عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ [1] ، قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ [2] ( عليه السَّلام ) إِذِ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ رَجُلٌ .
فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمَ .
فَرَحَّبَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) ، وَ أَدْنَاهُ ، وَ سَاءَلَهُ .
فَقَالَ الرَّجُلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي خَطَبْتُ إِلَى مَوْلَاكَ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ابْنَتَهُ فُلَانَةَ ، فَرَدَّنِي وَ رَغِبَ عَنِّي ، وَ ازْدَرَأَنِي لِدَمَامَتِي وَ حَاجَتِي وَ غُرْبَتِي ، وَ قَدْ دَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ غَضَاضَةٌ هَجْمَةٌ غُضَّ لَهَا قَلْبِي ، تَمَنَّيْتُ عِنْدَهَا الْمَوْتَ !
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : " اذْهَبْ فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِ ، وَ قُلْ لَهُ ، يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السَّلام ) : زَوِّجْ مُنْجِحَ بْنَ رَبَاحٍ مَوْلَايَ ابْنَتَكَ فُلَانَةَ ، وَ لَا تَرُدَّهُ " .
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : فَوَثَبَ الرَّجُلُ فَرِحاً مُسْرِعاً بِرِسَالَةِ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) .
فَلَمَّا أَنْ تَوَارَى الرَّجُلُ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ رَجُلًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ جُوَيْبِرٌ ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) مُنْتَجِعاً لِلْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَ كَانَ رَجُلًا قَصِيراً دَمِيماً مُحْتَاجاً عَارِياً ، وَ كَانَ مِنْ قِبَاحِ السُّودَانِ ، فَضَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) لِحَالِ غُرْبَتِهِ وَ عَرَاهُ ، وَ كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ طَعَامَهُ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ ـ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ ـ وَ كَسَاهُ شَمْلَتَيْنِ [3] ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَلْزَمَ الْمَسْجِدَ ، وَ يَرْقُدَ فِيهِ بِاللَّيْلِ .
فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى كَثُرَ الْغُرَبَاءُ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِالْمَدِينَةِ ، وَ ضَاقَ بِهِمُ الْمَسْجِدُ .
فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أَنْ طَهِّرْ مَسْجِدَكَ ، وَ أَخْرِجْ مِنَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَرْقُدُ فِيهِ بِاللَّيْلِ ، وَ مُرْ بِسَدِّ أَبْوَابِ مَنْ كَانَ لَهُ فِي مَسْجِدِكَ بَابٌ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) ، وَ مَسْكَنَ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) ، وَ لَا يَمُرَّنَّ فِيهِ جُنُبٌ ، وَ لَا يَرْقُدْ فِيهِ غَرِيبٌ .
قَالَ : فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) بِسَدِّ أَبْوَابِهِمْ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) ، وَ أَقَرَّ مَسْكَنَ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) عَلَى حَالِهِ .
قَالَ : ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمُسْلِمِينَ سَقِيفَةٌ ، فَعُمِلَتْ لَهُمْ ، وَ هِيَ الصُّفَّةُ .
ثُمَّ أَمَرَ الْغُرَبَاءَ وَ الْمَسَاكِينَ أَنْ يَظَلُّوا فِيهَا نَهَارَهُمْ وَ لَيْلَهُمْ ، فَنَزَلُوهَا وَ اجْتَمَعُوا فِيهَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَتَعَاهَدُهُمْ بِالْبُرِّ وَ التَّمْرِ وَ الشَّعِيرِ وَ الزَّبِيبِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ ، وَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَاهَدُونَهُمْ ، وَ يَرِقُّونَ عَلَيْهِمْ لِرِقَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ يَصْرِفُونَ صَدَقَاتِهِمْ إِلَيْهِمْ .
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) نَظَرَ إِلَى جُوَيْبِرٍ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُ ، وَ رِقَّةٍ عَلَيْهِ .
فَقَالَ لَهُ : يَا جُوَيْبِرُ ، لَوْ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً فَعَفَفْتَ بِهَا فَرْجَكَ ، وَ أَعَانَتْكَ عَلَى دُنْيَاكَ وَ آخِرَتِكَ ؟
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَنْ يَرْغَبُ فِيَّ ، فَوَ اللَّهِ مَا مِنْ حَسَبٍ وَ لَا نَسَبٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا جَمَالٍ ، فَأَيَّةُ امْرَأَةٍ تَرْغَبُ فِيَّ !
