التصدق بالخاتم من خلال تفاسير اهل السنة
(استيقنوها وجحدتها انفسهم)-القسم الاول
محسن وهيب عبد
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(*)إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (*) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 54،55، 56].
هذه الآيات تحذر من الارتداد وكأنه امر لا محالة واقع، وفي نفس الوقت تتفأل ان الله في حال الارتداد فالله تعالى سوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونه بدل عن المرتدين اشارة الى ما وصف به النبي علي عليه السلام في واقعة خيبر، حيث بعد تخاذل ابو بكر وعمر حين اعطاهم الرسول صلى الله عليه واله الراية في خيبر على التوالي ففروا وجبنوا وجبنوا اصحابهم عن فتح خيبر عندها قال الرسول قولته المشهورة في الحديث المتواتر المتفق عليه: (لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ »(1).
لذا فالآية ترسم الطريق للمؤمنين في حال حصول الارتداد عن دين الله القويم وتأمرهم بان وليهم علي عليه السلام بشخصه الموصوف من قبل الرسول صلى الله عليه واله وهو المعطي للصدقة في المسجد وحاله راكع وواقعة تلك الصدقة المشهودة التي لم تتكرر مع احد على الاطلاق بالرغم من محاولاتهم كما سيأتي بيانه.
ان هناك شبه اجماع لمفسري العامة ما عدا النواصب منهم لعنهم الله على ان هذه الايات نزلت في علي عليه السلام واليك توثيق البعض منها:
1- جاء في تفسير البحر المديد:
(وجملة: {وهم راكعون}: حال إن نزلت في عليّ رضي الله عنه (2).
2- وفي التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى:
((وهم راكعون)؛ قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه)(3).
3- وفي تفسير الدر المنثور (3/ 404)
((أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: « تصدَّق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل » من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال « وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال « نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته {إنما وليكم الله ورسوله والذين} إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد، جاء والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلا ذاك الراكع - لعلي بن أبي طالب - أعطاني خاتمه».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنما وليكم الله} الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية. نزلت في علي بن أبي طالب، تصدق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله))(4).
4- وفي الدر المنثور ايضا: (وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم يوحى إليه، فإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها، فأوقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وخفت أن يكون يوحى إليه، فاضطجعت بين الحية وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لئن كان منها سوء كان فيَّ دونه، فمكثت ساعة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الحمد لله الذي أتمَّ لعلي نعمه، وهيأ لعلي بفضل الله اياه ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائماً يصلي، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية))(5).
5- وفي تفسير الكشاف للزمخشري:
(أنها نزلت في عليٍّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه)(6).
6- وفي تفسير المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي:
(وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة، وأعطانيه وهو راكع، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، الله أكبر وتلا الآية على الناس.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقال مجاهد: نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع)(7).
7- وفي تفسير بحر العلوم للسمرقندي:
قال ابن عباس: وذلك أن بلالاً لما أذّن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس في المسجد يصلون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً؟» قال: نعم. قال: «مَاذَا»؟ قال: خاتم فضة. قال: «وَمَنْ أَعْطَاكَ»؟. قال: ذلك المصلي. قال: «فِي أيِّ حَالٍ أعْطَاكَ»؟ قال: أعطاني وهو راكع. فنظر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على «عبد الله بن سلام» {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ} يعني: يتصدقون في حال ركوعهم حيث أشار بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه، وهو في ركوعه)(8).
8- تفسير ابن أبي حاتم:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ أَبُو نُعَيْمٍ الأَحْوَلُ، ثنا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ:"تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ: " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(9).
9- وفي تفسير ابن كثير:
((وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب: أن هذه الآية نزلت فيه: [ذلك] أنه مر به سائل في حال ركوعه، فأعطاه خاتمه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سُوَيْد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب. (10)!
وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا الفضل بن دُكَيْن أبو نعيم الأحول، حدثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كُهَيْل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
وقال ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا غالب بن عبيد الله، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب، تَصَّدَق وهو راكع (11)
وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب.
ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية.
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي -وهو متروك(12)-عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟" قال: نعم. قال: "من؟" قال: ذلك (6) الرجل القائم. قال: "على أي حال أعطاكه؟" قال: وهو راكع، قال: "وذلك علي بن أبي طالب". قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}))(13).
10- وفي تفسير أبي السعود:
(ورُوي أنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكعٌ فطرح إليه خاتمه كأنه كان مرجاً في خِنْصَرِه غيرَ محتاجٍ في إخراجه إلى كثير عمل يؤدِّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعلِه رضي الله عنه، وفيه دلالة على أن صدقة التطوُّع تسمّى زكاةً {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين ءامَنُواْ} أُوثرَ الإظهارُ على أن يقال: ومن يتولَّهم رعايةً لما مر من نُكتةِ بيانِ أصالتِه تعالى في الولاية كما ينبىء عنه قوله تعالى: {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} حيث أضيفَ الحِزبُ إليه تعالى خاصة وهو أيضاً من باب وضْعِ الظاهِرِ موضعَ الضمير العائد إلى (من)، أي فإنهم الغالبون لكنهم جُعِلوا حزبَ الله تعالى تعظيماً لهم وإثباتاً لغَلَبتهم بالطريق البرهاني، كأنه قيل: ومن يتولَّ هؤلاء فإنهم حزبُ الله وحزبُ الله هم الغالبون)(14).
11- وفي تفسير الألوسي:
وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال: " أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وأن قومنا لما رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم خاتم من فضة، فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم، وأومأ إلى علي كرم الله تعالى وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أي حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية)(15).
12- وايضا في تفسير الألوسي:
(والآية عند معظم المحدثين نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه، والإمامية كما علمت يستدلون بها على خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل، وقد علمت منا ردّهم والحمد لله سبحانه ردّ كلام، وكثير من الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم يشير إلى القول بخلافته كرّم الله تعالى وجهه بعد الرسول عليه الصلاة والسلام بلا فصل أيضاً..)(16).
13- وفي تفسير البغوي:
((قال السدي: قوله: "والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، أراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه (17). وقال جوبير عن الضحاك في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} نزلت في المؤمنين، فقيل له: إن أناسا يقولون إنها نزلت في علي رضي الله عنه، فقال: هو من المؤمنين (18))(19).
وقول الامام الباقر عليه السلام هو من المؤمنين اي من كاملي الايمان وهم اهل البيت المطهرين صلوات الله عليه وفيه تورية ربما تقية.
وفي تفسير الخازن:
قيل إن هذه الآية نزلت وهم ركوع. وقيل: نزلت في شخص معين وهو علي بن أبي طالب. قال السدي: مر بعلي سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، فعلى هذا قال العلماء: العمل القليل في الصلاة لا يفسدها والقول بالعموم أولى وإن كان قد وافق وقت نزولها صدقة علي بن أبي طالب وهو راكع. ويدل على ذلك ما روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} من هم؟ فقال: المؤمنون، فقلت: إن ناساً يقولون هو علي، فقال: علي من الذين آمنوا(20).
14- مع الرازي في تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ}[[21]].
قال الرازي: ((وهذه الآية في حق علي، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقه، فهذه جملة الأقوال في هذه الآية. ثم يعلق: فيقول: ولنا في هذه الآية مقامات:
المقام الأول: أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض، وتقرير مذهبهم أن الذين أقرنا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي عليه السلام فنقول: (لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق) بدليل قوله {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم} إلى آخر الآيه وكلمة [من] في معرض الشرط للعموم، فهي تدل على أن كل من صار مرتداً عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبداً منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف))(22)انتهى كلام الرازي.
الرد على الرازي في دعواه الباطلة يتلخص بباسطة:
اولا- الرازي في ادعائه بان الآية تمنع تأثير الارتداد على الدين بقوم يأت بهم الله يحبهم ويحبونه وهذا الوصف مشخص من قبل الرسول صلى الله عليه واله يوم خيبر في علي عليه السلام حيث اعطاه الراية ليفتح الله على يديه؛ (يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله غير فرار) اي انه صلى الله عليه واله استبعد من فروا وهم عمر وابو بكر، فلا ينطبق الوصف كما يعلم الرازي تمام العلم الا على علي عليه السلام.
