إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حَمَلَهَا الْانسَنُ إِنَّهُ كاَنَ ظَلُومًا جَهُولًا

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حَمَلَهَا الْانسَنُ إِنَّهُ كاَنَ ظَلُومًا جَهُولًا

    بسم الله الرحمن الرحيم

    إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلىَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبَالِ فَأَبَينْ‏َ أَن يحَْمِلْنهََا وَ أَشْفَقْنَ مِنهَْا وَ حَمَلَهَا الْانسَنُ إِنَّهُ كاَنَ ظَلُومًا جَهُولًا(72) سورة الاحزاب

    صدق الله العلي العظيم


    عيون أخبار الرضا- عليه السّلام 1/ 306، ح 66 :
    في باب ما جاء عن الرّضا- عليه السّلام- من الأخبار المتفرّقة، بإسناده إلى الحسين بن خالد قال: سألت عليّ بن موسى الرّضا- عليه السّلام- عن قول اللَّه- عزّ و جلّ-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها (الآية)
    فقال: الأمانة، الولاية. من ادّعاها بغير حقّ ، فقد كفر.



    تفسير كنز الدقائق و بحر الغرائب، ج‏10، ص: 451
    و في معاني الأخبار/ 108- 110، ح 1 :
    بإسناده إلى محمّد بن سنان، عن المفضّل بن عمر قال:
    قال أبو عبد اللَّه- عليه السّلام-: إنّ اللَّه- تبارك و تعالى- خلق الأزواج قبل الأجساد بألفي عام. فجعل أعلاها و أشرفها أرواح محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمّة - عليهم السّلام-. فعرضها على السّماوات و الأرض و الجبال، فغشيها نورهم.
    فقال اللَّه- تبارك و تعالى- السّماوات و الأرض و الجبال: هؤلاء أحبّائي و أوليائي‏ و حججي على خلقي و أئمّة بريّتي، ما خلقت خلقا هو أحبّ إليّ منهم. لهم و لمن تولّاهم خلقت جنّتي، و لمن خالفهم و عاداهم خلقت ناري. فمن ادّعى منزلتهم منّي و محلّهم من عظمتي، عذّبته عذابا لا أعذّبه أحدا من العالمين، و جعلته مع المشركين في أسفل درك من ناري. و من أقرّ بولايتهم و لم يدّع منزلتهم منّي و معانهم من عظمتي، جعلته معهم في روضات جنّاتي، و كان لهم فيها ما يشاءون عندي، و أبحتهم كرامتي، و أحللتهم جواري، و شفّعتهم في المذنبين من عبادي و إمائي. فولايتهم أمانة عند خلقي. فأيّكم يحملها بأثقالها و يدّعيها لنفسه ؟
    فأبت السّماوات و الأرض و الجبال أن يحملنها و أشفقن منها، من ادّعاء منزلتها و تمنّي محلّها من عظمة ربّهم .
    فلمّا أسكن اللَّه- عزّ و جلّ- آدم و زوجته الجنّة قال لهما : كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ، يعني: شجرة الحنطة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ.
    فنظر إلى منزلة محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم- صلوات اللَّه عليهم- فوجداها أشرف منازل أهل الجنّة.
    فقالا: ربّنا، لمن هذه المنزلة؟