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : يَا جُوَيْبِرُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَرِيفاً ، وَ شَرَّفَ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَضِيعاً ، وَ أَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَلِيلًا ، وَ أَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ مَا كَانَ مِنْ نَخْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَ تَفَاخُرِهَا بِعَشَائِرِهَا وَ بَاسِقِ أَنْسَابِهَا ، فَالنَّاسُ الْيَوْمَ كُلُّهُمْ أَبْيَضُهُمْ وَ أَسْوَدُهُمْ وَ قُرَشِيُّهُمْ وَ عَرَبِيُّهُمْ وَ عَجَمِيُّهُمْ مِنْ آدَمَ ، وَ إِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ ، وَ إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ وَ أَتْقَاهُمْ ، وَ مَا أَعْلَمُ يَا جُوَيْبِرُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَضْلًا إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْكَ وَ أَطْوَعَ .
ثُمَّ قَالَ لَهُ : انْطَلِقْ يَا جُوَيْبِرُ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ بَنِي بَيَاضَةَ حَسَباً فِيهِمْ ، فَقُلْ لَهُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ ، وَ هُوَ يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ .
قَالَ : فَانْطَلَقَ جُوَيْبِرٌ بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ ، وَ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَهُ ، فَاسْتَأْذَنَ ، فَأُعْلِمَ ، فَأَذِنَ لَهُ .
فَدَخَلَ وَ سَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ فِي حَاجَةٍ لِي ، فَأَبُوحُ بِهَا ، أَمْ أُسِرُّهَا إِلَيْكَ ؟
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : بَلْ بُحْ بِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ شَرَفٌ لِي وَ فَخْرٌ .
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَقُولُ لَكَ : زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ !
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : أَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَكَ إِلَيَّ بِهَذَا ؟!
فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ ، مَا كُنْتُ لِأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) .
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : إِنَّا لَا نُزَوِّجُ فَتَيَاتِنَا إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَانْصَرِفْ يَا جُوَيْبِرُ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) فَأُخْبِرَهُ بِعُذْرِي .
فَانْصَرَفَ جُوَيْبِرٌ وَ هُوَ يَقُولُ : وَ اللَّهِ مَا بِهَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَ لَا بِهَذَا ظَهَرَتْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) .
فَسَمِعَتْ مَقَالَتَهُ الذَّلْفَاءُ بِنْتُ زِيَادٍ وَ هِيَ فِي خِدْرِهَا .
فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا ادْخُلْ إِلَيَّ ، فَدَخَلَ إِلَيْهَا .
فَقَالَتْ لَهُ : مَا هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْكَ تُحَاوِرُ بِهِ جُوَيْبِراً ؟!
فَقَالَ لَهَا : ذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أَرْسَلَهُ ، وَ قَالَ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ !
فَقَالَتْ لَهُ : وَ اللَّهِ مَا كَانَ جُوَيْبِرٌ لِيَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) بِحَضْرَتِهِ ، فَابْعَثِ الْآنَ رَسُولًا يَرُدُّ عَلَيْكَ جُوَيْبِراً .
فَبَعَثَ زِيَادٌ رَسُولًا فَلَحِقَ جُوَيْبِراً .
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : يَا جُوَيْبِرُ مَرْحَباً بِكَ ، اطْمَئِنَّ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ .
ثُمَّ انْطَلَقَ زِيَادٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، فَقَالَ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ جُوَيْبِراً أَتَانِي بِرِسَالَتِكَ ، وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ ، فَلَمْ أَلِنْ لَهُ بِالْقَوْلِ ، وَ رَأَيْتُ لِقَاءَكَ ، وَ نَحْنُ لَا نَتَزَوَّجُ إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : يَا زِيَادُ ، جُوَيْبِرٌ مُؤْمِنٌ ، وَ الْمُؤْمِنُ كُفْوٌ لِلْمُؤْمِنَةِ ، وَ الْمُسْلِمُ كُفْوٌ لِلْمُسْلِمَةِ ، فَزَوِّجْهُ يَا زِيَادُ وَ لَا تَرْغَبْ عَنْهُ .
