المعاصي ( ظلم للنفس، ظلم للناس أنواعها.. آثارها النفسية.. أسبابها الدافعة )
معنى المعصية
المعصية : هي رفض التطابق مع إرادة الله.. إرادة الحق والخير.. ولذا كانت المعصية اسماً يطلق على كل فعل يمتنع به الإنسان عن موافقة إرادة الخير، المتمثّلة في القوانين والأحكام، التي جاءت بها الشرائع الإلهية، وأدركتها العقول السليمة، والفطرة النقية، التي لم تمسّها شوائب الضلال والانحراف.
والمعصية في عرف الإسلام، عبارة عن الخروج على الطاعة بترك الواجبات وفعل المحرّمات.
وتعاني البشرية اليوم، من شرور المعاصي التي تعتبر من أخطر أمراض الإنسان وأسباب مآسيه.. وتبذل الأمم والشعوب والحكومات الآن جهوداً ضخمة، لمكافحة المعصية، التي هي الجريمة والرذيلة والانحراف ـ ولكن وفق تصورها الخاص بالجريمة ـ فتنفق الأموال الطائلة، وتجنّد القوى البشرية الكثيفة، وتؤسّس السجون وتقيم المحاكم، وتنشئ المعاهد لدراسة الجريمة، وكيفية علاجها، وتسعى بأساليب علمية وفنية مختلفة في الإعلام والتربية والتوجيه، في محاولة منها لإصلاح الإنسان الشاذّ، وتصحيح سلوكه، حفظاً للأمن، ودفعاً للعدوان، وإصلاحاً لسلوك الأفراد والجماعات ـ حسب وعيها ومفهومهاـ ولكن دونما جدوى، فقد غدت الجريمة، أبرز ظاهرة في حياة الإنسان، وأعقد مشكلة في حياته.
والسبب في ذلك يعود إلى فشل مناهج الإصلاح نفسها، وعجز طريقة العلاج التي لجأ الإنسان إليها، بعد خروجه على قاعدة القانون الإلهي في الحياة، وبعد أن دخلت وسائل مكافحة العصيان والجريمة، هي نفسها في دائرة العصيان والجريمة، ـ في كثير من الأحيان ـ عندما ابتعدت عن تعاليم الله تعالى.
أنواع المعصية
شخَّص الإسلام حقيقة المعصية، وأوضح الأفعال التي تعدُّ معصية في مفهومه وشريعته، فقد اعتبر تحقّق المعصية يتم فيما يلي من الأعمال والمواقف:
1. التقصير بحقوق الله والاستهانة بها، كالصلاة والصوم والحج.
2. ارتكاب المحرّمات، والجنوح إلى الشذوذ الفردي، كشرب الخمر والرياء والنفاق، والزنا، والتكبّر والغرور، وإيذاء النفس، واللهو المحرّم من رقص وغناء.. الخ. والعاصي في كلتا الحالتين، يعتبر ظالماً لنفسه، لأنه قد عرض نفسه للعقوبة والحرمان، وغضب الله في الآخرة.
3. المعاصي التي يتعدى ضررها إلى الآخرين، ويكون الفرد أو المجتمع ضحية لعدوان العصاة وجريمتهم، ومرتكب هذه المعصية يسمّى (ظالماً للناس).
وهذه المعاصي تؤدّي إلى هدم النظام الحياتي العام، وإرباك الأمن، كالقتل والسرقة، والخيانة والغيبة، والغشّ والظلم، والغبن والربا والاحتكار.. إلخ.
وبهذا يكون مفهوم المعصية في الشريعة الإسلامية؛ أوسع وأشمل من مفهوم الجريمة أو الجنحة أو الجناية في القوانين الوضعية؛ لأن القانون الوضعي يحصر المخالفات في الصنف الثالث من أصناف المعصية التي تسبّب ضرراً للآخرين، أما الصنفان الأول والثاني فليسا بجريمة في نظره ولا عقوبة عليهما، وبهذا فتح الباب واسعاً أمام الجريمة والمخالفات، فأصبح المجتمع الإنساني الآن يعاني من الجريمة والشذوذ وكثرة المخالفات، وصار القانون الوضعي(1) نفسه سبباً لتعاطي الجريمة والتشجيع عليها، عندما أباح الخمر ـ مثلاً ـ ولعب القمار والزنا، فإنه فتح الباب واسعاً لجرائم القتل والسرقة، والتزوير والاختطاف.. الخ، لأن هذه الأخيرة، هي نتيجة حتمية لشرب الخمر والزنا والقمار..
