إنّ الحضور المميّز والبارز الذي تألّقت به عقيلة بني هاشم، السيدة زينب الكبرى (ع)، إبّان ملحمة كربلاء والأيام العصيبة التي تلتها، رسم صورة خالدة عن الدور الجليل الذي أدّته هذه المرأة العظيمة في نشر رسالة عاشوراء الإمام الحسين (ع)، لناحية الجهاد في سبيل الله تعالى وإعلاء كلمة الحقّ من جهة، وفضح زيف أعداء الإسلام وقبح أفعالهم من جهة ثانية.
فعلى مرّ التاريخ، تحدّث النّاس عن الأبطال من النساء والرجال المعروفين بالجرأة والشجاعة ومقارعة الفرسان في المعارك، حيث كانت المرأة تقف إلى جانب الرجل وتؤدّي دورها الكامل بنفس الروح والعزيمة التي كان الأبطال يخوضون المعارك فيها، إلاّ أن أهل البيت عليهم السلام يأتون في الطليعة بين أبطال التاريخ، وهو حال زينب الكبرى (ع) ابنة عليّ (ع) أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (ع) سيّدة نساء العالمين، فهي تأتي في الطليعة بعد أبيها وإخوتها، كما يشهد لها تاريخها الحافل بكل أنواع الطّهر والفضيلة والجرأة والصبر في الشدائد. وليس بغريبٍ على تلك الذّات العملاقة التي التقت فيها أنوار محمد (ص) وعلي وفاطمة عليهما السّلام أن تجسّد بمواقفها خصائص النبوّة والإمامة.
إنّ الحديث عن بطولات السيدة زينب (ع) التي تجلّت في رحلتها مع أخيها الحسين (ع) تاركةً بيتها، تحثّ الخطا خلفه في رحلته الى الشهادة لتعلّم الرجال والنساء كيف يموتون في مملكة الجلّادين، يضع بين أيدينا صورةً كريمةً عن ذلك الغرس الطيّب كيف بلغ هذا المستوى من النضوج والقدرة على الثبات والصمود في وجه تلك الأحداث التي لا يقوى على تحملها أحدٌ من الناس. فقد ثبتت (ع) في مواقفها يوم عاشوراء كالطّود الشامخ، تاركةً على تراب كربلاء آثار مسيرتها ومواقفها بين تلك الضحايا، التي لا تزال حديث الأجيال، ومثلاً كريماً لكلّ ثائرٍ على الظالم والجور، وللمرأة التي تعترضها الخطوب والشدائد خلال مسيرتها في هذه الحياة.
لقد كان عويل النساء وصراخ الصبية وضجيج المنطقة كلّها بالبكاء والنياحة كفيلاً بأن يهدَّ أقوى الأعصاب، ويُخرس أفصح الألسنة والخطباء، ويُقعد بأكبر الرجال، ولو لم يكن يتّصل بتلك الضحايا بنسبٍ أو سبب، فكيف بمن رأى ما حلّ بأهله وبنيه وإخوته وأبناء إخوته وعمومته، وأحسّ بثقل المسؤولية وجسامتها… لكنّ ابنة علي (ع)، ذلك الطود الأشمّ الذي ضاهى بصلابته الجبال الرواسي، كانت تجسّد مواقف أبيها في كل موقف تتزلزل فيه أقدام الأبطال، وبقيت ليلة العاشر من المحرم ساهرةَ العين، تجولُ بين خيام إخوتها وأصحابهم، وتنتقل من خيمةٍ الى خيمة، وهم يستعدّون لمقابلة ثلاثين ألف مقاتل قد اجتمعوا لقتال أخيها الحسين (ع) وبنيه وأنصاره، حتّى إذا أقبلت ضحوة النهار، وسقط أكثر أنصار سبط رسول الله (ص) ومن على ثرى الطف، ورجع الحسين (ع) للوداع الأخير وزينب (ع) إلى جانبه كالمذهولة، قال لها: “مهلاً أُخيّه، لاتشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تشمتي بنا الأعداء”، وأوصاها بالنساء والأطفال، فقالت له: “طِب نفساً وقُرَّ عيناً، فإنّك ستجدني كما تحبّ إن شاء الله”… ولمّا سقط (ع) عن جواده صريعاً، أسرعت إلى مصرعه، وصاحت تستغيث بجدّها وأبيها، وأوشكت الصرخة أن تنطلق من حشاها اللاهب عندما رأته جسداً بلا رأس، والسيوف والسهام قد عبثت بجسمه وقلبه، ورأت إخوتها وبنيها وأبناء عمومتها من حوله كالأضاحي، ومعها قافلةٌ من النساء والأطفال، وأمامها صفوفُ الأعداء تملأ صحراء كربلاء، فرفعت يديها في تلك اللحظات الحاسمة نحو السماء لتند عن فمها عبقةٌ من فيض النبوة والخلود، تناجي ربها وتتضرع إليه قائلة: “اللهم تقبّل منّا هذا القربان”.
