بسم الله الرحمن الرحيم
الشروط التي يراها القرآن الكريم لتحقق النصر متعددة وتتفق في بعضها مع الشروط والمقومات التي تراها القوى التي لا ترتبط بالسماء، ولكنها تتميز عنها بمجموعة من هذه المقومات، فوفق الموازين المادية فإن النصر حليف من يمتلك أقوى الأسلحة، والترسانات الضخمة، والعدد الهائل من الجيوش، في حين يرى القرآن أن النصر حليف الفئة التي تحمل الإيمان والاعتقاد الراسخ بعقيدتها
>... كمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ < البقرة 249.
نصر الله
> ... وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم< آل عمران: 126
كثير من الآيات تؤكد ان النصر الإلهي للقوى الرسالية العاملة في سبيله بشرط صدقها وإخلاصها وإيمانها برسالتها وأهدافها .
فعنصر نصر الله إذا كان لا يمكن إثباته، بمعنى عدم إخضاعه للتجربة، فلا يمكن نفيه قطعاً، على ان هناك العديد من الحوادث التاريخية لا يمكن تفسيرها إلا بالنصر الإلهي، ومنها الانتصار الرائع لفئة قليلة مؤمنة لا عدة لها ولا عديد على فئة كبيرة مدججة بالسلاح والعتاد والذخيرة، وقد اخبرنا القرآن بالتدخل السماوي في المعارك لصالح المسلمين، ومن المدد السماوي الأخبار الغيبية التي كان ينزل بها جبرائيل ليحذر الرسول 2من أمور لا يعلم بها، وأمثال ذلك .
فالفئة المؤمنة تملك الإيمان المطلق بالغيب، والثقة بالله سبحانه وتعالى، ليس في الجانب العقلي والقلبي والتطبيق العملي للأحكام الشرعية فحسب، بل في جانب تأثير الأسباب المادية في الأشياء، وعلاقة الغيب في التأثير بالنصر، والهزيمة، والقوة، والضعف، والعزيمة، والفشل، فان هذا الإيمان من الصفات التي يتميز بها المؤمنون عن غيرهم فهم يؤمنون بالإسناد الإلهي، والتوفيق الإلهي؛ لان القدرة لله جميعاً، والإمكانات بيد الله سبحانه وتعالى:
>الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً< يونس: 65
وسنتعرض إلى سرد المهم من هذه العوامل التي تشكل الدعامة الأساسية للنصر في الصراع الذي يخوضه المقاتلون في ساحات المعارك والمواجهات:
1ـ الإيمان بعدالة وأحقية القضية التي تؤمن بها الأمة وتجاهد و تضحّي لأجلها وفي سبيلها تقدم أغلى ما تستطيع لتحقيق النصر فيها، و التحرك لنصر الله جل وعلا:
>يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ< محمد 7 .
نعم فالنصر هو نصر الله ، وهو وعد الله الصادق الذي وعد به الصالحين من عباده المؤمنين:
>َ...كَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ< الروم 47.
وهو وعده الذي تكرم به عنده قوله سبحانه:
> إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ <غافر:51.
ولاينبغي لهم اليأس من النصر الإلهي في أقصى الحالات والظروف، فإن النصر قد يأتي في لحظة يبدو فيها أن لا أمل في النصر، والذي يعبر عنه بحالة استيئاس الرسل:
>حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ< يوسف: 110.
2 ـ القيادة المؤمنة والواعية والأمينة والرشيدة والقادرة على تحمل مسؤولية قيادة الجهاد والمجاهدين، وهمها العمل لصالح الأمة وعزّها ونصرها، فحين تمتلك الأمة قيادة رشيدة فذلك يعني امتلاكها للنصر، لأن القيادة لها الدور البارز في توجيه، وتنظيم الطاقات، ودفعها نحو الهدف المراد تحقيقه .
