بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم.
بعد أن قدمنا سابقا المرحله الأولى من المنهج القرآني في أثبات الامامه والخلافه/آية الخلافه.نبدأ بعون الله المرحله الثانيه منه/آية الأمامه الأبراهيميه.
بسم الله الرحمن الرحيم(واذ أبتلى أبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال أني جاعلك للناس أماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين)
أنطوت هذه الآيه الكريمه على بيان جوانب مهمه من نظرية الامامه ,وقبل التعرض لهذه الجوانب يحسن بنا بيان بعض المفردات الأساسيه التي وردت في الأيه المباركه.
فقد ورد فيها الأبتلاء (واذ أبتلى أبراهيم ربه),وهو والبلاء بمعنى واحد,يقال بلوته وأبتليته بكذا.أي أوقعته في أمر ليظهر مايخفي من صفاته,وغالبا ما تكون الغايه من الأبتلاء هي أكتشاف الجهات الكامنه من حقيقة الشيء,ويقرب من معناه الأختبار والامتحان والفتنه,الا أن الغايه المذكوره لاتصدق على الله سبحانه,فما يقوم به من الأبتلاءات لعباده ليس لغرض أكتشاف حقيقة العبد,لأن الله سبحانه لايخفى عليه شيء,ولاتخفى عليه خافيه في الارض ولافي السماء,وأنما لغرض ابراز حال العبد واظهار ماكمن في نفسه وكشف الستار عنها.وهذه هي غاية النشأة الأنسانيه.حيث قال تعالى(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا).وقال تعالى(انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا),وقال تعالى(ونبلوكم بالشر والخير فتنه والينا ترجعون).
والكلمات جمع كلمه ,وهي ما يتكلم به,وتطلق على اللفظ المفرد,وعلى الجمله,وعلى ما هو أكثر منها ,فيقال "كلمة رئيس الجمهوريه"ويراد بها الخطاب الذي يلقيه,وكما تطلق على اللفظ الحاكي للمعنى كذلك تطلق على المعنى المحكي باللفظ أيضا,وقد أستعملت في القرآن الكريم في كليهما ,فمن الأستعمال في الحاكي قوله تعالى(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)ومن الأستعمال في المحكي قوله تعالى(الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمه طيبه كشجرة طيبه),وأطلقها القرآن الكريم على بعض الموجودات الخارجيه بغض النظر عن كونها مدلوله لالفاظ معينه كما في قوله تعالى(انما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم).ويوجد في توجيه ذلك الأطلاق والأستعمال أحتمالان,
الاول/ان كل موجود ممكن بما أنه مخلوق له تعالى ليس الا نفس كلمة "كن"الأيجاديه,كما قال تعالى (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون).
الثاني/ان الممكنات والمخلوقات مظاهر وجود الله سبحانه وتعالى,فهيه معربه وحاكيه عنه كما يحكي ويعرب اللفظ عن المعنى,وبالتالي فهيه بمثابة الكلمه من هذه الجهة.
وورد في الآيه أيضا لفظ الأمام "وهو من يؤتم به",يقال أم القوم أذا تقدمهم,وكأنه مأخوذ من الامام-بالفتح-بمعنى القدام,فالأصل في معناه ما يكون أمام الشيء وقدامه,ومن هنا أستعمله القرآن الكريم في معنى الطريق كما في قوله تعالى (وانهما لبأمام مبين) .كما أطلقه على الكتاب التكويني كما في قوله تعالى (وكل شيء أحصيناه في امام مبين).والكتاب التشريعي السماوي كما في قوله تعالى(ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمه),وأيضا اطلقه على قائد القوم في الهدى أوالضلال,ومثال الهدى قوله تعالى(وجعلناهم أئمه يهدون بامرنا),ومثال الضلال قوله تعالى(وجعلناهم أئمه يدعون الى النار).
وبد بيان معنى المردات الاساسيه التي وردت في الآيه,نستطلع الحقيقه الأمامه الأبراهيميه من جهات ثلاث
.الجهه الاولى:دور الابتلاء في الامامه.