    فقال اللَّه- جل جلاله-: ارفعا رؤوسكما إلى ساق العرش .
    فرفعا رؤوسهما، فوجدا أسماء محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و الأئمة بعدهم عليهم السّلام مكتوبة على ساق العرش بنور اللَّه الجبّار- جلّ جلاله.
    فقالا: يا ربّنا، ما أكرم أهل هذه المنزلة عليك، و ما أحبّهم إليك، و ما أشرفهم لديك! فقال اللَّه- جلّ جلاله- لولاهم ما خلقتكما. هؤلاء خزنة علمي و أمنائي على سريّ. إيّاكما أن تنظر إليهم بعين الحسد و تتمنّيا منزلتهم عندي و محلّهم من كرامتي، فتدخلا بذلك في نهي و عصياني فتكونا من الظّالمين.
    قالا: ربّنا، و من الظّالمون؟
    قال: المدّعون لمنزلتهم بغير حقّ.
    قالا: ربّنا، فأرنا منازل ظالميهم في نارك حتّى نراها، كما رأينا منزلتهم في جنّتك.
    فأمر اللَّه- تبارك و تعالى- النّار، فأبرزت جميع ما فيها من ألوان النكال و العذاب.
    و قال- عزّ و جلّ-: مكان الظّالمين لهم المدّعين منزلتهم في أسفل درك منها، كلّما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها، و كلّما نضجت جلودهم بدّلناهم سواها ليذوقوا العذاب. يا آدم و يا حوّاء، لا تنظر إلى أنواري و حججي بعين الحسد فأهبطكما عن جواري و أحلّ بكما هواني فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما، وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ و حملهما على تمنيّ منزلتهم، فنظرا إليهم بعين الحسد فخذلا حتّى أكلا من شجرة الحنطة، فعاد مكان ما أكلا شعيرا. فأصل الحنطة كلّها ممّا لم يأكلاه، و أصل الشّعير كلّه ممّا عاد مكان ما أكلاه.
    فلمّا أكلا من الشّجرة، طار الحليّ و الحلل عن أجسادهما و بقيا عريانين وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ، وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ قالَ اهْبِطا من جواري فلا يجاورني في جنّتي من يعصيني. فهبطا موكولين إلى أنفسهما في طلب المعاش.
    فلمّا أراد اللَّه- عزّ و جلّ- أنّ يتوب عليهما، جاءهما جبرائيل- عليه السّلام- فقال لهما: إنكما إن ظلمتما أنفسكما بتمنّي منزلة من فضّل عليكما، فجزاؤكما ما قد عوقبتما من الهبوط من جوار اللَّه إلى أرضه. فسألا ربّكما بحقّ الأسماء الّتي رأيتموها على سابق العرش حتّى يتوب عليكما.
    فقالا: اللّهمّ، إنّا نسألك بحقّ الأكرمين عليك، محمّد و عليّ و فاطمة و الحسن‏ و الحسين و الأئمّة، إلّا تبت علينا و رحمتنا. فتاب اللَّه عليهما، إنّه هو التّوّاب الرّحيم. فلم يزل أنبياء اللَّه بعد ذلك يحفظون هذه الأمانة و يخبرون بها أوصيائهم و المخلصين من أمّتهم، فيأبون حملها و يشفقون من ادّعائها، و حملها الإنسان الّذي قد عرف. فأصل كلّ ظلم منه، إلى يوم القيامة. و ذلك قول اللَّه- عزّ و جلّ-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا.




