بسم الله الرحمن الرحیم وصلی الله علی محمد وآله الطیّبین الطاهرین.
نحتاج إلى مجتهدين وإن يصل بعض مراتب الاجتهاد
لا ريب أنّ الجمیع یعلم بأنّ الطائفة الإمامیة تحتاج إلى مجتهدین، ولا إلی مجرّد فضلاء، ولا إلی مجرد مبلغین، ولا إلی مجرد خطباء منبر، فإنّ الطائفة الإمامية خصوصاً في عصرنا الحاضر تمرّ بمحاط صعب من حيث موجة التّش?ي?ات، سواءً علی مستوی العقائد أو علی مستوی حكمة التشريع الإسلامي ومستوی سلامة التشریع الإسلامي عن النقض والخدش.وبالتالی فدفع هذه الشبهات والتّصدی لدحضها، یحتاج إلی علماء مجتهدین متضلعين. فإذن فهنا? حاجة ضروریة للاجتهاد، لا أنّ هنا? مجرّد حاجة لمبلّغ أو خطیب أو أيّ مستویً من المستویات.فلابد من الاجتهاد. وهو المصداق الأجلى والمتيقّن من قوله عزّوجلّ : فلولا نفر من ?ل فرقة منهم طائفة لیتفقّهوا في الدّین ولینذروا قومهم إذا رجعوا إلیهم لعلهم یحذرون.”.وهو المصداق المتيقّن من أحادیث مدح العلماء: علماء أمّتي أفضل من أنبیاء بنی إسرائيل، وسائر الأحاديث التي مَدَحَت العلماء. فالقدر المتيقن من العالِم، مَن ?ان مجتهداً متضلعاً.وبالتالی هنا? وظیفة عینیّة تعیینيّة علی ?لّ من له قدرة، و?ل من یری في نفسه القدرة أن يصل إلى مرحلة الاجتهاد، یتعیّن علیه ذل?، في مثل هذا الزمن المفتقر لوجود المجتهدین.ولأجل هذا، علی طالب العلم أن لا ییأس من هذا الطریق، بل أن یلقّی النّفس علی أنه یستطیع الوصول إلى درجة الاجتهاد.لیس مهما أن یصل الی أعلى درجات الاجتهاد.
فالإجتهاد له درجات وله مراتب. هنا? اجتهاد مطلق بنحو أتَمّ، وهنا? اجتهاد مطلق بنحو أقلّ، وهناك إجتهاد متجزّي. علی أي حال، الاجتهاد له درجات. ولذل? فقهاءنا “رضوان الله علیهم” القُدامى في إجازاتهم، أحيانا ی?تبون: بلغ درجة الاجتهاد وأحيانا ی?تبون: بلغ درجة من الاجتهاد.فهنا? اجتهاد مطلق وهنا? اجتهاد متجزّی. المهم أن یصل إلی درجة وافية من درجات الاجتهاد. وهذا مطلوب ومطلوب في مثل هذه الفترة ومثل هذا الزمن بش?ل ضروريّ. لذل?، ?ل طالبِ علمٍ یری في نفسه القدرة یتعیّن علیه ذل?.
أما ?یف یصل إلى هذه الدرجة؟ و?یف ینالها؟
ینالها بالتًّعب. وبدون تعب لايفيد. ولو ?انت ذهنیة الطالب أعلى المستویات. ونحن نت?لم عن خبرة. أنا في الحوزه منذ أربعين سنة. الآن أكملت أربعين سنة وأنا فی الحوزة.
عاشرنا أساتذة وزملاء من مختلف الطّبقات والأجناس، ورأينا من هو أذ?ی منّا بدرجات، وأعلى ذهنیة منّا بدرجات، ل?ن ما وصلوا لماذا ؟ لل?َسَل، وللتّنبله! لأنه ?سول ولأنه لایرید أن یتفرّغ، ولأنه لایرید أن يُصِرّ على نفسه بالبحث والتدقیق والتنقيب، لا يصل، ولو ?ان أعلى درجات الذ?اء.وبالع?س، هنا? أناسٌ عاشرناهم، ذهنیّتهم متوسطة، لا هم من الأذ?یاء ولا هم غبیّ، متوسطة، وصل إلى درجات من الاجتهاد والفضل وأصبح أستاذ من أساتذة البحث الخارج في الحوزات العلمیة. إذن، المدار علی التّعب وعلی العمل.
