وَصية النّبي الأعظم صَلّى الله عَليه وَآله وَسَلّم
لأبي ذَرّ الغـفـاري رَضـيَ الله عَنـه
أبو حرب ابن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبيه قال : قدمت الربذة ، فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة ، فحدثني أبو ذر فقال :
دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مسجده ، فلم أر في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليّ ( عليه السلام ) الى جانبه جالس ، فاغتنمت خُلوة المسجد ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أوصني بوصية ينفعني الله بها .
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم وأكرم بك يا أبا ذر ، إنك منَّا أهل البيت ، وإني موصيك بوصية ، فاحفظها ، فانها جامعة لطرق الخير ، وسُبُله ، فانك إن تحفظها ، كان لك بها كِفل * .
يا أبا ذر : أعبد الله كأنك تراه . فان كنت لا تراه ، فانه عزَّ وجل يراك ، واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به . إنه الأول قَبل كل شيء ، فلا شيء قبله ، والفرد ، فلا ثاني معه ، والباقي لا الى غاية ، فاطر السموات والأرض وما فيهما ، وما بينهما من شيء ، وهو اللطيف الخبير . وهو على كل شيء قدير . ثم الإيمان بي ، والإقرار بأنَّ الله عزّ وجل أرسلني الى كافة الناس ، بشيراً ونذيراً ، وداعياً الى الله باذنه وسراجاً منيراً ، ثم أحِبَّ أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
واعلم يا أبا ذر : أنّ الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح ، من ركبها نجى ، ومن رَغِبَ عنها غَرِق ، ومثل باب حِطَّة في بني اسرائيل ، من دخله كان آمنا .
يا أبا ذر : أحفظ ما أوصيك به ، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة .
يا أبا ذر : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة والفراغ .
يا أبا ذر : إغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هَرَمِك ، وصِحتك قبل سَقَمِك وغِنَاكَ قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك .
يا أبا ذر : إيَّاك والتسويف بأمَلِك ، فانك بيومك ، ولست بما بعده ، فان يكن غد لك ، فكن في الغد كما كنت في اليوم ، فان لم يكن غد لك ، لم تندم على ما فرَّطت في اليوم .
يا أبا ذر : كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، ومنتظر غداً لا يبلغه .
يا أبا ذر : لو نظرت الى الأجل ومسيره ، لأبغضت الامل وغروره .
يا أبا ذر : كن في الدنيا كأنك غريب ، أو كعابر سبيل ، وعُدّ نفسك في أهل القبور .
يا أبا ذر : اذا أصبحت ، فلا تحدِّث نفسك بالمساء ، واذا أمسيت فلا تحدِّث نفسك بالصباح ، وخذ من صحتك قَبلَ سَقَمِك ، ومن حياتك قبل موتك ، فانك لا تدري ما اسمك غداً .
يا أبا ذر : إيَّاك أن تدركك الصرعة عند الغِرّة ، فلا تُمَكَّن من الرجعة ، ولا يَحمَدُك من خلَّفت بما تركت ، ولا يَعذرك من تُقدِم عليه بما به اشتغلت .
يا أبا ذر : ما رأيتُ كالنار نام هاربها ، ولا كالجنة نام طالبها .
يا أبا ذر : كن على عمرك أشحَّ منك على درهمك ودينارك .
يا أبا ذر : هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا ، أو فقرا منسيا ، أو مرضا مزمناً أو هرماً مفنياً ، أو موتا مجهزاً ، أو الدجَّال فانه شر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر .
يا أبا ذر : ان شرَّ الناس عند الله عز وجل يوم القيامة ، عالم لا ينتفع بعلمه ، ومن طلب علماً ليصِرف به وجوه الناس اليه لم يجد ريح الجنة .
يا أبا ذر : من ابتغى العلم ليخدع به الناس ، لم يجد ريح الجنة .
يا أبا ذر : اذا سئلت عن علم لا تعلمه ، فقل : لا أعلمه ، تنج من تبعته ، ولا تفت الناس بما لا علم لك به ، تنج من عذاب يوم القيامة .
يا أبا ذر : تطلَّع قوم من أهل الجنة الى قوم من النار ، فيقولون : ما أدخلكم النار ؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم ! فيقولون : إنا كنا نأمر بالمعروف ولا نفعله . .
يا أبا ذر : إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد ، وان نعم الله عز وجل أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أمسوا تائبين وأصبحوا تائبين .
يا أبا ذر : إنكم في ممرِّ الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، فمن يزرع خيراً يوشك أن يحصد زرعه ومن يزرع شراً ، يوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع ما زرع .
يا أبا ذر : لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ،
ومن أعطى خطراً ، فالله عز وجل أعطاه ، ومن وفى شراً فالله عز وجل وقاه .
يا أبا ذر : المتَّقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .
يا أبا ذر : إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة ، يخاف أن تقع عليه ، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرَّ على أنفه .
يا أبا ذر : إن الله تبارك وتعالى اذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه مُمَثَّلة . والإثم عليه ثقيلا وبيلا . واذا أراد الله بعبده شراً أنساه ذنوبه .
يا أبا ذر : لا تنظر الى صِغَر الخطيئة ، ولكن انظر الى من عصيت .
يا أبا ذر : إنَّ نفس المؤمن أشدّ تقلُّباً من الخطيئة ، من العصفور حين يقذف به في شَرَكِه .
يا أبا ذر : من وافق قوله فعله ، فذلك الذي أصاب حظه ، ومن خالف قوله فعله فانما يوبِّخ نفسه .
يا أبا ذر : إن الرجل ليُحرَم الرزق بالذنب يصيبه .
يا أبا ذر : إنك اذا طلبت شيئا من الدنيا ، وابتغيته ، وعسِر عليك ، فان لك على كل حال حسنة .
يا أبا ذر : لا تنطق فيما لا يعنيك ، فانك لست منه في شيء ، واخزِن لِسانك كما تخزِن رزقك .
يا أبا ذر : إن الله جل ثناؤه ليدخل قوماً الجنة فيعطيهم ، حتى تنتهي أمانيهم . وفوقهم قوم في الدرجات العلى فاذا نظروا اليهم عرفوهم فيقولون : ربنا اخواننا كنا معهم في الدنيا ، فَبِمَ فضَّلتهم علينا ؟ فيقال : هيهات ، انهم كانوا يجوعون حين تشبعون ، ويضمئون حين تُروون ، ويقومون حين تنامون ، ويُشخصون حين تَخفِضون .
يا أبا ذر : ان الله تعالى جعل قُرَّة عيني في الصلاة ، وحبَّبَها اليّ كما حبَّب الى الجائع الطعام والى الظمآن الماء . وإن الجائع اذا أكل الطعام شبع ، واذا شرب روي ، وأنا لا أشبع من الصلاة .
يا أبا ذر : ان الله تعالى بعث عيسى ابن مريم ( عليه السلام ) بالرهبانية ، وبُعثتُ بالحنيفية السمحة ، وحبَّب اليّ النساء والطيب وجعل في الصلاة قرة عيني .
يا أبا ذر : أيما رجل تطوع في كل يوم اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة ، كان له حقاً واجباً بيت في الجنة .
يا أبا ذر : صلاة في مسجدي هذا تَعدِل ألف صلاة في غيره من المساجد ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره . وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله عز وجل يطلب بها وجه الله عز وجل .
يا أبا ذر : ما دمت في الصلاة ، فانك تقرع بابَ المِلك ، ومن يُكثر قرع باب الملك فانه يُفتح له .
يا أبا ذر : ما من مؤمن يقوم للصلاة إلا تناثر عليه البِرّ ما بينه وبين العرش ، ووكِّل به ملك ينادي ، يا ابن آدم : لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ، ما سئمت ولا التفت .
يا أبا ذر : طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة ، يحملونها فيسبقون الناس الى الجنة ، ألا وهم السابقون الى المساجد ، بالأسحار وغيرها .
يا أبا ذر : لا تجعل بيتك قبراً ، واجعل فيه من صلاتك ما تضيء لك قبرك .
يا أبا ذر : الصلاة عماد الدين ، واللسان أكبر ، والصدقة تمحو الخطيئة ، واللسان أكبر .
يا أبا ذر : الدرجة في الجنة فوق الدرجة ، كما بين السماء والأرض . وان العبد ليرفَعُ بصره فيلمع له نور يكاد يخطِف بصَرَه ، فيفزع لذلك فيقول : ما هذا ؟ فيقال : هذا نور أخيك المؤمن ! فيقول : أخي فلان كنَّا نعمل جميعاً في الدنيا ، وقد فُضِّل عليّ هكذا ؟ فيقال : إنه كان أفضل منك عملا ، ثم يُجعل في قلبه الرضا حتى يرضى .
يا أبا ذر : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وما أصبح فيها مؤمن إلا وهو حزين ! فكيف لا يحزن ، وقد أوعد الله أنه وارد جهنم ، ولم يعده أنه صادر منها ، وليلقين أمراضاً ومصيبات وأموراً تغيضه ، وليُظلمنَّ فلا ينتصر ، يبتغي ثواباً من الله ، فما يزال فيها حزيناً حتى يفارقها ، فاذا فارقها أفضى الى الراحة والكرامة .
يا أبا ذر ما عُبِدَ الله على مثل طول الحزن .