وهكذا فعل عندما أباح الربا والاحتكار، فشجع الظلم، وانتشار الفقر، ونشوء الصراع الدامي والحروب والخراب، وسفك الدماء وتدمير الحضارة.. بعكس التشريع الإسلامي الذي استأصل كل عوامل الجريمة ومظاهرها، إذ جاء تقويم الإسلام شاملاً للسلوك الإنساني، ودافعاً لتطهير وجدان الفرد وذاته الباطنة من عوامل الجريمة، ودوافع التفكير بالمعصية، تمهيداً لتطهير مجتمعه وحياته وعلاقاته من أثر هذا الانحراف والإجرام.
الآثار النفسية للمعصية
المعصية حدث وموقف إنساني، يولد وينمو في داخل الذات الإنسانية، ثم يتجسّد ويظهر نتيجة للاختيار والفعل الذي يمارسه الإنسان.. ولا يمكن لهذا الفعل أو الحدث أن يقع في عالم الإنسان، دون أن يترك بصماته وآثاره على لوحة النفس الإنسانية.. فكل فعل يصدر من الإنسان ـ أخيراً كان أم شرّاً ـ يترك أثره في تكوين الإنسان النفسي، وسلوكه الاعتيادي، فالذنوب والمعاصي إذا ما تراكمت وتجمعت، صنعت حاجباً ضبابياً، يحول بين النفس وبين رؤية النور، وتلمّس طريق الاستقامة.. فهناك علاقة طبيعية، بين تراكم المعاصي، وبين التطبّع والاعتياد على الانحراف وتشكيل شخصية إنسانية معقّدة ومريضة..
وقد تحدّث القرآن الكريم، عن هذه الوضعية الإنسانية المنحرفة، ولخّص تحليلها وأسسها النفسية، وأبعادها السلوكية، قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة، 10].
(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين، 14].
(... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف، 5].
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...) [البقرة، 74].
فهذا التحليل القرآني، يمنح الإنسان رؤية علمية، ويبصِّره بأثر المعصية في النفس الإنسانية، ويحذره من المردودات السلبية، التي تنعكس على النفس، وتحوّل الشخص السوي إلى شخص مدمن على الجريمة، معتاد على المعصية.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله))(2).
لذلك أمر الإنسان المسلم أن لا يستهين بذنب، ولا يستصغر معصية، وأن يحاسب نفسه ويستغفر؛ كلما أذنب أو عصى؛ لتتسع المسافات والأبعاد النفسية بينه وبين المعصية، وليبقى يقظ الضمير، سليم النفس، مستقيم السلوك.
أسباب المعصية
العاصي لا يقدم على المعصية، والمجرم لا يفعل الجريمة حين يفعلها، إلاّ وهو واقع تحت تأثير عوامل ودوافع ذاتية، وأخرى خارجية، تقوده إلى تزيين الشرّ والجريمة، وتحبّب له العصيان والانحراف: ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) [فاطر، 8].
فيقدم العاصي على ارتكاب تلك الحماقة متأثراً بهذه العوامل أو تلك.. وواقعاً تحت تأثيرها، وهو يوهم نفسه أن ما يفعله كان ضرورياً ومقبولاً.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً) [الكهف، 103-104].
لذا فهو يبحث عن المبرر المعقول لديه، فيقنع نفسه بصحة فعله، لذلك وضع الإسلام منهجاً متكامل الخطوات، يعمل على أساس الوقاية والعلاج، لاستئصال المعصية، ومكافحة الجريمة، وإنقاذ الإنسان بتتبّع منابع الجريمة، وأسباب المعصية، وقلع جذورها، أما هذه الأسباب فأهمها:
1. الجهل وعدم الوضوح:
يلعب الجهل دوراً خطيراً في حياة الإنسان، فهو سبب رئيس من أسباب الضلال والضياع، وهو عامل من عوامل الفساد والانحراف، ذلك لأن الجاهل لا يدرك خطورة فعله، ولا يعرف نتائج سلوكه المشين، لذا فإن الجريمة أو المخالفة، تقلّ بين العلماء والمفكرين والمثقفين، إذا ما قيسوا بالمجتمع الذي ينتمون إليه فكراً وسلوكاً.
ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا، أن العلم الحقيقي، الذي يصون الإنسان عن الجريمة والمعصية بالدرجة الأولى، هو العلم بالله، ومعرفة علاقة الوجود به، وموقع الإنسان من هذا الوجود، ومن تلك العلاقة بالله.. وبدون هذا التشخيص لا يستطيع الإنسان أن يُقوّم حقيقة سلوكه، ونتيجة فعله. لذا ترى بعض العلماء والمفكرين من الذين لا يؤمنون بالله تعالى يقدمون على أبشع الجرائم في التخطيط لحروب الإبادة البشرية، أو صنع وسائل الخراب والدمار.
وصدق الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وآله في جوابه حينما سئل: ((أي الناس شر؟ قال العلماء إذا فسدوا))(3).
إن هذه الطبقة من حملة العلم والثقافة المادية، التي تجهل علاقتها الحقيقية بخالق الوجود، تتساوى مع طبقة الجهّال الذين لم يستضيئوا بنور المعرفة.
والجاهل هو المعرض دائماً عن رسالة الحق، المتنكر لدعوة الخير، لذا جاء في القرآن في وصف هذه الفئة من الناس: (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [الأحقاف، 23].
(إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ)[النمل، 80 - 81].
فالقرآن يردّ أسباب الكفر والضلال والمعصية إلى الجهل، لأنه يحول بين صاحبه وبين رؤية الحق، لذلك أرسل الله سبحانه الأنبياء والرسل، وحثّ على طلب العلم والمعرفة.. ليتمكن الإنسان من تحصيل خيره وسعادته، فيصغي إلى صوت الحق، ويستجيب لدعوة الخير.
2. الانحراف النفسي:
والعنصر الثاني من عناصر صنع المعصية والجريمة، هو الانحراف النفسي، والمرض الأخلاقي الذي تصاب به الشخصية، بسبب البيئة أو التربية أو الوراثة.. إلخ، لأن النفس البشرية، تكون في بداية تكوّنها سليمة ما لم تطرأ عليها عوامل الانحراف، فإن هي تعرّضت لتلك العوامل المرضية، أمكن معالجتها، وتطهير أعماقها، وتصحيح مسارها؛ لتتطابق مع قانون الفطرة العام، وتصبح قادرة على الالتزام والاستقامة.
أما إذا انحرفت النفس الإنسانية عن خطها الفطري السليم، بسبب اختلال توازنها، واضطراب محفزاتها وغاياتها، ولم تخضع لعملية معالجة وتطهير، فإنها تصاب بحالة مرضية مستعصية، فتجنح للانحراف بدل الاستقامة، وللتفريط بدل الاعتدال.. فتطغى عليها النوازع الشهوانية، والاندفاعات البهيمية.. كالأنانية الميتة، والكبرياء، والحقد، والجشع، والحرص، والانتقام، والشعور بالنقص، والنهم الحسي الذي يقود المريض إلى السقوط تحت وطأة اللذة الحسية وعدم الشبع منها.. إلخ، فيلجأ المريض المنحرف إلى القتل والسرقة والزنا والكذب والاحتيال والغشّ وشرب الخمر والظلم، ورفض الإيمان بالله والتحلّل من قيم الأخلاق، لذلك حشد الإسلام كل الوسائل الكفيلة لاقتلاع جذور الانحراف النفسي، والشذوذ المرضي، لإصلاح الفرد والعودة به من شقاء المعصية إلى طمأنينة الطاعة وسعادتها، فاستعرض القرآن كثيراً من شخصيات المنحرفين، واهتمّ بتحليل تركيبها، وكشف أعماقها السوداء، لكي يعرف الإنسان سبب ضلاله ومعصيته، فقال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [يونس، 75].
(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة، 10].
(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين، 13 - 14].