اما فعلته القوة لمنع تأثير الارتداد ليكون ذلك المنع لازما وجبريا كما فعلوا مع الشهيد مالك بن نويرة بعدما صلوا خلفه واستضافهم في بيته قتلوه وزنوا في زوجته واثفوا القدور براسه ورؤوس اصحابه مثلة حرمها الشرع.. اذا كان هذا مايقصده الرازي فلا غرابة فالله تعالى يقول (... الله لا يهدي القوم الظالمين).
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31].
القول بالجبر يعني نسبة القبح الى الله تعالى، فلا يصح ان يجبر الناس على الهدى ويثيبهم، ويجبر اخرين على الضلال ويعاقبهم، فالله عند الرازي وحسب ما يقول: يجب ان لايسمح بالارتداد والكفر، وعندما لا يفعل سبحانه وتعالى فمعناه ان كل المتسلطين على الناس ولو بالقوة والقهر مرضيين عند الله وهو مذهب وعاظ السلاطين كما عهدناه دوما. وقد زوروا السنة لهذا الغرض جاء في (المسند الجامع):
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ.))(23).
لاحظ التخبط والعفوية البلهاء ؛ فاذا كان الرسول صلى الله عليه واله يطلب من الناس ان يطيعوا الامراء وان ضرب ظهرك واخذ مالك، فكيف يتفق مع عدم سماح الله تعالى للارتداد والكفر والظلم وان الشرك لظلم عظيم!!
فقد صار الاسلام بموجب مذهب الرازي وغيره لا يسمح لأحد ان يكون على غير ما يشاء الحاكم مهما كان، وتبريراته في تفسير الايات على وفق هذا المبدأ تدل على عدم ورع ولا خوف من الله تعالى في التفسير وفق هذا المذهب وهو مذهب مخالف تماما لفحوى الرسل والرسالات على مر التاريخ البشري لانه مذهب يبطل الثواب والعقاب ولا معنى مطلقا لارسال الرسل وانزال الكتب فالظلم مرتب من الله وما على الناس الا القبول.
وفحوى الرسالات والرسل والانبياء هي بغض الظلم ونبذ الظالمين وعدم الركون اليهم وفق نموذج بشري معصوم هو الامام (لا ينال عهدي الظالمين).
الحق هو ان لا يترك الله سبحانه وتعالى الدنيا للمرتدين والطغاة والكافرين والمترفين فيصطفي رسلا من الناس والملائكة ويصطفي ذراري بعضها من بعض لينذر الناس ويبشرهم ويحذرهم من اتباع الطغاة والمرتدين وبعد البيان والوضوح فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
ثانيا- لا اظن ان الرازي نسي ان الآية التي احتج بها هي في سياق الآية التي نحن بصددها فهي الآية (54) لأنه يقول بصراحة نافيا الامر بقوله (فالأولى جعل ما قبلها في حقه)يقصد في حق علي عليه السلام، واعتقد جازما انه يريد ان يصدر القران على مزاجه، فالآية التي نحن بصددها هي الآية (55) وهي وما قبلها في سياق واحد وموضوع واحد ومن الصفاقة والسخف والتنكر للواقع والتاريخ ان يدعي انهما ليسا في حق علي عليه السلام وانها في حق ابي بكر وهو رجل بعيد عن كل مشخصات الآية في واقعتها وحال القائم بالفعل فيها!!.
فما قبلها كاملة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وهي دليل مباشر على ان الذين يرفضون ولاية الشخص الموصوف والمشخص بالآية وبما لا يمكن ان يكون غيره المنصوص المقصود بالآية هم مرتدون وهذا ما حصل فعلا في الواع وهذا هو مدعى الامامية متطابق تماما مع القران والواقع. وهو ما يخافه الرازي ويستميت بألف والدوران وعدم احترام العقل وقواعد المنطق السليم الذي لابد لمن يفسر كلام الله ان يحترم العقل ويراعي الله تعالى ولكن وكما نجد بقلة الورع الذي لابد للمفسر ان يتحلى به يحاول الرازي ان ينفي نزول الآية في حق علي عليه السلام بل ويحاول ان يجعلها في حق من لا يوجد وصف واحد من اوصاف من تريده الآية وتعنيه!!
ثالثا- ان التباهي بقهر اصحاب الحق بعد ان اقر هو بان قد يكون المقصود من الآية علي عليه السلام انما ذلك كفر وارتداد يفرضه سياق الآيتين وهو يعني الاملاء للكافرين حيث يقول الله تعالى: ({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].
ولا ادري كيف تبادر الى هذا المفسر تزين الشيطان واقحام الآية (54) في غير سياقها الذي جاءت به لتعطي معنى معاكس لما اراد الله تعالى من الآية.
رابعا – يصف الرازي الرافضة بالمقهورين دليلا على انهم اصحاب باطل في ادعائهم انها في حق علي عليه السلام.. والعجب متى كان القهر دليل على باطل المقهورين وفسقهم؟ اذا كان كل الانبياء كما يحكي القران مقهورين في مجتمعاتهم واكثر القاهرين ظالمين مرتدين كافرين؟
لاحظ كيف يقود الحقد الاعمى كبار المفسرين الى السقوط في مهاوي الفتنة مع الاسف.
خامسا- العجب كيف تجرء الرازي على الله ورسوله بهذا الاستدلال السخيف الهابط حيث لا منطق ولا مرتكز عقلي صحيح يستند عليه، وهو يعلم جيدا ان الروافض وائمتهم الذين قضوا كلهم شهداء؛ انما استشهدوا لأنهم رفضوا وحاربوا المرتدين ولا زالوا الى الان والى قيام يوم الدين، والرازي يعلم ايضا علم اليقين ان علي عليه السلام هو خاصف النعل(24) يحارب على التاؤيل كما حارب الرسول صلى الله عليه واله على التنزيل كما تذكره كل كتب صحاحهم، وان عمار الرافضي تقتله الفئة الباغية وقد قتلته(25)!، فويل للرازي من الاصطفاف مع الفئة الباغية نسال الله تعالى ان يحشره مع من اصطف معهم ظلما والرسول صلى الله عليه واله يقول المر مع من يحب. فقد جاء في أخبار مكة للفاكهي:
(لو أن رجلا قام الليل وصام النهار وذبح بين الركن، والمقام، لم يبعث يوم القيامة إلا مع من يحب، بالغا ما بلغ، إن جنة فجنة، وإن نارا فنار)(26).
سادسا- قديما وحديثا وغدا ودوما فان الروافض وحدهم وليس غيرهم على الاطلاق في حالة حرب ضروس مع الانقلابيين والمرتدين ولم يكلوا ولم يملوا من تلك الحرب. ولذا سميتهم انت وامثالك من المدعين للعلم روافضا لماذا؟
فلو لم يكونوا رفضوا المرتدين وهادنوا وباعوا دينهم بدنياهم، هل تسمونهم روافض؟ وهل من سبب لهذه التسمية غير رفضهم الانقلابيين المرتدين على الاسلام يوم السقيفة؟؟؟؟
سابعا- والله العظيم؛ لولا من يسميهم الرازي وامثاله من المرتزقة مدعي العلم بالروافض الذين يحبهم الله ويحبونه الذين لزموا دين الله وحصنوه بالولاية لعلي عليه السلام واطاعوا امر الله بولاية المتصدق وهو راكع ؛ لكان الدين ليس الا دين معاوية بن هند، ومروان بن الزرقاء الوزغ بن الوزغ، وزياد بن سمية وعمرو بن النابغة، ويزيد بن ميسون، وغيرهم من ابناء فتيات قريش ذوات الرايات الحمر، وبالرغم من ادعاء اعداء ال البيت الطاهرين المطهرين العلم، فقد اخزاهم الله تعالى بولاية المرتدين الطغاة الذين احالوا رسالة السماء الى ملك عضوض يتوارثه ابنا فتيات قريش من ذوات الرايات الحمر، وسوف يقودونكم انشاء الله تعالى الى النار فهم ائمتكم والله تعالى يقول: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (27).
وانت ايها الرازي تفتخر بانكم قاهرون وان الروافض مقهورون، الا ترى ان الفراعنة قاهرون: وفرعون {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [[28]]، حشرك الله مع القاهرين.
ثامنا- والدليل المباشر الذي لا ينكره احد لأنه يجسد واقع البشرية اليوم قيام الفكر الانقلابي السلفي التكفيري القاهر، وهو امتداد الفكر المرتد الانقلابي ككيان حقيقي لاصطباغ دنيا الناس بالدم والذبح والتفجير والتمثيل بالضحايا باسم الاسلام.. الاسلام الذي مهد له الرازي وامثاله من الظالمين.