🎗🎗🎗🎗🎗🎗🎗🎗🎗
هكذا كان على العقيلة زينب (ع) أن تنفّذ وصية أخيها أبي عبد الله (ع)، وتثبت في وجه تلك الأهوال، وأن تحمل قلباً كقلبِ أبيها (ع) في غمار جولاته، وتقف شامخةً بوجه يزيد بن معاوية وجلّاديه الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان!
بعد الملحمة العاشورائيّة، واستشهاد الإمام الحسين (ع)، تولّت السيّدة زينب (ع) قيادة القافلة، مؤدّيةً بشكل رائع خلال مسيرة الأسر والسبي خطاب العزّة والانتصار الذي بلورته النهضة الحسينيّة، إذ إنّها عندما أُحضرت إلى مجلس ابن زياد في الكوفة، جلست في ناحية من القصر، فغضب ابن مرجانة لعدم الاكتراث به، وقال: من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟ وعندما أجيب على سؤاله بأنّ هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أقبل ابن زياد نحوها منتشياً مغروراً، قائلاً لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
فقالت زينب (ع) في ردّها على جرأة ابن زياد وتصلّفه: “الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم وطهّرنا من الرجس تطهيراً، وإنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله” (1).
أمّا كلامها في الشام، تحديداً في مجلس يزيد بن معاوية، فقد كان بليغاً وثوريّاً، حيثُ وقفت أمامه تخاطبه قائلة: “فوالله (يا يزيد) ما فريت إلّا جلدك وما حززت إلّا لحمك، ولتردنّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بما تحمّلت من سفك ذريّته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته…” (2). فكان أن حوّل كلامُها مجلس فرح القوم إلى النوح والبكاء (3)، وكان هذا أوّل مجلس عزاء أقيم على الإمام الحسين (ع) لثلاثة أيّام متوالية في قلب مركز خلافة الأمويّين (4)، وفي قلب مدينة دمشق، واستمرّت مجالس العزاء والحزن طيلة مدّة إقامة أهل البيت عليهم السلام في الشام (5).
عندما رجع ركب السبايا إلى المدينة المنوّرة، واصلت السيّدة زينب الكبرى (ع) دورها، تحدّث الناس وتستنهضهم طلبّ الثأر بدم الإمام الحسين(ع) (6)… وهكذا استحالت الدماء الطاهرةُ المبذولةُ على أرض نينوى نبراساً يخطُّ التاريخ بأحرفٍ من نور في كلّ مكان وزمان.. نبراسٌ أوقدَت شعلتَه من أسماها اللّه تعالى زينب، واختارها لتكون عنواناً للصبر والشجاعة على مدى الأيام 🎗🎗🎗🎗
فعلى مرّ التاريخ، تحدّث النّاس عن الأبطال من النساء والرجال المعروفين بالجرأة والشجاعة ومقارعة الفرسان في المعارك، حيث كانت المرأة تقف إلى جانب الرجل وتؤدّي دورها الكامل بنفس الروح والعزيمة التي كان الأبطال يخوضون المعارك فيها، إلاّ أن أهل البيت عليهم السلام يأتون في الطليعة بين أبطال التاريخ، وهو حال زينب الكبرى (ع) ابنة عليّ (ع) أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء (ع) سيّدة نساء العالمين، فهي تأتي في الطليعة بعد أبيها وإخوتها، كما يشهد لها تاريخها الحافل بكل أنواع الطّهر والفضيلة والجرأة والصبر في الشدائد. وليس بغريبٍ على تلك الذّات العملاقة التي التقت فيها أنوار محمد (ص) وعلي وفاطمة عليهما السّلام أن تجسّد بمواقفها خصائص النبوّة والإمامة.
إنّ الحديث عن بطولات السيدة زينب (ع) التي تجلّت في رحلتها مع أخيها الحسين (ع) تاركةً بيتها، تحثّ الخطا خلفه في رحلته الى الشهادة لتعلّم الرجال والنساء كيف يموتون في مملكة الجلّادين، يضع بين أيدينا صورةً كريمةً عن ذلك الغرس الطيّب كيف بلغ هذا المستوى من النضوج والقدرة على الثبات والصمود في وجه تلك الأحداث التي لا يقوى على تحملها أحدٌ من الناس. فقد ثبتت (ع) في مواقفها يوم عاشوراء كالطّود الشامخ، تاركةً على تراب كربلاء آثار مسيرتها ومواقفها بين تلك الضحايا، التي لا تزال حديث الأجيال، ومثلاً كريماً لكلّ ثائرٍ على الظالم والجور، وللمرأة التي تعترضها الخطوب والشدائد خلال مسيرتها في هذه الحياة.
