بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
ولله الحمد والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
الذكر:
((وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا))الانسان 25
الذِّكْرُ: الحِفْظُ الذي تَذْكُرُه، وهو أيضاً: جَرْيُ الشيءِ على لِسَانِكَ، وقيل حفظ المعارف والاعتقادات الحقة في باطن الروح..
انّ من الأعمال الجيدة والمحبوبة ذكر الله تعالى على كل حال بالأذكار المعروفة فنردّدها في الصلوات وبعدها وعند النوم بل بكل ساعاتنا وكلّما سنح ذلك، ولكن أن تبقى هذه الأذكار مجرد لقلقة لسان فلا تتعدّى الشفتين فلا يعتبر ذلك ذكراً بالمعنى الحقيقي بل هو أدنى مراتب الذكر، نعم كمرحلة أولى يطلب ذلك ويثاب عليه، قال الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله ((أحب الأعمال إلى الله سبحة الحديث، قيل: وما سبحة الحديث؟ قال: يكون القوم يحدثون والرجل يسبح))..
والذكر في حقيقته هو أن يحضّ على الطاعة ويمنع من ارتكاب الحرام، فقد كان من وصايا النبي صلّى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام ((واذكر الله على كل حال، وليس هو: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر، ولكن إذا ورد على مايحرم عليه خاف الله عزَّ وجلَّ عنده وتركه))..
ومن هنا يُعلم بأنّ الذكر ذكران ذكر لفظي يجري على اللسان فقط ولا يصل الى القلب، وذكر قلبي يتحرك القلب فيه مع حركة الشفاه بل يكون منطلقاً من القلب باتجاه الشفاه فتتحرك تبعاً له ((وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً))الأعراف 206..
ولا شك انّ المراد هو الثاني إذ هو المطلوب والذي يحقق النتائج المرجوّة والصعود بالنفس الى السمو والارتقاء..
لذا يجب أن يكون العبد من الذاكرين وفي كل الأحوال ولا يغفل عن ذلك، فانّ من ينشغل بأمور الدنيا وينسى ذكر ربّه سيكون من الخاسرين ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ))المنافقون 9..
ولنعلم بأن عدم الذكر- ولو بأبسط مراتبه- له أسباب يجب علينا الوقوف عليها لنعالجها، وهذه الأسباب هي التي أوجدت تلك الحجب والأدران المتكلسة على القلب فتمنعه من ذكر الله عزّ وجلّ، فمن الطبيعي أن لا يستقبل هذا القلب النور، مع انّ هذا النور موجود لكن هذا القلب اللاهي والغافل يصد ذلك النور ولا يجذبه بسبب وجود تلك الموانع، فكلما كان ذلك القلب صافياً وخالياً من تلك الموانع تجده يشع من ذلك النور بقدر خلوه وصفائه فيكون أقرب فأقرب من الباري عزّ وجلّ- لذا تتدرج مراتب الايمان لدى العبد- فترى ذلك واضحاً على تصرفاته وأفعاله..
وليس ذلك أن نقول بأن الذكر اللفظي لا فائدة منه، بل انّ البداية تكون منه، بحيث يجب علينا أن نداوم عليه حتى تصبح ملكة مع محاولة التدبّر والتفكر فيه بين الحين والآخر حتى ينتقل ذلك الذكر من مرحلة اللسان الى مرحلة القلب حتى يرى الذاكر نفسه بأن يقوم بالذكر من غير قصد منه الى درجة يصل الى مرحلة يستوحش من عدم الذكر وكأنه فاقد لشئ كالحبيب المفارق لحبيبه فلا يستقر القلب في مكانه ويكون قلقاً الى أن يحصل الذكر فيسكن ويطمئن ((أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ))- كيف لا وهو اللقاء بأعزّ المحبوبين بل بالمحبوب الأوحد- فكيف يستوحش بعد ذلك وهو القائل عزّ وعلا ((أنا جليس من ذكرني))، ومن هنا تبتدئ المرحلة الثانية..
وهي المرحلة التي يكون مبدؤها القلب ونهايتها اللسان، فيكون القلب ذاكراً واللسان مردّدا بعده، وهذه هي المرحلة المرجوة والمنشودة والتي منها ينطلق المؤمن الى ما شاء الله من العوالم المقربة منه تعالى، وكلما كان أقرب كلما كانت الافاضة الالهية أكثر وأكبر فعن أبي عبد الله عليه السلام قال: ((ان الله يقول من شغل بذكري عن مسألتي اعطيته افضل ما أعطي من سألني))، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله الجنة؟ فقال: مجالس الذكر، اغدوا وروحوا واذكروا))، فلا يبقى للشيطان مجال أن ينفذ الى ذلك القلب بل يطرد من تلك المملكة التي تصبح لله وحده، خرج على أصحابه فقال: ((ارتعوا في رياض الجنة، قالوا: يا رسول الله وما رياض فقد ورد في الحديث ((إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإذا ذكر الله خنس، وإن نسي الله التقم قلبه))..
وما هي إلاّ أيام معدودة وسفر ينتهي وقته ويحين أجله فيجمع الانسان ما حصد. فلنتقي الله ونجعل أنفسنا ذاكرة لله تعالى ولا ندع الدنيا تنسينا ما خلقنا لأجله...
تعليق