ثمّ قال أمير المؤمنين (عليه السلام):
يَاكُمَيْلُ ! هَلَكَ خُزَّانُ اَلْأَمْوَالِ وَ هُمْ أَحْيَاءٌ ، وَ اَلْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ اَلدَّهْرُ أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ أَمْثَالُهُمْ فِي اَلْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ .
(أي: إنَّ الاغنياء وأصحاب الثروة البعيدين عن العلم إنما هم في حال حياتهم بحكم الاموات، وذلك لأنَّهم جاهلون ، وغافلون عن الأحكام الشرعية المترتبة عليهم من وجوب الخمس أو الزكاة أو الحج أوغيرها، أوغافلون عن الطرق الشرعية لكسب المال ، فقد يقع التاجر في الربا ، والكسب الحرام دون أن يشعر بسبب جهله بالأحكام الشرعية، فهو في حكم الميت بسبب جهله بالعذاب والعقاب الَّذي ينتظره، فقد قال الله تعالى:
( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ )
فإخبار أمير المؤمنين عن خزان الأموال بأنَّهم أموات في حال حياتهم نظير إخبار الله تعالى عن الكفَّار الَّذين يدعون من دون الله تعالى بأنَّهم أموات غير أحياء فقال :
(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ)
أي: والذين يدعون من دون الله أموات،فهم لايعلمون أي وقت يحشرهم الله للجزاء والحساب، بل ذلك لايعلمه الا الله تعالى.
وبعد ذلك قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَ اَلْعُلَمَاءُ بَاقُونَ مَا بَقِيَ اَلدَّهْرُ) أي: وأما العلماء فإنهم باقون بانوارهم وآثارهم ، ومتنعمون بفواكه أعمالهم، ما بقيت الأجيال تنتفع بثمار عقولهم و جهودهم ،( أَعْيَانُهُمْ مَفْقُودَةٌ وَ أَمْثَالُهُمْ فِي اَلْقُلُوبِ مَوْجُودَةٌ) أي: إن أجساد العلماء وأشخاصهم وإن فقدت وفنيت، لكن أَمْثَالُهُمْ أي: حكمهم وجواهر أقوالهم غير فانية بل هي ثابتة مستقرة في عقول أشباههم ينتفعون بها دائما فيؤجرون على هذه الصدقة الجارية.
تعليق