.لقد بينت الآيه ان للابتلاء دورا في الامامه (وأذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما)والمراد بالكلمات وان أحتمل أن يكون اما هوالأوامر الالهيه الموجهه لأبراهيم عليه السلام والحاويه لتكاليف هامه,أو متعلقات تلك التكاليف.وقد اطلق عليها القرآن تسمية "الكلمات"بأعتبار أنها محكيه لكلام الله تعالى أو أنها أمور وجدت بكلة "كن "الأيجاديه.الا أن الاظهر هو أن المراد بها هو البلايا والمحن التي تعرض لها ابراهيم عليه السلام في حياته كألقائه في النار والاضطرار للهجره والأمر بذبح أبنه وما أخذ عليه من العهود في الصبر على ذلك ,يقول تعالى في قصة ذبح اسماعيل(أن هذا لهو البلاء المبين).فالمراد بأتمام الكلمات في قوله تعالى (فأتمهن)هو الأتيان على الوجه التام .حيث أن الكلمات بمثابة حوادث ناقصه قام ابراهيم عليه السلام بأتمامها عندما طبقها وعمل بمقتضاها,فيكون ضمير "أتمهن"راجعا الى ا ابراهيم عليه السلام.وأذا جعلنا الضمير راجعا الى "ربه"فيكون معنى الأتمام هو اكمال الامتحان والاختبار .أو منح التوفيق لأبراهيم عليه السلام للعمل بمقتضى الاراده الألهيه.ولكن على ما أستظهرناه من تفسير الكلمات بالبلايا والمحن التي عاشها ابراهيم عليه السلام يكون معنى الاتمام هو الصبر على ذلك والعمل بمقتضى الأراده الالهيه,قال تعالى (وجعلنا منهم أئمه يهدون بامرنا لما صبروا).
ويتحصل مما مضى أن الابتلاء هو عملية تأهيل لمقام الامامه السامي ,وأن العمل بما يلزم في البليه كان شرطا ضروريا للفوز بهذه الكرامه العظمى.
الجهه الثانيه:مكانة الامامه بالقياس الى النبوه.
بعد أن أتضح لنا دور الابتلاء في الامامه وفوز ابراهيم عليه السلام بهذا المقام الرفيع وأنه أنما نال ابراهيم عليه السلام تلك الخطوره الكبرى بعد أن نجح في أمتحانه الرائع الذي أثبت أهليته عليه السلام لها وأنه كان الصبر على كلفة الأمتحان مقدمه للصبر على تحمل أعباء الامامه .نحاول أن نستوحي من الآيه المباركه ما يبين لنا حقيقة الامامه ومكانتها بالقياس الى النبوه,وأذا أردنا التحقق في المساله ,وجدنا أحتمالات خمسه متصوره في المساله .
الاحتمال الاول:أن تكون الامامه هي نفس النبوه.
الثاني:أن تكون مقاما تشريعيا دون مقام النبوه.
الثالث:أن تكون مقاما تشريعيا فوق مقام النبوه.
الرابع:أن تكون مقاما تكوينيا من مراتب القرب الى الله تعالى كالصلاح والاخلاص وماأشبههما.
الخامس:أن تكون مقاما تكوينيا فوق مقام النبوه,وهو القدره على تكميل النفوس وايصالها الى غاياتها ,وهو في الحقيقه نوع من الوساطه في الفيض والعطاء الألهي.
وناتي الآن لدراسة وتمحيص هذه الاحتمالات ,واختيار الاحتمال الذي تؤيده الادله اكثر من غيره.
الاحتمال الاول :لايساعد عليه الاعتبار,ذلك اذا عرفنا أن ابراهيم عليه السلام منح الامامه بعدما حصل له من الاختبار والامتحان والابتلاء الذي تبين عبارة "فأتمهن"مدى شدته وصعوبته ويؤيد ذلك من أنه المقرر في علم النحو أن اسم الفاعل لايعمل في المفعول الا أذا كان بمعنى الحال أو الأستقبال,وأسم الفاعل في الآيه هو"جاعل"ومفعوله"اماما"والزمن الذي تتحدث عنه الآيه هو ما بعد أتمام الكلمات والابتلاءات,فلابد وأن يكون زمن الجعل بعد ذلك وليس من المعقول أن يكون جعل الأمامه قبل الابتلاء ,أذ يصبح الأبتلاء لاغيا لامعنى له حينئذ ,هذا كله من جهه.