يا أبا ذر : من أوتي من العلم ما لا يعمل به ، لحقيق أن يكون أوتي علماً لا ينفعه الله به ، لأن الله عز وجل نعت العلماء فقال : إن الَّذينَ أوتوا العِلمَ مِن قَبله اذا يُتلى عليهم يَخِرّون للأذقانِ سجَّداً ويقولون : سُبحانَ ربِّنا إن كان وعد ربِّنا لمفعولا ، ويَخرّونَ للأذقانِ يَبكون .
يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي ، فليَبكِ ، ومن لم يستطع فليُشعر قلبه الحزن وليتباكَ ، إن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا يشعرون .
يا أبا ذر : ما من خطيب يخطب إلا عرضت عليه خطبته يوم القيامة ، وما أراد بها .
يا أبا ذر : إنَّ فضل الصلاة النافلة في السِّر على العلانية ، كفضل الفريضة على النافلة .
يا أبا ذر : ما يتقرّب العبدُ الى الله بشيء ، أفضل من السجود الخفيِّ .
يا أبا ذر : أذكر الله ذكراً خاملا ! قلت : يا رسول الله وما الخامل ؟ قال : الذكر الخفي .
يا أبا ذر : يقول الله تعالى : لا أجمعُ على عبدي خوفين ، ولا أجمع له أمنين فاذا أمنني في الدنيا ، أخفته في الآخرة ، واذا خافَني في الدنيا ، أمَّنته يوم القيامة .
يا أبا ذر : لو أن رجلا كان له عمل سبعين نبياً لاحتقره وخشي أن لا ينجو من شر يوم القيامة .
يا أبا ذر : إن الرجل لتُعرض عليه ذنوبه يوم القيامة ، فيقول : أما اني كنت منك مشفقاً ، فيُغفر له .
يا أبا ذر : إن الرجل ليعمل الحسنة ، فيتكل عليها ، ويعمل المحقَّرات فيأتي الله وهو من الأشقياء ، وان الرجل ليعمل السيئة ، فيفرق منها ، فيأتي الله آمناً يوم القيامة .
أبا ذر : إن العبد ليذنب فيدخل بذنبه ذلك الجنة ! قلت : وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائباً منه ، فارّاً الى الله عز وجل حتى يدخل الجنة .
يا أبا ذر : ان الكيَّس من الناس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله عز وجل الأماني .
يا أبا ذر : إن الله عز وجل أول شيء يرفع من هذه الأمة ، الأمانة والخشوع ، حتى لا تكاد ترى خاشعاً .
يا أبا ذر : والذي نفس محمد بيده ، لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضه ، ما سقى الفاجر منها شربة ماء .
يا أبا ذر : إن الدنيا ملعونة . ملعون ما فيها ، إلا ما ابتغي به وجه الله .
يا أبا ذر : ما من شيء ابغض الى الله من الدنيا ، خلقها ثم أعرض عنها ، ولم ينظر اليها ولا ينظر اليها حتى تقوم الساعة ، وما من شيء أحب الى الله عز وجل من ايمان به ، وترك ما أمر أن يترك .
يا أبا ذر : إن الله جل ثناؤه أوحى الى أخي عيسى ( عليه السلام ) : يا عيسى لا تحب الدنيا ، فاني لست أحبُّها ، وأحبَّ الآخرة فانها هي دار المعاد .
يا أبا ذر : إن جبرئيل ( عليه السلام ) أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء ، فقال لي : يا محمد هذه خزائن الدنيا ، ولا ينقصك من حظك عند ربِّك ! قال : فقلت : حبيبي جبرئيل ، لا حاجة لي فيها . اذا جعتُ سألت ربي . واذا شبعت شكرته .
يا أبا ذر : اذا أراد الله بعبد خيراً فقَّهه في الدين . وزهَّده في الدنيا ، وبصَّره بعيوب نفسه .
يا أبا ذر : ما زَهِد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه وبصَّره عيوب الدنيا ، ودائها ودوائها ، وأخرجه منها سالماً الى دار السلام .
يا أبا ذر : اذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا ، فاستمع منه ، فانه يلقي اليك الحكمة . فقلت : يا رسول الله ، من أزهد الناس ؟ قال : من لم ينس المقابر والبلى وتركَ ما يفنى لما يبقى ، ومن لم يعدّ غداً من أيامه ، وعدَّ نفسه في الموتى .
يا أبا ذر : ان الله لم يوحِ الي أن إجمع المال . ولكن أوحى الي : أن سبِّح بحمد ربك ، وكن من الساجدين ، واعبد ربَّك حتى يأتيك اليقين .
يا أبا ذر : إني ألبس الغليظ ، وأجلس على الأرض ، وألعق أصابعي ، وأركب الحمار بغير سرج ، وأردُف خلفي ، فمن رغب عن سنتي ، فليس مني .
يا أبا ذر : حُبّ المال والشرف ، أذهب لدينِ الرجل من ذئبين ضاريين في زريبة الغنم ، فأغارا فيها حتى أصبحا : فماذا أبقيا منها ؟ قال : قلت : يا رسول الله : الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً ، يَسبقون الناس الى الجنة ؟ فقال : لا ، ولكن فقراء المؤمنين ، فانهم يأتون فيتخطونَ رقاب الناس الى الجنة ، فيقول لهم خزنة الجنة : كما أنتم ، حتى تحاسبوا ؟ فيقولون : بمَ نُحاسَب ؟ فوالله ، ما ملكنا فنجود ، أو نعدل ! ولا أفيض علينا ، فنقبِضَ أو نبسطُ ، وكنا نعبد ربِّنا حتى أتانا اليقين .
يا أبا ذر : الدنيا مشغلة للقلب والبدن ، وانَّ الله عز وجل يسئل أهل الدنيا عما نعموا في حلالها ، فكيف بما تنعًّموا في حرامها .
يا أبا ذر : إني قد سألت الله عز وجل أن يجعل رزق من أحبَّني الكفاف ، ويعطي من يبغضني كثرة المال والولد .
يا أبا ذر : طوبى للزاهدين في الدنيا ، والراغبين في الآخرة ، الذين اتخذوا أرض الله بساطاً ، وترابها فراشاً ، ومائها طيباً ، واتخذوا الكتاب شعاراً ، والدعاء لله عز وجل دثاراً ، وقرضوا الدنيا قرضاً .
يا أبا ذر : حَرْثُ (1) الآخرة العمل الصالح ، وحَرثُ الدنيا ، المال والبنون .
يا أبا ذر : إن ربي تبارك وتعالى أخبرني ، فقال : وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء عندي شيئا ، واني لأبنينَّ لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشركهم فيه ! قال ، قلتُ : يا رسول الله ، أيّ المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا .
يا أبا ذر : اذا دخل النور القلب ، انفسح القلب ، واستوسع ، قلت : فما علاقة ذلك ؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : الإنابة الى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله .
يا أبا ذر : إتق الله ، ولا تُر الناس أنك تخشى الله ، فيكرموك وقلبُك فاجر .
يا أبا ذر : ليكن لك في كلِّ شيء نيَّة ، حتى في الأكل والنوم .
يا أبا ذر : ليعظم جلال الله في صدرك ، فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب : اللهم إخزِه ، وعند الخنزير اللهم إخزِه .
يا أبا ذر : ان للهِ ملائكة قياماً في خيفته لا يرفعون رؤوسهم حتى يُنفخَ في الصور النفخة الأخيرة ، فيقولون جميعاً : سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تُعبد ، فلو كان لرجل عمل سبعين صدِّيقاً ، لإستقلَّ عمله من شدة ما يَرى يومئذ ، ولو أن دلواً صُبّ من غِسلين في مطلع الشمس ، لغلَت منه جماجم من في مغربها ، ولو زَفرت جهنم زفرة لم يبقَ ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلا خرّ جاثياً لركبتيه يقول : يا ربِّ نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق ، يقول : يا رب أنا خليلك ، فلا تنسني .
يا أبا ذر : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة إطَّلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء ، لأضاءت لها الارض كما تضيء ليلة البدر ، ولوَجد ريح نشرِها جميع أهل الأرض ، ولو أنّ ثوباً من ثياب أهل الجنة نُشِر اليوم في الدنيا ، لصعِق من ينظر اليه ، وما حملته أبصارهم .
يا أبا ذر : اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن .
يا أبا ذر : اذا اتبعت جنازة فليكن عملك فيها التفكر والخشوع ، وإعلم أنك لاحق به .
يا أبا ذر : إعلم أن كل شيء اذا فسد ، فالملح دواؤه ، واذا فسد الملح فليس له دواء . وإعلم ان فيكم خُلقين : الضحك من غير عجب ، والكسل من غير سهر .
يا أبا ذر : ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة والقلب ساهي .
يا أبا ذر : الحقّ ثقيل مرّ . والباطل خفيف حلو ، ورُبَّ شهوة ساعة تورث حزناً طويلا .
يا أبا ذر : لا يفقه الرجل كل الفقه ، حتى يرى أن الناس في جنب الله أمثال الأباعر ، ثم يرجع الى نفسه ، فيكون هو أحقر حاقر لها .
يا أبا ذر : لا يصيب الرجل حقيقة الإيمان حتى يرى الناس كلهم حمقى في دينهم ، عقلاء في دنياهم .
