التوبة والعمل الصالح باب الهداية والمغفرة
◄ليس قدراً على الإنسان أن يستمر في غفلته وهجره لربّه، وإصراره على الكفر والشِّرك، وما يعنيه ذلك من موت روحي وأخلاقي/ ومن مذلة في عبادة الشيطان واتباع الهوى واكتساب المآثم التي تسقط إنسانية الإنسان وتحوّله إلى طبيعة مختلفة.
الله تعالى برحمته يمهل الإنسان حتى يعود إلى رشده وصوابه، ويعي أهميّة طاعة الله، بما فيها من عزّة وكرامة تجعله يحيا قوياً ثابتاً مطمئناً، له غاية ودور في الحياة، ومرتبط بتوحيد الله الذي يهديه في دنياه، ويضمن له سلامة مصيره في الآخرة. فالإنسان يعمل على أن ينفتح على التوحيد، ليتعرف قيمته وأهميّته في مقابل الشِّرك والضلال، وينفتح على أجواء الاستقامة، كي يتعرّف إلى ما في الانحراف من أذى وضرر له، وينفتح على الإيمان، حتى يتعرّف ما في الكفر من عمى البصيرة ومن جهل وغفلة.
عندما يتفكّر الإنسان ويعقل ما عليه من حال، فإنّ توبته النصوح التي يتقبّلها تعالى منه، تعني التخلي عن كلّ ما لا يرضاه الله ورسوله، وتصبح هذه التوبة بوابة يعبر منها إلى الهداية والنور؛ نور الحقّ والحقيقة والرشاد والفلاح، فتتحوّل الحياة إذ ذاك إلى ساحة يزرع فيها كلّ حبّ ورحمة وخير وبرّ، فالله تعالى يدعونا إلى التوبة ونيل مغفرته، والدخول في عالم الهداية الذي يعطينا الثبات والاستقرار في خطّ الله تعالى الذي يفتح لنا كلّ طريق للخير.
إنّ جوّ الهداية يمنحنا السلامة من خلال التوبة النصوح التي بها ننعم بمغفرة الله الواسعة، قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا) (طه/ 82)، وذلك بأن ينتقل من جوّ الشِّرك إلى جوّ التوحيد، ومن جانب الانحراف إلى خطّ الاستقامة، ومن حركة الكفر إلى حركة الإيمان والعمل الصالح. وبذلك تكون التوبة عنواناً للتراجع عن كلّ الماضي الذي لا يلتقي بالله وبرُسُله ورسالاته، وتكون مدخلاً لاجتناب كلّ أنواع الكفر والشِّرك والمعصية والانحراف، (ثُمَّ اهْتَدَى) (طه/ 82) كنتيجة للخطّ الذي تتحرك فيه التوبة والإيمان والعمل الصالح، فيكون هو العنوان الذي يحكم حياة الناس في الاهتداء إلى الطريق المستقيم.
وقد لا يكون من الضروري أن يكون العطف بـ(ثُمَّ) موجباً للتراخي الزماني، بل يكفي فيه أن يكون هناك ترتيب في طبيعة حركة الأشياء، تماماً كما هي النتيجة والمقدّمات، أو العنوان والمعنون، فإنّ ذلك هو الملحوظ فيما يستهدفه القرآن من حركة الإنسان، بأن تكون انتقالاً دائماً من الضلال إلى الهدى، ليكون الثبات والاستمرار في خطّ الهدى السائر إلى الله.
وهكذا يكون الانفتاح على الهدى والسير في طريقه، موجباً لغفران الله للمهتدين، عمّا أسلفوه من كفر وشرك وانحراف، وفيما يمكن أن يقعوا فيه من خطايا وذنوب.
إنّ الله تعالى يمهل الإنسان، لعلّه يصحو من غفلته ويعود إلى رشده، ويسلك درب التوبة، بما يبرز إيمانه الأصيل، وبما يفتحه على عالم الهدى والفلاح:
(وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) ومع هذا، فإنّ الله سبحانه لا يعجل بالنقمة ممّن طغى وبغى، بل يمهل ويؤجّل، عسى أن يؤوب ويتوب، وهو يقبل التوبة بشروط أربعة كما في هذه الآية، وهي:
1- الندم على ما كان.
2- الإيمان بالحقّ أينما كان.
3- العمل بموجب الإيمان.
4- الاهتداء، أي الاستمرار على الإيمان.
مجتمع المؤمنين لا يستغرق في غفلته وغيه وانحرافه، بل يعيد قراءة أوضاعه، ويقوم بما يصحّح أحواله، فيعمد إلى الانفتاح على معاني الإيمان والتوحيد، وما تفرضه من تخلق بأخلاق الله، ويعمد إلى التوبة النصوح التي بها يندم على ما كان منه من ذنوب، ويصرّ على تأكيد الإيمان في حياته، بإحقاق الحقّ ومواجهة الانحراف، ويعزّز جوّ الهداية لديه، بحيث يكون الإنسان السائر في خطّ هداية الله، لا تأخذه في الله لومة لائم، بل هو دائم التحسّس بما عليه من واجبات ومسوؤليات.
الفرصة متاحة أمامنا، فالله تعالى يدعونا إليه كي نتوب ونحصل على مغفرته وهديه. فليحاسب كلّ واحد منّا نفسه، وماذا يفعل حتى يكون من المهتدين، وممّن يتنعمون بمغفرة الله ورحمته في الدُّنيا والآخرة.
ال?اتب : محمّد عبدالله فضل الله
تعليق