وفاة أبي ذر الغفاري ( رضي الله عنه )
في ذي الحجة سنة ( 32 هـ ) توفي أبو ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) ، وهو : جندب بن جنادة بن سكن ، كان من خيار أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أسلم رابع أربعة ، أو خامس خمسة ، صحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد هاجر الى المدينة الى أن مات ، ويكفي في جلاله شأنه قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) له : ( ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ) ومناقبه كثيرة مشهورة ، وزهده من المشهورات .
وبعد تولي عثمان الأمر من نفاه الى الشام ، وذلك لما أعطى عثمان الى مروان بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى الحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم ، جعل أبو ذر يقول : بشر الكانزين بعذاب إليم ، ويتلوا قوله تعالى ( وَالَّذيِنِ يَكّنزُوُنَ الذَّهَبَ وَاْلِفضَّةَ . . ) ، فرفع ذلك مروان الى عثمان ، فأرسل إليه أن انته عما يبلغني عنك ، فقال : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله ، فو الله لئن أرضى الله بسخط عثمان أحب الي وخير لي من أسخط الله برضاه ، فأغضب عثمان ذلك ، وأحفضه وتصابر .
وقال عثمان يوماً : يجوز من الأمام أن يأخذ من المال ، فأذا أيسر قضى ؟ فقال كعب الأخبار : لا بأس بذلك ، فقال أبو ذر : يا بن اليهوديين ، أتعلمنا ديننا فقال عثمان : قد أذاك لي وتولعك بأصحابي ، إلحق بالشام . فأخرجه إليها .
فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها ، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار ، فقال أبو ذر : أن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وأن كانت صلة فلا حاجة لي فيها ، وردها عليه .
وبنى معاوية الخضراء بدمشق ، فقال أبو ذر : يا معاوية ، إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهو الاسراف .
وكان أبو ذر يقول : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ماهي في كتاب ولا سنة نبيه ، والله إني لا أرى حقاً يطفأ وباطلاً يحيا .
فقال حبيب بن مسلم لمعاوية : إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله إن كانت لكم حاجة فيه . فكتب معاوية الى عثمان فيه ،فكتب عثمان : أما بعد ، فاحمل جندباً الي على أغلظ مركب ، وأوعره ، فوجه به على شارف ليس عليه إلا قتب حتى قدم به الى المدينة وقد سقط لحم فخذيه .
وروي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قاله له : لا أنعم الله بك عيناً يا جنديب
فقال أبو ذر : أنا جنديب وسماني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبد الله . فقال عثمان : أنت الذي تزعم أنا نقول يد الله مغلولة ، وإن الله فقير ونحن أغنياء ؟ فقال أبو ذر : لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده ، ولكني أشهد لسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال الله دولاً ، وعبادة الله خولاً ، ودين الله دخلاً . . . ) .
ثم أن عثمان دخل على الناس يقاعدوا أبا ذر أو بكلموه ، فمكث كذلك أياماً ، ثم أمر به أن يؤتى به ، فلما أتى به وقف بين يديه ، وقال : ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورأيت أبو بكر وعمر ّ ! هل هذا هديهم ّ! إنك لتبطش بن بطش جبار ، فقال : أخرج عنا من بلادنا . . . أمض على وجهك هذا ، ولا تعدون الربذة .
وروي أن عثمان قال : أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقة بغير وطاء ، ثم أنجو به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة ، فانزلوه بها من غير أنيس . . .
فأخرجوه متعتعاً ملهوزاً بالعصي ، وتقدم إلا ويشيعه أحد من الناس ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فبكى حتى بل لحيتهّ بدموعه ، ثم قال : أهكذا يصنع برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ إنا لله وأنا إليه راجعون ، ثم نهض ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن العباس والفضل وقثم وعبيد الله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه ، فلما بصر بهم أبا ذر ( رضي الله عنه ) حنة إليهم وبكى عليهم وقال : بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). . . ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم أني أحبهم ، ولو قطعت أربا أرباً في محبتهم . . .