و من بين الصفات التي ينبغي ان يتمتع بها القائد ـ وهي كثيرة ـ فبالإضافة إلى التقوى، الخبرة والوعي للظروف، ونفاذ البصيرة، و الشجاعة في اتخاذ القرار، والقدرة على تمييز المصالح الإسلامية العليا، وتكاملية الرؤية، فاختيار المكان، والزمان، والرجال، وفق خطة، وفق بصيرة واضحة، ثم نقل هذه الرؤية إلى أصحابه حتى يحثهم على الإقدام في مواجهة العدو، فتكون عندهم الأهلية لمواجهة العدو والتغلب عليه، والمراقب لتاريخ الرسالات الربانية يجد بوضوح الدور الكبير للقيادة المؤمنة في تحقيق الانتصارات الباهرة لقافلة المؤمنين .
وكان اللازم على المؤمنين والمقاتلين السمع والطاعة لأمر الله وأمر الرسول والتفاني في تنفيذ أوامر القيادة لأنها تدعوهم لنصرة الله وتدعوهم لما يحييهم:
>يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنواْ أَطِيعواْ اللّهَ وَرَسولَه وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْه وَأَنتمْ تَسْمَعونَ< الأنفال: 20.
وهذه القيادة تعبأ المؤمنين على القتال وتحرضهم، وتزرع في نفوسهم الهمة والروحية العالية التي تجعلهم على أتم الاستعداد لمواجهة أعدائهم دون الوجل من عدتهم وعديدهم، فيكون الواحد في مقابل الكثير:
>يَا أَيّهَا النَّبِيّ حَرِّضِ الْمؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكن مِّنكمْ عِشْرونَ صَابِرونَ يَغْلِبواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكن مِّنكم مِّئَةٌ يَغْلِبواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرواْ بِأَنَّهمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهونَ* الآنَ خَفَّفَ اللّه عَنكمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكمْ ضَعْفًا فَإِن يَكن مِّنكم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكن مِّنكمْ أَلْفٌ يَغْلِبواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّه مَعَ الصَّابِرِينَ< آية 65 – 66.
3 ـ الطليعة الرسالية ، فهم أولاً رجال الله، ثم أنهم رجال الإسلام، وهذه الطليعة كانت تمتاز عن غيرها بصفات منها: الشوق للشهادة ، و الحب والولاء للقيادة الشرعية، فكل واحد منهم كان يريد أن يتقدم للدفاع عن الحق ولو أدى إلى الشهادة، فهم على عقيدة بسمو أهدافهم التي جعلتهم يستميتون في القتال دفاعا عن تلك الأهداف مما جعلهم أكثر الناس سعيا إلى الموت في سبيل الله، وليس محض حب الموت فهم يحبون الحياة لإعلاء كلمة الله في الأرض، وتحقيق الأمل الرباني في وراثة الأرض، لكنهم يسترخصون أرواحهم للأهداف السامية، فكانوا يأملون أن يكونوا من أصحاب الجنة حيث يعيشون في ظل العناية الإلهية والرعاية الربانية فرحين بما آتاهم الله من فضله، فهم جند الله :
>و إِ نَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ< الصافات:173
وهم حزب الله:
>... أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ< المجادلة: 22
نعم إن وجود هذه الطليعة التي هي قليلة العدد، لكنها تتدفق إيماناً بالله، وإيماناً بقضاياها الإسلامية العادلة هو الذي يمكن الأمة من النصر، فهم باعوا أنفسهم لله وتاجروا مع الله فوعدهم الله المغفرة والرحمة ولقاء الله سبحانه وتعالى:
> وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ Q وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ < آل عمران:157ـ 158.
> ... وَ الشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ... < الْحديد: 19.
> وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ Q فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ < آل عمران:169ـ 170.
وفي نفس الوقت حذرهم من الفرار من المعركة والوعيد للمنهزمين أمام الأعداء بالعذاب الشديد، فعليهم الوقوف أمام الأعداء وان لا يتراجعوا أمامهم، بل يكونوا كالطود الشامخ :
>يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنواْ إِذَا لَقِيتم الَّذِينَ كَفَرواْ زَحْفاً فَلاَ توَلّوهم الأَدْبَارَ< الأنفال: 15.