يا أبا ذر : حاسِب نفسك قبل أن تُحاسب ، فانه أهون لحسابك غداً . وزِنْ نفسك قبل أن توزن ، وتجًّهز للعرض الأكبر يوم تُعرض ، لا يخفى على الله منك خافية .
يا أبا ذر : إستحي من الله ، فاني والذي نفسي بيده ، لأظل حين اذهب الى الغائط متقنعاً بثوبي ، إستحياء من الملائكة الذين معي .
يا أبا ذر : أتحب ان تدخل الجنة ؟ قلت : نعم فداك أبي وأمي . قال : أقصر من الأمل ، واجعل الموت نَصبَ عينيك ، واستحي من الله حق الحياء ، قال ، قلت : يا رسول الله ، كلنا نستحي من الله . قال : ليس كذلك الحياء ، ولكن الحياء أن لا تنسى المقابرَ والبلى ، والجوفَ وما وعى والرأس وما حوى ، فمن أراد كرامة الآخرة ، فليدع زينة الدنيا ، فاذا كنت كذلك أصبت ولاية الله عز وجل .
يا أبا ذر : يكفي من الدعاء مع البر ، ما يكفي الطعام من الملح .
يا أبا ذر : مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر .
يا أبا ذر : إن الله تعالى يُصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه الله في دويرته والدور حوله ما دام فيهم .
يا أبا ذر : إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر . رجل يصبح في أرض قفر فيؤذِّن ثم يقيم ثم يصلي ، فيقول ربك عز وجل للملائكة : انظروا الى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يُصلُّون وراءه ويستغفرون له الى الغد من ذلك اليوم . ورجل قام من الليل فصلى وحده ، فسجد ونام وهو ساجد . فيقول الله انظروا الى عبدي روحه عندي وجسده ساجد . ورجل في زَحف ، فيفرّ أصحابه ويثبت هو يقاتل حتى يقتل .
يا أبا ذر : ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها . وما من منزل ينزله قوم ، إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم .
يا أبا ذر : ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الارض تنادي بعضها بعضا : يا جارة ، هل مرّ بك اليوم ذاكر لله تعالى ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى ، فمن قائلة : لا . ومن قائلة نعم . فاذا قالت نعم : اهتزت وابتهجت وترى أن لها فضلا على جارتها .
يا أبا ذر : ان الله لما خلق الارض ، وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الارض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك . حتى تكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم : إتخذ الله ولداً سبحانه ، فلما قالوا ، إقشعرت الارض ، وذهبت منفعة الأشجار .
يا أبا ذر : ان الارض لتبكي على المؤمن اذا مات أربعين صباحاً
يا أبا ذر : اذا كان العبد في أرض قي ـ يعني قفر ـ فتوضأ ، أو تيمم ، ثم أذَّن وأقام وصلى ، أمر الله عز وجل الملائكة فصفوا خلفه صفاً لا يرى طرفاه ، يركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده ، ويؤمِّنون على دعائه .
يا أبا ذر : من أقام ولم يؤذِّن ، لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه .
يا أبا ذر : ما عَمِلَ ، من لم يحفظ لسانه .
يا أبا ذر : ما مِن شابّ يدَع لذة الدنيا ولهوها ، وأهرَمَ شبابه في طاعة الله ، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صِدِّيقاً .
يا أبا ذر : الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين .
يا أبا ذر : الجليس الصالح ، خير من الوحدة . والوحدة خير من جليس السوء . وإملاء الخير ، خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر .
يا أبا ذر : لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، ولا تأكل طعام الفاسقين .
يا أبا ذر : إطعم طعامك من تحبه في الله ، وكل طعام من يحبك في الله .
يا أبا ذر : ان الله عند لسان كل قائل ، فليتق الله امرؤ وليعلم ما يقول .
يا أبا ذر : اترك فضول الكلام ، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك .
يا أبا ذر : كفى بالمرء كذباً أن يتحدث بكل ما يسمع .
يا أبا ذر : ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان .
يا أبا ذر : إن من اجلال الله ، اكرام ذي الشَيبَة المسلم ، واكرام حملة القرآن العاملين به ، واكرام السلطان المقسط .
يا أبا ذر : لا تكن عيَّاباً ولا مدّاحاً ولا طعَّاناً ، ولا محاربا .
يا أبا ذر : لا يزال العبد يزداد من الله بُعداً ما سِيئ خُلُقُهُ .
يا أبا ذر : الكلمة الطيبة صدقة . وكل خطوة يخطوها الى الصلاة صدقة .
يا أبا ذر : من أجاب داعي الله تعالى ، وأحسَنَ عِمارة مساجد الله ، كان ثوابه من الله الجنة . فقلت : بأبي انت وامي يا رسول الله . كيف نعمر مساجد الله ؟ قال : لا تُرفع فيها الأصوات ولا يُخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يباع ، واتركِ اللغو ما دمت فيها ، فان لم تفعل فلا تلومنَّ يوم القيامة إلا نفسك .
يا أبا ذر : إن الله يعطيك ـ ما دمت جالساً في المسجد ـ بكل نَفَس تتنفس فيه درجة في الجنة ، وتصلي عليك الملائكة . ويُكتب لك بكل نفس تتنفس فيه عشر حسنات ، وتُمحى عنك عشر سيئات .
يا أبا ذر : أتعلم في أي شيء أُنزلت هذه الآية : إصبروا وصَابِروا ورَبِطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ؟ قلت : لا ، فداك أبي وأمي . قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة .
يا أبا ذر : إسباغ الوضوء في المَكَارِه من الكفارات ، وكثرة الإختلاف الى المساجد ، فذلكم الرباط .
يا أبا ذر : يقول الله تبارك وتعالى : أن أحبَّ العباد اليّ ، المتحابون بحلال ، المتعلقة قلوبهم بالمساجد ، والمستغفرون بالأسحار ، أولئك اذا أردتُ بأهل الارض عقوبة ، ذكرتُهم ! فصرفتُ العقوبة عنهم .
يا أبا ذر : كُلّ جلوس في المسجد لَغو إلا ثلاثة ، قراءة مُصلّ ، أو ذكر الله ، أو سائل عن علم .
يا أبا ذر : كن بالعمل بالتقوى ، أشدَّ منك اهتماما بالعمل لغيره ، فانه لا يقلّ عمل بالتقوى ، وكيف يقلّ ما يُتقبل ، لقول الله عز وجل : انما يتقبل الله مِنَ المتَّقين .
يا أبا ذر : لا يكون الرجل من المتقين ، حتى يحاسِبَ نفسه أشد مِن محاسبة الشَّريك فيعلم من أين مطعمه ، ومن أين مشربه ، ومن أين ملبسه ، أمِن حلّ أم من حرام ؟
يا أبا ذر : من لم يبالِ من أين اكتسب المال ، لم يبالِ الله من أين أدخله النار .
يا أبا ذر : أحبُّكم الى الله عز وجل ، أكثركم ذكراً له ، وأكرمكم عند الله أتقاكم ، وأنجاكم من عذاب الله ، أشدّكم خوفاً له .
يا أبا ذر : ان المتقين الذين يتقون الله من الشيء الذي لا يُتَّقى منه خوفاً من الدخول في الشبهة .
يا أبا ذر : من أطاع الله عز وجل فقد ذكر اللهَ ، وان قلَّت صلاته وصِيامه ، وتلاوة القرآن .
يا أبا ذر : أصل الدين الورع ، ورأسُهُ الطَّاعة .
يا أبا ذر : كن ورِعاً تكن أعبد الناس ، وخير دينكم الورَعُ .
يا أبا ذر : فضل العِلم خير من فضلِ العِبادةِ ، وإعلم انكم لو صليتم
حتى تكونوا كالحنايا ، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ، ما نفعكم ذلك إلا بِوَرَع .
يا أبا ذر : ان أهل الورع والزهد في الدنيا ، هم أولياء الله حقاً .
يا أبا ذر : من لم يأت يوم القيامة بثلاث ، فقد خَسِر . قلت : وما الثلاث ـ فداك أبي وأمي يا رسول الله ـ ؟ قال : ورع يحجزه عمًّا حرم الله عليه ، وحِلم يَردّ به جَهلَ السفيه ، وخلق يداري به الناس .
يا أبا ذر : إن سرَّك أن تكون أقوى الناس ، فتوكل على الله ، وان سرّك أن تكون أكرم الناس فاتق الله . وإن سرّك أن تكون أغنى الناس ، فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك .
يا أبا ذر : لو أن الناس كلَّهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم : ومَن يَتًّقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على اللهِ فَهوَ حسبه إن الله بالغ أمرِه قد جعل الله لكل شيء قدرا .
يا أبا ذر : يقول الله تعالى : لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلاّ جَعلتُ غِناه في نفسه وهمومه في آخرته ، وضمِنَت السموات والارض رزقه ، وكففت عليه ضيعته ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .
يا أبا ذر : لو أن ابن آدم فرَّ من رزقه كما يفرّ من الموت ، لأدراكه رزقه كما يدركه الموت .
يا أبا ذر : ألا أعلِّمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهنّ . ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : احفظ الله تجده أمامك . تعرَّف الى الله تعالى في الرخاء ، يَعرِفك في الشِّدّة ، واذا سألت ، فاسأل الله ، واذا استغنيت ، فاستغنِ بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ، ولو أن الخَلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك ، ما قدِروا عليه ،
فان استطعت أن تعمل للهِ تعالى بالرضا واليقين ، فافعل ، فان لم تستطع فاصبِر ، فانَّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وانّ النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وان مع العسر يسراً .