قد يكون وصف الرازي للروافض بالمقهورين صحيح فهم غدا واليوم يعانون القهر لتسلط المرتدين الملعونين على لسان الله ورسوله.
فالروافض يقفون وحدهم في كل زمان ومكان يحاربون امس ابناء فتيات قريش ذوات الرايات الحمر واليوم داعش والقاعدة بصدق، وهم يقدمون القرابين لوجه الله ودينه القويم متفردين في هذا العالم.
تاسعا- عدم احترام الرازي وأمثاله لعقوله وتضليله اتباعه يأتي وفقا لغياب توفيق الله عنهم فالله تعالى يقول: (فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين)(29)، فليس للظالم ان يطمع في هداية الله مطلقا (الله لا يهدي القوم الظالمين)(30).
عاشرا- سنة النبي صلى الله عليه واله تفسر القران. فلماذا يهمل اختصاص الولاية الواضح والحصري (انما وليكم) في هذه الآية وفي حديث الغدير(من كنت مولاه فعلي مولاه) واحاديث كثيرة اخرى بشخص واحد هو ؛ علي عليه السلام، والرازي يذكر تلك الاحاديث ويصححها في مواضعها من تفسيره.
فقد جاء في تفسير الرازي (6/ 113) قوله في تفسير الآية: (يلغ ما انزل اليك من ربك... الآية) قال:
(نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه " فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي)!!؟؟.
حادي عشر- وبالرغم من ان الآية تشير الى واقعة مشخصة ومحددة وتصف حال الولي بانه تصدق وهو راكع وبما لا يمكن ان يشتبه على احد انها تشير الى احد غيره، وبالرغم من شبه اجماع على انها نزلت في علي عليه السلام إلا ان الرازي وبصفاقة معيبة، وحيود مذل؛ يقول انها انها نزلت في ابي بكر!.. لماذا؟
لانه – كما يدعي الرازي-: ابا بكر حارب المرتدين، مع ان حرب المرتدين حصلت بعد نزول الآية بسنين، ولان الآية في سياقها الذي انكره في رفضه لنزولها في علي تتحدث عن المرتدين، فاذا اعترف بان السياق في الآيتين واحد فلماذا يقولوهذه الآية في حق علي، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقه) فهو الاولى وهو كذلك، ولكنك لاتحترم عقلك وليس لك ورع يصدك عن التلاعب في كتاب الله ايها الرازي.
14- وايضا في تفسير الرازي:ج6: ص: 87- 88
(القول الثاني: أن المراد من هذه الآية شخص معين، وعلى هذا ففيه أقوال: روى عكرمة أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه. والثاني: روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
روي أن عبدالله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع، فنحن نتولاه.
وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: الّلهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أعطاني أحد شيئاً، وعلي عليه السلام كان راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
« الّلهم إن أخي موسى سألك » فقال: {رَبّ اشرح لِى صدري} إلى قوله {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِى} [[31]] فأنزلت قرآناً ناطقاً {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} [[32]] الّلهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري.
قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال: يا محمد إقرأ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} إلى أخرها، فهذا مجموع مع يتعلق بالروايات في هذه المسألة.
المسألة الثانية: قالت الشيعة: هذه الآية دالة على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن ابي طالب، وتقريره، أن نقول: هذه الآية دالة على أن المراد بهذه الآية إمام، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن ابي طالب.
بيان المقام الأول: أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب، كما في قوله {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [[33]] وجاء بمعنى المتصرف. قال عليه الصلاة والسلام: « أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها » فنقول: ههنا وجهان: الأول: أن لفظ الولي جاء بهذين المعنيين ولم يعين الله مراده، ولا منافاة بين المعنيين، فوجب حمله عليهما، فوجب دلالة الآية على أن المؤمنين المذكورين في الآية متصرفون في الأمة. الثاني: أن نقول: الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر، فوجب أن يكون بمعنى المتصرف، وإنما قلنا: إنه لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر، لأن الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة في كل المؤمنين، بدليل أنه تعالى ذكر بكلمة {إِنَّمَا} وكلمة [ إنما ] للحصر، كقوله: {إِنَّمَا الله إله واحد} [ النساء: 171 ] والولاية بمعنى النصرة عامة لقوله {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} وهذا يوجب القطع بأن الولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة، وإذا لم تكن بمعنى النصرة كانت بمعنى التصرف، لأنه ليس للولي معنى سوى هذين، فصار تقدير الآية: إنما المتصرف فيكم أيها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية، وهذا يقتضي أن المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه لآية متصرفون في جميع الأمة، ولا معنى للإمام إلا الإنسان الذي يكون متصرفاً في كل الأمة، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن الشخص المذكور فيها يجب أن يكون إمام الأمة.
أما بيان المقام الثاني: وهو أنه لما ثبت ما ذكرنا وجب أن يكون ذلك الإنسان هو علي بن ابي طالب، وبيانه من وجوه:
الأول: أن كل من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال: إن ذلك الشخص هو علي، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على إمامة شخص، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو علي، ضرورة أنه لا قائل بالفرق.
الثاني: تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق علي، ولا يمكن المصير إلى قول من يقول: إنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته، وأجمعت الأمة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته، فبطل هذا القول، والثالث: أن قوله {وَهُمْ رَاكِعُونَ} لا يجوز جعله عطفاً على ما تقدم، لأن الصلاة قد تقدمت، والصلاة مشتملة على الركوع، فكانت إعادة ذكر الركوع تكراراً، فوجب جعله حالاً أي يؤتون الزكاة حال كونهم راكعين، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن إلا في حق علي، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على إمامة علي عليه السلام.انتهى.
وهكذا بقي الرازي يلف ويدور صفحات كثيرة لكي يصرفها عن اجماع المفسرين في علي عليه السلام ليخلص انها اما في علي او في ابا بكر! مع ان ابا بكر لاموضوع اي لا موصوف ولا مشخص ولا محمول ولا مقدمة ولا نتيجة ولا منصوص عليه ولا مختار او مصطفى ولا من الذرية التي بعضها من بعض الا انه اقحام من الرازي لينقذ نفسه وغيره من الارتداد لانه وكما يقول هو: ان صحت الآية في علي عليه السلام فالمتخلفون من بعد النبي مرتدين، ويظن انه بهذا اللف والدوران سينقذ المرتدين من باس الله تعالى.
15- تفسير الطبري:
جاء فيه(حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
وقال: حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وقال: حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع))(34)
16- تفسير اللباب لابن عادل:
(قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والسُّديُّ - رحمه الله -: قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ}، أراد به على بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرَّ به سَائِلٌ وهو رَاكِعٌ في المَسْجِد فأعطاه خاتمه، وقال جُوَيْبِر عن الضَّحَّاك في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} [ قال: هم المُؤمِنُون بعضهم أوْلِيَاء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي البَاقِر: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} نزلت ] في المُؤمنين، فقيل له: إن ناساً يقولون: إنَّها نزلت في عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال: هو من المُؤمنين)(35).
وقد مرّ معنا معنى هذه التورية من الامام الباقر ان صح النقل.
17- تفسير النسفي:
{وَيُؤْتُونَ الزكواة}. والواو في {وَهُمْ راكعون} للحال أي يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة. قيل: إنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته. وورد بلفظ الجمع وإن كان السبب فيه واحداً ترغيباً للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه. والآية تدل على جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أن الفعل القليل لا يفسد الصلاة)(36).
18- تفسير النيسابوري:
(القول الثاني أن المراد شخص معين وجيء به على لفظ الجمع ليرغب الناس في مثل فعله. ثم إن ذلك الشخص من هو؟ روى عكرمة أنه أبو بكر وروى عطاء عن ابن عباس أنه علي عليه السلام. روي أن عبد الله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه. وروي عن أبي ذر أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء. وقال: اللهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول فما أعطاني أحد شيئاً وعليّ عليه السلام كان راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « اللهم إن أخي موسى سألك فقال: {رب اشرح لي صدري} إلى قوله: {وأشركه في أمري} [ طه: 25، 32 ] فأنزلت قرآناً ناطقاً {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً} [ القصص: 35 ] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به أزري » قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال: يا محمد اقرأ {إنما وليكم الله} الآية. فاستدلت الشيعة بها على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الولي هو الوالي المتصرف في أمور الأمة، وأنه علي عليه السلام برواية أبي ذر وغيره)(37).