قَالَ : فَرَجَعَ زِيَادٌ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ .
فَقَالَ لَهَا مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) .
فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) كَفَرْتَ ، فَزَوِّجْ جُوَيْبِراً .
فَخَرَجَ زِيَادٌ ، فَأَخَذَ بِيَدِ جُوَيْبِرٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى قَوْمِهِ ، فَزَوَّجَهُ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ ضَمِنَ صَدَاقَهُ .
قَالَ : فَجَهَّزَهَا زِيَادٌ وَ هَيَّئُوهَا .
ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَى جُوَيْبِرٍ ، فَقَالُوا لَهُ : أَ لَكَ مَنْزِلٌ فَنَسُوقَهَا إِلَيْكَ ؟
فَقَالَ : وَ اللَّهِ مَا لِي مِنْ مَنْزِلٍ .
قَالَ : فَهَيَّئُوهَا ، وَ هَيَّئُوا لَهَا مَنْزِلًا ، وَ هَيَّئُوا فِيهِ فِرَاشاً وَ مَتَاعاً ، وَ كَسَوْا جُوَيْبِراً ثَوْبَيْنِ ، وَ أُدْخِلَتِ الذَّلْفَاءُ فِي بَيْتِهَا ، وَ أُدْخِلَ جُوَيْبِرٌ عَلَيْهَا مُعَتِّماً [4] .
فَلَمَّا رَآهَا نَظَرَ إِلَى بَيْتٍ وَ مَتَاعٍ وَ رِيحٍ طَيِّبَةٍ ، قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ .
فَلَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ خَرَجَ وَ خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَتَوَضَّأَتْ ، وَ صَلَّتِ الصُّبْحَ .
فَسُئِلَتْ : هَلْ مَسَّكِ ؟
فَقَالَتْ : مَا زَالَ تَالِياً لِلْقُرْآنِ وَ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ فَخَرَجَ .
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَ أَخْفَوْا ذَلِكَ مِنْ زِيَادٍ .
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُوهَا .
فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، فَقَالَ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَرْتَنِي بِتَزْوِيجِ جُوَيْبِرٍ ، وَ لَا وَ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِنَا ، وَ لَكِنْ طَاعَتُكَ أَوْجَبَتْ عَلَيَّ تَزْوِيجَهُ .
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه و آله ) : فَمَا الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مِنْهُ .
قَالَ : إِنَّا هَيَّأْنَا لَهُ بَيْتاً وَ مَتَاعاً ، وَ أُدْخِلَتِ ابْنَتِيَ الْبَيْتَ ، وَ أُدْخِلَ مَعَهَا مُعَتِّماً ، فَمَا كَلَّمَهَا ، وَ لَا نَظَرَ إِلَيْهَا ، وَ لَا دَنَا مِنْهَا ، بَلْ قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ ، فَخَرَجَ ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ ، وَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَ لَمْ يَدْنُ مِنْهَا ، وَ لَمْ يُكَلِّمْهَا إِلَى أَنْ جِئْتُكَ ، وَ مَا نَرَاهُ يُرِيدُ النِّسَاءَ ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِنَا .
فَانْصَرَفَ زِيَادٌ ، وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِلَى جُوَيْبِرٍ .
فَقَالَ لَهُ : أَ مَا تَقْرَبُ النِّسَاءَ ؟
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : أَ وَ مَا أَنَا بِفَحْلٍ ! بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَشَبِقٌ نَهِمٌ إِلَى النِّسَاءِ .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : قَدْ خُبِّرْتُ بِخِلَافِ مَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ هَيَّئُوا لَكَ بَيْتاً وَ فِرَاشاً وَ مَتَاعاً ، وَ أُدْخِلَتْ عَلَيْكَ فَتَاةٌ حَسْنَاءُ عَطِرَةٌ ، وَ أَتَيْتَ مُعَتِّماً ، فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا ، وَ لَمْ تُكَلِّمْهَا ، وَ لَمْ تَدْنُ مِنْهَا ، فَمَا دَهَاكَ إِذَنْ ؟!