وبين لهم ان طريق العزة وأسس النصر بالثبات والصبر واستحضار عظمة الله تعالى والاعتصام بالمدد الرباني الذي يعينهم على الثبات والوقوف بشموخ أمام أعداء الله ورسوله:
>يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنواْ إِذَا لَقِيتمْ فِئَةً فَاثْبتواْ وَاذْكرواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكمْ تفْلَحونَ< الأنفال:45.
وأوضح لهم أن ما يدعو إليه الرسول هو العزة والسعادة في الدنيا والآخرة، والحياة الحقيقية التي يتمناه كل مؤمن:
>يَا أَيّهَا الَّذِينَ آمَنواْ اسْتَجِيبواْ لِلّهِ وَلِلرَّسولِ إِذَا دَعَاكم لِمَا يحْيِيكمْ وَاعْلَمواْ أَنَّ اللّهَ يَحول بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّه إِلَيْهِ تحْشَرونَ< الأنفال: 24.
وفي النهاية يجب على هذه الثلة المؤمنة التوكل على الله تعالى في أداء العمل، واستمراره، واستمداد العون منه تعالى؛ للتوفيق في الاختيار، وفي القدرة على أداء الوظيفة بالنحو الأحسن، وذلك في كل خطوة يخطونها، فيتذكرون الله وقدرته، وإحاطته بكل الأمور، وعلمه بالمصلحة، وان النصر بيده، والتوفيق بيده.
4 ـ وحدة الأمة والتفافها حول قضاياها الكبرى والمصيرية، باتجاه تحقيق أهدافها، والتي تتمثل بوحدة القرار والموقف، وهو أمر يرتبط بوحدة القيادة، والالتفاف حولها، وبوحدة الهدف والمعركة، في تركيز اهتمامها على مواجهة الطغيان، والاستبداد، هذه الوحدة تعطي الأمة القوة والعزّة و الكرامة والصمود في وجه التحديات الكبرى ومؤامرات الأعداء، وقد منّ الله سبحانه وتعالى على المؤمنين إذ وحّدهم بعد أن كانوا أعداءاً متفرقين وجعلهم امة واحدة مهما اختلفت ألوانهم وأجناسهم:
>وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ Q فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ< آل عمران: 103.
بل وصل الأمر في حث المؤمنين على الاتحاد في القتال إلى درجة عبر الله سبحانه وتعالى عنها بمحبته للمؤمنين المقاتلين إذا كان قتالهم كالبنيان المرصوص في اتحادهم وتماسكهم مع بعضهم:
> إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ < الصف: 4 .
أن توحيد الصفوف واجتماع الكلمة هما الدعامة الوطيدة لبقاء الأمة ودوام دولتها ونجاح رسالتها، فإن توحيد كلمة الأمة سر بقاء الدين الخالد وهو ضمانة الأمة لحمل الرسالة الخالدة لأجل أن تصل إلى جميع بقاع المعمورة وبالنهاية الفخر بأداء التكليف الذي شرفنا الله سبحانه بتحمله:
>وَأَطِيعواْ اللّهَ وَرَسولَه وَلاَ تَنَازَعواْ فَتَفْشَلواْ وَتَذْهَبَ رِيحكمْ وَاصْبِرواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ<الأنفال آية 46.
وضرب لهم الأمثال كي يحذروا عواقب الفرقة والاختلاف بعد أن منّ عليهم بالدين الحنيف والبينات، وهددهم من طرف خفي حيث أوضح لهم عاقبة الذين تفرقوا بعد مجيء البينات انما هي العذاب الإلهي العظيم:
>وَلاَ تَكونواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقواْ وَاخْتَلَفواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهم الْبَيِّنَات وَأوْلَـئِكَ لَهمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ< آل عمران 105
ولذا حرص أعداء الأمة على تفريق كلمتها وتشتيت شملها وتمزيق وحدتها، لعلهم بان هذا الطريق الأهم للتغلب عليها.
