إنسانيّةٌ.. رفيعة
أن تَصنع إلى احدٍ معروفاً.. فتلك ممارسة إنسانية كريمة، تعني الكثير، وتُثمِر لك الكثير. والتعوّد على بذل المعروف للآخرين في شتّى الظروف يُنمّي في داخل فاعلِه مَلَكةً إنسانيةً رفيعة يحبّها الله سبحانه، إلى جوار ما يحظى به المرءُ من محبّة في القلوب ومنزلة في بيئته الاجتماعية.
وللمعروف ـ في توجيهات النبيّ وأهل بيته الطاهرين عليهم السّلام ـ موقع خاصّ، دعوةً إليه وحثّاً عليه. إنّه من وسائل تدعيم الروابط وإشاعة روح الخير، والخروج من إطار الذات الفردية إلى الذات العامّة.. وفي هذا من الاقتراب من الله تعالى ما لا يَخفى. وله من المثوبة عند الله شأن متميّز. في هذا السياق نقرأ قول الإمام الحسين عليه السّلام: إذا كان يومُ القيامة نادى مُنادٍ: أيّها الناس، مَن كان له على الله أجرٌ فَلْيَقُم؛ فلا يقوم إلاّ أهلُ المعروف.
* * *
وفي تعبيرٍ جماليّ مُحبَّب يرسم الإمامُ الحسين عليه السّلام ـ في حديث آخر ـ صورةً حسيّة لهذا المعروف، فإذا هو كائن يَقطُر حُسناً وبهاء نتمنّى أن يكون لنا مثله. يقول عليه السّلام: اعلَموا أنّ المعروف مُكسِبٌ حمداً ومُعقِبٌ أجراً، فلو رأيتم المعروفَ رجُلاً لرأيتموه حَسَناً جميلاً يَسُرّ الناظرين ويفوقُ العالَمين.
ويدعونا أمير المومنين عليّ عليه السّلام إلى اصطناع المعروف وفعله رغم العوائق والمنفِّرات التي يواجهنا بها مَن نُسدي له معروفاً. نستمع إلى التوجيه العلَويّ الحكيم: إنّما المعروف زَرعٌ من أنمى الزرع، وكنز من أفضل الكنوز، فلا يُزَهِّدَنَّكَ في المعروف كفرُ مَن كَفَره، ولا جُحودُ مَن جَحَده؛ فإنّه قد يشكرك عليه مَن يسمع منك فيه.
وهناك توجيهٌ آخَرُ مهمّ، يتّصل بصانع المعروف وبمن صُنع إليه، فكيف ينظر المرء إلى معروفه ؟ وماذا يفعل المصنوع إليه ؟ هذه النقطة من التعامل الأخلاقي يُجلّيها تعليم رائع لأمير المؤمنين عليه السّلام قال فيه: إذا صُنع إليك معروف فاذكُرْ، إذا صنعتَ معروفاً فآنْسَه. وقال أيضاً: مِلاك المعروف تَركُ المَنّ به.
وليذكر فاعلُ المعروف أنّه هو محتاجٌ إلى فعله اكثر ممّن أُسدِيَ إليه. وهذا ما نتعلّمه من عبارة نوريّة للإمام الجواد عليه السّلام: أهل المعروف إلى اصطناعه أحوَجُ من أهل الحاجة إليه؛ لأنّ لهم أجرَه وفخرَه وذِكره، فمهما اصطنع الرجل من معروفٍ فإنّما يبدأ فيه بنفسه، فلا يَطلُبنَّ شُكرَ ما صنعَ إلى نفسِه، مِن غيره.
وأخيراً مع هذا الأفق الإنسانيّ النبيل الذي ينشره الإمام الحسين عليه السّلام. قال له رجل: إن المعروف إذا أُسديَ إلى غير أهله ضاع، أجابه الإمام عليه السّلام: ليس كذلك، ولكنْ تكون الصَّنيعة مِثلَ وابِل المطر.. تُصيبُ البَرَّ والفاجر.
شبكة الامام الرضا عليه السلام
تعليق