وبهذا يشرح القرآن حقيقة الدوافع المرضية الكامنة وراء الانحراف والجريمة؛ ليؤكد أن هؤلاء المنحرفين هم ذوو قلوب مريضة، ونفوس منحرفة، يطغى عليهم الفساد والكبرياء، لذلك يتنكرون للحق والرشاد، ويتعمّدون المعصية والضلال، تأثراً بتلك الدوافع المرضية التي غطت وعيهم وإحساسهم السليم.
3. الحاجة:
للإنسان حاجة طبيعية، من الغذاء واللباس والجنس والسكن واللوازم الحياتية المختلفة، فهو يبذل جهوده لتحصيلها، والاطمئنان على توفرها.. فإن حالت دون توفرها الحواجز، وعجز عن تحصيلها في ظل نظام جائر، لا يكفل له حاجته، ولا يسدّ فقره ونواقصه، لجأ إلى المعصية والجريمة.. فيسرق ويقتل ويزني ويكذب ويغشّ ويحتال من أجل أن يشبع حاجته، بطرق محرمة، وبوسائل ملتوية شاذّة.
وقد عالج الإسلام موضوع الحاجة، ووضع التشريعات القانونية، وثبّت القيم الأخلاقية التي تتكفّل بسدّ حاجة كلّ فرد من أفراد المجتمع، وتساعد على استئصال جذور الجريمة وتقريب الأفراد من الطاعة والاستقامة، واعتبر الفقر سبباً من أسباب الانحراف.. فقد ورد في الحديث الشريف: ((نِعْم العون على تقوى الله الغنى))(4).
وورد في حديث آخر: ((غنىً يحجزك عن الظلم خيرٌ من فقر يحملك على الإثم))(5).
ولم يعتبر مخالفة القانون في وقت الاضطرار والضرورات القصوى جريمة ولا معصية؛ لأن المقدم عليها لا يحمل نفسية المجرم، ولا يقصد المعصية أو التجرّؤ والخروج على القانون؛ بل تضطرّه الظروف المحيطة به إلى الخروج والتجاوز المؤقت.
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة، 173].
وبعكس المجتمع الإسلامي، فإن المجتمعات غير الإسلامية، التي يقع أفرادها تحت ضغط الحاجة، يجدون أنفسهم مدفوعين إلى مخالفة القانون والنظام، الذي فرض عليهم الجريمة، عندما لا يضمن لهم سبل العيش السوي، ولم يتكفل ببناء الإنسان وتربيته بعيداً عن أجواء الجريمة والسقوط.
4. غياب الوازع الذاتي وعدم الإيمان بالجزاء الأخروي:
عندما يموت ضمير الإنسان، ويغيب حسّه الأخلاقي.. وعندما يأمن الرقابة، ويطمئن إلى عدم وجود المسؤولية والعقاب.. عندما تجتمع هذه العوامل كلها لشخص لا يؤمن بالله، ولا يعتقد بعالم الجزاء والحساب بعد الموت، فإنه لا يجد حرجاً ولا مانعاً يحول بينه وبين المعصية والجريمة؛ بعكس الإنسان المؤمن، الذي يربّيه الإسلام، ويركّز في نفسه عقيدة الإيمان بالله، عالِم الغيب والشهادة، الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يضيع في حسابه شيء.. فإن مثل هذا الإنسان يشعر برقابة لا تغيب، ويؤمن بأن كل عمل أو تفكير، يصدر عنه، لا يمكن أن يكون بلا حساب أو مسؤولية.. لذلك فإن هذا الإحساس الأخلاقي، والإيمان الروحي، يشكّل وقاية للفرد والمجتمع من السقوط تحت أقدام الجريمة، أو الوقوع في هاوية المعصية، وما يترتّب عليها من شقاء نعوذ بالله منه.
الهوامش
1 - الكليني، الأصول من الكافي، ج2، ص268، ط3.
2 - القانون الوضعي هو القانون الذي وضعه الإنسان.
3 - الحرّاني، الحسن بن شعبة، تحف العقول، ط5، ص36.
4 - الكليني، الفروع من الكافي، ط 1391هـ، ج5، ص71.
5 - م.ن. ص72.