    و في أصول الكافي 1/ 413، ح 2:
    محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين، عن إسحاق بن عمّار، عن رجل، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ و جلّ-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا.
    قال: هي ولاية أمير المؤمنين- عليه السّلام-.



    و في نهج البلاغة / 317- 318، ذيل خطبة 199:
    ثمّ أداء الأمانة، فقد خاب من ليس أهلها. إنّها عرضت على السّماوات المبنيّة و الأرض المدحوّة و الجبال ذات الطّول المنصوبة، فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم منها، و لو امتنع شي‏ء بطول أو عرض أو قوّة أو عزّلا امتنعن، و لكن أشفقن من العقوبة و عقلن ما جهل من أضعف منهنّ و هو الإنسان إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا.


    و في كتاب الاحتجاج 1/ 364 و 374، للطّبرسيّ- رحمه اللَّه-:
    عن أمير المؤمنين- عليه السّلام- حديث طويل. يقول فيه- عليه السّلام- لبعض الزّنادقة- و قد قال: و أجده يقول: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا.
    فما هذه الأمانة، و من هذا الإنسان؟ و ليس من صفة القدير الحكيم التّلبيس على عباده.
    و أمّا الأمانة الّتي ذكرتها، فهي الأمانة الّتي لا تجب و لا تجوز أن تكون إلّا في الأنبياء و أوصيائهم. لأنّ اللَّه- تبارك و تعالى- ائتمنهم على خلقه و جعلهم حججا في أرضه.
    فبالسّامريّ و من اجتمع معه و أعانه من الكفّار على‏ عبادة العجل عند غيبة موسى، ما تمّ انتحال محلّ موسى من الطّغام و الاحتمال لتلك الأمانة الّتي لا ينبغي إلّا لطاهر من‏ الرّجس. فاحتمال وزرها و وزر من سلك سبيله من الظّالمين و أعوانهم. و لذلك قال النّبيّ- صلّى اللَّه عليه و آله و سلم-: من استنّ بسنّة حقّ، كان له أجرها و أجر من عمل بها إلى يوم القيامة. و من استنّ سنّة باطل، كان عليه و وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة.


    و في عوالي اللّآلئ 1/ 324، ح 62:
    و في الحديث أنّ عليّا- عليه السّلام- إذا حضرت وقت الصّلاة يتململ و يتزلزل و يتلوّن.
    فيقال له: مالك، يا أمير المؤمنين؟
    فيقول: جاء وقت الصّلاة، وقت أمانة عرضها اللَّه‏ على السّماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها.


    و في بصائر الدرجات/ 96، ح 3 :
    أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد ، عن عثمان بن سعيد، عن مفضّل بن صالح، عن جابر، عن أبي جعفر- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ و جلّ-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها قال: الولاية. فأبين أن يحملنها كفرا بها و عنادا ، و حملها الإنسان. و الإنسان الّذي حملها، أبو فلان.


    و في تأويل الآيات الباهرة، مخطوط، ص 168:
    روى محمّد بن العبّاس- رحمه اللَّه- عن الحسين بن عامر، عن محمّد بن الحسين، عن الحكم بن مسكين ، عن إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللَّه- عليه السّلام- في قول اللَّه- عزّ و جلّ-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً لنفسه جَهُولًا قال: يعني بها: ولاية عليّ بن أبي طالب.


    و يؤيّده ما
    رواه الشّيخ محمّد بن يعقوب- رحمه اللَّه بطريق آخر: عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن مسكان ، عن إسحاق بن عمّار في قوله- عزّ و جلّ-: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ (إلى آخر الآية) قال: هي الولاية لأمير المؤمنين- صلوات اللَّه عليه و على ذرّيّته الطّيّبين، صلاة باقية دائمة إلى يوم الدّين‏

  • #2
    تفسر الميزان:

    قوله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا - إلى قوله - غفورا رحيما» الأمانة - أيا ما كانت - شيء يودع عند الغير ليحتفظ عليه ثم يرده إلى من أودعه، فهذه الأمانة المذكورة في الآية شيء ائتمن الله الإنسان عليه ليحفظ على سلامته و استقامته ثم يرده إليه سبحانه كما أودعه.
    و يستفاد من قوله: «ليعذب الله المنافقين و المنافقات» إلخ، أنه أمر يترتب على حمله النفاق و الشرك و الإيمان، فينقسم حاملوه باختلاف كيفية حملهم إلى منافق و مشرك و مؤمن.
    فهو لا محالة أمر مرتبط بالدين الحق الذي يحصل بالتلبس به و عدم التلبس به النفاق و الشرك و الإيمان.
    فهل هو الاعتقاد الحق و الشهادة على توحده تعالى أو مجموع الاعتقاد و العمل بمعنى أخذ الدين الحق بتفاصيله مع الغض عن العمل به، أو التلبس بالعمل به أو الكمال الحاصل للإنسان من جهة التلبس بواحد من هذه الأمور.
    و ليست هي الأول أعني التوحيد فإن السماوات و الأرض و غيرهما من شيء توحده تعالى و تسبح بحمده، و قد قال تعالى: «و إن من شيء إلا يسبح بحمده»: إسراء: 44، و الآية تصرح بإبائها عنه.

