَى مُؤْمِنٍ فَقَدْ أَدْخَلَه عَلَى رَسُولِ اللَّه ، ومَنْ أَدْخَلَه عَلَى رَسُولِ اللَّه ، فَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إِلَى اللَّه وكَذَلِكَ مَنْ أَدْخَلَ عَلَيْه كَرْباً)
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص 192.
وعنه أيضاً قال: (منْ أَغَاثَ أَخَاه الْمُؤْمِنَ اللَّهْفَانَ اللَّهْثَانَ عِنْدَ جَهْدِه فَنَفَّسَ كُرْبَتَه وأَعَانَه عَلَى نَجَاحِ حَاجَتِه كَتَبَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ لَه بِذَلِكَ ثِنْتَيْنِ وسَبْعِينَ رَحْمَةً مِنَ اللَّه يُعَجِّلُ لَه مِنْهَا وَاحِدَةً يُصْلِحُ بِهَا أَمْرَ مَعِيشَتِه ويَدَّخِرُ لَه إِحْدَى وسَبْعِينَ رَحْمَةً لأَفْزَاعِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وأَهْوَالِه)
: الكافي ، الكليني ، ج 2 ، ص 199 .
_____________________________________________
أهمّ مَضامين خطبةِ الجُمعَةِ الأولى ،والتي ألقاهَا سَماحةُ الشيخ عبد المهَدي الكربلائي، دام عِزّه, الوكيل الشرعي للمَرجعيّةِ الدّينيّةِ العُليا الشَريفةِ في الحَرَمِ الحُسَيني المُقدّس ,اليوم ، السابع من رجب 1440 هجري ، الخامس عشَر من آذار 2019م .
______________________________________________
تدوين - مُرْتَضَى عَلِي الحِلّي - النَجَفُ الأشْرَفُ .
:كَتَبْنَا بقَصدِ القُربَةِ للهِ تبارك وتعالى، رَاجينَ القَبولَ والنَفعَ العَامَ, ونسألَكم الدُعاءَ .
______________________________________________
تعليق