إن من المحطات التي يحتاج فيها المؤمن إلى مراقبة مضاعفة، وإلى تأمل شديد: لحظات ومجالس الغفلة عن ذكر الله عز وجل.. فالإنسان الجالس في بيت من بيوت الله –عز وجل- أو في مشهد من مشاهد أئمة أهل البيت (ع)؛ هو في جو مذكر.. ولهذا عندما يكون في المسجد الحرام، يستحب له النظر إلى الكعبة، حتى لو لم يكن ذاكرا، فالذكر له مزية أخرى.. ولكن المستحب هو النظر إلى الكعبة، في غير صلاة ولا قراءة للقرآن الكريم.. معنى ذلك أن أجواء المسجد الحرام، والمكوث في المسجد الحرام، من موجبات حياة القلب ورقته.

والعكس هو في المجالس التي هي في قبال مجالس الذكر: كمجالس الأعراس، أو اجتماع أهل الباطل على مائدة مثلا، وبتعبير الإمام السجاد (ع): (أو لعلك رأيتني آلف مجالس البطالين، فبيني وبينهم خليتني)!.. البطال؛ هو الذي ليس له همّ يشغله.. الإنسان أحيانا يمكنه أن يجنب نفسه هذه المجالس، فإذا رأى الجو لاهيا ساهيا؛ يخرج باختياره.. ولكن -بعض الأوقات- يبتلى الإنسان بحرج اجتماعي، فلا يمكنه الخروج بسهولة.. عندئذ المؤمن المراقب يحتاج إلى جو مضاعف من الذكر والالتفات القلبي.

ماذا نعمل في هذه المجالس؟..
أولاً: إن الالتفاتة الإلهية للعبد، هي التفاتة ثابتة في كل الحالات.. رب العالمين كما ينظر إلى المسجد، ينظر إلى مجالس الحرام.. فالأكوان متساوية المثول بين يديه تعالى؛ أي كل ما في الوجود بين يدي الله عز وجل.. رب العالمين ينظر إلى المحراب، وينظر إلى أماكن الحرام؛ بمعنى أن النظر الإلهي، والعين الإلهية المراقبة؛ هي عين واحدة.. وعليه، فإنه لا فرق في هذه الرقابة الإلهية، بين مجالس الطاعة ومجالس المعصية.. وهذه الالتفاتة إلى النظرة الإلهية، من موجبات انضباط العبد.

ثانياً: نحن مأمورون بمضاعفة الذكر في مجالس الغفلة.. فرق بين أن يكون الإنسان ذاكرا مع الطائفين، أو مع الساعين، أو مع الواقفين بأرض عرفة.. وبين أن يطلع رب العالمين على الأرض، ليرى قوما غافلين في مجلس لهو أو حرام، وهناك مؤمن في زاوية، وهو يعيش الذكر الإلهي.. من الممكن أن ينظر رب العالمين إلى هذا العبد نظرة لطف، ويباهي به الملائكة، ومن الممكن أن يأتي الخطاب: يا ملائكتي!.. انظروا إلى عبدي هذا بين الغافلين.. وفي روايات أهل البيت (ع) إشارة إلى هذا التميز، عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عَلَيهِ السَّلام): قَالَ قَالَ رَسُولُ الله (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه): (ذَاكِرُ الله -عَزَّ وَجَلَّ- فِي الْغَافِلِينَ، كَالْمُقَاتِلِ عَنِ الْفَارِّينَ.. وَالْمُقَاتِلُ عَنِ الْفَارِّينَ، لَهُ الْجَنَّةُ).. إن الذي يقاوم الأعداء ويصمد أمامهم بينما يفر القوم، هذا الإنسان له تميز، وهو بعين الله عز وجل.. كذلك الذاكر بين الغافلين، أيضا له تميز في هذا المجال.

ثالثاً: إن الإنسان بإمكانه أن يشغل نفسه بالذكر الخفي، عن النبي (ص) قال: (خير الذكر الخفيّ).. و(لا إله إلا الله) ذكر شريف، وامتيازه: أن الإنسان يستطيع أن يلهج به دون أن يحرك شفيته.. وبالتالي، فإنه من الممكن أن يعوض هذه الغفلة في مجالس الغافلين، بأن يشغل نفسه بهذا الذكر، دون أن يشعر به أحد؛ لئلا يتهم بالرياء.. فيخرج من ذلك المجلس، وقد كتب في عداد الذاكرين.