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دَخَلْتُ بَيْتاً وَاسِعاً ، وَ رَأَيْتُ فِرَاشاً وَ مَتَاعاً وَ فَتَاةً حَسْنَاءَ عَطِرَةً ، وَ ذَكَرْتُ حَالِيَ الَّتِي كُنْتُ عَلَيْهَا وَ غُرْبَتِي وَ حَاجَتِي وَ وَضِيعَتِي وَ كِسْوَتِي مَعَ الْغُرَبَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ أَوْلَانِي اللَّهُ ذَلِكَ أَنْ أَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَعْطَانِي وَ أَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِحَقِيقَةِ الشُّكْرِ ، فَنَهَضْتُ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ ، فَلَمْ أَزَلْ فِي صَلَاتِي تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً أَشْكُرُ اللَّهَ حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ ، فَخَرَجْتُ .
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ أَنْ أَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ لَيَالِيَهَا ، وَ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي جَنْبِ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ يَسِيراً ، وَ لَكِنِّي سَأُرْضِيهَا وَ أُرْضِيهِمُ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِلَى زِيَادٍ فَأَتَاهُ ، فَأَعْلَمَهُ مَا قَالَ جُوَيْبِرٌ ، فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ .
قَالَ : وَ وَفَى لَهَا جُوَيْبِرٌ بِمَا قَالَ .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) خَرَجَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ وَ مَعَهُ جُوَيْبِرٌ ، فَاسْتُشْهِدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقُ [5] مِنْهَا بَعْدَ جُوَيْبِرٍ " [6] .
[1] أبو حمزة الثُمالي : هو ثابت بن دينار ، أبي صفية ، عربي أزدي كوفي ، عاصر الامام علي بن الحسين السجاد زين العابدين ، و الامام محمد بن علي الباقر ، و الامام جعفر بن محمد الصادق ( عليهم السلام ) و روى عنهم ، و يُعدُّ من ثُقات الرواة ، قال فيه الامام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) : أبو حمزة في زمانه كلقمان في زمانه ، لمزيد من التفصيل راجع : رجال الكشي : 201 ، رجال العلامة الحلي : 29 ، رجال البرقي : 8 .فَأَذِنَ لَهُ ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ، فَسَلَّمَ .
فَرَحَّبَ بِهِ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) ، وَ أَدْنَاهُ ، وَ سَاءَلَهُ .
فَقَالَ الرَّجُلُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، إِنِّي خَطَبْتُ إِلَى مَوْلَاكَ فُلَانِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ ابْنَتَهُ فُلَانَةَ ، فَرَدَّنِي وَ رَغِبَ عَنِّي ، وَ ازْدَرَأَنِي لِدَمَامَتِي وَ حَاجَتِي وَ غُرْبَتِي ، وَ قَدْ دَخَلَنِي مِنْ ذَلِكَ غَضَاضَةٌ هَجْمَةٌ غُضَّ لَهَا قَلْبِي ، تَمَنَّيْتُ عِنْدَهَا الْمَوْتَ !
فَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : " اذْهَبْ فَأَنْتَ رَسُولِي إِلَيْهِ ، وَ قُلْ لَهُ ، يَقُولُ لَكَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السَّلام ) : زَوِّجْ مُنْجِحَ بْنَ رَبَاحٍ مَوْلَايَ ابْنَتَكَ فُلَانَةَ ، وَ لَا تَرُدَّهُ " .
قَالَ أَبُو حَمْزَةَ : فَوَثَبَ الرَّجُلُ فَرِحاً مُسْرِعاً بِرِسَالَةِ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) .
فَلَمَّا أَنْ تَوَارَى الرَّجُلُ ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) : " إِنَّ رَجُلًا كَانَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَامَةِ يُقَالُ لَهُ جُوَيْبِرٌ ، أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) مُنْتَجِعاً لِلْإِسْلَامِ ، فَأَسْلَمَ وَ حَسُنَ إِسْلَامُهُ ، وَ كَانَ رَجُلًا قَصِيراً دَمِيماً مُحْتَاجاً عَارِياً ، وَ كَانَ مِنْ قِبَاحِ السُّودَانِ ، فَضَمَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) لِحَالِ غُرْبَتِهِ وَ عَرَاهُ ، وَ كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ طَعَامَهُ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ ـ بِالصَّاعِ الْأَوَّلِ ـ وَ كَسَاهُ شَمْلَتَيْنِ [3] ، وَ أَمَرَهُ أَنْ يَلْزَمَ الْمَسْجِدَ ، وَ يَرْقُدَ فِيهِ بِاللَّيْلِ .
