عفو رسول الله (صل الله عليه واله وسلم)
إن النبي (ص) عفا عن وحشي الذي قتل حمزة بن عبد المطلب، لقد كان لقتل حمزة في "أحد" وقع كبير على قلب النبي (صل الله عليه واله وسلم). وقد قيل ان الرسول (صل الله عليه واله وسلم) أقسم إنه اذا وجد الوحشي سيفعل به كذا وكذا... وبعد حادثة "أحد" التي كانت في العام الثالث بعد الهجرة مرت السنين إلى أن تم فتح مكة في العام الثامن، وكان الوحشي حينها في مكة ففر منها إلى الطائف حيث إنها كانت أبعد، ولكن أهل الطائف عندما رأوا جيوش النبي (صل الله عليه واله وسلم) تتحرك نحوهم أرسلوا جماعة لإبلاغ النبي (صل الله عليه واله وسلم) باستسلامهم، فعلم الوحشي بذلك وخاف على نفسه. ففكر أن يذهب إلى اليمن أو الروم أو الشام، لكن الوقت لم يسعفه ولم يقدر على الذهاب إلى أي مكان، فقال له أحد أصدقائه انه لا داعي لأن يحزن فالنبي (صل الله عليه واله وسلم) رجل رحيم وسوف يعفو عنه إن آمن به وبدينه، ولأن وحشياً لم يجد مفراً غير هذا، فقد ذهب إلى النبي (صل الله عليه واله وسلم) ليلاً ودخل عليه فجأة، حتى إذا ما رآه النبي (ص) نطق وحشي بالشهادتين. لقد نظر النبي (ص) إليه نظرة غاضبة وقال: "هل أنت وحشي". فقال: نعم. وكان من حق النبي (صل الله عليه واله وسلم) وباستطاعته قصاصه (وإن أسلم)، لكنه قال (صل الله عليه واله وسلم): "ويحك تغيب عني" حيث تقال هذه الكلمة عند اظهار الرحمة والشفقة والتعامل بالحسنى، وقد يفسر قول النبي (صل الله عليه واله وسلم) الكريم أنه لم يرد رؤية وحشي حتى لا يثير أحاسيسه ويذكره بالجرم الذي ارتكبه، وهكذا فقد عفا الرسول (صل الله عليه واله وسلم) عنه. نموذج آخر من عفو النبي (ص)
يروى أنه في بداية الدعوة الإسلامية أتى رجل إلى النبي في مكة وبصق في وجهه ــ لاحظوا أن الإنسان اذا بُصق في وجهه كيف سيكون حاله ــ فقال له النبي (صل الله عليه واله وسلم) انه سيقتله إن وقع بين يديه يوماً. ولقد عرف المسلمون أن هذا الرجل أهان الرسول (صل الله عليه واله وسلم) وأنه (صل الله عليه واله وسلم) ينوي قتله. وبعد مرور عدة حروب وانتشار الدين الإسلامي بشر أحدهم النبي (ص) بأنه تم القبض على ذلك الرجل وسيؤتى به إلى النبي (صل الله عليه واله وسلم). كان النبي (صل الله عليه واله وسلم) ــ ومن حقه ذلك ــ يريد قتله، فلما أُحضر بين يديه نزع النبي (صل الله عليه واله وسلم) رداءه وسحب سيفه ثم تحرك نحوه، فقال ذلك الرجل: "أشهد أن لا اله إلاّ الله"، فقال الرسول (صل الله عليه واله وسلم): "ألست فلاناً؟" قال: "بلى". قال (صل الله عليه واله وسلم): "أرأيت كيف أذلّك الله وأعز الإسلام"، قال: "نعم، ولكن لا تقتلني" وأسلم... عندها أعاد الرسول سيفه إلى غمده وارتدى عباءته وقال: "دعوه".طبعاً يصح العفو في غير إقامة الحدود الشرعية، أما فيما يتعلق بالحد الشرعي فيجب تطبيقه دون تردد. لا يمكن أن يعفو الإنسان عن أعداء الله، لكن الإمام وقائد الأمة الإسلامية باستطاعته، ونيابة عن الأمة الإسلامية، العفو عن بعض الكفار والمؤمنين الخاطئين؛ لكن يده ليست مبسوطة إلى الحد الذي يفعل فيه ما يريد. المسلمون لا يعفون عن حق الله، ولكن باستطاعتهم العفو في ما يتعلق بهم.
أحاديث النور
قال الإمام الصادق (صل الله عليه واله وسلم):"العفو عند القدرة من سنن المرسلين والمتقين، وتفسير العفوان لا تلزم صاحبك فيما أجرم ظاهراً، وتنسى من الأصل ما أصبت منه باطناً، وتزيد على الاختيارات احساناً، ولن يجد إلى ذلك سبيلاً إلاّ من قد عفى الله عنه وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وزيّنه بكرامته وألبسه من نور بهائه، لأن العفو والغفران صفتان من صفات الله عز وجل أودعهما في أسرار أصفيائه ليتخلقوا مع الخلق بأخلاق خالقهم وجعلهم كذلك. قال الله عز وجل:
{وليعفوا وليصفحوا ألاّ تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم}
ومن لا يعفو عن بشر مثله، كيف يرجو عفو ملك جبار.
قال النبي (صل الله عليه واله وسلم) حاكياً عن ربه يأمره بهذه الخصال، قال (صل الله عليه واله وسلم): صلْ من قطعك، واعف عمن ظلمك، واعط من حرمك، وأحسن إلى من أساء اليك، وقد أمرنا بمتابعته، يقول الله عز وجل {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}.
والعفو سر الله في القلوب، قلوب خواصه ممن يسرُّ له سر، وكان رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) يقول: أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم. قالوا: يا رسول الله، وما أبو ضمضم؟ قال: رجل كان ممن قبلكم، كان إذا أصبح يقول اللهم إني أتصدق بعرضي على الناس عامة.
بحار الأنوار، ج71، ص423
تعليق