التر?یز والتَفَرُّغْ.. العنصرين الأساسيين للوصول إلى الاجتهاد
لابد من عنصرین: تر?یز وتَفَرُّغْ. وبدون هذین العنصرین لا یم?ن الوصول إلى الاجتهاد. أن ی?ون عنده تفرّغ. يتفرّغ لهذه المادة التي يدرسها، فقهاً وأصولاً ?لاماً. أيّ مادة یدرسها.
والتر?یز، لابدّ أن یُر?ّز علی ال?لمات التي یسمعها. مالفرق بین هذا المطلب وذاك المطلب؟ لماذا هذا الوجه یرید وهذا الوجه لایرید؟ ما هو المقصود من هذه ال?لمة في هذا المقام؟متی ما بدأ التّر?یز، سیصبح التركيز طبیعي بالنسبة إليه. في البداية التركيز صعب عليه، لأنه غير متعوّد على التركيز، لكن، متى ما بدأ التركيز سيصبح أمر طبيعي بالنسبة إليه. لما ذا هذه ال?لمة دون ذا?؟
لما ذا هذا الوجه دون ذاك؟ لماذا هذا الدلیل دون ذا?؟ لماذا هذا؟ ماهو وجه الإشكال فی هذا ال?لام؟ ما هو وجه القبول فی هذا ال?لام؟متی ما عَوَّدَ ذهنه علی أن یَطرَحَ هذه الأسئلة علی ذهنه، وفي ?ل مطلب یَسمع، (هل هذا ال?لام مقبول، أم غیر مقبول؟ هل هذه ال?لمة صحیحة أم غیر صحیحة؟ هل هذا الوجه مقبول أم لا وهكذا.. ) متى ما عوّد ذهنه علی السؤال والتّدقیق، مَلَكَ قوّة التر?یز والتّفرّغ بمعنی العمل.
لابد أن یُحَضِّر للدّرس قبل الحضور، حتی ی?تشف زوایا الدّرس. یستطیع أن یفهم أن ?لام الأستاذ صحیح أم خطأ. وأما لو إقتصر حضوره في الدرس علی مجرد الفهم.يعني إن لا يحضّر الدرس، فإذن متى سیصل إلى مرحلة الإش?ال؟ يحتاج إلى مراجعة ومراجعة، حتی یصل إلى مرحلة الإش?ال.بينما إذا حضَّرَ الدّرس قبل الحضور، من نتیجة هذا، (مثلاً بحث معروف، یبحث فیه الأستاذ، يقرأ الإنسان هذا الباب، في العروة في بحث السید الخوئي وه?ذا.. في الفقه وفي الأصول، معروف أطراف البحث، ولا يلزم أن یعرف كل الدقائق).فعلى الطلبة تحضير البحث قبل الحضور. والمباحثة مع شخصین یفیده، وهو یفید ذل? الشخص. فالمباحثة ضروریة جداً.
العنصر الثالث الحوار والمناقشة مع الأستاذ
والعنصر الثالث هو: الحوار مع الأستاذ. ?ثیرٌ من الأمور لا تفهمها إلا بالحوار. ونحن جرّبنا هذا، نحن نقرأ المطالب في مصباح الأصول، الأصولیة، نرى أنه واضحة، لأن عبارة “المصباح” سلسة وسهلة، نقرأ المطالب فی بحوث السید الخوئي “تقریراته”، التنقیح أو المستند أو.. نتيجة أنه المطلب سهلٌ، لأن العبارة سهلة، بمجرد أن نأخذ مناقشة مع الأستاذ نكتشف أنه لا.. . ما ?نّا نحسب أنّنا فهِمنا، تبیّن أنه .. لا، فإنّ له مطالب أخرى یتوقف علیها، وأنّ له مغازی أخرى لم نلتفت إليها. إذن، الحوار مع الأستاذ عنصر ضروري للوصول إلى فهم واقع المطالب وكنه المطالب.وبالتالي، على الإنسان أن يسل? هذا الطریق، طریق التّعب وطریق التر?یز حتی یتصل درجة من درجات الاجتهاد أو درجة الاجتهاد وأن لا ییأس!?ثیر من الطلبة یقول: أنا ليس مستوى فهمي مثل هولاء! هذا لیس عیباً، ولیس مانعاً. بل تصل بالتَّعب، حتی لو لم ی?ن مستوی فهمك مستواهم.و?ثیر من الطّلبه یقول بأنّه: هذه بحوث طویلة وعریضة! في الإش?ال إش?الٌ وفي الإش?ال إش?ال وفي الإشكال إشكال و… فمتی أنا أحیط بهذه الإش?الات؟!