فَمَكَثَ بِذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ حَتَّى كَثُرَ الْغُرَبَاءُ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهْلِ الْحَاجَةِ بِالْمَدِينَةِ ، وَ ضَاقَ بِهِمُ الْمَسْجِدُ .
فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى نَبِيِّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أَنْ طَهِّرْ مَسْجِدَكَ ، وَ أَخْرِجْ مِنَ الْمَسْجِدِ مَنْ يَرْقُدُ فِيهِ بِاللَّيْلِ ، وَ مُرْ بِسَدِّ أَبْوَابِ مَنْ كَانَ لَهُ فِي مَسْجِدِكَ بَابٌ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) ، وَ مَسْكَنَ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) ، وَ لَا يَمُرَّنَّ فِيهِ جُنُبٌ ، وَ لَا يَرْقُدْ فِيهِ غَرِيبٌ .
قَالَ : فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) بِسَدِّ أَبْوَابِهِمْ إِلَّا بَابَ عَلِيٍّ ( عليه السَّلام ) ، وَ أَقَرَّ مَسْكَنَ فَاطِمَةَ ( عليها السلام ) عَلَى حَالِهِ .
قَالَ : ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أَمَرَ أَنْ يُتَّخَذَ لِلْمُسْلِمِينَ سَقِيفَةٌ ، فَعُمِلَتْ لَهُمْ ، وَ هِيَ الصُّفَّةُ .
ثُمَّ أَمَرَ الْغُرَبَاءَ وَ الْمَسَاكِينَ أَنْ يَظَلُّوا فِيهَا نَهَارَهُمْ وَ لَيْلَهُمْ ، فَنَزَلُوهَا وَ اجْتَمَعُوا فِيهَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَتَعَاهَدُهُمْ بِالْبُرِّ وَ التَّمْرِ وَ الشَّعِيرِ وَ الزَّبِيبِ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ ، وَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَتَعَاهَدُونَهُمْ ، وَ يَرِقُّونَ عَلَيْهِمْ لِرِقَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ يَصْرِفُونَ صَدَقَاتِهِمْ إِلَيْهِمْ .
فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) نَظَرَ إِلَى جُوَيْبِرٍ ذَاتَ يَوْمٍ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَهُ ، وَ رِقَّةٍ عَلَيْهِ .
فَقَالَ لَهُ : يَا جُوَيْبِرُ ، لَوْ تَزَوَّجْتَ امْرَأَةً فَعَفَفْتَ بِهَا فَرْجَكَ ، وَ أَعَانَتْكَ عَلَى دُنْيَاكَ وَ آخِرَتِكَ ؟
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي مَنْ يَرْغَبُ فِيَّ ، فَوَ اللَّهِ مَا مِنْ حَسَبٍ وَ لَا نَسَبٍ وَ لَا مَالٍ وَ لَا جَمَالٍ ، فَأَيَّةُ امْرَأَةٍ تَرْغَبُ فِيَّ !
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : يَا جُوَيْبِرُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ شَرِيفاً ، وَ شَرَّفَ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَضِيعاً ، وَ أَعَزَّ بِالْإِسْلَامِ مَنْ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ذَلِيلًا ، وَ أَذْهَبَ بِالْإِسْلَامِ مَا كَانَ مِنْ نَخْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ وَ تَفَاخُرِهَا بِعَشَائِرِهَا وَ بَاسِقِ أَنْسَابِهَا ، فَالنَّاسُ الْيَوْمَ كُلُّهُمْ أَبْيَضُهُمْ وَ أَسْوَدُهُمْ وَ قُرَشِيُّهُمْ وَ عَرَبِيُّهُمْ وَ عَجَمِيُّهُمْ مِنْ آدَمَ ، وَ إِنَّ آدَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ طِينٍ ، وَ إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَطْوَعُهُمْ لَهُ وَ أَتْقَاهُمْ ، وَ مَا أَعْلَمُ يَا جُوَيْبِرُ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْكَ الْيَوْمَ فَضْلًا إِلَّا لِمَنْ كَانَ أَتْقَى لِلَّهِ مِنْكَ وَ أَطْوَعَ .