19- تفسير مقاتل (1/ 405):
(وقوله سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} [ آية: 55 ]، وذلك أن عبدالله بن سلام وأصحابه قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة الأولى: إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل الإسلام، ولا يكلموننا، ولا يخالطوننا فى شئ، ومنازلنا فيهم، ولا نجد متحدثاً دون هذا المسجد، فنزلت هذه الآية، فقرأها النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وجعل الناس يصلون تطوعاً بعد المكتوبة، وذلك فى صلاة الأولى.
« وخرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى باب المسجد، فإذا هو بمسكين قد خرج من المسجد، وهو يحمد الله عز وجل، فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: » هل أعطاك أحد شيئاً؟ «، قال: نعم يا نبى الله، قال: » من أعطاك؟ «، قال: الرجل القائم أعطانى خاتمه، يعنى على بن أبى طالب، رضوان الله عليه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: » على أى حال أعطاكه؟ «، قال: أعطانى وهو راكع، فكبر النبى صلى الله عليه وسلم، وقال: » الحمد لله الذى خص عليّاً بهذه الكرامة «، فأنزل الله عز وجل: {والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ}، يعنى على بن أبى طالب، رضى الله عنه، {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} [ آية: 56 ]، يعنى شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، فبدأ بعلى بن أبى طالب، رضى الله عنه، قبل المسلمين، ثم جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين، فيهم عبدالله بن سلام وغيره هم الغالبون لليهود، حين قتلوهم وأجلوهم من المدينة إلى الشام وأذرعات وأريحا)(38).
20- مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل:
وقال السدي: قوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ}{الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} أراد به: علي بن أبي طالب رضي الله عنه)(39).
21- تفسير القرطبي:
أن سائلا سأل في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يعطه أحد شيئا وكان علي بن الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه قال الكيا الطبري: وهذا يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة فإن التصدق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة وقوله: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة فإن عليا تصدق بخاتمه في الركوع وهو نظير قوله تعالى: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} [ الروم: 39 ] وقد انتظم الفرض والنفل وفصار اسم الزكاة للفرض والنفل كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين
قلت: فالمراد على هذا بالزكاة التصدق بالخاتم وحمل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد لأن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول سورة البقرة وأيضا فإن قبله يقيمون الصلاة ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاتها بجميع حقوقها والمراد صلاة الفرض ثم قال: وهم راكعون أي النفل وقيل: أفرد الركوع بالذكر تشريفا وقيل: المؤمنون وقت نزول الآية كانوا بين متم للصلاة وبين راكع وقال ابن خويز منداد قوله تعالى: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة وذلك أن هذا خرج مخرج المدح وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحا وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئا وهو في الصلاة وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوع وذلك أنه مكروه في الفرض ويحتمل أن يكون المدح متوجها على اجتماع حالتين كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة فعبر عن الصلاة بالركوع وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل كما تقول: المسلمون هم المصلون ولا تريد أنهم في تلك الحال مصلون ولا يوجه المدح حال الصلاة فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده)(40).
22- تفسير الأعقم - زيدي:
{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} نزلت في علي (عليه السلام) حين تصدق بخاتمه وهو راكع في صلاته حين سأله سائل فطرح إليه بخاتمه ذكره في الحاكم والثعلبي والكشاف، قال جار الله: عقب النهي عن موالاة من يحب معاداته وذكر من يحب موالاته، بقوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} ومعناه إنما وجوب اختصاصهم بالموالاة، فإن قلت: كيف يصح أن يكون لعلي واللفظ لجماعة؟ قلت: جيئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً للترغيب في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه قال في تفسير الثعلبي: قال أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين وإلا فصمَّتَا ورأيته بهاتين والا فَعَمِيتَا يقول: « علي قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله » أما اني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً من الأيام فسأله سائل في المسجد فلم يعطه شيئاً وعلي (عليه السلام) كان راكعاً فأومى اليه بخنصره، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره فنزل فيه {إنما وليكم الله} الآية {فإن حزب الله هم الغالبون} الحزب القوم يجتمعون لأمر وأراد بحزب الله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون ويكون المعنى من يتولهم فقد تولى حزب الله واعتضد بمن لا يغالب(41).
يتبع
(استيقنوها وجحدتها انفسهم)-القسم الاول
محسن وهيب عبد
قال الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ(*)إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (*) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} [المائدة: 54،55، 56].
هذه الآيات تحذر من الارتداد وكأنه امر لا محالة واقع، وفي نفس الوقت تتفأل ان الله في حال الارتداد فالله تعالى سوف يأتي بقوم يحبهم ويحبونه بدل عن المرتدين اشارة الى ما وصف به النبي علي عليه السلام في واقعة خيبر، حيث بعد تخاذل ابو بكر وعمر حين اعطاهم الرسول صلى الله عليه واله الراية في خيبر على التوالي ففروا وجبنوا وجبنوا اصحابهم عن فتح خيبر عندها قال الرسول قولته المشهورة في الحديث المتواتر المتفق عليه: (لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ »(1).
لذا فالآية ترسم الطريق للمؤمنين في حال حصول الارتداد عن دين الله القويم وتأمرهم بان وليهم علي عليه السلام بشخصه الموصوف من قبل الرسول صلى الله عليه واله وهو المعطي للصدقة في المسجد وحاله راكع وواقعة تلك الصدقة المشهودة التي لم تتكرر مع احد على الاطلاق بالرغم من محاولاتهم كما سيأتي بيانه.
ان هناك شبه اجماع لمفسري العامة ما عدا النواصب منهم لعنهم الله على ان هذه الايات نزلت في علي عليه السلام واليك توثيق البعض منها:
1- جاء في تفسير البحر المديد:
(وجملة: {وهم راكعون}: حال إن نزلت في عليّ رضي الله عنه (2).
2- وفي التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزى:
((وهم راكعون)؛ قيل نزلت في علي بن أبي طالب رضي الله عنه فإنه سأله سائل وهو راكع في الصلاة فأعطاه خاتمه)(3).
3- وفي تفسير الدر المنثور (3/ 404)
((أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: « تصدَّق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للسائل » من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله (إنما وليكم الله ورسوله).
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس في قوله {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية. قال: نزلت في علي بن أبي طالب.
وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال « وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع، فنزع خاتمه فأعطاه السائل، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلمه ذلك، فنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ثم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ».
وأخرج أبو الشيخ وابن مردويه عن علي بن أبي طالب قال « نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته {إنما وليكم الله ورسوله والذين} إلى آخر الآية. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل المسجد، جاء والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم يصلي، فإذا سائل فقال: يا سائل، هل أعطاك أحد شيئاً؟ قال: لا، إلا ذاك الراكع - لعلي بن أبي طالب - أعطاني خاتمه».
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنما وليكم الله} الآية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله {إنما وليكم الله ورسوله...} الآية. نزلت في علي بن أبي طالب، تصدق وهو راكع.
وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله))(4).
4- وفي الدر المنثور ايضا: (وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال « دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو نائم يوحى إليه، فإذا حية في جانب البيت، فكرهت أن أبيت عليها، فأوقظ النبي صلى الله عليه وسلم، وخفت أن يكون يوحى إليه، فاضطجعت بين الحية وبين النبي صلى الله عليه وسلم، لئن كان منها سوء كان فيَّ دونه، فمكثت ساعة فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} الحمد لله الذي أتمَّ لعلي نعمه، وهيأ لعلي بفضل الله اياه ».
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائماً يصلي، فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه، فنزلت هذه الآية))(5).
5- وفي تفسير الكشاف للزمخشري:
(أنها نزلت في عليٍّ كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه)(6).
6- وفي تفسير المحرر الوجيز لابن عطية المحاربي:
(وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة، وأعطانيه وهو راكع، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، الله أكبر وتلا الآية على الناس.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقال مجاهد: نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع)(7).
7- وفي تفسير بحر العلوم للسمرقندي:
قال ابن عباس: وذلك أن بلالاً لما أذّن، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس في المسجد يصلون بين قائم وراكع وساجد، فإذا هو بمسكين يسأل الناس، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «هَلْ أَعْطَاكَ أَحَدٌ شَيْئاً؟» قال: نعم. قال: «مَاذَا»؟ قال: خاتم فضة. قال: «وَمَنْ أَعْطَاكَ»؟. قال: ذلك المصلي. قال: «فِي أيِّ حَالٍ أعْطَاكَ»؟ قال: أعطاني وهو راكع. فنظر، فإذا هو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم على «عبد الله بن سلام» {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ} يعني: يتصدقون في حال ركوعهم حيث أشار بخاتمه إلى المسكين حتى نزع من أصبعه، وهو في ركوعه)(8).