فارجعوا رحمكم الله . . . فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه .
ومكث أبو ذر في الربذة حتى مات ، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته : إذبحي شاة من غنمك واصنعيها ، فاذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق ، فاول ركب ترينهم قولي : يا عباد المسلمين ، هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخبرني أني أموت في أرض غربة ، وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة علي الرجال من أمتى صالحون .
فروي عن محمد بن علقمة قال : خرجت في رهط أريكد الحج ، منهم مالك بن الأشتر ، حتى قدمنا الربذة ، فأذا أمرأة على الطريق تقول : يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله وآله عليه وسلم ) قد هلك غريباً ليس لي أحد يعنيني عليه ، قال : فنظر بعضاً إلى بعض ، وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظم المصيبة ، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كنفه حتى خرج من بيننا بالسواء ، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه ، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى بنى عليه ، ثم دفناه ، فقال مالك : اللهم هذا أبو ذر صاحب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين ، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكرأ فغيره بلسانه وبقلبه حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ، ثم مات وحيداً غريباً ، اللهم أقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : فرفعنا أيدينا جميعناً وقلنا : آمين ، ثم قدمت الشاه التي صنعت ، فقالت : إنه أقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تتغدوا ، فتغدينا وارتحلنا
في ذي الحجة سنة ( 32 هـ ) توفي أبو ذر الغفاري ( رضي الله عنه ) ، وهو : جندب بن جنادة بن سكن ، كان من خيار أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، أسلم رابع أربعة ، أو خامس خمسة ، صحب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد هاجر الى المدينة الى أن مات ، ويكفي في جلاله شأنه قول النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) له : ( ما أضلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر ) ومناقبه كثيرة مشهورة ، وزهده من المشهورات .
وبعد تولي عثمان الأمر من نفاه الى الشام ، وذلك لما أعطى عثمان الى مروان بن الحكم ما أعطاه ، وأعطى الحارث بن الحكم ثلاثمائة ألف درهم ، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم ، جعل أبو ذر يقول : بشر الكانزين بعذاب إليم ، ويتلوا قوله تعالى ( وَالَّذيِنِ يَكّنزُوُنَ الذَّهَبَ وَاْلِفضَّةَ . . ) ، فرفع ذلك مروان الى عثمان ، فأرسل إليه أن انته عما يبلغني عنك ، فقال : أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله ، وعيب من ترك أمر الله ، فو الله لئن أرضى الله بسخط عثمان أحب الي وخير لي من أسخط الله برضاه ، فأغضب عثمان ذلك ، وأحفضه وتصابر .
وقال عثمان يوماً : يجوز من الأمام أن يأخذ من المال ، فأذا أيسر قضى ؟ فقال كعب الأخبار : لا بأس بذلك ، فقال أبو ذر : يا بن اليهوديين ، أتعلمنا ديننا فقال عثمان : قد أذاك لي وتولعك بأصحابي ، إلحق بالشام . فأخرجه إليها .
فكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها ، فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار ، فقال أبو ذر : أن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها ، وأن كانت صلة فلا حاجة لي فيها ، وردها عليه .
وبنى معاوية الخضراء بدمشق ، فقال أبو ذر : يا معاوية ، إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة ، وإن كانت من مالك فهو الاسراف .
وكان أبو ذر يقول : والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها ، والله ماهي في كتاب ولا سنة نبيه ، والله إني لا أرى حقاً يطفأ وباطلاً يحيا .
فقال حبيب بن مسلم لمعاوية : إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام ، فتدارك أهله إن كانت لكم حاجة فيه . فكتب معاوية الى عثمان فيه ،فكتب عثمان : أما بعد ، فاحمل جندباً الي على أغلظ مركب ، وأوعره ، فوجه به على شارف ليس عليه إلا قتب حتى قدم به الى المدينة وقد سقط لحم فخذيه .
