ورث أئمّة أهل البيت عليهم السّلام عِلم رسول الله صلّى الله عليه وآله وحكمته، ولا عجب، فقد قال صلّى الله عليه وآله: أنا مدينة العِلم، وعليٌّ بابُها ؛ وقال: أنا مدينة الحكمة، وعليٌّ بابها . وكان أمير المؤمنين عليه السّلام يقول على المنبر: سَلُوني قبل أن تفقدوني ! وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: عليّ بن أبي طالب أعلم أمّتي وأقضاهم فيما اختلفوا فيه من بعدي .
وقد عُرف أئمّة أهل البيت عليهم السّلام أنّهم مُستغنون عن الكلّ، وأنّهم ما سُئلوا عن شيء فعجزوا عن الإجابة عنه جواباً شافياً صائباً مُنتزَعاً من كتاب الله عزّوجلّ وسنّة نبيّه الكريم.
ومن هؤلاء الأئمّة الأطهار الإمام محمّد بن عليّ التقيّ الجواد عليه السّلام، الذي خَلَف أباه الرضا عليه السّلام في منصب الإمامة، فظهر منه من الفضل والعلم ما أذعن له حتّى أعداؤه وحُسّاده.
ذلك الإمام الذي يكفينا في معرفة جلالة قدره وبركة وجوده قولُ أبيه الرضا عليه السّلام حين جيء إليه بأبي جعفر الجواد عليه السّلام وهو صغير، فقال: هذا المولود الذي لم يولد مولود أعظم بركةً على شيعتنا منه
رَشَحات من علوم الإمام الجواد عليه السّلام
• روى عليّ بن إبراهيم القمّي عن أبيه، قال: استأذن على أبي جعفر عليه السّلام قومٌ من أهل النواحي من الشيعة، فأذِن لهم، فدخلوا فسألوه في مجلسٍ واحد عن ثلاثين ألف مسألة ، فأجاب عليه السّلام وله عشر سنين .
• وسُئل الإمام الجواد عليه السّلام: أيجوز أن يُقال لله: إنّه شيء ؟
فقال: نعم. تُخرجه من الحدَّين: حدّ الإبطال، وحدّ التشبيه
الإمام الجواد عليه السّلام يفنّد أخباراً روّج لها ابن أكثم
• روي أن المأمون بعدما زوّج ابنته أمَّ الفضل أبا جعفر عليه السّلام، كان في مجلسٍ وعنده أبو جعفر عليه السّلام ويحيى بن أكثم وجماعة كثيرة. فقال له يحيى بن أكثم: ما تقول ـ يا ابن رسول الله ـ في الخبر الذي روي أنّه « نزل جبرئيل عليه السّلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: يا محمّد، إنّ الله عزّوجلّ يُقرئك السّلام ويقول لك: سَلْ أبا بكر هل هو عنّي راضٍ، فإنّي عنه راضٍ » ؟!
فقال أبو جعفر عليه السّلام:... يجب على صاحب هذا الخبر أن يأخذ مثال الخبر الذي قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله في حجّة الوداع: « قد كَثُرتْ علَيَّ الكذّابة وستكثر بعدي؛ فمن كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار؛ فإذا أتاكم الحديث عنّي فاعرِضوه على كتاب الله عزّوجلّ وسُنّتي؛ فما وافق كتابَ الله وسنّتي فخُذوا به، وما خالف كتابَ الله وسنّتي فلا تأخذوا به ». وليس يوافق هذا الخبرُ كتابَ الله؛ قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعَلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِن حَبْلِ الْوَرِيدِ فالله عزّوجلّ خَفِي عليه رضاء أبي بكر من سخطه حتّى سأل عن مكنون سرّه ؟! هذا مستحيلٌ في العقول.
ثمّ قال يحيى بن أكثم: وقد رُوي أنّ « مَثَل أبي بكر وعمر في الأرض كمَثَل جبرئيل وميكائيل في السماء »!
فقال عليه السّلام: وهذا أيضاً يجب أن يُنظَر فيه؛ لأنّ جبرئيل وميكائيل مَلَكان لله مُقرّبان لم يَعصيا اللهَ قطّ، ولم يُفارقا طاعته لحظةً واحدة؛ وهما ( يقصد أبا بكر وعمر ) قد أشركا بالله عزّوجلّ وإن أسلَما بعد الشِّرك، فكان أكثر أيّامهما الشِّرك بالله، فمحال أن يُشبّههما بهما.
قال يحيى: وقد روي أيضاً أنّهما « سيّدا كهول أهل الجنّة »، فما تقول فيه ؟
فقال عليه السّلام: وهذا الخبر مَحال أيضاً، لأنّ أهل الجنّة كلّهم يكونون شبّاناً ولا يكون فيهم كهل؛ وهذا الخبر وضعه بنو أُميّة لمضادّة الخبر الذي قاله رسول الله صلّى الله عليه وآله في الحسن والحسين عليهما السّلام بأنّهما سيّدا شباب أهل الجنّة.
فقال يحيى بن أكثم: وروي « أنّ عمر بن الخطّاب سراج أهل الجنّة »، فقال عليه السّلام: وهذا أيضاً محال؛ لأنّ في الجنّة ملائكة الله المقرّبين، وآدم ومحمّداً صلّى الله عليه وآله وجميع الأنبياء والمرسلين؛ لا تُضيء الجنّة بأنوارهم حتّى تُضيء بنور عمر ؟!
... فقال يحيى: قد روي أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قال: « لو لم أُبعَث لَبُعِث عمر »!
فقال ( الجواد ) عليه السّلام: كتابُ الله أصدَقُ من هذا الحديث. يقول اللهُ في كتابه وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُوحٍ فقد أخذ اللهُ ميثاقَ النبيّين، فكيف يُمكن أن يبدّل ميثاقه ؟!
وكلّ الأنبياء عليهم السّلام لم يُشركوا بالله طرفةَ عينٍ؛ فكيف يُبعَث بالنبوّة مَن أشرك وكان أكثر أيّامه مع الشرك بالله ؟! وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله: نُبِّئتُ وآدم بين الروح والجسد
شبكة الامام الرضا عليه السلام - بتصرف