    و ليست هي الثاني أعني الدين الحق بتفاصيله فإن الآية تصرح بحمل الإنسان كائنا من كان من مؤمن و غيره له و من البين أن أكثر من لا يؤمن لا يحمله و لا علم له به، و بهذا يظهر أنها ليست بالثالث و هو التلبس بالعمل بالدين الحق تفصيلا.
    و ليست هي الكمال الحاصل له بالتلبس بالتوحيد فإن السماوات و الأرض و غيرهما ناطقة بالتوحيد فعلا متلبسة به.
    و ليست هي الكمال الحاصل من أخذ دين الحق و العلم به إذ لا يترتب على نفس الاعتقاد الحق و العلم بالتكاليف الدينية نفاق و لا شرك و لا إيمان و لا يستعقب سعادة و لا شقاء و إنما يترتب الأثر على الالتزام بالاعتقاد الحق و التلبس بالعمل.
    فبقي أنها الكمال الحاصل له من جهة التلبس بالاعتقاد و العمل الصالح و سلوك سبيل الكمال بالارتقاء من حضيض المادة إلى أوج الإخلاص الذي هو أن يخلصه الله لنفسه فلا يشاركه فيه غيره فيتولى هو سبحانه تدبير أمره و هو الولاية الإلهية.
    فالمراد بالأمانة الولاية الإلهية و بعرضها على هذه الأشياء اعتبارها مقيسة إليها و المراد بحملها و الإباء عنه وجود استعدادها و صلاحية التلبس بها و عدمه، و هذا المعنى هو القابل لأن ينطبق على الآية فالسماوات و الأرض و الجبال على ما فيها من العظمة و الشدة و القوة فاقدة لاستعداد حصولها فيها و هو المراد بإبائهن عن حملها و إشفاقهن منها.
    لكن الإنسان الظلوم الجهول لم يأب و لم يشفق من ثقلها و عظم خطرها فحملها على ما بها من الثقل و عظم الخطر فتعقب ذلك أن انقسم الإنسان من جهة حفظ الأمانة و عدمه بالخيانة إلى منافق و مشرك و مؤمن بخلاف السماوات و الأرض و الجبال فما منها إلا مؤمن مطيع.
    فإن قلت: ما بال الحكيم العليم حمل على هذا المخلوق الظلوم الجهول حملا لا يتحمله لثقله و عظم خطره السماوات و الأرض و الجبال على عظمتها و شدتها و قوتها و هو يعلم أنه أضعف من أن يطيق حمله و إنما حمله على قبولها ظلمه و جهله و أجرأه عليه غروره و غفلته عن عواقب الأمور فما تحميله الأمانة باستدعائه لها ظلما و جهلا إلا كتقليد مجنون ولاية عامة يأبى قبولها العقلاء و يشفقون منها يستدعيها المجنون لفساد عقله و عدم استقامة فكره.
    قلت: الظلم و الجهل في الإنسان و إن كانا بوجه ملاك اللوم و العتاب فهما بعينهما مصحح حمله الأمانة و الولاية الإلهية فإن الظلم و الجهل إنما يتصف بهما من كان من شأنه الاتصاف بالعدل و العلم فالجبال مثلا لا تتصف بالظلم و الجهل فلا يقال: جبل ظالم أو جاهل لعدم صحة اتصافه بالعدل و العلم و كذلك السماوات و الأرض لا يحمل عليها الظلم و الجهل لعدم صحة اتصافها بالعدل و العلم بخلاف الإنسان.
    و الأمانة المذكورة في الآية و هي الولاية الإلهية و كمال صفة العبودية إنما تتحصل بالعلم بالله و العمل الصالح الذي هو العدل و إنما يتصف بهذين الوصفين أعني العلم و العدل الموضوع القابل للجهل و الظلم فكون الإنسان في حد نفسه و بحسب طبعه ظلوما جهولا هو المصحح لحمل الأمانة الإلهية فافهم ذلك.
    فمعنى الآيتين يناظر بوجه معنى قوله تعالى: «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون»: التين: 6.