معنى المعصية
المعصية : هي رفض التطابق مع إرادة الله.. إرادة الحق والخير.. ولذا كانت المعصية اسماً يطلق على كل فعل يمتنع به الإنسان عن موافقة إرادة الخير، المتمثّلة في القوانين والأحكام، التي جاءت بها الشرائع الإلهية، وأدركتها العقول السليمة، والفطرة النقية، التي لم تمسّها شوائب الضلال والانحراف.
والمعصية في عرف الإسلام، عبارة عن الخروج على الطاعة بترك الواجبات وفعل المحرّمات.
وتعاني البشرية اليوم، من شرور المعاصي التي تعتبر من أخطر أمراض الإنسان وأسباب مآسيه.. وتبذل الأمم والشعوب والحكومات الآن جهوداً ضخمة، لمكافحة المعصية، التي هي الجريمة والرذيلة والانحراف ـ ولكن وفق تصورها الخاص بالجريمة ـ فتنفق الأموال الطائلة، وتجنّد القوى البشرية الكثيفة، وتؤسّس السجون وتقيم المحاكم، وتنشئ المعاهد لدراسة الجريمة، وكيفية علاجها، وتسعى بأساليب علمية وفنية مختلفة في الإعلام والتربية والتوجيه، في محاولة منها لإصلاح الإنسان الشاذّ، وتصحيح سلوكه، حفظاً للأمن، ودفعاً للعدوان، وإصلاحاً لسلوك الأفراد والجماعات ـ حسب وعيها ومفهومهاـ ولكن دونما جدوى، فقد غدت الجريمة، أبرز ظاهرة في حياة الإنسان، وأعقد مشكلة في حياته.
والسبب في ذلك يعود إلى فشل مناهج الإصلاح نفسها، وعجز طريقة العلاج التي لجأ الإنسان إليها، بعد خروجه على قاعدة القانون الإلهي في الحياة، وبعد أن دخلت وسائل مكافحة العصيان والجريمة، هي نفسها في دائرة العصيان والجريمة، ـ في كثير من الأحيان ـ عندما ابتعدت عن تعاليم الله تعالى.
أنواع المعصية
شخَّص الإسلام حقيقة المعصية، وأوضح الأفعال التي تعدُّ معصية في مفهومه وشريعته، فقد اعتبر تحقّق المعصية يتم فيما يلي من الأعمال والمواقف:
1. التقصير بحقوق الله والاستهانة بها، كالصلاة والصوم والحج.
2. ارتكاب المحرّمات، والجنوح إلى الشذوذ الفردي، كشرب الخمر والرياء والنفاق، والزنا، والتكبّر والغرور، وإيذاء النفس، واللهو المحرّم من رقص وغناء.. الخ. والعاصي في كلتا الحالتين، يعتبر ظالماً لنفسه، لأنه قد عرض نفسه للعقوبة والحرمان، وغضب الله في الآخرة.
3. المعاصي التي يتعدى ضررها إلى الآخرين، ويكون الفرد أو المجتمع ضحية لعدوان العصاة وجريمتهم، ومرتكب هذه المعصية يسمّى (ظالماً للناس).
وهذه المعاصي تؤدّي إلى هدم النظام الحياتي العام، وإرباك الأمن، كالقتل والسرقة، والخيانة والغيبة، والغشّ والظلم، والغبن والربا والاحتكار.. إلخ.
وبهذا يكون مفهوم المعصية في الشريعة الإسلامية؛ أوسع وأشمل من مفهوم الجريمة أو الجنحة أو الجناية في القوانين الوضعية؛ لأن القانون الوضعي يحصر المخالفات في الصنف الثالث من أصناف المعصية التي تسبّب ضرراً للآخرين، أما الصنفان الأول والثاني فليسا بجريمة في نظره ولا عقوبة عليهما، وبهذا فتح الباب واسعاً أمام الجريمة والمخالفات، فأصبح المجتمع الإنساني الآن يعاني من الجريمة والشذوذ وكثرة المخالفات، وصار القانون الوضعي(1) نفسه سبباً لتعاطي الجريمة والتشجيع عليها، عندما أباح الخمر ـ مثلاً ـ ولعب القمار والزنا، فإنه فتح الباب واسعاً لجرائم القتل والسرقة، والتزوير والاختطاف.. الخ، لأن هذه الأخيرة، هي نتيجة حتمية لشرب الخمر والزنا والقمار..