8- تفسير ابن أبي حاتم:
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الأَشَجُّ، ثنا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنِ أَبُو نُعَيْمٍ الأَحْوَلُ، ثنا مُوسَى بْنُ قَيْسٍ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، قَالَ:"تَصَدَّقَ عَلِيٌّ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ، فَنَزَلَتْ: " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ، وَيُؤْتَوْنَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(9).
9- وفي تفسير ابن كثير:
((وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرًا عن علي بن أبي طالب: أن هذه الآية نزلت فيه: [ذلك] أنه مر به سائل في حال ركوعه، فأعطاه خاتمه. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع بن سليمان المرادي، حدثنا أيوب بن سُوَيْد، عن عتبة بن أبي حكيم في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب. (10)!
وحدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا الفضل بن دُكَيْن أبو نعيم الأحول، حدثنا موسى بن قيس الحضرمي، عن سلمة بن كُهَيْل قال: تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
وقال ابن جرير: حدثني الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا غالب بن عبيد الله، سمعت مجاهدًا يقول في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب، تَصَّدَق وهو راكع (11)
وقال عبد الرزاق: حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد، عن أبيه، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية: نزلت في علي بن أبي طالب.
ورواه ابن مَرْدُويه، من طريق سفيان الثوري، عن أبي سِنان، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: كان علي بن أبي طالب قائمًا يصلي، فمر سائل وهو راكع، فأعطاه خاتمه، فنزلت: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} الآية.
وروى ابن مَرْدُويه أيضًا عن طريق محمد بن السائب الكلبي -وهو متروك(12)-عن أبي صالح، عن ابن عباس قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد، والناس يصلون، بين راكع وساجد وقائم وقاعد، وإذا مسكين يسأل، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أعطاك أحد شيئًا؟" قال: نعم. قال: "من؟" قال: ذلك (6) الرجل القائم. قال: "على أي حال أعطاكه؟" قال: وهو راكع، قال: "وذلك علي بن أبي طالب". قال: فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك، وهو يقول: {وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}))(13).
10- وفي تفسير أبي السعود:
(ورُوي أنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكعٌ فطرح إليه خاتمه كأنه كان مرجاً في خِنْصَرِه غيرَ محتاجٍ في إخراجه إلى كثير عمل يؤدِّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعلِه رضي الله عنه، وفيه دلالة على أن صدقة التطوُّع تسمّى زكاةً {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين ءامَنُواْ} أُوثرَ الإظهارُ على أن يقال: ومن يتولَّهم رعايةً لما مر من نُكتةِ بيانِ أصالتِه تعالى في الولاية كما ينبىء عنه قوله تعالى: {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} حيث أضيفَ الحِزبُ إليه تعالى خاصة وهو أيضاً من باب وضْعِ الظاهِرِ موضعَ الضمير العائد إلى (من)، أي فإنهم الغالبون لكنهم جُعِلوا حزبَ الله تعالى تعظيماً لهم وإثباتاً لغَلَبتهم بالطريق البرهاني، كأنه قيل: ومن يتولَّ هؤلاء فإنهم حزبُ الله وحزبُ الله هم الغالبون)(14).
11- وفي تفسير الألوسي:
وغالب الأخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه، فقد أخرج الحاكم وابن مردويه وغيرهما عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بإسناد متصل قال: " أقبل ابن سلام ونفر من قومه آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله إن منازلنا بعيدة وليس لنا مجلس ولا متحدث دون هذا المجلس وأن قومنا لما رأونا آمنا بالله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وصدقناه رفضونا وآلوا على نفوسهم أن لا يجالسونا ولا يناكحونا ولا يكلمونا فشق ذلك علينا، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: إنما وليكم الله ورسوله، ثم إنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى المسجد والناس بين قائم وراكع فبصر بسائل فقال: هل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: نعم خاتم من فضة، فقال: من أعطاكه؟ فقال: ذلك القائم، وأومأ إلى علي كرم الله تعالى وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: على أي حال أعطاك؟ فقال: وهو راكع، فكبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم تلا هذه الآية)(15).
12- وايضا في تفسير الألوسي:
(والآية عند معظم المحدثين نزلت في عليّ كرّم الله تعالى وجهه، والإمامية كما علمت يستدلون بها على خلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا فصل، وقد علمت منا ردّهم والحمد لله سبحانه ردّ كلام، وكثير من الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم يشير إلى القول بخلافته كرّم الله تعالى وجهه بعد الرسول عليه الصلاة والسلام بلا فصل أيضاً..)(16).
13- وفي تفسير البغوي:
((قال السدي: قوله: "والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، أراد به علي بن أبي طالب رضي الله عنه، مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه (17). وقال جوبير عن الضحاك في قوله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} قال: هم المؤمنون بعضهم أولياء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي الباقر: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا} نزلت في المؤمنين، فقيل له: إن أناسا يقولون إنها نزلت في علي رضي الله عنه، فقال: هو من المؤمنين (18))(19).
وقول الامام الباقر عليه السلام هو من المؤمنين اي من كاملي الايمان وهم اهل البيت المطهرين صلوات الله عليه وفيه تورية ربما تقية.
وفي تفسير الخازن:
قيل إن هذه الآية نزلت وهم ركوع. وقيل: نزلت في شخص معين وهو علي بن أبي طالب. قال السدي: مر بعلي سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، فعلى هذا قال العلماء: العمل القليل في الصلاة لا يفسدها والقول بالعموم أولى وإن كان قد وافق وقت نزولها صدقة علي بن أبي طالب وهو راكع. ويدل على ذلك ما روي عن عبد الملك بن سليمان قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عن هذه الآية {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} من هم؟ فقال: المؤمنون، فقلت: إن ناساً يقولون هو علي، فقال: علي من الذين آمنوا(20).
14- مع الرازي في تفسير قوله تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكواة وَهُمْ رَاكِعُونَ}[[21]].
قال الرازي: ((وهذه الآية في حق علي، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقه، فهذه جملة الأقوال في هذه الآية. ثم يعلق: فيقول: ولنا في هذه الآية مقامات:
المقام الأول: أن هذه الآية من أدل الدلائل على فساد مذهب الإمامية من الروافض، وتقرير مذهبهم أن الذين أقرنا بخلافة أبي بكر وإمامته كلهم كفروا وصاروا مرتدين، لأنهم أنكروا النص الجلي على إمامة علي عليه السلام فنقول: (لو كان كذلك لجاء الله تعالى بقوم يحاربهم ويقهرهم ويردهم إلى الدين الحق) بدليل قوله {من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم} إلى آخر الآيه وكلمة [من] في معرض الشرط للعموم، فهي تدل على أن كل من صار مرتداً عن دين الإسلام فإن الله يأتي بقوم يقهرهم ويردهم ويبطل شوكتهم، فلو كان الذين نصبوا أبا بكر للخلافة كذلك لوجب بحكم الآية أن يأتي الله بقوم يقهرهم ويبطل مذهبهم، ولما لم يكن الأمر كذلك بل الأمر بالضد فإن الروافض هم المقهورون الممنوعون عن إظهار مقالاتهم الباطلة أبداً منذ كانوا علمنا فساد مقالتهم ومذهبهم، وهذا كلام ظاهر لمن أنصف))(22)انتهى كلام الرازي.
الرد على الرازي في دعواه الباطلة يتلخص بباسطة:
اولا- الرازي في ادعائه بان الآية تمنع تأثير الارتداد على الدين بقوم يأت بهم الله يحبهم ويحبونه وهذا الوصف مشخص من قبل الرسول صلى الله عليه واله يوم خيبر في علي عليه السلام حيث اعطاه الراية ليفتح الله على يديه؛ (يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله غير فرار) اي انه صلى الله عليه واله استبعد من فروا وهم عمر وابو بكر، فلا ينطبق الوصف كما يعلم الرازي تمام العلم الا على علي عليه السلام.
اما فعلته القوة لمنع تأثير الارتداد ليكون ذلك المنع لازما وجبريا كما فعلوا مع الشهيد مالك بن نويرة بعدما صلوا خلفه واستضافهم في بيته قتلوه وزنوا في زوجته واثفوا القدور براسه ورؤوس اصحابه مثلة حرمها الشرع.. اذا كان هذا مايقصده الرازي فلا غرابة فالله تعالى يقول (... الله لا يهدي القوم الظالمين).
قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا وَلَا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيبًا مِنْ دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [الرعد: 31].
القول بالجبر يعني نسبة القبح الى الله تعالى، فلا يصح ان يجبر الناس على الهدى ويثيبهم، ويجبر اخرين على الضلال ويعاقبهم، فالله عند الرازي وحسب ما يقول: يجب ان لايسمح بالارتداد والكفر، وعندما لا يفعل سبحانه وتعالى فمعناه ان كل المتسلطين على الناس ولو بالقوة والقهر مرضيين عند الله وهو مذهب وعاظ السلاطين كما عهدناه دوما. وقد زوروا السنة لهذا الغرض جاء في (المسند الجامع):
((قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ، قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ.))(23).
لاحظ التخبط والعفوية البلهاء ؛ فاذا كان الرسول صلى الله عليه واله يطلب من الناس ان يطيعوا الامراء وان ضرب ظهرك واخذ مالك، فكيف يتفق مع عدم سماح الله تعالى للارتداد والكفر والظلم وان الشرك لظلم عظيم!!
فقد صار الاسلام بموجب مذهب الرازي وغيره لا يسمح لأحد ان يكون على غير ما يشاء الحاكم مهما كان، وتبريراته في تفسير الايات على وفق هذا المبدأ تدل على عدم ورع ولا خوف من الله تعالى في التفسير وفق هذا المذهب وهو مذهب مخالف تماما لفحوى الرسل والرسالات على مر التاريخ البشري لانه مذهب يبطل الثواب والعقاب ولا معنى مطلقا لارسال الرسل وانزال الكتب فالظلم مرتب من الله وما على الناس الا القبول.
وفحوى الرسالات والرسل والانبياء هي بغض الظلم ونبذ الظالمين وعدم الركون اليهم وفق نموذج بشري معصوم هو الامام (لا ينال عهدي الظالمين).
الحق هو ان لا يترك الله سبحانه وتعالى الدنيا للمرتدين والطغاة والكافرين والمترفين فيصطفي رسلا من الناس والملائكة ويصطفي ذراري بعضها من بعض لينذر الناس ويبشرهم ويحذرهم من اتباع الطغاة والمرتدين وبعد البيان والوضوح فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
ثانيا- لا اظن ان الرازي نسي ان الآية التي احتج بها هي في سياق الآية التي نحن بصددها فهي الآية (54) لأنه يقول بصراحة نافيا الامر بقوله (فالأولى جعل ما قبلها في حقه)يقصد في حق علي عليه السلام، واعتقد جازما انه يريد ان يصدر القران على مزاجه، فالآية التي نحن بصددها هي الآية (55) وهي وما قبلها في سياق واحد وموضوع واحد ومن الصفاقة والسخف والتنكر للواقع والتاريخ ان يدعي انهما ليسا في حق علي عليه السلام وانها في حق ابي بكر وهو رجل بعيد عن كل مشخصات الآية في واقعتها وحال القائم بالفعل فيها!!.
فما قبلها كاملة يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)، وهي دليل مباشر على ان الذين يرفضون ولاية الشخص الموصوف والمشخص بالآية وبما لا يمكن ان يكون غيره المنصوص المقصود بالآية هم مرتدون وهذا ما حصل فعلا في الواع وهذا هو مدعى الامامية متطابق تماما مع القران والواقع. وهو ما يخافه الرازي ويستميت بألف والدوران وعدم احترام العقل وقواعد المنطق السليم الذي لابد لمن يفسر كلام الله ان يحترم العقل ويراعي الله تعالى ولكن وكما نجد بقلة الورع الذي لابد للمفسر ان يتحلى به يحاول الرازي ان ينفي نزول الآية في حق علي عليه السلام بل ويحاول ان يجعلها في حق من لا يوجد وصف واحد من اوصاف من تريده الآية وتعنيه!!
ثالثا- ان التباهي بقهر اصحاب الحق بعد ان اقر هو بان قد يكون المقصود من الآية علي عليه السلام انما ذلك كفر وارتداد يفرضه سياق الآيتين وهو يعني الاملاء للكافرين حيث يقول الله تعالى: ({وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].
ولا ادري كيف تبادر الى هذا المفسر تزين الشيطان واقحام الآية (54) في غير سياقها الذي جاءت به لتعطي معنى معاكس لما اراد الله تعالى من الآية.
رابعا – يصف الرازي الرافضة بالمقهورين دليلا على انهم اصحاب باطل في ادعائهم انها في حق علي عليه السلام.. والعجب متى كان القهر دليل على باطل المقهورين وفسقهم؟ اذا كان كل الانبياء كما يحكي القران مقهورين في مجتمعاتهم واكثر القاهرين ظالمين مرتدين كافرين؟
لاحظ كيف يقود الحقد الاعمى كبار المفسرين الى السقوط في مهاوي الفتنة مع الاسف.
خامسا- العجب كيف تجرء الرازي على الله ورسوله بهذا الاستدلال السخيف الهابط حيث لا منطق ولا مرتكز عقلي صحيح يستند عليه، وهو يعلم جيدا ان الروافض وائمتهم الذين قضوا كلهم شهداء؛ انما استشهدوا لأنهم رفضوا وحاربوا المرتدين ولا زالوا الى الان والى قيام يوم الدين، والرازي يعلم ايضا علم اليقين ان علي عليه السلام هو خاصف النعل(24) يحارب على التاؤيل كما حارب الرسول صلى الله عليه واله على التنزيل كما تذكره كل كتب صحاحهم، وان عمار الرافضي تقتله الفئة الباغية وقد قتلته(25)!، فويل للرازي من الاصطفاف مع الفئة الباغية نسال الله تعالى ان يحشره مع من اصطف معهم ظلما والرسول صلى الله عليه واله يقول المر مع من يحب. فقد جاء في أخبار مكة للفاكهي:
(لو أن رجلا قام الليل وصام النهار وذبح بين الركن، والمقام، لم يبعث يوم القيامة إلا مع من يحب، بالغا ما بلغ، إن جنة فجنة، وإن نارا فنار)(26).
سادسا- قديما وحديثا وغدا ودوما فان الروافض وحدهم وليس غيرهم على الاطلاق في حالة حرب ضروس مع الانقلابيين والمرتدين ولم يكلوا ولم يملوا من تلك الحرب. ولذا سميتهم انت وامثالك من المدعين للعلم روافضا لماذا؟
فلو لم يكونوا رفضوا المرتدين وهادنوا وباعوا دينهم بدنياهم، هل تسمونهم روافض؟ وهل من سبب لهذه التسمية غير رفضهم الانقلابيين المرتدين على الاسلام يوم السقيفة؟؟؟؟
سابعا- والله العظيم؛ لولا من يسميهم الرازي وامثاله من المرتزقة مدعي العلم بالروافض الذين يحبهم الله ويحبونه الذين لزموا دين الله وحصنوه بالولاية لعلي عليه السلام واطاعوا امر الله بولاية المتصدق وهو راكع ؛ لكان الدين ليس الا دين معاوية بن هند، ومروان بن الزرقاء الوزغ بن الوزغ، وزياد بن سمية وعمرو بن النابغة، ويزيد بن ميسون، وغيرهم من ابناء فتيات قريش ذوات الرايات الحمر، وبالرغم من ادعاء اعداء ال البيت الطاهرين المطهرين العلم، فقد اخزاهم الله تعالى بولاية المرتدين الطغاة الذين احالوا رسالة السماء الى ملك عضوض يتوارثه ابنا فتيات قريش من ذوات الرايات الحمر، وسوف يقودونكم انشاء الله تعالى الى النار فهم ائمتكم والله تعالى يقول: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} (27).
وانت ايها الرازي تفتخر بانكم قاهرون وان الروافض مقهورون، الا ترى ان الفراعنة قاهرون: وفرعون {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ (98) وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ (99) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ (100) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ} [[28]]، حشرك الله مع القاهرين.
ثامنا- والدليل المباشر الذي لا ينكره احد لأنه يجسد واقع البشرية اليوم قيام الفكر الانقلابي السلفي التكفيري القاهر، وهو امتداد الفكر المرتد الانقلابي ككيان حقيقي لاصطباغ دنيا الناس بالدم والذبح والتفجير والتمثيل بالضحايا باسم الاسلام.. الاسلام الذي مهد له الرازي وامثاله من الظالمين.
قد يكون وصف الرازي للروافض بالمقهورين صحيح فهم غدا واليوم يعانون القهر لتسلط المرتدين الملعونين على لسان الله ورسوله.