    فقوله تعالى: «إنا عرضنا الأمانة» أي الولاية الإلهية و الاستكمال بحقائق الدين الحق علما و عملا و عرضها هو اعتبارها مقيسة إلى هذه الأشياء.
    و قوله: «على السماوات و الأرض و الجبال» أي هذه المخلوقات العظيمة التي خلقها أعظم من خلق الإنسان كما قال: «لخلق السماوات و الأرض أكبر من خلق الناس»: المؤمن: 57، و قوله: «فأبين أن يحملنها و أشفقن منها» إباؤها عن حملها و إشفاقها منها عدم اشتمالها على صلاحية التلبس و تجافيها عن قبولها و في التعبير بالحمل إيماء إلى أنها ثقيلة ثقلا لا يحتملها السماوات و الأرض و الجبال.
    و قوله: «و حملها الإنسان» أي اشتمل على صلاحيتها و التهيؤ للتلبس بها على ضعفه و صغر حجمه «إنه كان ظلوما جهولا» أي ظالما لنفسه جاهلا بما تعقبه هذه الأمانة لو خانها من وخيم العاقبة و الهلاك الدائم.
    و بمعنى أدق لكون الإنسان خاليا بحسب نفسه عن العدل و العلم قابلا للتلبس بما يفاض عليه من ذلك و الارتقاء من حضيض الظلم و الجهل إلى أوج العدل و العلم.
    و الظلوم و الجهول وصفان من الظلم و الجهل معناهما من كان من شأنه الظلم و الجهل نظير قولنا: فرس شموس و دابة جموح و ماء طهور أي من شأنها ذلك كما قاله الرازي أو معناهما المبالغة في الظلم و الجهل كما ذكر غيره، و المعنى مستقيم كيفما كانا.
    و قوله: «ليعذب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات» اللام للغاية أي كانت عاقبة هذا الحمل أن يعذب الله المنافقين و المنافقات و المشركين و المشركات و ذلك أن الخائن للأمانة يتظاهر في الأغلب بالصلاح و الأمانة و هو النفاق و قليلا ما يتظاهر بالخيانة لها و لعل اعتبار هذا المعنى هو الموجب لتقديم المنافقين و المنافقات في الآية على المشركين و المشركات.
    و قوله: «و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات و كان الله غفورا رحيما» عطف على «يعذب» أي و كان عاقبة ذلك أن يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات، و التوبة من الله هي رجوعه إلى عبده بالرحمة فيرجع إلى الإنسان إذا آمن به و لم يخن بالرحمة و يتولى أمره و هو ولي المؤمنين فيهديه إليه بالستر على ظلمه و جهله و تحليته بالعلم النافع و العمل الصالح لأنه غفور رحيم.
    فإن قلت: ما هو المانع من جعل الأمانة بمعنى التكليف و هو الدين الحق و كون الحمل بمعنى الاستعداد و الصلاحية و الإباء هو فقده و العرض هو اعتبار القياس فيجري فيه حينئذ جميع ما تقدم في بيان الانطباق على الآية.
    قلت: نعم لكن التكليف إنما هو مطلوب لكونه مقدمة لحصول الولاية الإلهية و تحقق صفة العبودية الكاملة فهي المعروضة بالحقيقة و المطلوبة لنفسها.
    و الالتفات في قوله: «ليعذب الله» من التكلم إلى الغيبة و الإتيان باسم الجلالة للدلالة على أن عواقب الأمور إلى الله سبحانه لأنه الله.
    و وضع الظاهر موضع المضمر في قوله: «و يتوب الله على المؤمنين و المؤمنات» للإشعار بكمال العناية في حقهم و الاهتمام بأمرهم.