وهكذا فعل عندما أباح الربا والاحتكار، فشجع الظلم، وانتشار الفقر، ونشوء الصراع الدامي والحروب والخراب، وسفك الدماء وتدمير الحضارة.. بعكس التشريع الإسلامي الذي استأصل كل عوامل الجريمة ومظاهرها، إذ جاء تقويم الإسلام شاملاً للسلوك الإنساني، ودافعاً لتطهير وجدان الفرد وذاته الباطنة من عوامل الجريمة، ودوافع التفكير بالمعصية، تمهيداً لتطهير مجتمعه وحياته وعلاقاته من أثر هذا الانحراف والإجرام.
الآثار النفسية للمعصية
المعصية حدث وموقف إنساني، يولد وينمو في داخل الذات الإنسانية، ثم يتجسّد ويظهر نتيجة للاختيار والفعل الذي يمارسه الإنسان.. ولا يمكن لهذا الفعل أو الحدث أن يقع في عالم الإنسان، دون أن يترك بصماته وآثاره على لوحة النفس الإنسانية.. فكل فعل يصدر من الإنسان ـ أخيراً كان أم شرّاً ـ يترك أثره في تكوين الإنسان النفسي، وسلوكه الاعتيادي، فالذنوب والمعاصي إذا ما تراكمت وتجمعت، صنعت حاجباً ضبابياً، يحول بين النفس وبين رؤية النور، وتلمّس طريق الاستقامة.. فهناك علاقة طبيعية، بين تراكم المعاصي، وبين التطبّع والاعتياد على الانحراف وتشكيل شخصية إنسانية معقّدة ومريضة..
وقد تحدّث القرآن الكريم، عن هذه الوضعية الإنسانية المنحرفة، ولخّص تحليلها وأسسها النفسية، وأبعادها السلوكية، قال تعالى: (فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة، 10].
(كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين، 14].
(... فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) [الصف، 5].
(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً...) [البقرة، 74].
فهذا التحليل القرآني، يمنح الإنسان رؤية علمية، ويبصِّره بأثر المعصية في النفس الإنسانية، ويحذره من المردودات السلبية، التي تنعكس على النفس، وتحوّل الشخص السوي إلى شخص مدمن على الجريمة، معتاد على المعصية.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((ما من شيء أفسد للقلب من خطيئة، إن القلب ليواقع الخطيئة، فما تزال به حتى تغلب عليه، فيصير أعلاه أسفله))(2).
لذلك أمر الإنسان المسلم أن لا يستهين بذنب، ولا يستصغر معصية، وأن يحاسب نفسه ويستغفر؛ كلما أذنب أو عصى؛ لتتسع المسافات والأبعاد النفسية بينه وبين المعصية، وليبقى يقظ الضمير، سليم النفس، مستقيم السلوك.
أسباب المعصية
العاصي لا يقدم على المعصية، والمجرم لا يفعل الجريمة حين يفعلها، إلاّ وهو واقع تحت تأثير عوامل ودوافع ذاتية، وأخرى خارجية، تقوده إلى تزيين الشرّ والجريمة، وتحبّب له العصيان والانحراف: ( أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء) [فاطر، 8].
فيقدم العاصي على ارتكاب تلك الحماقة متأثراً بهذه العوامل أو تلك.. وواقعاً تحت تأثيرها، وهو يوهم نفسه أن ما يفعله كان ضرورياً ومقبولاً.
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً، الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعً) [الكهف، 103-104].
لذا فهو يبحث عن المبرر المعقول لديه، فيقنع نفسه بصحة فعله، لذلك وضع الإسلام منهجاً متكامل الخطوات، يعمل على أساس الوقاية والعلاج، لاستئصال المعصية، ومكافحة الجريمة، وإنقاذ الإنسان بتتبّع منابع الجريمة، وأسباب المعصية، وقلع جذورها، أما هذه الأسباب فأهمها:
1. الجهل وعدم الوضوح:
يلعب الجهل دوراً خطيراً في حياة الإنسان، فهو سبب رئيس من أسباب الضلال والضياع، وهو عامل من عوامل الفساد والانحراف، ذلك لأن الجاهل لا يدرك خطورة فعله، ولا يعرف نتائج سلوكه المشين، لذا فإن الجريمة أو المخالفة، تقلّ بين العلماء والمفكرين والمثقفين، إذا ما قيسوا بالمجتمع الذي ينتمون إليه فكراً وسلوكاً.
