ما هو أحلى شيء في الحياة ؟
فنبي الله داود لما سأل ابنه سليمان عن أحلى شيء في الحياة أجاب : أنها المحبة .
فقد ورد ضمن حديث ( لما أراد أن يعلم حكمة سليمان قال: يا بني أي شيء أبرد ؟.
قال : عفو الله عن الناس و عفو بعضهم عن بعض .
فقال يا بني : أي شيء أحلى ؟ .
قال : المحبة و هو روح الله في عباده فافتر داود ضاحكاً )
فكما أن العفو بين الناس أبرد شيء على القلوب في الحياة كذلك المحبة بين الناس هي أحلى شيء فيها .
الإسلام دين المحبة
فَقد قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الباقر عليه السلام : وَهَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ } وَقَالَ { إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} وَ قَالَ { يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِم }
وروى الشيخ الصدوق بسنده عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ : هَلِ الدِّينُ إِلَّا الْحُبُّ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ يَقُولُ { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }
فالدين هو الحب والحب هو الدين والسعادة في الدارين . فالإسلام يقرر أن خلاصة الدين هو الحب لله ولرسوله ولأئمة المسلمين عليهم السلام وكذلك حب بقية المسلمين والمؤمنين لله وفي الله هذا هو الدين الخالص .
فأين المسلمون عن هذه المفاهيم التي بعدوا عنها بعد ما بين المشرق والمغرب وتركوها وراء ظهورهم ، بل يعملون على خلافها ؟؟؟
الإسلام يؤلف القلوب
( أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ جَعَلَ الْإِسْلَامَ صِرَاطاً مُنِيرَ الْأَعْلَامِ مُشْرِقَ الْمَنَارِ فِيهِ تَأْتَلِفُ الْقُلُوبُ وَ عَلَيْهِ تَآخَى الْإِخْوَان ) .
لو كان الإسلام يعيش واقع الحياة ويمارس المسلمون دينهم حقيقة ويطبقوه لتحقق ما يشير إليه أمير المؤمنين عليه السلام من تآلف بين القلوب والتآخي بين الإخوان ، ولكن الأمر على عكس ذلك فإن المجتمع قائم على العداء والتفرقة والتمزق .
إن هذا النص الشريف الذي يوضح حقيقة طالما غيبت عن واقع المسلمين وهي تأليف قلوبهم والتآخي فيما بينهم تحت راية الإسلام الواضح المعالم وفي نفس الوقت هي صفعة حيدرية للمنافقين والمرتزقة والجهلة الذين يحملون اسم الإسلام زوراً وبهتانا ومزقوا الأمة تحت شعار التباكي على الدين ومكتسباته .
الإمام علي عليه السلام يرى تواد القلوب وتقاربها وتآلفها وتآخيها هي أقرب القرب فقد يكون من تحبه وإن كان بعيد النسب عنك أقرب إليك ممن يجمعك معه نسب ولا يجمعك معه محبة فيقول عليه السلام : ( أقرب القرب مودات القلوب )
من هو أشد حباً لدينه ؟
وفي النص التالي يكشف لنا أن أشد الناس حباً للدين ليس مجرد رفع الشعارات البراقة بالمحبة للدين أو المذهب أو الولاء لمذهب معين أو لرموز معينة من رموز الأمة وفي نفس الوقت يبث الفرقة والكراهية والعدواة والبغضاء بين أفراد الأمة حتى تتقاتل فيما بينها وتضعف ويستولي عليها أعداؤها .
وإنما أشد الناس محبة لدينه من يؤلف المتفرق ويلم الشتات ويجمع شمل الأمة على الخير والصلاح .. من يشيع المحبة بين المسلمين ويؤلف بين قلوبهم ويرفع الكراهية والعداء منهم وفي هذا المجال يصبح أشد حباً لدينه كما رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ عليه السلام : أَيُّنَا أَشَدُّ حُبّاً لِدِينِهِ قَالَ : ( أَشَدُّكُمْ حُبّاً لِصَاحِبِه) .