يا أبا ذر : إستغنِ بغنى الله . قلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : غداء يوم ، وعشاء ليلة ، فمن قَنَع بما رزقه الله ـ يا أبا ذر ـ فهو أغنى الناس .
يا أبا ذر : إن الله جلّ ثناؤه يقول : إني لست كلام الحكيم أتقبَّل ، ولكن همَّه وهواه ، فان كان همُّه وهواه فيما أحبّ وأرضى ، جعلت صمته حمداً لي ، ووقارا ، وإن لم يتكلم .
يا أبا ذر : ان الله تبارك وتعالى ، لا ينظر الى صوركم ، ولا الى أموالكم ، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم .
يا أبا ذر : التقوى ههنا ، التقوى ههنا ، وأشار بيده الى صدره .
يا أبا ذر : أربع لا يصيبهن إلا مؤمن . الصمت ، وهو أول العبادة والتواضع لله سبحانه ، وذِكر الله تعالى على كل حال ، وقلة الشيء ـ يعني قلة المال .
يا أبا ذر : هِمّ بالحسنة وإن لم تعملها لكي لا تكتب من الغافلين .
يا أبا ذر : من ملك مابين فخذيه ، وما بين لحييه ، دخل الجنة . قلت : يا رسول الله فانا لنؤاخذ بما ننطق من ألسنتنا ؟ قال : يا أبا ذر وهل يَكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصاد ألسنتهم ، إنك لا تزال سالماً ما سكتَّ ، فاذا تكلمت يكتب لك أو عليك .
يا أبا ذر : أنّ الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ، فيكتب له بها رضوانه الى يوم القيامة . وان الرجل ليتكلم بالكلمة في
المجلس ليضحكهم بها ، فيهوي في جهنم ما بين السماء والارض .
يا أبا ذر : ويل للذي يتحدث فيكذب ليضحِكَ به القوم ، ويل له . ويل له . ويل له .
يا أبا ذر : مَن صَمتَ نجا . فعليك بالصدق ، ولا تخرجن من فمك كذبة أبداً . فقلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمداً ، قال : الإستغفار ، وصلوات الخمس يغسل ذلك .
يا أبا ذر : إياك والغِيبَة ، فان الغِيبة أشدّ من الزِنا . قلت : يا رسول الله ولمَ ذاك ، بابي أنت وأمي ؟ قال : لأن الرجل يزني ويتوب الى الله ، فيتوب الله عز وجل عليه ، والغِيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها .
يا أبا ذر : سُباب المسلم فُسوق ، وقِتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه . قلت : يا رسول الله . وما الغيبة ؟ قال : ذِكرك أخاك بما يكره . قلت : يا رسول الله فمن كان فيه ذلك الذي ذكرته ؟ قال : إعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه ، فقد اغتبته ! وان ذكرته بما ليس فيه ، فقد بهتَّه .
يا أبا ذر : من ذَبَّ عن أخيه المسلم المؤمنِ الغيبة ، كان حقَّاً على اللهِ جل ثناؤه أن يعتقه من النار .
يا أبا ذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم ، وهو يستطيع نصره فَنَصره ، نصره الله عز وجل في الدنيا والآخرة ، وإن خذله وهو يستطيع نصره ، خذله الله في الدنيا والآخرة .
يا أبا ذر : صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة .
يا أبا ذر : من كان ذا وجهين ولسانيين في الدنيا ، فهو ذو لسانيين في النار .
يا أبا ذر : المجلس بالأمانة ، وإفشاؤك سرَّ أخيك خيانة ، فاجتنب ذلك ، واجتنب مجلس العشيرة .
يا أبا ذر : تَعرض أعمال أهل الدنيا على الله عزَّ وجل من الجمعة الى الجمعة ، وفي كل يوم الاثنين والخميس ، فيغفر لكل عبد مؤمن ، إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقول : اتركوا أعمال هذين حتى يصطلحا .
يا أبا ذر : إياك ، وهجران أخيك ، فان العمل لا يُتَقبَّل مع الهجران ، فان كنت لا بد فاعلا فلا هجرة أكثر من ثلاثة أيام كملا . فمن مات فيها مهاجراً لأخيه ، كانت النار أولى به .
يا أبا ذر : من أحبَّ أن يَمثلَ له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار .
يا أبا ذر : من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر ، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك . فقال رجل : يا رسول الله ، ليعجبني الجمال حتى وددت أن علاَّقة سوطي ، وقبال نعلي حسن . فهل يرهب ذلك علي ؟ قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : أجده عارفاً للحق مطمئنا اليه ، قال : ليس ذلك بالكبر . ولكنَّ الكبر أن تترك الحق وتتجاوز الى غيره ، وتنظر الى الناس ، ولا ترى أن أحداً عرضه كعرضك ولا دمه كدمك .
يا أبا ذر : أكثر من يدخل النار المتكبِّرون . فقال رجل : وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله ؟ فقال : نعم ، من لبس الصوف ، وركب الحمار ، وحلب العنز ، وجالس المساكين .
يا أبا ذر : من حمل سلعته ، فقد برئ من الكبر ـ يعني ما يشتري من السوق .
يا أبا ذر : من جر ثوبه خُيلاء ، لم ينظر الله اليه يوم القيامة .
يا أبا ذر : أزِرَّة المؤمن الى أنصاف ساقيه ، ولا جناح فيما بينه وبين كعبيه .
يا أبا ذر : من رقَّع ذيله ، وخصف نعله ، وعفَّر وجهه ، فقد برء من الكبر .
يا أبا ذر : من كان له قميصان ، فليلبس أحدهما ، وليكس أخاه الآخر .
يا أبا ذر : سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ، ويغذون به ، في همتهم ألوان الطعام والشراب ، ويمدحون بالقول ، أولئك شرار أمتي .
يا أبا ذر : من ترك لِبس الجَمال ـ وهو يقدر عليه ـ تواضعاً لله فقد كساه الله حُلَّة الكرامة .
يا أبا ذر : طوبى لِمن تواضع لله في غير منقصة ، وأذل نفسه في غير مسكنة ، وانفق مالا جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذلة والمسكنة ، وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن صَلحت سريرته ، وحسنت علانيته ، وعزَلَ عن الناس شرًّه . طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله .
يا أبا ذر : إلبس الخشن من اللباس ، والعتيق من الثياب ، لئلا يَجِدَ الفخر فيك مسلكا .
يا أبا ذر : يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون الفضل لهم بذلك على غيرهم . أولئك تلعنهم ملائكة السموات والأرض .
يا أبا ذر : ألا أخبرك بأهل الجنة ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : كل أشعث أغبر ذي طِمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبَرَّه .
لأبي ذَرّ الغـفـاري رَضـيَ الله عَنـه
أبو حرب ابن أبي الأسود الدؤلي ، عن أبيه قال : قدمت الربذة ، فدخلت على أبي ذر جندب بن جنادة ، فحدثني أبو ذر فقال :
دخلت ذات يوم في صدر نهاره على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مسجده ، فلم أر في المسجد أحداً من الناس إلا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعليّ ( عليه السلام ) الى جانبه جالس ، فاغتنمت خُلوة المسجد ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أوصني بوصية ينفعني الله بها .
فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : نعم وأكرم بك يا أبا ذر ، إنك منَّا أهل البيت ، وإني موصيك بوصية ، فاحفظها ، فانها جامعة لطرق الخير ، وسُبُله ، فانك إن تحفظها ، كان لك بها كِفل * .
يا أبا ذر : أعبد الله كأنك تراه . فان كنت لا تراه ، فانه عزَّ وجل يراك ، واعلم أن أول عبادة الله المعرفة به . إنه الأول قَبل كل شيء ، فلا شيء قبله ، والفرد ، فلا ثاني معه ، والباقي لا الى غاية ، فاطر السموات والأرض وما فيهما ، وما بينهما من شيء ، وهو اللطيف الخبير . وهو على كل شيء قدير . ثم الإيمان بي ، والإقرار بأنَّ الله عزّ وجل أرسلني الى كافة الناس ، بشيراً ونذيراً ، وداعياً الى الله باذنه وسراجاً منيراً ، ثم أحِبَّ أهل بيتي الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا .
واعلم يا أبا ذر : أنّ الله جعل أهل بيتي كسفينة النجاة في قوم نوح ، من ركبها نجى ، ومن رَغِبَ عنها غَرِق ، ومثل باب حِطَّة في بني اسرائيل ، من دخله كان آمنا .
يا أبا ذر : أحفظ ما أوصيك به ، تكن سعيداً في الدنيا والآخرة .
يا أبا ذر : نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس ، الصحة والفراغ .
يا أبا ذر : إغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هَرَمِك ، وصِحتك قبل سَقَمِك وغِنَاكَ قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك .
يا أبا ذر : إيَّاك والتسويف بأمَلِك ، فانك بيومك ، ولست بما بعده ، فان يكن غد لك ، فكن في الغد كما كنت في اليوم ، فان لم يكن غد لك ، لم تندم على ما فرَّطت في اليوم .
يا أبا ذر : كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، ومنتظر غداً لا يبلغه .
يا أبا ذر : لو نظرت الى الأجل ومسيره ، لأبغضت الامل وغروره .