وتاريخ الأمة أكد لنا ان النصر كان حليفا لها عندما كانت يدا واحدة، ولم يستطع الأعداء النيل منها إلاّ بعد أن دب الاختلاف فيها وصارت شيعاً، ولقد حذر القرآن المسلمين من عاقبة الفرقة والتنازع فقال:
> وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ < آل عمران : 105.
5ـ وَأَعِدّوا لَهمْ مَا اسْتَطَعْتمْ مِنْ قوَّةٍ
أرشد القرآن الأمة والمؤمنين للإعداد وسنة الأخذ بالأسباب وأهمية التخطيط:
>وَأَعِدّوا لَهمْ مَا اسْتَطَعْتمْ مِنْ قوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ترْهِبونَ بِهِ عَدوَّ اللَّهِ وَعَدوَّكمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دونِهِمْ لَا تَعْلَمونَهم اللَّه يَعْلَمهمْ وَمَا تنْفِقوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يوَفَّ إِلَيْكمْ وَأَنْتمْ لَا تظْلَمونَ< الأنفال: 60 .
مبيناً أن التوكل على الله لا ينافي الأخذ بالأسباب؛ إذ إن ذلك من صميم العبودية لله، فإعداد الأفراد الربانيين، والقيادة الربانية، ومحاربة أسباب الفرقة، والاستعداد لدفع كيد الأعداء الذين يتربصون بالأمة الدوائر، هذا الإعداد مهمة الأمة بأجمعها فالخطاب الرباني موجهة للجميع وشرف امتثاله كذلك للجميع .
والتعبير القرآني"ما استطعتم" يشير إلى بذل أقصى حدود الطاقة، فلا يتوان المؤمنون عن سبب من أسباب القوة يدخل في طاقتها، فالكل مطالب ان يهيأ كل ما يمكن لأجل الهدف الذي تتوقف عليه حياة الجماعة المؤمنة وبالنهاية يتوقف عليه الهدف الإلهي من تكريم الإنسان بالخلافة على هذه الأرض:
>إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ...< الأحزاب : 72.
ومساحة الاستعداد والإعداد تشمل جميع المجالات فهناك الإعداد الاقتصادي والإعداد الإعلامي والإعداد الأمني والإعداد العسكري، فالإسلام لم يتجاهل موازين القوى في معاركه العسكرية، ولم يقل لمعتنقيه أن الإيمان والعزيمة كافيان لتحقيق الانتصار ـ على الأهمية التي يوليها الإسلام لهذين العنصرين ـ بل حثهم بالإضافة إلى ذلك على مواصلة الإعداد واختيار اللحظة المناسبة بعد تقدير الموقف بكل تفاصيله والإعداد لوقت القتال والمنازلة مع الأعداء الذين هم أيضا يعدون العدة كذلك ويحاولوا ما أمكنهم لدحر الإيمان وأهله.
وعد الله المؤمنين بالنصر والإمداد الغيبي ومؤازرة الملائكة لهم في جهادهم، ولكن بالتخطيط والاستعداد، وتغيير أنفسهم وجعلها ملائمة لم أمر الله به، فقد جعل الله سبحانه وتعالى سنناً لابد من رعايتها ليصل الإنسان إلى مراده:
>ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَك مغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يغَيِّرواْ مَا بِأَنفسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ< الأنفال: 53 .
الرعب
ونختم الحديث هنا بالحديث عن سلاح خفي أيّد الله به أنبيائه والمؤمنين من عباده وهو سلاح الرعب ، وأهمية هذا التأييد والسلاح واضحة؛ لان السلاح مهما كان متطورا فتاكا لا يجدي نفعا إذا سلب صاحبه إرادة القتال، وتضعضع جانبه المعنوي .
وسلاح الرعب والخوف، وسلب المعنويات من أمضى واظهر الأسلحة التي أيد الله بها نبي الإسلام، في صراعه المرير مع قوى الشرك والنفاق والكفر.
ففي مواجهة النبي 2 مع بني النضير، ألقى الله الرعب في قلوب اليهود حتى استوعبها كلها:
>هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ< الحشر: 2.
تعليق