فالمؤمن من مواصفاته أنه آلف مألوف ذو أخلاق حسنة كما قال الإمام علي عليه السلام : ( المؤمن آلف مألوف ، متعطف ) ...
من أسباب المحبة
1- حسن النية :
النية مطية العمل ولها أثر كبير في تصرفات الإنسان وهو لا يشعر بذلك ومن نتائجها وآثارها أنها تورث المحبة لدى الناس إذا أحسن ظنه بالله قال الإمام علي عليه السلام : ( من حسنت نيته كثرت مثوبته ، وطابت عيشته ، ووجبت مودته )
2- حسن الظن بالناس :
من الأخلاق العالية الكريمة حسن الظن بالناس وحمل أفعالهم على محمل الصحة فإن ذلك يسبب المحبة بين الإنسان وبينهم قال الإمام علي عليه السلام : ( من حسن ظنه بالناس حاز منهم المحبة ) أما القاعدة المتبعة عند الناس فيما بينهم وبالأخص من يختلف معه في الفكر أو المذهب هو سوء الظن بل ويرتب أكبر الأثر على هذا الظن حتى تسفك الدماء على مثل هذه الظنون الباطلة قال تعالى { وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنًّا إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ } يونس/36 .
وحسن الظن بالناس لا يتنافى مع الكياسة والحيطة والحذر واستعمال الأسباب الشرعية .
3- حُسن العِشْرَة :
حسن العشرة مع من يعاشر وصحبة من يصاحب يورث المحبة قال الإمام علي عليه السلام : ( حسن الصحبة يزيد في محبة القلوب )
وقال عليه السلام ( بحسن العشرة تدوم المودة )
4- الأدب وبقاء الحشمة :
فإن من يحترم نفسه ولا يسيء الأدب مع الآخرين حتى وإن كانوا من أصدقائه فسوف يبقى محترماً فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام : ( لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك ، وأبق منها فإن ذهاب الحشمة ذهاب الحياء ، وبقاء الحشمة بقاء المحبة ) .
الحشمة : الاستحياء فلا ينبغي أن يذهب الاستحياء من بين الطرفين هذا بين المتحابين ومن باب أولى مع غير محبيه ينبغي أن تبقى الحشمة محفوظة لأن أعينهم مسلطة على حركاته وسكناته .
5- حُسْنُ البِشر :
هو طلاقة الوجه وبشاشته ومنه الحديث ( القوا الناس بطلاقة الوجه وحُسن البِشر ) ومنه في حديث صفات المؤمن ( بِشره في وجهه وحزنه في قلبه ) أي بِشره في وجهه تحبباً إلى الناس ، وحزنه في قلبه اصطباراً على مكاره الدنيا وشدائدها .
وفي كون البِشر من أسباب المحبة قال الإمام علي عليه السلام : ( سبب المحبة البِشر )
وهذا على المستوى الفردي ومنه يبدأ العمل والحل ، وكذلك ينبغي على مستوى الجماعات والفئات والأحزاب .
قال الإمام علي عليه السلام : ( البِشاشة حِبالة المودة ) ، أي أن البشاشة مصيدة تصطاد بها المحبة مثل ما يصطاد الطائر بالحبالة .