ثُمَّ قَالَ لَهُ : انْطَلِقْ يَا جُوَيْبِرُ إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ فَإِنَّهُ مِنْ أَشْرَفِ بَنِي بَيَاضَةَ حَسَباً فِيهِمْ ، فَقُلْ لَهُ إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ ، وَ هُوَ يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ .
قَالَ : فَانْطَلَقَ جُوَيْبِرٌ بِرِسَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِلَى زِيَادِ بْنِ لَبِيدٍ ، وَ هُوَ فِي مَنْزِلِهِ وَ جَمَاعَةٌ مِنْ قَوْمِهِ عِنْدَهُ ، فَاسْتَأْذَنَ ، فَأُعْلِمَ ، فَأَذِنَ لَهُ .
فَدَخَلَ وَ سَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ ، إِنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ إِلَيْكَ فِي حَاجَةٍ لِي ، فَأَبُوحُ بِهَا ، أَمْ أُسِرُّهَا إِلَيْكَ ؟
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : بَلْ بُحْ بِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ شَرَفٌ لِي وَ فَخْرٌ .
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَقُولُ لَكَ : زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ !
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : أَ رَسُولُ اللَّهِ أَرْسَلَكَ إِلَيَّ بِهَذَا ؟!
فَقَالَ لَهُ : نَعَمْ ، مَا كُنْتُ لِأَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) .
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : إِنَّا لَا نُزَوِّجُ فَتَيَاتِنَا إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَانْصَرِفْ يَا جُوَيْبِرُ حَتَّى أَلْقَى رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) فَأُخْبِرَهُ بِعُذْرِي .
فَانْصَرَفَ جُوَيْبِرٌ وَ هُوَ يَقُولُ : وَ اللَّهِ مَا بِهَذَا نَزَلَ الْقُرْآنُ ، وَ لَا بِهَذَا ظَهَرَتْ نُبُوَّةُ مُحَمَّدٍ ( صلى الله عليه و آله ) .
فَسَمِعَتْ مَقَالَتَهُ الذَّلْفَاءُ بِنْتُ زِيَادٍ وَ هِيَ فِي خِدْرِهَا .
فَأَرْسَلَتْ إِلَى أَبِيهَا ادْخُلْ إِلَيَّ ، فَدَخَلَ إِلَيْهَا .
فَقَالَتْ لَهُ : مَا هَذَا الْكَلَامُ الَّذِي سَمِعْتُهُ مِنْكَ تُحَاوِرُ بِهِ جُوَيْبِراً ؟!
فَقَالَ لَهَا : ذَكَرَ لِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) أَرْسَلَهُ ، وَ قَالَ يَقُولُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ !
فَقَالَتْ لَهُ : وَ اللَّهِ مَا كَانَ جُوَيْبِرٌ لِيَكْذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) بِحَضْرَتِهِ ، فَابْعَثِ الْآنَ رَسُولًا يَرُدُّ عَلَيْكَ جُوَيْبِراً .
فَبَعَثَ زِيَادٌ رَسُولًا فَلَحِقَ جُوَيْبِراً .
فَقَالَ لَهُ زِيَادٌ : يَا جُوَيْبِرُ مَرْحَباً بِكَ ، اطْمَئِنَّ حَتَّى أَعُودَ إِلَيْكَ .
ثُمَّ انْطَلَقَ زِيَادٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، فَقَالَ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي إِنَّ جُوَيْبِراً أَتَانِي بِرِسَالَتِكَ ، وَ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) يَقُولُ لَكَ زَوِّجْ جُوَيْبِراً ابْنَتَكَ الذَّلْفَاءَ ، فَلَمْ أَلِنْ لَهُ بِالْقَوْلِ ، وَ رَأَيْتُ لِقَاءَكَ ، وَ نَحْنُ لَا نَتَزَوَّجُ إِلَّا أَكْفَاءَنَا مِنَ الْأَنْصَارِ .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : يَا زِيَادُ ، جُوَيْبِرٌ مُؤْمِنٌ ، وَ الْمُؤْمِنُ كُفْوٌ لِلْمُؤْمِنَةِ ، وَ الْمُسْلِمُ كُفْوٌ لِلْمُسْلِمَةِ ، فَزَوِّجْهُ يَا زِيَادُ وَ لَا تَرْغَبْ عَنْهُ .
