
كنتُ أتساءل كثيراً عن معنى قول الله تعالى في إحدى الاحاديث القدسية الواردة: "انا عند المنكسرة قلوبهم" بدأً كان المعنى الظاهر- كما يبدوا- أن الذي يُكسر من الخلق يَجبره الخالق، ولكن لفظة "عند" تثير في الذهن تساؤلاً: تُرى وماذا بعد الجبر هل تنتفي العندية؟! أي كيف لنا هنا أن نجمع بين حلاوة أن يجبر الله تعالى عبده المنكسر؟ وبين أن يبقى بمعيته وعند ذلك المنكسر بعد الجبر؟
إذ لفتت إنتباهي عبارة لأحد الأفاضل أوصلتني إلى معنى أدق وأعمق بكثير وفيه جواب، ومعنى الجمع أيضا، ودرس تربوي وذلك من خلال أن الكسر المقصود ليس أي كسر بل الكسر الذي لا يُجبر؛ ومعنى الجبر ليس بالمعنى الذي نتصوره نحن وإنما ما يجعل هذا الكسر ملتئم ومجبور بل وجابر، فصاحبه يبقى كسير ولكن يحقق الإنجبار بإستشعار حضور الخالق المتعال، فتتعالى نفسه عن هذا الكسر إلى الجبار فتعبره، ولا تتوقف عنده.
وهذا ما يُمكن أن نصل إليه من مشاهد من سيرة السيدة زينب (

كانت السيدة (




كانت (سلام الله عليها) مكسورة بكسر لا يُجبر! فلا إمامها الحسين (عليه السلام) عاد موجود، لكن إرتباطها الحقيقي بالجبار جعله كسر مجبور، فأكملت مسيرتها ودورها بإتمام نهضته سلام الله عليه، هذا من جهة؛ ومن جهة أخرى موقف السيدة وتعاملها مع فقد وغياب شخص الامام الحسين (

وهذا درس عظيم علينا ان نستلهمه منها سلام الله عليها ونحن نعيش غيبة إمام زماننا عن أعيننا، من خلال تعاملنا مع حقيقة وجوده. نعم نحن نعيش إنكسار لعدم ظهوره وإقامة دولته فينا؛ ولكن إستشعارنا بإنه حاظر وإن لم يكن ظاهر يجعلنا نعيش حالة الإنجبار فنسعى لنعد أنفسنا ونسير بسيرته ونمهد لدولته ولنشر رسالته كما فعلت السيدة.
كما إن السيدة زينب(


بلى! وكانت(

كانت(

فهذا درس تربينا عليه مولاتنا أن أي انكسار يصيبنا على أثر إختبارات هذه الحياة الدنيا علينا أن لا نجعله يكسر مرآة قلوبنا طالما فيها نور مَن هو عند القلوب المنكسرة، لكي لا نعيش ظلمتين: ظلمة الداخل وظلمة الخارج.
فإن كان جرحنا وكسرنا ظاهراً امام الناس، فلنعلم إننا لم ننتفع من تلك العندية التي وعد بتحققها المتعال، ولم يتجلى فينا وفي حياتنا حقيقة اسمه الجبار، أما إذا كان هذا المعنى متحقق فينا هنا علينا ألا نكتفي بذلك فلنترقى ولنسير بسيرة مولاتنا العقيلة منجبرين وجابرين للغير، فالقلوب التي فيها حب الله تعالى الجبار وحب إمام الزمان هي لا تعرف كسر قلوب غيرها وإنما من شأنها تجبير القلوب على الدوام.
فاطمة الركابي