7- التفقد في حال الغَيْبَة :
ينبغي للإنسان أن يتفقد أحبائه ويسأل عنهم حتى يديم المحبة وكذلك ينبغي أن يتفقد ويسأل عن أحوال أعدائه حتى ينفي الضغن والحقد الموجود في قلوبهم وهذا طريق لمد الجسور بينه وبين أعدائه وتقليل حدة الخلاف والعداوة بينه وبينهم وبدل ما يتصور العدو أن الأزمة قد تفاقمت بينهما فإذا ما سمع تفقد من يختلف معه حصل خط رجعة وتفكير في حل الخلاف ورفع ما في النفوس كما أكد على ذلك أمير المؤمنين علي عليه السلام حينما قال : ( إِنَّ أَحْسَنَ مَا يَأْلَفُ بِهِ النَّاسُ قُلُوبَ أَوِدَّائِهِمْ وَ نَفَوْا بِهِ الضِّغْنَ عَنْ قُلُوبِ أَعْدَائِهِمْ : حُسْنُ الْبِشْرِ عِنْدَ لِقَائِهِمْ ، وَ التَّفَقُّدُ فِي غَيْبَتِهِمْ ، وَ الْبَشَاشَةُ بِهِمْ عِنْدَ حُضُورِهِمْ )
8- حسن الخلق :
الخلق : كيفية نفسانية تصدر عنها الأفعال بسهولة . ويشمل ذلك الخلق الحسن والسيئ ... وحسن الخلق : ذهب بخير الدنيا والآخرة فهو يجمع الخير والسعادة لمن اتصف به . وفي الحديث ( من صفات أهل الدين حسن الخلق ) فالفاقد للخلق الحسن فاقد للتدين . ومن أبرز ما يتحصل عليه صاحب الخلق الحسن هو أن يكون هذا الخلق سبباً لمحبة الآخرين له وشيوعها في المجتمع فعن الإمام علي عليه السلام : ( حسن الخلق يورث المحبة و يؤكد المودة ) ، وفي هذا المجال قال عليه السلام ( عليك بحسن الخلق فإنه يكسبك المحبة )
كما أن حسن الخلق يكثر المحبين له وتأنس النفوس به من محبيه أو سائر الناس كما قال عليه السلام : ( من حسن خلقه كثر محبوه و أنست النفوس به ) .
9- الرفق بالآخرين :
الرِّفق : لين الجانب وهو خلاف العُنف . وفي الحديث ( الرفق نصف العيش ) ، وهو أحد أسباب حصول المحبة . بين الطرفين أو الأطراف . قال أمير المؤمنين علي عليه السلام : ( رفق المرء وسخاؤه يحببه إلى أعدائه )
10- التواضع :
التواضع : التذلل ، وعن الإمام الرضا عليه السلام في تعريف التواضع قال : ( التواضع أن تعطي الناس ما تحب أن تعطاه ) ، ومن آثار التواضع شيوع المحبة فعن الإمام علي عليه السلام : ( ثلاث يوجبن المحبة : حسن الخلق ، و حسن الرفق ، و التواضع ) ، وقال عليه السلام : ( ثمر التواضع المحبة )
11- السخاء :
من أهم عوامل المحبة السخاء وقد تضافرت الروايات في السخاء وأن من آثاره زرع المحبة فقد روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنه قال : ( ما استجلبت المحبة بمثل السخاء ، و الرفق ، و حسن الخلق )
وقال عليه السلام : ( السخاء يزرع المحبة )
وقال عليه السلام : ( السخاء يثمر الصفاء )
وقال عليه السلام : ( السخاء يكسب المحبة ويزين الأخلاق )
وقال عليه السلام : ( سبب المحبة السخاء )
هذه جملة قليلة من تلك الأحاديث الدالة على أن السخاء يفعل مفعوله في زرع المحبة ليس بين الأشخاص العاديين وإنما بين المتعادين والمتحاربين .
12- التحبب إلى الناس :
إن من أبرز عوامل المحبة من الآخرين هو التحبب إليهم وهذا أمر طبيعي فإن من يتحبب للآخرين فسوف يتحببون له ويودونه فعَنْ أَبِي بَصِيرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السلام قَالَ : ( إِنَّ أَعْرَابِيّاً مِنْ بَنِي تَمِيمٍ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله فَقَالَ لَهُ أَوْصِنِي فَكَانَ مِمَّا أَوْصَاهُ ( تَحَبَّبْ إِلَى النَّاسِ يُحِبُّوكَ ) ...
تعليق