يا أبا ذر : كن في الدنيا كأنك غريب ، أو كعابر سبيل ، وعُدّ نفسك في أهل القبور .
يا أبا ذر : اذا أصبحت ، فلا تحدِّث نفسك بالمساء ، واذا أمسيت فلا تحدِّث نفسك بالصباح ، وخذ من صحتك قَبلَ سَقَمِك ، ومن حياتك قبل موتك ، فانك لا تدري ما اسمك غداً .
يا أبا ذر : إيَّاك أن تدركك الصرعة عند الغِرّة ، فلا تُمَكَّن من الرجعة ، ولا يَحمَدُك من خلَّفت بما تركت ، ولا يَعذرك من تُقدِم عليه بما به اشتغلت .
يا أبا ذر : ما رأيتُ كالنار نام هاربها ، ولا كالجنة نام طالبها .
يا أبا ذر : كن على عمرك أشحَّ منك على درهمك ودينارك .
يا أبا ذر : هل ينتظر أحدكم إلا غنى مطغيا ، أو فقرا منسيا ، أو مرضا مزمناً أو هرماً مفنياً ، أو موتا مجهزاً ، أو الدجَّال فانه شر غائب ينتظر ، أو الساعة ، والساعة أدهى وأمر .
يا أبا ذر : ان شرَّ الناس عند الله عز وجل يوم القيامة ، عالم لا ينتفع بعلمه ، ومن طلب علماً ليصِرف به وجوه الناس اليه لم يجد ريح الجنة .
يا أبا ذر : من ابتغى العلم ليخدع به الناس ، لم يجد ريح الجنة .
يا أبا ذر : اذا سئلت عن علم لا تعلمه ، فقل : لا أعلمه ، تنج من تبعته ، ولا تفت الناس بما لا علم لك به ، تنج من عذاب يوم القيامة .
يا أبا ذر : تطلَّع قوم من أهل الجنة الى قوم من النار ، فيقولون : ما أدخلكم النار ؟ وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم ! فيقولون : إنا كنا نأمر بالمعروف ولا نفعله . .
يا أبا ذر : إن حقوق الله أعظم من أن يقوم بها العباد ، وان نعم الله عز وجل أكثر من أن يحصيها العباد ، ولكن أمسوا تائبين وأصبحوا تائبين .
يا أبا ذر : إنكم في ممرِّ الليل والنهار في آجال منقوصة ، وأعمال محفوظة ، والموت يأتي بغتة ، فمن يزرع خيراً يوشك أن يحصد زرعه ومن يزرع شراً ، يوشك أن يحصد ندامة ، ولكل زارع ما زرع .
يا أبا ذر : لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له ،
ومن أعطى خطراً ، فالله عز وجل أعطاه ، ومن وفى شراً فالله عز وجل وقاه .
يا أبا ذر : المتَّقون سادة ، والفقهاء قادة ، ومجالستهم زيادة .
يا أبا ذر : إن المؤمن ليرى ذنبه كأنه تحت صخرة ، يخاف أن تقع عليه ، والكافر يرى ذنبه كأنه ذباب مرَّ على أنفه .
يا أبا ذر : إن الله تبارك وتعالى اذا أراد بعبد خيراً جعل الذنوب بين عينيه مُمَثَّلة . والإثم عليه ثقيلا وبيلا . واذا أراد الله بعبده شراً أنساه ذنوبه .
يا أبا ذر : لا تنظر الى صِغَر الخطيئة ، ولكن انظر الى من عصيت .
يا أبا ذر : إنَّ نفس المؤمن أشدّ تقلُّباً من الخطيئة ، من العصفور حين يقذف به في شَرَكِه .
يا أبا ذر : من وافق قوله فعله ، فذلك الذي أصاب حظه ، ومن خالف قوله فعله فانما يوبِّخ نفسه .
يا أبا ذر : إن الرجل ليُحرَم الرزق بالذنب يصيبه .
يا أبا ذر : إنك اذا طلبت شيئا من الدنيا ، وابتغيته ، وعسِر عليك ، فان لك على كل حال حسنة .
يا أبا ذر : لا تنطق فيما لا يعنيك ، فانك لست منه في شيء ، واخزِن لِسانك كما تخزِن رزقك .
يا أبا ذر : إن الله جل ثناؤه ليدخل قوماً الجنة فيعطيهم ، حتى تنتهي أمانيهم . وفوقهم قوم في الدرجات العلى فاذا نظروا اليهم عرفوهم فيقولون : ربنا اخواننا كنا معهم في الدنيا ، فَبِمَ فضَّلتهم علينا ؟ فيقال : هيهات ، انهم كانوا يجوعون حين تشبعون ، ويضمئون حين تُروون ، ويقومون حين تنامون ، ويُشخصون حين تَخفِضون .
يا أبا ذر : ان الله تعالى جعل قُرَّة عيني في الصلاة ، وحبَّبَها اليّ كما حبَّب الى الجائع الطعام والى الظمآن الماء . وإن الجائع اذا أكل الطعام شبع ، واذا شرب روي ، وأنا لا أشبع من الصلاة .
يا أبا ذر : ان الله تعالى بعث عيسى ابن مريم ( عليه السلام ) بالرهبانية ، وبُعثتُ بالحنيفية السمحة ، وحبَّب اليّ النساء والطيب وجعل في الصلاة قرة عيني .
يا أبا ذر : أيما رجل تطوع في كل يوم اثنتي عشرة ركعة سوى المكتوبة ، كان له حقاً واجباً بيت في الجنة .
يا أبا ذر : صلاة في مسجدي هذا تَعدِل ألف صلاة في غيره من المساجد ، إلا المسجد الحرام ، وصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة في غيره . وأفضل من هذا كله صلاة يصليها الرجل في بيته حيث لا يراه إلا الله عز وجل يطلب بها وجه الله عز وجل .
يا أبا ذر : ما دمت في الصلاة ، فانك تقرع بابَ المِلك ، ومن يُكثر قرع باب الملك فانه يُفتح له .
يا أبا ذر : ما من مؤمن يقوم للصلاة إلا تناثر عليه البِرّ ما بينه وبين العرش ، ووكِّل به ملك ينادي ، يا ابن آدم : لو تعلم ما لك في صلاتك ومن تناجي ، ما سئمت ولا التفت .
يا أبا ذر : طوبى لأصحاب الألوية يوم القيامة ، يحملونها فيسبقون الناس الى الجنة ، ألا وهم السابقون الى المساجد ، بالأسحار وغيرها .
يا أبا ذر : لا تجعل بيتك قبراً ، واجعل فيه من صلاتك ما تضيء لك قبرك .
يا أبا ذر : الصلاة عماد الدين ، واللسان أكبر ، والصدقة تمحو الخطيئة ، واللسان أكبر .
يا أبا ذر : الدرجة في الجنة فوق الدرجة ، كما بين السماء والأرض . وان العبد ليرفَعُ بصره فيلمع له نور يكاد يخطِف بصَرَه ، فيفزع لذلك فيقول : ما هذا ؟ فيقال : هذا نور أخيك المؤمن ! فيقول : أخي فلان كنَّا نعمل جميعاً في الدنيا ، وقد فُضِّل عليّ هكذا ؟ فيقال : إنه كان أفضل منك عملا ، ثم يُجعل في قلبه الرضا حتى يرضى .
يا أبا ذر : الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر ، وما أصبح فيها مؤمن إلا وهو حزين ! فكيف لا يحزن ، وقد أوعد الله أنه وارد جهنم ، ولم يعده أنه صادر منها ، وليلقين أمراضاً ومصيبات وأموراً تغيضه ، وليُظلمنَّ فلا ينتصر ، يبتغي ثواباً من الله ، فما يزال فيها حزيناً حتى يفارقها ، فاذا فارقها أفضى الى الراحة والكرامة .
يا أبا ذر ما عُبِدَ الله على مثل طول الحزن .
يا أبا ذر : من أوتي من العلم ما لا يعمل به ، لحقيق أن يكون أوتي علماً لا ينفعه الله به ، لأن الله عز وجل نعت العلماء فقال : إن الَّذينَ أوتوا العِلمَ مِن قَبله اذا يُتلى عليهم يَخِرّون للأذقانِ سجَّداً ويقولون : سُبحانَ ربِّنا إن كان وعد ربِّنا لمفعولا ، ويَخرّونَ للأذقانِ يَبكون .
يا أبا ذر : من استطاع أن يبكي ، فليَبكِ ، ومن لم يستطع فليُشعر قلبه الحزن وليتباكَ ، إن القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا يشعرون .
يا أبا ذر : ما من خطيب يخطب إلا عرضت عليه خطبته يوم القيامة ، وما أراد بها .
يا أبا ذر : إنَّ فضل الصلاة النافلة في السِّر على العلانية ، كفضل الفريضة على النافلة .
يا أبا ذر : ما يتقرّب العبدُ الى الله بشيء ، أفضل من السجود الخفيِّ .
يا أبا ذر : أذكر الله ذكراً خاملا ! قلت : يا رسول الله وما الخامل ؟ قال : الذكر الخفي .
يا أبا ذر : يقول الله تعالى : لا أجمعُ على عبدي خوفين ، ولا أجمع له أمنين فاذا أمنني في الدنيا ، أخفته في الآخرة ، واذا خافَني في الدنيا ، أمَّنته يوم القيامة .