ويجب أن لا يغيب عن أذهاننا، أن العلم الحقيقي، الذي يصون الإنسان عن الجريمة والمعصية بالدرجة الأولى، هو العلم بالله، ومعرفة علاقة الوجود به، وموقع الإنسان من هذا الوجود، ومن تلك العلاقة بالله.. وبدون هذا التشخيص لا يستطيع الإنسان أن يُقوّم حقيقة سلوكه، ونتيجة فعله. لذا ترى بعض العلماء والمفكرين من الذين لا يؤمنون بالله تعالى يقدمون على أبشع الجرائم في التخطيط لحروب الإبادة البشرية، أو صنع وسائل الخراب والدمار.
وصدق الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وآله في جوابه حينما سئل: ((أي الناس شر؟ قال العلماء إذا فسدوا))(3).
إن هذه الطبقة من حملة العلم والثقافة المادية، التي تجهل علاقتها الحقيقية بخالق الوجود، تتساوى مع طبقة الجهّال الذين لم يستضيئوا بنور المعرفة.
والجاهل هو المعرض دائماً عن رسالة الحق، المتنكر لدعوة الخير، لذا جاء في القرآن في وصف هذه الفئة من الناس: (قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [الأحقاف، 23].
(إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلاَلَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ)[النمل، 80 - 81].
فالقرآن يردّ أسباب الكفر والضلال والمعصية إلى الجهل، لأنه يحول بين صاحبه وبين رؤية الحق، لذلك أرسل الله سبحانه الأنبياء والرسل، وحثّ على طلب العلم والمعرفة.. ليتمكن الإنسان من تحصيل خيره وسعادته، فيصغي إلى صوت الحق، ويستجيب لدعوة الخير.
2. الانحراف النفسي:
والعنصر الثاني من عناصر صنع المعصية والجريمة، هو الانحراف النفسي، والمرض الأخلاقي الذي تصاب به الشخصية، بسبب البيئة أو التربية أو الوراثة.. إلخ، لأن النفس البشرية، تكون في بداية تكوّنها سليمة ما لم تطرأ عليها عوامل الانحراف، فإن هي تعرّضت لتلك العوامل المرضية، أمكن معالجتها، وتطهير أعماقها، وتصحيح مسارها؛ لتتطابق مع قانون الفطرة العام، وتصبح قادرة على الالتزام والاستقامة.
أما إذا انحرفت النفس الإنسانية عن خطها الفطري السليم، بسبب اختلال توازنها، واضطراب محفزاتها وغاياتها، ولم تخضع لعملية معالجة وتطهير، فإنها تصاب بحالة مرضية مستعصية، فتجنح للانحراف بدل الاستقامة، وللتفريط بدل الاعتدال.. فتطغى عليها النوازع الشهوانية، والاندفاعات البهيمية.. كالأنانية الميتة، والكبرياء، والحقد، والجشع، والحرص، والانتقام، والشعور بالنقص، والنهم الحسي الذي يقود المريض إلى السقوط تحت وطأة اللذة الحسية وعدم الشبع منها.. إلخ، فيلجأ المريض المنحرف إلى القتل والسرقة والزنا والكذب والاحتيال والغشّ وشرب الخمر والظلم، ورفض الإيمان بالله والتحلّل من قيم الأخلاق، لذلك حشد الإسلام كل الوسائل الكفيلة لاقتلاع جذور الانحراف النفسي، والشذوذ المرضي، لإصلاح الفرد والعودة به من شقاء المعصية إلى طمأنينة الطاعة وسعادتها، فاستعرض القرآن كثيراً من شخصيات المنحرفين، واهتمّ بتحليل تركيبها، وكشف أعماقها السوداء، لكي يعرف الإنسان سبب ضلاله ومعصيته، فقال تعالى: (ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ بِآيَاتِنَا فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْمًا مُّجْرِمِينَ) [يونس، 75].
(فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة، 10].
(إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ * كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ) [المطففين، 13 - 14].