فالروافض يقفون وحدهم في كل زمان ومكان يحاربون امس ابناء فتيات قريش ذوات الرايات الحمر واليوم داعش والقاعدة بصدق، وهم يقدمون القرابين لوجه الله ودينه القويم متفردين في هذا العالم.
تاسعا- عدم احترام الرازي وأمثاله لعقوله وتضليله اتباعه يأتي وفقا لغياب توفيق الله عنهم فالله تعالى يقول: (فمن اظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ان الله لا يهدي القوم الظالمين)(29)، فليس للظالم ان يطمع في هداية الله مطلقا (الله لا يهدي القوم الظالمين)(30).
عاشرا- سنة النبي صلى الله عليه واله تفسر القران. فلماذا يهمل اختصاص الولاية الواضح والحصري (انما وليكم) في هذه الآية وفي حديث الغدير(من كنت مولاه فعلي مولاه) واحاديث كثيرة اخرى بشخص واحد هو ؛ علي عليه السلام، والرازي يذكر تلك الاحاديث ويصححها في مواضعها من تفسيره.
فقد جاء في تفسير الرازي (6/ 113) قوله في تفسير الآية: (يلغ ما انزل اليك من ربك... الآية) قال:
(نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه " فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئاً لك يا ابن طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي)!!؟؟.
حادي عشر- وبالرغم من ان الآية تشير الى واقعة مشخصة ومحددة وتصف حال الولي بانه تصدق وهو راكع وبما لا يمكن ان يشتبه على احد انها تشير الى احد غيره، وبالرغم من شبه اجماع على انها نزلت في علي عليه السلام إلا ان الرازي وبصفاقة معيبة، وحيود مذل؛ يقول انها انها نزلت في ابي بكر!.. لماذا؟
لانه – كما يدعي الرازي-: ابا بكر حارب المرتدين، مع ان حرب المرتدين حصلت بعد نزول الآية بسنين، ولان الآية في سياقها الذي انكره في رفضه لنزولها في علي تتحدث عن المرتدين، فاذا اعترف بان السياق في الآيتين واحد فلماذا يقولوهذه الآية في حق علي، فكان الأولى جعل ما قبلها أيضاً في حقه) فهو الاولى وهو كذلك، ولكنك لاتحترم عقلك وليس لك ورع يصدك عن التلاعب في كتاب الله ايها الرازي.
14- وايضا في تفسير الرازي:ج6: ص: 87- 88
(القول الثاني: أن المراد من هذه الآية شخص معين، وعلى هذا ففيه أقوال: روى عكرمة أن هذه الآية نزلت في أبي بكر رضي الله عنه. والثاني: روى عطاء عن ابن عباس أنها نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام.
روي أن عبدالله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت يا رسول أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع، فنحن نتولاه.
وروي عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: الّلهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فما أعطاني أحد شيئاً، وعلي عليه السلام كان راكعاً، فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم بمرأى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)
« الّلهم إن أخي موسى سألك » فقال: {رَبّ اشرح لِى صدري} إلى قوله {وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِى} [[31]] فأنزلت قرآناً ناطقاً {سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سلطانا} [[32]] الّلهم وأنا محمد نبيّك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً أشدد به ظهري.
قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال: يا محمد إقرأ {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ} إلى أخرها، فهذا مجموع مع يتعلق بالروايات في هذه المسألة.
المسألة الثانية: قالت الشيعة: هذه الآية دالة على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن ابي طالب، وتقريره، أن نقول: هذه الآية دالة على أن المراد بهذه الآية إمام، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن يكون ذلك الإمام هو علي بن ابي طالب.
بيان المقام الأول: أن الولي في اللغة قد جاء بمعنى الناصر والمحب، كما في قوله {والمؤمنون والمؤمنات بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ} [[33]] وجاء بمعنى المتصرف. قال عليه الصلاة والسلام: « أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها » فنقول: ههنا وجهان: الأول: أن لفظ الولي جاء بهذين المعنيين ولم يعين الله مراده، ولا منافاة بين المعنيين، فوجب حمله عليهما، فوجب دلالة الآية على أن المؤمنين المذكورين في الآية متصرفون في الأمة. الثاني: أن نقول: الولي في هذه الآية لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر، فوجب أن يكون بمعنى المتصرف، وإنما قلنا: إنه لا يجوز أن يكون بمعنى الناصر، لأن الولاية المذكورة في هذه الآية غير عامة في كل المؤمنين، بدليل أنه تعالى ذكر بكلمة {إِنَّمَا} وكلمة [ إنما ] للحصر، كقوله: {إِنَّمَا الله إله واحد} [ النساء: 171 ] والولاية بمعنى النصرة عامة لقوله {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} وهذا يوجب القطع بأن الولاية المذكورة في هذه الآية ليست بمعنى النصرة، وإذا لم تكن بمعنى النصرة كانت بمعنى التصرف، لأنه ليس للولي معنى سوى هذين، فصار تقدير الآية: إنما المتصرف فيكم أيها المؤمنون هو الله ورسوله والمؤمنون الموصوفون بالصفة الفلانية، وهذا يقتضي أن المؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة في هذه لآية متصرفون في جميع الأمة، ولا معنى للإمام إلا الإنسان الذي يكون متصرفاً في كل الأمة، فثبت بما ذكرنا دلالة هذه الآية على أن الشخص المذكور فيها يجب أن يكون إمام الأمة.
أما بيان المقام الثاني: وهو أنه لما ثبت ما ذكرنا وجب أن يكون ذلك الإنسان هو علي بن ابي طالب، وبيانه من وجوه:
الأول: أن كل من أثبت بهذه الآية إمامة شخص قال: إن ذلك الشخص هو علي، وقد ثبت بما قدمنا دلالة هذه الآية على إمامة شخص، فوجب أن يكون ذلك الشخص هو علي، ضرورة أنه لا قائل بالفرق.
الثاني: تظاهرت الروايات على أن هذه الآية نزلت في حق علي، ولا يمكن المصير إلى قول من يقول: إنها نزلت في أبي بكر رضي الله عنه، لأنها لو نزلت في حقه لدلت على إمامته، وأجمعت الأمة على أن هذه الآية لا تدل على إمامته، فبطل هذا القول، والثالث: أن قوله {وَهُمْ رَاكِعُونَ} لا يجوز جعله عطفاً على ما تقدم، لأن الصلاة قد تقدمت، والصلاة مشتملة على الركوع، فكانت إعادة ذكر الركوع تكراراً، فوجب جعله حالاً أي يؤتون الزكاة حال كونهم راكعين، وأجمعوا على أن إيتاء الزكاة حال الركوع لم يكن إلا في حق علي، فكانت الآية مخصوصة به ودالة على إمامته من الوجه الذي قررناه، وهذا حاصل استدلال القوم بهذه الآية على إمامة علي عليه السلام.انتهى.
وهكذا بقي الرازي يلف ويدور صفحات كثيرة لكي يصرفها عن اجماع المفسرين في علي عليه السلام ليخلص انها اما في علي او في ابا بكر! مع ان ابا بكر لاموضوع اي لا موصوف ولا مشخص ولا محمول ولا مقدمة ولا نتيجة ولا منصوص عليه ولا مختار او مصطفى ولا من الذرية التي بعضها من بعض الا انه اقحام من الرازي لينقذ نفسه وغيره من الارتداد لانه وكما يقول هو: ان صحت الآية في علي عليه السلام فالمتخلفون من بعد النبي مرتدين، ويظن انه بهذا اللف والدوران سينقذ المرتدين من باس الله تعالى.
15- تفسير الطبري:
جاء فيه(حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم أخبرهم بمن يتولاهم فقال: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون"، هؤلاء جميع المؤمنين، ولكن علي بن أبي طالب مرَّ به سائل وهو راكع في المسجد، فأعطاه خاتَمَه.
وقال: حدثنا إسماعيل بن إسرائيل الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم في هذه الآية: "إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا"، قال: علي بن أبي طالب.