يا أبا ذر : لو أن رجلا كان له عمل سبعين نبياً لاحتقره وخشي أن لا ينجو من شر يوم القيامة .
يا أبا ذر : إن الرجل لتُعرض عليه ذنوبه يوم القيامة ، فيقول : أما اني كنت منك مشفقاً ، فيُغفر له .
يا أبا ذر : إن الرجل ليعمل الحسنة ، فيتكل عليها ، ويعمل المحقَّرات فيأتي الله وهو من الأشقياء ، وان الرجل ليعمل السيئة ، فيفرق منها ، فيأتي الله آمناً يوم القيامة .
أبا ذر : إن العبد ليذنب فيدخل بذنبه ذلك الجنة ! قلت : وكيف ذلك بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : يكون ذلك الذنب نصب عينيه تائباً منه ، فارّاً الى الله عز وجل حتى يدخل الجنة .
يا أبا ذر : ان الكيَّس من الناس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله عز وجل الأماني .
يا أبا ذر : إن الله عز وجل أول شيء يرفع من هذه الأمة ، الأمانة والخشوع ، حتى لا تكاد ترى خاشعاً .
يا أبا ذر : والذي نفس محمد بيده ، لو أن الدنيا كانت تعدل عند الله جناح بعوضه ، ما سقى الفاجر منها شربة ماء .
يا أبا ذر : إن الدنيا ملعونة . ملعون ما فيها ، إلا ما ابتغي به وجه الله .
يا أبا ذر : ما من شيء ابغض الى الله من الدنيا ، خلقها ثم أعرض عنها ، ولم ينظر اليها ولا ينظر اليها حتى تقوم الساعة ، وما من شيء أحب الى الله عز وجل من ايمان به ، وترك ما أمر أن يترك .
يا أبا ذر : إن الله جل ثناؤه أوحى الى أخي عيسى ( عليه السلام ) : يا عيسى لا تحب الدنيا ، فاني لست أحبُّها ، وأحبَّ الآخرة فانها هي دار المعاد .
يا أبا ذر : إن جبرئيل ( عليه السلام ) أتاني بخزائن الدنيا على بغلة شهباء ، فقال لي : يا محمد هذه خزائن الدنيا ، ولا ينقصك من حظك عند ربِّك ! قال : فقلت : حبيبي جبرئيل ، لا حاجة لي فيها . اذا جعتُ سألت ربي . واذا شبعت شكرته .
يا أبا ذر : اذا أراد الله بعبد خيراً فقَّهه في الدين . وزهَّده في الدنيا ، وبصَّره بعيوب نفسه .
يا أبا ذر : ما زَهِد عبد في الدنيا إلا أثبت الله الحكمة في قلبه ، وأنطق بها لسانه وبصَّره عيوب الدنيا ، ودائها ودوائها ، وأخرجه منها سالماً الى دار السلام .
يا أبا ذر : اذا رأيت أخاك قد زهد في الدنيا ، فاستمع منه ، فانه يلقي اليك الحكمة . فقلت : يا رسول الله ، من أزهد الناس ؟ قال : من لم ينس المقابر والبلى وتركَ ما يفنى لما يبقى ، ومن لم يعدّ غداً من أيامه ، وعدَّ نفسه في الموتى .
يا أبا ذر : ان الله لم يوحِ الي أن إجمع المال . ولكن أوحى الي : أن سبِّح بحمد ربك ، وكن من الساجدين ، واعبد ربَّك حتى يأتيك اليقين .
يا أبا ذر : إني ألبس الغليظ ، وأجلس على الأرض ، وألعق أصابعي ، وأركب الحمار بغير سرج ، وأردُف خلفي ، فمن رغب عن سنتي ، فليس مني .
يا أبا ذر : حُبّ المال والشرف ، أذهب لدينِ الرجل من ذئبين ضاريين في زريبة الغنم ، فأغارا فيها حتى أصبحا : فماذا أبقيا منها ؟ قال : قلت : يا رسول الله : الخائفون الخاضعون المتواضعون الذاكرون الله كثيراً ، يَسبقون الناس الى الجنة ؟ فقال : لا ، ولكن فقراء المؤمنين ، فانهم يأتون فيتخطونَ رقاب الناس الى الجنة ، فيقول لهم خزنة الجنة : كما أنتم ، حتى تحاسبوا ؟ فيقولون : بمَ نُحاسَب ؟ فوالله ، ما ملكنا فنجود ، أو نعدل ! ولا أفيض علينا ، فنقبِضَ أو نبسطُ ، وكنا نعبد ربِّنا حتى أتانا اليقين .
يا أبا ذر : الدنيا مشغلة للقلب والبدن ، وانَّ الله عز وجل يسئل أهل الدنيا عما نعموا في حلالها ، فكيف بما تنعًّموا في حرامها .
يا أبا ذر : إني قد سألت الله عز وجل أن يجعل رزق من أحبَّني الكفاف ، ويعطي من يبغضني كثرة المال والولد .
يا أبا ذر : طوبى للزاهدين في الدنيا ، والراغبين في الآخرة ، الذين اتخذوا أرض الله بساطاً ، وترابها فراشاً ، ومائها طيباً ، واتخذوا الكتاب شعاراً ، والدعاء لله عز وجل دثاراً ، وقرضوا الدنيا قرضاً .
يا أبا ذر : حَرْثُ (1) الآخرة العمل الصالح ، وحَرثُ الدنيا ، المال والبنون .
يا أبا ذر : إن ربي تبارك وتعالى أخبرني ، فقال : وعزتي وجلالي ما أدرك العابدون درك البكاء عندي شيئا ، واني لأبنينَّ لهم في الرفيق الأعلى قصراً لا يشركهم فيه ! قال ، قلتُ : يا رسول الله ، أيّ المؤمنين أكيس ؟ قال : أكثرهم للموت ذكرا ، وأحسنهم له استعدادا .
يا أبا ذر : اذا دخل النور القلب ، انفسح القلب ، واستوسع ، قلت : فما علاقة ذلك ؟ بأبي أنت وأمي يا رسول الله ؟ قال : الإنابة الى دار الخلود ، والتجافي عن دار الغرور ، والاستعداد للموت قبل نزوله .
يا أبا ذر : إتق الله ، ولا تُر الناس أنك تخشى الله ، فيكرموك وقلبُك فاجر .
يا أبا ذر : ليكن لك في كلِّ شيء نيَّة ، حتى في الأكل والنوم .
يا أبا ذر : ليعظم جلال الله في صدرك ، فلا تذكره كما يذكره الجاهل عند الكلب : اللهم إخزِه ، وعند الخنزير اللهم إخزِه .
يا أبا ذر : ان للهِ ملائكة قياماً في خيفته لا يرفعون رؤوسهم حتى يُنفخَ في الصور النفخة الأخيرة ، فيقولون جميعاً : سبحانك وبحمدك ما عبدناك كما ينبغي لك أن تُعبد ، فلو كان لرجل عمل سبعين صدِّيقاً ، لإستقلَّ عمله من شدة ما يَرى يومئذ ، ولو أن دلواً صُبّ من غِسلين في مطلع الشمس ، لغلَت منه جماجم من في مغربها ، ولو زَفرت جهنم زفرة لم يبقَ ملك مقرب ، ولا نبي مرسل إلا خرّ جاثياً لركبتيه يقول : يا ربِّ نفسي نفسي حتى ينسى إبراهيم إسحاق ، يقول : يا رب أنا خليلك ، فلا تنسني .
يا أبا ذر : لو أن امرأة من نساء أهل الجنة إطَّلعت من سماء الدنيا في ليلة ظلماء ، لأضاءت لها الارض كما تضيء ليلة البدر ، ولوَجد ريح نشرِها جميع أهل الأرض ، ولو أنّ ثوباً من ثياب أهل الجنة نُشِر اليوم في الدنيا ، لصعِق من ينظر اليه ، وما حملته أبصارهم .
يا أبا ذر : اخفض صوتك عند الجنائز وعند القتال وعند القرآن .
يا أبا ذر : اذا اتبعت جنازة فليكن عملك فيها التفكر والخشوع ، وإعلم أنك لاحق به .
يا أبا ذر : إعلم أن كل شيء اذا فسد ، فالملح دواؤه ، واذا فسد الملح فليس له دواء . وإعلم ان فيكم خُلقين : الضحك من غير عجب ، والكسل من غير سهر .
يا أبا ذر : ركعتان مقتصدتان في تفكر ، خير من قيام ليلة والقلب ساهي .
يا أبا ذر : الحقّ ثقيل مرّ . والباطل خفيف حلو ، ورُبَّ شهوة ساعة تورث حزناً طويلا .
يا أبا ذر : لا يفقه الرجل كل الفقه ، حتى يرى أن الناس في جنب الله أمثال الأباعر ، ثم يرجع الى نفسه ، فيكون هو أحقر حاقر لها .
يا أبا ذر : لا يصيب الرجل حقيقة الإيمان حتى يرى الناس كلهم حمقى في دينهم ، عقلاء في دنياهم .
يا أبا ذر : حاسِب نفسك قبل أن تُحاسب ، فانه أهون لحسابك غداً . وزِنْ نفسك قبل أن توزن ، وتجًّهز للعرض الأكبر يوم تُعرض ، لا يخفى على الله منك خافية .