وبهذا يشرح القرآن حقيقة الدوافع المرضية الكامنة وراء الانحراف والجريمة؛ ليؤكد أن هؤلاء المنحرفين هم ذوو قلوب مريضة، ونفوس منحرفة، يطغى عليهم الفساد والكبرياء، لذلك يتنكرون للحق والرشاد، ويتعمّدون المعصية والضلال، تأثراً بتلك الدوافع المرضية التي غطت وعيهم وإحساسهم السليم.
3. الحاجة:
للإنسان حاجة طبيعية، من الغذاء واللباس والجنس والسكن واللوازم الحياتية المختلفة، فهو يبذل جهوده لتحصيلها، والاطمئنان على توفرها.. فإن حالت دون توفرها الحواجز، وعجز عن تحصيلها في ظل نظام جائر، لا يكفل له حاجته، ولا يسدّ فقره ونواقصه، لجأ إلى المعصية والجريمة.. فيسرق ويقتل ويزني ويكذب ويغشّ ويحتال من أجل أن يشبع حاجته، بطرق محرمة، وبوسائل ملتوية شاذّة.
وقد عالج الإسلام موضوع الحاجة، ووضع التشريعات القانونية، وثبّت القيم الأخلاقية التي تتكفّل بسدّ حاجة كلّ فرد من أفراد المجتمع، وتساعد على استئصال جذور الجريمة وتقريب الأفراد من الطاعة والاستقامة، واعتبر الفقر سبباً من أسباب الانحراف.. فقد ورد في الحديث الشريف: ((نِعْم العون على تقوى الله الغنى))(4).
وورد في حديث آخر: ((غنىً يحجزك عن الظلم خيرٌ من فقر يحملك على الإثم))(5).
ولم يعتبر مخالفة القانون في وقت الاضطرار والضرورات القصوى جريمة ولا معصية؛ لأن المقدم عليها لا يحمل نفسية المجرم، ولا يقصد المعصية أو التجرّؤ والخروج على القانون؛ بل تضطرّه الظروف المحيطة به إلى الخروج والتجاوز المؤقت.
(فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [البقرة، 173].
وبعكس المجتمع الإسلامي، فإن المجتمعات غير الإسلامية، التي يقع أفرادها تحت ضغط الحاجة، يجدون أنفسهم مدفوعين إلى مخالفة القانون والنظام، الذي فرض عليهم الجريمة، عندما لا يضمن لهم سبل العيش السوي، ولم يتكفل ببناء الإنسان وتربيته بعيداً عن أجواء الجريمة والسقوط.
4. غياب الوازع الذاتي وعدم الإيمان بالجزاء الأخروي:
عندما يموت ضمير الإنسان، ويغيب حسّه الأخلاقي.. وعندما يأمن الرقابة، ويطمئن إلى عدم وجود المسؤولية والعقاب.. عندما تجتمع هذه العوامل كلها لشخص لا يؤمن بالله، ولا يعتقد بعالم الجزاء والحساب بعد الموت، فإنه لا يجد حرجاً ولا مانعاً يحول بينه وبين المعصية والجريمة؛ بعكس الإنسان المؤمن، الذي يربّيه الإسلام، ويركّز في نفسه عقيدة الإيمان بالله، عالِم الغيب والشهادة، الذي لا يغيب عنه شيء، ولا يضيع في حسابه شيء.. فإن مثل هذا الإنسان يشعر برقابة لا تغيب، ويؤمن بأن كل عمل أو تفكير، يصدر عنه، لا يمكن أن يكون بلا حساب أو مسؤولية.. لذلك فإن هذا الإحساس الأخلاقي، والإيمان الروحي، يشكّل وقاية للفرد والمجتمع من السقوط تحت أقدام الجريمة، أو الوقوع في هاوية المعصية، وما يترتّب عليها من شقاء نعوذ بالله منه.
الهوامش
1 - الكليني، الأصول من الكافي، ج2، ص268، ط3.
2 - القانون الوضعي هو القانون الذي وضعه الإنسان.
3 - الحرّاني، الحسن بن شعبة، تحف العقول، ط5، ص36.
4 - الكليني، الفروع من الكافي، ط 1391هـ، ج5، ص71.
5 - م.ن. ص72.
تعليق