قَالَ : فَرَجَعَ زِيَادٌ إِلَى مَنْزِلِهِ وَ دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ .
فَقَالَ لَهَا مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) .
فَقَالَتْ لَهُ : إِنَّكَ إِنْ عَصَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) كَفَرْتَ ، فَزَوِّجْ جُوَيْبِراً .
فَخَرَجَ زِيَادٌ ، فَأَخَذَ بِيَدِ جُوَيْبِرٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ إِلَى قَوْمِهِ ، فَزَوَّجَهُ عَلَى سُنَّةِ اللَّهِ وَ سُنَّةِ رَسُولِهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، وَ ضَمِنَ صَدَاقَهُ .
قَالَ : فَجَهَّزَهَا زِيَادٌ وَ هَيَّئُوهَا .
ثُمَّ أَرْسَلُوا إِلَى جُوَيْبِرٍ ، فَقَالُوا لَهُ : أَ لَكَ مَنْزِلٌ فَنَسُوقَهَا إِلَيْكَ ؟
فَقَالَ : وَ اللَّهِ مَا لِي مِنْ مَنْزِلٍ .
قَالَ : فَهَيَّئُوهَا ، وَ هَيَّئُوا لَهَا مَنْزِلًا ، وَ هَيَّئُوا فِيهِ فِرَاشاً وَ مَتَاعاً ، وَ كَسَوْا جُوَيْبِراً ثَوْبَيْنِ ، وَ أُدْخِلَتِ الذَّلْفَاءُ فِي بَيْتِهَا ، وَ أُدْخِلَ جُوَيْبِرٌ عَلَيْهَا مُعَتِّماً [4] .
فَلَمَّا رَآهَا نَظَرَ إِلَى بَيْتٍ وَ مَتَاعٍ وَ رِيحٍ طَيِّبَةٍ ، قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ .
فَلَمَّا سَمِعَ النِّدَاءَ خَرَجَ وَ خَرَجَتْ زَوْجَتُهُ إِلَى الصَّلَاةِ ، فَتَوَضَّأَتْ ، وَ صَلَّتِ الصُّبْحَ .
فَسُئِلَتْ : هَلْ مَسَّكِ ؟
فَقَالَتْ : مَا زَالَ تَالِياً لِلْقُرْآنِ وَ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ فَخَرَجَ .
فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّانِيَةُ ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَ أَخْفَوْا ذَلِكَ مِنْ زِيَادٍ .
فَلَمَّا كَانَ الْيَوْمُ الثَّالِثُ ، فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ أَبُوهَا .
فَانْطَلَقَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) ، فَقَالَ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَمَرْتَنِي بِتَزْوِيجِ جُوَيْبِرٍ ، وَ لَا وَ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ مَنَاكِحِنَا ، وَ لَكِنْ طَاعَتُكَ أَوْجَبَتْ عَلَيَّ تَزْوِيجَهُ .
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ( صلى الله عليه و آله ) : فَمَا الَّذِي أَنْكَرْتُمْ مِنْهُ .
قَالَ : إِنَّا هَيَّأْنَا لَهُ بَيْتاً وَ مَتَاعاً ، وَ أُدْخِلَتِ ابْنَتِيَ الْبَيْتَ ، وَ أُدْخِلَ مَعَهَا مُعَتِّماً ، فَمَا كَلَّمَهَا ، وَ لَا نَظَرَ إِلَيْهَا ، وَ لَا دَنَا مِنْهَا ، بَلْ قَامَ إِلَى زَاوِيَةِ الْبَيْتِ ، فَلَمْ يَزَلْ تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً حَتَّى سَمِعَ النِّدَاءَ ، فَخَرَجَ ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي اللَّيْلَةِ الثَّانِيَةِ ، وَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الثَّالِثَةِ ، وَ لَمْ يَدْنُ مِنْهَا ، وَ لَمْ يُكَلِّمْهَا إِلَى أَنْ جِئْتُكَ ، وَ مَا نَرَاهُ يُرِيدُ النِّسَاءَ ، فَانْظُرْ فِي أَمْرِنَا .