يا أبا ذر : إستحي من الله ، فاني والذي نفسي بيده ، لأظل حين اذهب الى الغائط متقنعاً بثوبي ، إستحياء من الملائكة الذين معي .
يا أبا ذر : أتحب ان تدخل الجنة ؟ قلت : نعم فداك أبي وأمي . قال : أقصر من الأمل ، واجعل الموت نَصبَ عينيك ، واستحي من الله حق الحياء ، قال ، قلت : يا رسول الله ، كلنا نستحي من الله . قال : ليس كذلك الحياء ، ولكن الحياء أن لا تنسى المقابرَ والبلى ، والجوفَ وما وعى والرأس وما حوى ، فمن أراد كرامة الآخرة ، فليدع زينة الدنيا ، فاذا كنت كذلك أصبت ولاية الله عز وجل .
يا أبا ذر : يكفي من الدعاء مع البر ، ما يكفي الطعام من الملح .
يا أبا ذر : مثل الذي يدعو بغير عمل كمثل الذي يرمي بغير وتر .
يا أبا ذر : إن الله تعالى يُصلح بصلاح العبد ولده وولد ولده ، ويحفظه الله في دويرته والدور حوله ما دام فيهم .
يا أبا ذر : إن ربك عز وجل يباهي الملائكة بثلاثة نفر . رجل يصبح في أرض قفر فيؤذِّن ثم يقيم ثم يصلي ، فيقول ربك عز وجل للملائكة : انظروا الى عبدي يصلي ولا يراه أحد غيري ، فينزل سبعون ألف ملك يُصلُّون وراءه ويستغفرون له الى الغد من ذلك اليوم . ورجل قام من الليل فصلى وحده ، فسجد ونام وهو ساجد . فيقول الله انظروا الى عبدي روحه عندي وجسده ساجد . ورجل في زَحف ، فيفرّ أصحابه ويثبت هو يقاتل حتى يقتل .
يا أبا ذر : ما من رجل يجعل جبهته في بقعة من بقاع الأرض إلا شهدت له بها . وما من منزل ينزله قوم ، إلا أصبح ذلك المنزل يصلي عليهم أو يلعنهم .
يا أبا ذر : ما من صباح ولا رواح إلا وبقاع الارض تنادي بعضها بعضا : يا جارة ، هل مرّ بك اليوم ذاكر لله تعالى ، أو عبد وضع جبهته عليك ساجداً لله تعالى ، فمن قائلة : لا . ومن قائلة نعم . فاذا قالت نعم : اهتزت وابتهجت وترى أن لها فضلا على جارتها .
يا أبا ذر : ان الله لما خلق الارض ، وخلق ما فيها من الشجر لم يكن في الارض شجرة يأتيها بنو آدم إلا أصابوا منها منفعة ، فلم تزل الأرض والشجر كذلك . حتى تكلم فجرة بني آدم بالكلمة العظيمة قولهم : إتخذ الله ولداً سبحانه ، فلما قالوا ، إقشعرت الارض ، وذهبت منفعة الأشجار .
يا أبا ذر : ان الارض لتبكي على المؤمن اذا مات أربعين صباحاً
يا أبا ذر : اذا كان العبد في أرض قي ـ يعني قفر ـ فتوضأ ، أو تيمم ، ثم أذَّن وأقام وصلى ، أمر الله عز وجل الملائكة فصفوا خلفه صفاً لا يرى طرفاه ، يركعون بركوعه ، ويسجدون بسجوده ، ويؤمِّنون على دعائه .
يا أبا ذر : من أقام ولم يؤذِّن ، لم يصل معه إلا ملكاه اللذان معه .
يا أبا ذر : ما عَمِلَ ، من لم يحفظ لسانه .
يا أبا ذر : ما مِن شابّ يدَع لذة الدنيا ولهوها ، وأهرَمَ شبابه في طاعة الله ، إلا أعطاه الله أجر اثنين وسبعين صِدِّيقاً .
يا أبا ذر : الذاكر في الغافلين كالمقاتل في الفارّين .
يا أبا ذر : الجليس الصالح ، خير من الوحدة . والوحدة خير من جليس السوء . وإملاء الخير ، خير من السكوت ، والسكوت خير من إملاء الشر .
يا أبا ذر : لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ، ولا تأكل طعام الفاسقين .
يا أبا ذر : إطعم طعامك من تحبه في الله ، وكل طعام من يحبك في الله .
يا أبا ذر : ان الله عند لسان كل قائل ، فليتق الله امرؤ وليعلم ما يقول .
يا أبا ذر : اترك فضول الكلام ، وحسبك من الكلام ما تبلغ به حاجتك .
يا أبا ذر : كفى بالمرء كذباً أن يتحدث بكل ما يسمع .
يا أبا ذر : ما من شيء أحق بطول السجن من اللسان .
يا أبا ذر : إن من اجلال الله ، اكرام ذي الشَيبَة المسلم ، واكرام حملة القرآن العاملين به ، واكرام السلطان المقسط .
يا أبا ذر : لا تكن عيَّاباً ولا مدّاحاً ولا طعَّاناً ، ولا محاربا .
يا أبا ذر : لا يزال العبد يزداد من الله بُعداً ما سِيئ خُلُقُهُ .
يا أبا ذر : الكلمة الطيبة صدقة . وكل خطوة يخطوها الى الصلاة صدقة .
يا أبا ذر : من أجاب داعي الله تعالى ، وأحسَنَ عِمارة مساجد الله ، كان ثوابه من الله الجنة . فقلت : بأبي انت وامي يا رسول الله . كيف نعمر مساجد الله ؟ قال : لا تُرفع فيها الأصوات ولا يُخاض فيها بالباطل ، ولا يشترى فيها ولا يباع ، واتركِ اللغو ما دمت فيها ، فان لم تفعل فلا تلومنَّ يوم القيامة إلا نفسك .
يا أبا ذر : إن الله يعطيك ـ ما دمت جالساً في المسجد ـ بكل نَفَس تتنفس فيه درجة في الجنة ، وتصلي عليك الملائكة . ويُكتب لك بكل نفس تتنفس فيه عشر حسنات ، وتُمحى عنك عشر سيئات .
يا أبا ذر : أتعلم في أي شيء أُنزلت هذه الآية : إصبروا وصَابِروا ورَبِطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون ؟ قلت : لا ، فداك أبي وأمي . قال : في انتظار الصلاة خلف الصلاة .
يا أبا ذر : إسباغ الوضوء في المَكَارِه من الكفارات ، وكثرة الإختلاف الى المساجد ، فذلكم الرباط .
يا أبا ذر : يقول الله تبارك وتعالى : أن أحبَّ العباد اليّ ، المتحابون بحلال ، المتعلقة قلوبهم بالمساجد ، والمستغفرون بالأسحار ، أولئك اذا أردتُ بأهل الارض عقوبة ، ذكرتُهم ! فصرفتُ العقوبة عنهم .
يا أبا ذر : كُلّ جلوس في المسجد لَغو إلا ثلاثة ، قراءة مُصلّ ، أو ذكر الله ، أو سائل عن علم .
يا أبا ذر : كن بالعمل بالتقوى ، أشدَّ منك اهتماما بالعمل لغيره ، فانه لا يقلّ عمل بالتقوى ، وكيف يقلّ ما يُتقبل ، لقول الله عز وجل : انما يتقبل الله مِنَ المتَّقين .
يا أبا ذر : لا يكون الرجل من المتقين ، حتى يحاسِبَ نفسه أشد مِن محاسبة الشَّريك فيعلم من أين مطعمه ، ومن أين مشربه ، ومن أين ملبسه ، أمِن حلّ أم من حرام ؟
يا أبا ذر : من لم يبالِ من أين اكتسب المال ، لم يبالِ الله من أين أدخله النار .
يا أبا ذر : أحبُّكم الى الله عز وجل ، أكثركم ذكراً له ، وأكرمكم عند الله أتقاكم ، وأنجاكم من عذاب الله ، أشدّكم خوفاً له .
يا أبا ذر : ان المتقين الذين يتقون الله من الشيء الذي لا يُتَّقى منه خوفاً من الدخول في الشبهة .
يا أبا ذر : من أطاع الله عز وجل فقد ذكر اللهَ ، وان قلَّت صلاته وصِيامه ، وتلاوة القرآن .
يا أبا ذر : أصل الدين الورع ، ورأسُهُ الطَّاعة .
يا أبا ذر : كن ورِعاً تكن أعبد الناس ، وخير دينكم الورَعُ .
يا أبا ذر : فضل العِلم خير من فضلِ العِبادةِ ، وإعلم انكم لو صليتم
حتى تكونوا كالحنايا ، وصمتم حتى تكونوا كالأوتار ، ما نفعكم ذلك إلا بِوَرَع .
يا أبا ذر : ان أهل الورع والزهد في الدنيا ، هم أولياء الله حقاً .
يا أبا ذر : من لم يأت يوم القيامة بثلاث ، فقد خَسِر . قلت : وما الثلاث ـ فداك أبي وأمي يا رسول الله ـ ؟ قال : ورع يحجزه عمًّا حرم الله عليه ، وحِلم يَردّ به جَهلَ السفيه ، وخلق يداري به الناس .
يا أبا ذر : إن سرَّك أن تكون أقوى الناس ، فتوكل على الله ، وان سرّك أن تكون أكرم الناس فاتق الله . وإن سرّك أن تكون أغنى الناس ، فكن بما في يد الله عز وجل أوثق منك بما في يدك .