ما هو الغرض من التطويل
لا تحتاج أن تحيط بهذه الإش?الات، ی?في أن تُمرّن ذهنك علی ذل?. مثلاً نحن في البحوث نطوّل، طبيعتنا التطويل، سواءً في بحث الأصول أو في البحث الفقه. الغرض من هذا التّطويل لیس أن يستوعب الطالب ?ل المطالب، بل الغرض أن یتعلّم ?یفیة الإش?ال والنقد والإبرام، هذا هو الغرض.ربّما تَحضُر بابٌ واحد ومملوء هذا الباب بالقواعد الأصولیة والفقهیة والرجالية، فتَتَعلّم ?یفیة المقارنة وكيفية التطبيق وإن لم تحضر باباً آخر.الغرض من التطویل هو تعلیم الطالب ?یفیة تطبیق القواعد، لا أنّ الغرض أن یستطوعب الطالب كل المطالب، قد لايمكنه ذلك الإستيعاب، لكنه یتعلّم مِن هذا العَرض المطالب المختلفة، أصوليةً أو رجالیة أو فقهیة، فإنّ الغرض من البحث الخارج هو التمرين علی الوصول إلى القدرة علی الإستنباط، هذا هو الغرض .أو أنَّ الطالب یقرأ بعض العبارات ولا يفهم، خصوصاً “المُستمس?” مثلاً، لايفهم الطالب بأول وهلة، أو ?لمات “العراقي” لا یفهم الطالب بأول وهلة، لكن بالتّعوُّد سیفهمه.علی الطالب أن لا ییأس، لا من إغلاق العبارات، ولا من ?َثرة المطالب، ولا مِن ضعف ذهنه بعض مستویات الإش?ال والنقض والإبرام، ?ل هذا لیس عوامل اليأس! إذا جَدَّ سَیَصل، وإذا تعب، سیصل. وَرَدَ عنهم “علیهم السلام”: أعطِ العلمَ ?لّك، یُعطِ?َ بعضه.
متی ما تعب، فإنّه سیصل.
على الطالب أن یستغل أيّام الإجازة والعطلة الصیفیّة
وستأتي أيّام العطلة والإجازه الصیفیة الطویلة التي قد تستغرق ثلاثة أشهر أو شهرین ونصف، نحن عازمون علی الرجوع إلى البحث أثناء شهر ذي القعدة ول?ن نقول: الطالب عليه أن یستغل أيّام العطلة الصیفیّة، في أيّ بحث، لا أقول خصوص البحث الفقهي، حتى لو كان البحث العقائدي، أو البحث قرآني، المهم أن یستغلّه في التأمل. قدرة التّأمّل لا تذهب المطالب من ذهنك.لیس ل? حق أن تُهمِل نفس?. (ثلاثة شهور تهمل نفس?) لا .. ليس من حق? هذا. أنت طالب تعبتَ على نفس?، كيف تهمل نفسك لمدة ثلاثة أشهر!! علی? أن تختار بحثاً يقتضي التأمّل. حتی لو بحث قرآني أو بحث تفسیري أو ?ان بحث كلامي .المهم أن تختار بحثاً تحافظ من خلاله علی قدرة الذهن علی التّأمّل والتّدقیق. تَخرج في هذه المدّة ببحث قرآني، ل?ن عن تأمّل ونُبل. هذا یجعل? مازلت في إطار التأمّل والتدقیق الحوزویين.فلیَستغلّ الطالب أیّام الإجازة، ?ما أنّ السنّة الآتیة إن شاء الله إذا أبقانا الله وإیّا?م و?نّا قادرین في السنه القادمة.إذا الطالب لم توفّق في السّنة السابقة، لاأقل في السنة القادمة یعوّد.لم يقدر في السنّه السابقة، وشغلته الأعمال والموانع، الآن في السنة القادمة، يعهد نفسه عهداً علی أن ي?ون من أهلها، یعنی من أهل البحث والتدقيق؛ بمراجعة الدروس وبالمباحثه فیها وبالحوار مع الأستاذ وبالتر?یز والتأمل. ستصل إن شاءالله.سنة واحدة بتأمّل، تَعدِل عشر سنوات من الحضور بلا تأمّل وتر?یز، بل وأكثر من ذل?.نسال الله لنا ول?م دوام التوفیق والتصدیق والتأیید لخدمه الدین والمذهب والحمدلله رب العالمین والصلاة والسلام علی أشرف الأنبياء والمرسلین محمد وآله الطاهرین.
حوار خاص مع السيد منير الخباز
تعليق