فَانْصَرَفَ زِيَادٌ ، وَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِلَى جُوَيْبِرٍ .
فَقَالَ لَهُ : أَ مَا تَقْرَبُ النِّسَاءَ ؟
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : أَ وَ مَا أَنَا بِفَحْلٍ ! بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَشَبِقٌ نَهِمٌ إِلَى النِّسَاءِ .
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : قَدْ خُبِّرْتُ بِخِلَافِ مَا وَصَفْتَ بِهِ نَفْسَكَ ، قَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّهُمْ هَيَّئُوا لَكَ بَيْتاً وَ فِرَاشاً وَ مَتَاعاً ، وَ أُدْخِلَتْ عَلَيْكَ فَتَاةٌ حَسْنَاءُ عَطِرَةٌ ، وَ أَتَيْتَ مُعَتِّماً ، فَلَمْ تَنْظُرْ إِلَيْهَا ، وَ لَمْ تُكَلِّمْهَا ، وَ لَمْ تَدْنُ مِنْهَا ، فَمَا دَهَاكَ إِذَنْ ؟!
فَقَالَ لَهُ جُوَيْبِرٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، دَخَلْتُ بَيْتاً وَاسِعاً ، وَ رَأَيْتُ فِرَاشاً وَ مَتَاعاً وَ فَتَاةً حَسْنَاءَ عَطِرَةً ، وَ ذَكَرْتُ حَالِيَ الَّتِي كُنْتُ عَلَيْهَا وَ غُرْبَتِي وَ حَاجَتِي وَ وَضِيعَتِي وَ كِسْوَتِي مَعَ الْغُرَبَاءِ وَ الْمَسَاكِينِ ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ أَوْلَانِي اللَّهُ ذَلِكَ أَنْ أَشْكُرَهُ عَلَى مَا أَعْطَانِي وَ أَتَقَرَّبُ إِلَيْهِ بِحَقِيقَةِ الشُّكْرِ ، فَنَهَضْتُ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ ، فَلَمْ أَزَلْ فِي صَلَاتِي تَالِياً لِلْقُرْآنِ رَاكِعاً وَ سَاجِداً أَشْكُرُ اللَّهَ حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ ، فَخَرَجْتُ .
فَلَمَّا أَصْبَحْتُ رَأَيْتُ أَنْ أَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ ، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَ لَيَالِيَهَا ، وَ رَأَيْتُ ذَلِكَ فِي جَنْبِ مَا أَعْطَانِي اللَّهُ يَسِيراً ، وَ لَكِنِّي سَأُرْضِيهَا وَ أُرْضِيهِمُ اللَّيْلَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) إِلَى زِيَادٍ فَأَتَاهُ ، فَأَعْلَمَهُ مَا قَالَ جُوَيْبِرٌ ، فَطَابَتْ أَنْفُسُهُمْ .
قَالَ : وَ وَفَى لَهَا جُوَيْبِرٌ بِمَا قَالَ .
ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) خَرَجَ فِي غَزْوَةٍ لَهُ وَ مَعَهُ جُوَيْبِرٌ ، فَاسْتُشْهِدَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَمَا كَانَ فِي الْأَنْصَارِ أَيِّمٌ أَنْفَقُ [5] مِنْهَا بَعْدَ جُوَيْبِرٍ " [6] .
[2] أي الإمام محمد بن علي الباقر ( عليه السَّلام ) ، خامس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
[3] الشَّملة : كساء يشتمل به الرجل ، ( مجمع البحرين : 5 / 404 ، للعلامة فخر الدين بن محمد الطريحي ، المولود سنة : 979 هجرية بالنجف الأشرف / العراق ، و المتوفى سنة : 1087 هجرية بالرماحية ، و المدفون بالنجف الأشرف / العراق ، الطبعة الثانية سنة : 1365 شمسية ، مكتبة المرتضوي ، طهران / إيران ) .
[4] أعتم : دخل في العُتمة ، و عُتمة الليل : ظلام أوله عند سقوط نور الشفق ، ( مجمع البحرين : 6 / 110 ) .
[5] أي أكثر إنفاقاً في سبيل الله من الذَّلْفَاء زوجة جويبر ، و الأيم : من لا زوج له من الرجال و النساء .
[6] الكافي : 5 / 339 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
تعليق