وروي أن أبا ذر لما دخل على عثمان قاله له : لا أنعم الله بك عيناً يا جنديب
فقال أبو ذر : أنا جنديب وسماني رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبد الله . فقال عثمان : أنت الذي تزعم أنا نقول يد الله مغلولة ، وإن الله فقير ونحن أغنياء ؟ فقال أبو ذر : لو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده ، ولكني أشهد لسمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ( إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلاً جعلوا مال الله دولاً ، وعبادة الله خولاً ، ودين الله دخلاً . . . ) .
ثم أن عثمان دخل على الناس يقاعدوا أبا ذر أو بكلموه ، فمكث كذلك أياماً ، ثم أمر به أن يؤتى به ، فلما أتى به وقف بين يديه ، وقال : ويحك يا عثمان أما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ورأيت أبو بكر وعمر ّ ! هل هذا هديهم ّ! إنك لتبطش بن بطش جبار ، فقال : أخرج عنا من بلادنا . . . أمض على وجهك هذا ، ولا تعدون الربذة .
وروي أن عثمان قال : أخرجوه من بين يدي حتى تركبوه قتب ناقة بغير وطاء ، ثم أنجو به الناقة وتعتعوه حتى توصلوه الربذة ، فانزلوه بها من غير أنيس . . .
فأخرجوه متعتعاً ملهوزاً بالعصي ، وتقدم إلا ويشيعه أحد من الناس ، فبلغ ذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، فبكى حتى بل لحيتهّ بدموعه ، ثم قال : أهكذا يصنع برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ إنا لله وأنا إليه راجعون ، ثم نهض ومعه الحسن والحسين وعبد الله بن العباس والفضل وقثم وعبيد الله حتى لحقوا أبا ذر فشيعوه ، فلما بصر بهم أبا ذر ( رضي الله عنه ) حنة إليهم وبكى عليهم وقال : بأبي وجوه إذا رأيتها ذكرت بها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). . . ثم رفع يديه إلى السماء وقال : اللهم أني أحبهم ، ولو قطعت أربا أرباً في محبتهم . . .
فارجعوا رحمكم الله . . . فودعه القوم ورجعوا وهم يبكون على فراقه .
ومكث أبو ذر في الربذة حتى مات ، فلما حضرته الوفاة قال لامرأته : إذبحي شاة من غنمك واصنعيها ، فاذا نضجت فاقعدي على قارعة الطريق ، فاول ركب ترينهم قولي : يا عباد المسلمين ، هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أخبرني أني أموت في أرض غربة ، وأنه يلي غسلي ودفني والصلاة علي الرجال من أمتى صالحون .
فروي عن محمد بن علقمة قال : خرجت في رهط أريكد الحج ، منهم مالك بن الأشتر ، حتى قدمنا الربذة ، فأذا أمرأة على الطريق تقول : يا عباد الله المسلمين هذا أبو ذر صاحب رسول الله ( صلى الله وآله عليه وسلم ) قد هلك غريباً ليس لي أحد يعنيني عليه ، قال : فنظر بعضاً إلى بعض ، وحمدنا الله على ما ساق إلينا واسترجعنا على عظم المصيبة ، ثم أقبلنا معها فجهزناه وتنافسنا في كنفه حتى خرج من بيننا بالسواء ، ثم تعاونا على غسله حتى فرغنا منه ، ثم قدمنا مالك الأشتر فصلى بنى عليه ، ثم دفناه ، فقال مالك : اللهم هذا أبو ذر صاحب الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبدك في العابدين وجاهد فيك المشركين ، لم يغير ولم يبدل ، لكنه رأى منكرأ فغيره بلسانه وبقلبه حتى جفي ونفي وحرم واحتقر ، ثم مات وحيداً غريباً ، اللهم أقصم من حرمه ونفاه من مهاجره وحرم رسولك ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، قال : فرفعنا أيدينا جميعناً وقلنا : آمين ، ثم قدمت الشاه التي صنعت ، فقالت : إنه أقسم عليكم ألا تبرحوا حتى تتغدوا ، فتغدينا وارتحلنا
تعليق