    و لهم في تفسير الأمانة المذكورة في الآية أقوال مختلفة: فقيل: المراد بها التكاليف الموجبة طاعتها دخول الجنة و معصيتها دخول النار و المراد بعرضها على السماوات و الأرض و الجبال اعتبارها بالنسبة إلى استعدادها و إباؤهن عن حملها و إشفاقهن منها عدم استعدادهن لها، و حمل الإنسان لها استعداده، و الكلام جار مجرى التمثيل.
    و قيل: المراد بها العقل الذي هو ملاك التكليف و مناط الثواب و العقاب.
    و قيل: هي قول لا إله إلا الله.
    و قيل: هي الأعضاء فالعين أمانة من الله يجب حفظها و عدم استعمالها إلا فيما يرتضيه الله تعالى، و كذلك السمع و اليد و الرجل و الفرج و اللسان.
    و قيل: المراد بها أمانات الناس و الوفاء بالعهود.
    و قيل: المراد بها معرفة الله بما فيها و هذا أقرب الأقوال من الحق يرجع بتقريب ما إلى ما قدمنا.
    و كذلك اختلف في معنى عرض الأمانة عليها على أقوال: منها: أن العرض بمعناه الحقيقي غير أن المراد بالسماوات و الأرض و الجبال أهلها فعرضت على أهل السماء من الملائكة و بين لهم أن في خيانتها الإثم العظيم فأبوها و خافوا حملها و عرض على الإنسان فلم يمتنع.
    و منها: أنه بمعناه الحقيقي و ذلك أن الله لما خلق هذه الأجرام خلق فيها فهما و قال لها: إني فرضت فريضة و خلقت جنة لمن أطاعني فيها و نارا لمن عصاني فيها فقلن: نحن مسخرات لما خلقتنا لا نحتمل فريضة و لا نبغي ثوابا و لا عقابا و لما خلق آدم عرض عليه ذلك فاحتمله و كان ظلوما لنفسه جهولا بوخامة عاقبته.
    و منها: أن المراد بالعرض المعارضة و المقابلة، و محصل الكلام أنا قابلنا بهذه الأمانة السماوات و الأرض و الجبال فكانت هذه أرجح و أثقل منها.
    و منها أن الكلام جار مجرى الفرض و التقدير و المعنى: أنا لو قدرنا أن السماوات و الأرض و الجبال فهما، و عرضنا عليها هذه الأمانة لأبين حملها و أشفقن منها لكن الإنسان تحملها.
    و بالمراجعة إلى ما قدمناه يظهر ما في كل من هذه الأقوال من جهات الضعف و الوهن فلا تغفل
    بحث روائي:
    و في نهج البلاغة،: ثم أداء الأمانة فقد خاب من ليس من أهلها إنها عرضت على السماوات المبنية و الأرض المدحوة و الجبال ذات الطول المنصوبة فلا أطول و لا أعرض و لا أعلى و لا أعظم منها و لو امتنع شيء بطول أو عرض أو قوة أو عز لأمتنعن و لكن أشفقن من العقوبة، و عقلن ما جهل من هو أضعف منهن و هو الإنسان إنه كان ظلوما جهولا.
    و في الكافي، بإسناده عن إسحاق بن عمار عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام): في قول الله عز و جل: «إنا عرضنا الأمانة» الآية، قال: هي ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام).
    أقول: المراد بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) ما كان هو أول فاتح لبابه من هذه الأمة و هو كون الإنسان، بحيث يتولى الله سبحانه أمره بمجاهدته فيه بإخلاص العبودية له دون الولاية بمعنى المحبة أو بمعنى الإمامة و إن كان ظاهر بعض الروايات ذلك بنوع من الجري و الانطباق