وقال: حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا غالب بن عبيد الله قال: سمعت مجاهدًا يقول في قوله: "إنما وليكم الله ورسوله"، الآية، قال: نزلت في علي بن أبي طالب، تصدَّق وهو راكع))(34)
16- تفسير اللباب لابن عادل:
(قال ابن عباس - رضي الله عنهما - والسُّديُّ - رحمه الله -: قوله تعالى: {والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ}، أراد به على بن أبي طالب - رضي الله عنه - مرَّ به سَائِلٌ وهو رَاكِعٌ في المَسْجِد فأعطاه خاتمه، وقال جُوَيْبِر عن الضَّحَّاك في قوله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ} [ قال: هم المُؤمِنُون بعضهم أوْلِيَاء بعض، وقال أبو جعفر محمد بن علي البَاقِر: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} نزلت ] في المُؤمنين، فقيل له: إن ناساً يقولون: إنَّها نزلت في عَلِيٍّ - رضي الله تعالى عنه - قال: هو من المُؤمنين)(35).
وقد مرّ معنا معنى هذه التورية من الامام الباقر ان صح النقل.
17- تفسير النسفي:
{وَيُؤْتُونَ الزكواة}. والواو في {وَهُمْ راكعون} للحال أي يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة. قيل: إنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل يفسد صلاته. وورد بلفظ الجمع وإن كان السبب فيه واحداً ترغيباً للناس في مثل فعله لينالوا مثل ثوابه. والآية تدل على جواز الصدقة في الصلاة، وعلى أن الفعل القليل لا يفسد الصلاة)(36).
18- تفسير النيسابوري:
(القول الثاني أن المراد شخص معين وجيء به على لفظ الجمع ليرغب الناس في مثل فعله. ثم إن ذلك الشخص من هو؟ روى عكرمة أنه أبو بكر وروى عطاء عن ابن عباس أنه علي عليه السلام. روي أن عبد الله بن سلام قال: لما نزلت هذه الآية قلت: يا رسول الله أنا رأيت علياً تصدق بخاتمه على محتاج وهو راكع فنحن نتولاه. وروي عن أبي ذر أنه قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً صلاة الظهر فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد، فرفع السائل يده إلى السماء. وقال: اللهم أشهد أني سألت في مسجد الرسول فما أعطاني أحد شيئاً وعليّ عليه السلام كان راكعاً فأومأ إليه بخنصره اليمنى وكان فيها خاتم، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم فرآه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « اللهم إن أخي موسى سألك فقال: {رب اشرح لي صدري} إلى قوله: {وأشركه في أمري} [ طه: 25، 32 ] فأنزلت قرآناً ناطقاً {سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً} [ القصص: 35 ] اللهم وأنا محمد نبيك وصفيك فاشرح لي صدري ويسر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي علياً اشدد به أزري » قال أبو ذر: فوالله ما أتم رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الكلمة حتى نزل جبريل فقال: يا محمد اقرأ {إنما وليكم الله} الآية. فاستدلت الشيعة بها على أن الإمام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب عليه السلام لأن الولي هو الوالي المتصرف في أمور الأمة، وأنه علي عليه السلام برواية أبي ذر وغيره)(37).
19- تفسير مقاتل (1/ 405):
(وقوله سبحانه: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} [ آية: 55 ]، وذلك أن عبدالله بن سلام وأصحابه قالوا للنبى صلى الله عليه وسلم عند صلاة الأولى: إن اليهود أظهروا لنا العداوة من أجل الإسلام، ولا يكلموننا، ولا يخالطوننا فى شئ، ومنازلنا فيهم، ولا نجد متحدثاً دون هذا المسجد، فنزلت هذه الآية، فقرأها النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: قد رضينا بالله ورسوله وبالمؤمنين أولياء، وجعل الناس يصلون تطوعاً بعد المكتوبة، وذلك فى صلاة الأولى.
« وخرج النبى صلى الله عليه وسلم إلى باب المسجد، فإذا هو بمسكين قد خرج من المسجد، وهو يحمد الله عز وجل، فدعاه النبى صلى الله عليه وسلم، فقال: » هل أعطاك أحد شيئاً؟ «، قال: نعم يا نبى الله، قال: » من أعطاك؟ «، قال: الرجل القائم أعطانى خاتمه، يعنى على بن أبى طالب، رضوان الله عليه، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: » على أى حال أعطاكه؟ «، قال: أعطانى وهو راكع، فكبر النبى صلى الله عليه وسلم، وقال: » الحمد لله الذى خص عليّاً بهذه الكرامة «، فأنزل الله عز وجل: {والذين آمَنُواْ الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة وَهُمْ رَاكِعُونَ} {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين آمَنُواْ}، يعنى على بن أبى طالب، رضى الله عنه، {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} [ آية: 56 ]، يعنى شيعة الله ورسوله والذين آمنوا هم الغالبون، فبدأ بعلى بن أبى طالب، رضى الله عنه، قبل المسلمين، ثم جعل المسلمين وأهل الكتاب المؤمنين، فيهم عبدالله بن سلام وغيره هم الغالبون لليهود، حين قتلوهم وأجلوهم من المدينة إلى الشام وأذرعات وأريحا)(38).
20- مختصر تفسير البغوي المسمى بمعالم التنزيل:
وقال السدي: قوله {وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ}{الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} أراد به: علي بن أبي طالب رضي الله عنه)(39).
21- تفسير القرطبي:
أن سائلا سأل في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يعطه أحد شيئا وكان علي بن الصلاة في الركوع وفي يمينه خاتم فأشار إلى السائل بيده حتى أخذه قال الكيا الطبري: وهذا يدل على أن العمل القليل لا يبطل الصلاة فإن التصدق بالخاتم في الركوع عمل جاء به في الصلاة ولم تبطل به الصلاة وقوله: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة فإن عليا تصدق بخاتمه في الركوع وهو نظير قوله تعالى: {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون} [ الروم: 39 ] وقد انتظم الفرض والنفل وفصار اسم الزكاة للفرض والنفل كاسم الصدقة وكاسم الصلاة ينتظم الأمرين
قلت: فالمراد على هذا بالزكاة التصدق بالخاتم وحمل لفظ الزكاة على التصدق بالخاتم فيه بعد لأن الزكاة لا تأتي إلا بلفظها المختص بها وهو الزكاة المفروضة على ما تقدم بيانه في أول سورة البقرة وأيضا فإن قبله يقيمون الصلاة ومعنى يقيمون الصلاة يأتون بها في أوقاتها بجميع حقوقها والمراد صلاة الفرض ثم قال: وهم راكعون أي النفل وقيل: أفرد الركوع بالذكر تشريفا وقيل: المؤمنون وقت نزول الآية كانوا بين متم للصلاة وبين راكع وقال ابن خويز منداد قوله تعالى: {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} تضمنت جواز العمل اليسير في الصلاة وذلك أن هذا خرج مخرج المدح وأقل ما في باب المدح أن يكون مباحا وقد روي أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أعطى السائل شيئا وهو في الصلاة وقد يجوز أن يكون هذه صلاة تطوع وذلك أنه مكروه في الفرض ويحتمل أن يكون المدح متوجها على اجتماع حالتين كأنه وصف من يعتقد وجوب الصلاة والزكاة فعبر عن الصلاة بالركوع وعن الاعتقاد للوجوب بالفعل كما تقول: المسلمون هم المصلون ولا تريد أنهم في تلك الحال مصلون ولا يوجه المدح حال الصلاة فإنما يريد من يفعل هذا الفعل ويعتقده)(40).
22- تفسير الأعقم - زيدي:
{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} نزلت في علي (عليه السلام) حين تصدق بخاتمه وهو راكع في صلاته حين سأله سائل فطرح إليه بخاتمه ذكره في الحاكم والثعلبي والكشاف، قال جار الله: عقب النهي عن موالاة من يحب معاداته وذكر من يحب موالاته، بقوله تعالى: {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} ومعناه إنما وجوب اختصاصهم بالموالاة، فإن قلت: كيف يصح أن يكون لعلي واللفظ لجماعة؟ قلت: جيئ به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً للترغيب في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه قال في تفسير الثعلبي: قال أبو ذر الغفاري سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بهاتين وإلا فصمَّتَا ورأيته بهاتين والا فَعَمِيتَا يقول: « علي قائد البررة وقاتل الكفرة، منصور من نصره، مخذول من خذله » أما اني صليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوماً من الأيام فسأله سائل في المسجد فلم يعطه شيئاً وعلي (عليه السلام) كان راكعاً فأومى اليه بخنصره، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره فنزل فيه {إنما وليكم الله} الآية {فإن حزب الله هم الغالبون} الحزب القوم يجتمعون لأمر وأراد بحزب الله الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنون ويكون المعنى من يتولهم فقد تولى حزب الله واعتضد بمن لا يغالب(41).
تعليق