لقد كان عويل النساء وصراخ الصبية وضجيج المنطقة كلّها بالبكاء والنياحة كفيلاً بأن يهدَّ أقوى الأعصاب، ويُخرس أفصح الألسنة والخطباء، ويُقعد بأكبر الرجال، ولو لم يكن يتّصل بتلك الضحايا بنسبٍ أو سبب، فكيف بمن رأى ما حلّ بأهله وبنيه وإخوته وأبناء إخوته وعمومته، وأحسّ بثقل المسؤولية وجسامتها… لكنّ ابنة علي (ع)، ذلك الطود الأشمّ الذي ضاهى بصلابته الجبال الرواسي، كانت تجسّد مواقف أبيها في كل موقف تتزلزل فيه أقدام الأبطال، وبقيت ليلة العاشر من المحرم ساهرةَ العين، تجولُ بين خيام إخوتها وأصحابهم، وتنتقل من خيمةٍ الى خيمة، وهم يستعدّون لمقابلة ثلاثين ألف مقاتل قد اجتمعوا لقتال أخيها الحسين (ع) وبنيه وأنصاره، حتّى إذا أقبلت ضحوة النهار، وسقط أكثر أنصار سبط رسول الله (ص) ومن على ثرى الطف، ورجع الحسين (ع) للوداع الأخير وزينب (ع) إلى جانبه كالمذهولة، قال لها: “مهلاً أُخيّه، لاتشقّي عليَّ جيباً، ولا تخمشي عليَّ وجهاً، ولا تشمتي بنا الأعداء”، وأوصاها بالنساء والأطفال، فقالت له: “طِب نفساً وقُرَّ عيناً، فإنّك ستجدني كما تحبّ إن شاء الله”… ولمّا سقط (ع) عن جواده صريعاً، أسرعت إلى مصرعه، وصاحت تستغيث بجدّها وأبيها، وأوشكت الصرخة أن تنطلق من حشاها اللاهب عندما رأته جسداً بلا رأس، والسيوف والسهام قد عبثت بجسمه وقلبه، ورأت إخوتها وبنيها وأبناء عمومتها من حوله كالأضاحي، ومعها قافلةٌ من النساء والأطفال، وأمامها صفوفُ الأعداء تملأ صحراء كربلاء، فرفعت يديها في تلك اللحظات الحاسمة نحو السماء لتند عن فمها عبقةٌ من فيض النبوة والخلود، تناجي ربها وتتضرع إليه قائلة: “اللهم تقبّل منّا هذا القربان”.
🎗🎗🎗🎗🎗🎗🎗🎗🎗
هكذا كان على العقيلة زينب (ع) أن تنفّذ وصية أخيها أبي عبد الله (ع)، وتثبت في وجه تلك الأهوال، وأن تحمل قلباً كقلبِ أبيها (ع) في غمار جولاته، وتقف شامخةً بوجه يزيد بن معاوية وجلّاديه الذين باعوا ضمائرهم بأبخس الأثمان!
بعد الملحمة العاشورائيّة، واستشهاد الإمام الحسين (ع)، تولّت السيّدة زينب (ع) قيادة القافلة، مؤدّيةً بشكل رائع خلال مسيرة الأسر والسبي خطاب العزّة والانتصار الذي بلورته النهضة الحسينيّة، إذ إنّها عندما أُحضرت إلى مجلس ابن زياد في الكوفة، جلست في ناحية من القصر، فغضب ابن مرجانة لعدم الاكتراث به، وقال: من هذه التي انحازت ناحية ومعها نساؤها؟ وعندما أجيب على سؤاله بأنّ هذه زينب بنت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أقبل ابن زياد نحوها منتشياً مغروراً، قائلاً لها: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم.
فقالت زينب (ع) في ردّها على جرأة ابن زياد وتصلّفه: “الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد صلى الله عليه وآله وسلّم وطهّرنا من الرجس تطهيراً، وإنّما يُفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا والحمد لله” (1).
أمّا كلامها في الشام، تحديداً في مجلس يزيد بن معاوية، فقد كان بليغاً وثوريّاً، حيثُ وقفت أمامه تخاطبه قائلة: “فوالله (يا يزيد) ما فريت إلّا جلدك وما حززت إلّا لحمك، ولتردنّ على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم بما تحمّلت من سفك ذريّته، وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته…” (2). فكان أن حوّل كلامُها مجلس فرح القوم إلى النوح والبكاء (3)، وكان هذا أوّل مجلس عزاء أقيم على الإمام الحسين (ع) لثلاثة أيّام متوالية في قلب مركز خلافة الأمويّين (4)، وفي قلب مدينة دمشق، واستمرّت مجالس العزاء والحزن طيلة مدّة إقامة أهل البيت عليهم السلام في الشام (5).
عندما رجع ركب السبايا إلى المدينة المنوّرة، واصلت السيّدة زينب الكبرى (ع) دورها، تحدّث الناس وتستنهضهم طلبّ الثأر بدم الإمام الحسين(ع) (6)… وهكذا استحالت الدماء الطاهرةُ المبذولةُ على أرض نينوى نبراساً يخطُّ التاريخ بأحرفٍ من نور في كلّ مكان وزمان.. نبراسٌ أوقدَت شعلتَه من أسماها اللّه تعالى زينب، واختارها لتكون عنواناً للصبر والشجاعة على مدى الأيام 🎗🎗🎗🎗
تعليق