يا أبا ذر : لو أن الناس كلَّهم أخذوا بهذه الآية لكفتهم : ومَن يَتًّقِ الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على اللهِ فَهوَ حسبه إن الله بالغ أمرِه قد جعل الله لكل شيء قدرا .
يا أبا ذر : يقول الله تعالى : لا يؤثر عبدي هواي على هواه إلاّ جَعلتُ غِناه في نفسه وهمومه في آخرته ، وضمِنَت السموات والارض رزقه ، وكففت عليه ضيعته ، وكنت له من وراء تجارة كل تاجر .
يا أبا ذر : لو أن ابن آدم فرَّ من رزقه كما يفرّ من الموت ، لأدراكه رزقه كما يدركه الموت .
يا أبا ذر : ألا أعلِّمك كلمات ينفعك الله عز وجل بهنّ . ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : احفظ الله تجده أمامك . تعرَّف الى الله تعالى في الرخاء ، يَعرِفك في الشِّدّة ، واذا سألت ، فاسأل الله ، واذا استغنيت ، فاستغنِ بالله ، فقد جرى القلم بما هو كائن الى يوم القيامة ، ولو أن الخَلق كلهم جهدوا أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك ، ما قدِروا عليه ،
فان استطعت أن تعمل للهِ تعالى بالرضا واليقين ، فافعل ، فان لم تستطع فاصبِر ، فانَّ في الصبر على ما تكره خيراً كثيراً ، وانّ النصر مع الصبر ، والفرج مع الكرب ، وان مع العسر يسراً .
يا أبا ذر : إستغنِ بغنى الله . قلت : وما هو يا رسول الله ؟ قال : غداء يوم ، وعشاء ليلة ، فمن قَنَع بما رزقه الله ـ يا أبا ذر ـ فهو أغنى الناس .
يا أبا ذر : إن الله جلّ ثناؤه يقول : إني لست كلام الحكيم أتقبَّل ، ولكن همَّه وهواه ، فان كان همُّه وهواه فيما أحبّ وأرضى ، جعلت صمته حمداً لي ، ووقارا ، وإن لم يتكلم .
يا أبا ذر : ان الله تبارك وتعالى ، لا ينظر الى صوركم ، ولا الى أموالكم ، ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم .
يا أبا ذر : التقوى ههنا ، التقوى ههنا ، وأشار بيده الى صدره .
يا أبا ذر : أربع لا يصيبهن إلا مؤمن . الصمت ، وهو أول العبادة والتواضع لله سبحانه ، وذِكر الله تعالى على كل حال ، وقلة الشيء ـ يعني قلة المال .
يا أبا ذر : هِمّ بالحسنة وإن لم تعملها لكي لا تكتب من الغافلين .
يا أبا ذر : من ملك مابين فخذيه ، وما بين لحييه ، دخل الجنة . قلت : يا رسول الله فانا لنؤاخذ بما ننطق من ألسنتنا ؟ قال : يا أبا ذر وهل يَكبّ الناس على مناخرهم في النار إلا حصاد ألسنتهم ، إنك لا تزال سالماً ما سكتَّ ، فاذا تكلمت يكتب لك أو عليك .
يا أبا ذر : أنّ الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ، فيكتب له بها رضوانه الى يوم القيامة . وان الرجل ليتكلم بالكلمة في
المجلس ليضحكهم بها ، فيهوي في جهنم ما بين السماء والارض .
يا أبا ذر : ويل للذي يتحدث فيكذب ليضحِكَ به القوم ، ويل له . ويل له . ويل له .
يا أبا ذر : مَن صَمتَ نجا . فعليك بالصدق ، ولا تخرجن من فمك كذبة أبداً . فقلت : يا رسول الله فما توبة الرجل الذي يكذب متعمداً ، قال : الإستغفار ، وصلوات الخمس يغسل ذلك .
يا أبا ذر : إياك والغِيبَة ، فان الغِيبة أشدّ من الزِنا . قلت : يا رسول الله ولمَ ذاك ، بابي أنت وأمي ؟ قال : لأن الرجل يزني ويتوب الى الله ، فيتوب الله عز وجل عليه ، والغِيبة لا تغفر حتى يغفرها صاحبها .
يا أبا ذر : سُباب المسلم فُسوق ، وقِتاله كفر ، وأكل لحمه من معاصي الله ، وحرمة ماله كحرمة دمه . قلت : يا رسول الله . وما الغيبة ؟ قال : ذِكرك أخاك بما يكره . قلت : يا رسول الله فمن كان فيه ذلك الذي ذكرته ؟ قال : إعلم انك اذا ذكرته بما هو فيه ، فقد اغتبته ! وان ذكرته بما ليس فيه ، فقد بهتَّه .
يا أبا ذر : من ذَبَّ عن أخيه المسلم المؤمنِ الغيبة ، كان حقَّاً على اللهِ جل ثناؤه أن يعتقه من النار .
يا أبا ذر : من اغتيب عنده أخوه المسلم ، وهو يستطيع نصره فَنَصره ، نصره الله عز وجل في الدنيا والآخرة ، وإن خذله وهو يستطيع نصره ، خذله الله في الدنيا والآخرة .
يا أبا ذر : صاحب النميمة لا يستريح من عذاب الله عز وجل في الآخرة .
يا أبا ذر : من كان ذا وجهين ولسانيين في الدنيا ، فهو ذو لسانيين في النار .
يا أبا ذر : المجلس بالأمانة ، وإفشاؤك سرَّ أخيك خيانة ، فاجتنب ذلك ، واجتنب مجلس العشيرة .
يا أبا ذر : تَعرض أعمال أهل الدنيا على الله عزَّ وجل من الجمعة الى الجمعة ، وفي كل يوم الاثنين والخميس ، فيغفر لكل عبد مؤمن ، إلا عبداً كانت بينه وبين أخيه شحناء ، فيقول : اتركوا أعمال هذين حتى يصطلحا .
يا أبا ذر : إياك ، وهجران أخيك ، فان العمل لا يُتَقبَّل مع الهجران ، فان كنت لا بد فاعلا فلا هجرة أكثر من ثلاثة أيام كملا . فمن مات فيها مهاجراً لأخيه ، كانت النار أولى به .
يا أبا ذر : من أحبَّ أن يَمثلَ له الرجال قياماً ، فليتبوأ مقعده من النار .
يا أبا ذر : من مات وفي قلبه مثقال ذرة من كبر ، لم يجد رائحة الجنة إلا أن يتوب قبل ذلك . فقال رجل : يا رسول الله ، ليعجبني الجمال حتى وددت أن علاَّقة سوطي ، وقبال نعلي حسن . فهل يرهب ذلك علي ؟ قال : كيف تجد قلبك ؟ قال : أجده عارفاً للحق مطمئنا اليه ، قال : ليس ذلك بالكبر . ولكنَّ الكبر أن تترك الحق وتتجاوز الى غيره ، وتنظر الى الناس ، ولا ترى أن أحداً عرضه كعرضك ولا دمه كدمك .
يا أبا ذر : أكثر من يدخل النار المتكبِّرون . فقال رجل : وهل ينجو من الكبر أحد يا رسول الله ؟ فقال : نعم ، من لبس الصوف ، وركب الحمار ، وحلب العنز ، وجالس المساكين .
يا أبا ذر : من حمل سلعته ، فقد برئ من الكبر ـ يعني ما يشتري من السوق .
يا أبا ذر : من جر ثوبه خُيلاء ، لم ينظر الله اليه يوم القيامة .
يا أبا ذر : أزِرَّة المؤمن الى أنصاف ساقيه ، ولا جناح فيما بينه وبين كعبيه .
يا أبا ذر : من رقَّع ذيله ، وخصف نعله ، وعفَّر وجهه ، فقد برء من الكبر .
يا أبا ذر : من كان له قميصان ، فليلبس أحدهما ، وليكس أخاه الآخر .
يا أبا ذر : سيكون ناس من أمتي يولدون في النعيم ، ويغذون به ، في همتهم ألوان الطعام والشراب ، ويمدحون بالقول ، أولئك شرار أمتي .
يا أبا ذر : من ترك لِبس الجَمال ـ وهو يقدر عليه ـ تواضعاً لله فقد كساه الله حُلَّة الكرامة .
يا أبا ذر : طوبى لِمن تواضع لله في غير منقصة ، وأذل نفسه في غير مسكنة ، وانفق مالا جمعه في غير معصية ، ورحم أهل الذلة والمسكنة ، وخالط أهل الفقه والحكمة ، طوبى لمن صَلحت سريرته ، وحسنت علانيته ، وعزَلَ عن الناس شرًّه . طوبى لمن عمل بعلمه ، وأنفق الفضل من ماله ، وأمسك الفضل من قوله .
يا أبا ذر : إلبس الخشن من اللباس ، والعتيق من الثياب ، لئلا يَجِدَ الفخر فيك مسلكا .
يا أبا ذر : يكون في آخر الزمان قوم يلبسون الصوف في صيفهم وشتائهم ، يرون الفضل لهم بذلك على غيرهم . أولئك تلعنهم ملائكة السموات والأرض .
يا أبا ذر : ألا أخبرك بأهل الجنة ؟ قلت : بلى يا رسول الله . قال : كل أشعث أغبر ذي طِمرين لا يؤبه له ، لو أقسم على الله لأبَرَّه .
تعليق