    تعليق


    • #3
      اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد وعجّل فرجهم

      وردت في نزول هذه الآية المباركة تفاسير كثيرة منها وأكثرها تواتراً وإجماعاً عند مفسّرينا جزاهم الله خيراًأنها ولاية أمير المؤمنن سلام الله عليه هذا باطن معناها أما ظاهره فهي الأمانة الأخلاقية التي يجب أن يتّسم بها صاحب الخُلُق الكريم كونه إنساناً متكاملاً كي لا يكون (ظلوماً جهولاً) لإن من يجهل يظلم , وحيث أن الجهل يقابله العلم ,,والظلم يقابله العدل فهما صفتان تكونان لذوي العقول ولا تكونا للجماد كالسموات والأرض والجبال التي أتت طائعة لأمر الله دون أي نقاش فعندما عرض الولاية على جميع المخلوقات أقرّت بها وسجدت لأمر الله ,,
      وسجود المخلوقات التي أخبرنا بها القرآن الكريم هو الإمتثال المطلق لأمر الله , اما الناس فمنهم من سجد ( أي أقرّ وأطاع ) وكثير منهم حقّ عليهم العذاب لإمتناعه عن السجود,,
      اما ما قلتم أخونا الفاضل عن حسد آدم وحواء عليهما السلام لمنزلة النبي الأكرم وأهل بيته عليهم السلام فهو أمرٌ يحتاج الى تدقيق أكثر وأظن أنه مبالغ فيه لإنّ آدم عليه السلام نبي والأنبياء منزّهون عن هذه النقيصة والتي هي أم الرذائل ,,,
      الأخ الفاضل ( كربلاء),,
      بوركتم وجزاكم الله خير الجزاء ,,
      وجعل القرآن نور قلبكم وضياء بصركم.

      ياأيها المصباح كلُّ ضلالة

      لمّا طلعتَ ظلامُها مفضوحُ

      ياكبرياء الحقِّ أنتَ إمامه


      وبباب حضرتكَ الندى مطروحُ

      تعليق


      • #4
        بسم الله الرحمن الرحيم
        أعتذر منكم ولكن حاشى لله أن ينظر أحد أنبياء الله أو أحد المعصومين بعين الحسد الى ما أنزله الله سبحانه وتعالى فنبينا آدم وحواء سلام الله على نبينا وعليهما الصلاة السلام
        بل كل الانبياء والاولياء غبطت مولانا بهذه الكرامة
        والغبطة غير الحسد..فهما من توسلا بآل البيت ..
        في تفسير الميزان للسيد محمد حسين الطبطبائي:انا عرضنا الامانة:أي الولاية الالهية, على السموات والارض والجبال :
        أي هذه المخلوقات العظيمة التي خلقها الله أعظم من خلق الانسان كما قال تعالى في سورة غافر:"لخق السموات والارض أكبر من خلق الانسان"أي انها ثقيلة أبين ان يحملنها وحملها الانسان أي اشتمل غلى صلاحيتها والتهيؤ للتلبس بها على ضعفه وصغر حجمه انه كان ظالما لنفسه جاهلا بما تعقبه الامانة لو خانها من وخيم العقبة والهلاك الدائم ..فلذلك أتبعها آية عذاب للمنافقين والمشركين ولم يذكر المفسرون أنها نزلت بآدم وحواء .أقول
        صفة الحسد لا تليق بالمعصوم والا تنافت هذه الصفة عنه ولا يتبعه أحد أذا كان المعصوم ليس منزها عن مثل هذه الصفات لن يكون قدوة لنا وأصبح هناك تبرير لمن ظلم آل البيت (ع) لانهم كل موضوعهم الحسد منهم عذرا على هذه المشاركة ولكنها فقط للتوضيح.......
        وتقبلوا مرورنا على صفحتكم أختكم ولاأقصد الاساءة...
        نرجس
        التعديل الأخير تم بواسطة متيمة الكفيل; الساعة 04-03-2011, 12:33 PM.
        السلام عليك يا أبا عبد الله
        نور عيني يا حسين

        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X