ومن جهه آخرى نجد أن الأمتحان والأختبار جاء في زمن نبوئة ابراهيم ,أي انه كان نبيا ثم جرت عليه تلك الأمتحانات ,فلما أتمهن منح الامامه ,والدليل على ذلك هو الفرق الزمني بين الآيات التي تحدثت عن نبوة ابراهيم علي السلام ,والآيات التي تحدثت عن امامته ففي زمن نبوته كان فتى يافعا قال تعالى(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم)وكان له أب,قال تعالى(واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا ......ياأبت اني قد جائني من العلم ما لم يأتك ....)بينما أشارت آيات امامته الى كبر سنه وما كان لديه من الأبناء,فحينما منح الامامه تسائل عن أستمرارها في ذريته بقوله(ومن ذريتي)مما يدل على وجود أبناء له أنذاك,واذا جمعنا بين هذا القول والقول الآخر (الحمد لله الذي وهبني على الكبر اسماعيل واسحاق )تبين انه منح الأمامه في أواخر عمره,بل أن آيه أخرى أشارت الى أن البشاره بالأبناء جائت في زمن متأخر من حياته فحينما دخلت عليه الملائكه وهي في طريقها الى قوم لوط –حينما جائت لأهلاكهم –وبشرته بحصول الأبناء له تعجب من هذه البشاره قائلا(ابشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون)وكانت هذه البشاره بعد رسالته وايمان لوط به,أذ قال تعالى(فآمن له لوط وقال أني مهاجر الى ربي)وقال تعالى(وقال أني ذاهب الى ربي سيهدين،رب هب لي من الصالحين،فبشرناه بغلام حليم)وتأكد هذا المعنى روايات كثيره تدل على ذلك بصراحه ووضوح.من كل ذلك يتحصل أن الامامه حصلت لابراهيم عليه السلام بعدأتمام الامتحان من جهه,وأن الامتحان حصل في زمن النبوه من جهه اخرى ونتيجة الجمع بين الجهتين ان الامامه منحت له بعد النبوه وهذا يعني ان النبوه غير الامامه وليست نفسها.
الاحتمال الثاني:لايتم ايضا ,لان منح الامامه بعد النبوه يكشف عن كون الامامه مقاما أرفع من النبوه,خاصة مع وضوح انها اعطيت له بعد تعرضه لأنواع الأختبارات والامتحانات والابتلاءات,فلو لم تكن مقاما أرفع مكن النبوه لما كان لهذه الابتلاءات حكمه ومعنى.
الاحتمال الثالث:لايصح,لان الآيه صرحت بوجود غرض اجتماعي من الامامه ,وذلك قوله تعالى(قال اني جاعلك للناس اماما) فيفهم من أن الامامه ليست شأنا روحيا عباديا فرديا خاصا,وانما هو شأن اجتماعي ومقام مدني "جاعلك للناس" ,فينحصر الأمر في الأحتمالين الرابع والخامس.
وللموضوع تتمه
السلام عليكم.
بعد أن قدمنا سابقا المرحله الأولى من المنهج القرآني في أثبات الامامه والخلافه/آية الخلافه.نبدأ بعون الله المرحله الثانيه منه/آية الأمامه الأبراهيميه.
بسم الله الرحمن الرحيم(واذ أبتلى أبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال أني جاعلك للناس أماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين)
أنطوت هذه الآيه الكريمه على بيان جوانب مهمه من نظرية الامامه ,وقبل التعرض لهذه الجوانب يحسن بنا بيان بعض المفردات الأساسيه التي وردت في الأيه المباركه.
فقد ورد فيها الأبتلاء (واذ أبتلى أبراهيم ربه),وهو والبلاء بمعنى واحد,يقال بلوته وأبتليته بكذا.أي أوقعته في أمر ليظهر مايخفي من صفاته,وغالبا ما تكون الغايه من الأبتلاء هي أكتشاف الجهات الكامنه من حقيقة الشيء,ويقرب من معناه الأختبار والامتحان والفتنه,الا أن الغايه المذكوره لاتصدق على الله سبحانه,فما يقوم به من الأبتلاءات لعباده ليس لغرض أكتشاف حقيقة العبد,لأن الله سبحانه لايخفى عليه شيء,ولاتخفى عليه خافيه في الارض ولافي السماء,وأنما لغرض ابراز حال العبد واظهار ماكمن في نفسه وكشف الستار عنها.وهذه هي غاية النشأة الأنسانيه.حيث قال تعالى(الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم أحسن عملا).وقال تعالى(انا جعلنا ما على الارض زينة لها لنبلوهم أيهم أحسن عملا),وقال تعالى(ونبلوكم بالشر والخير فتنه والينا ترجعون).
والكلمات جمع كلمه ,وهي ما يتكلم به,وتطلق على اللفظ المفرد,وعلى الجمله,وعلى ما هو أكثر منها ,فيقال "كلمة رئيس الجمهوريه"ويراد بها الخطاب الذي يلقيه,وكما تطلق على اللفظ الحاكي للمعنى كذلك تطلق على المعنى المحكي باللفظ أيضا,وقد أستعملت في القرآن الكريم في كليهما ,فمن الأستعمال في الحاكي قوله تعالى(كبرت كلمة تخرج من أفواههم)ومن الأستعمال في المحكي قوله تعالى(الم تر كيف ضرب الله مثلا كلمه طيبه كشجرة طيبه),وأطلقها القرآن الكريم على بعض الموجودات الخارجيه بغض النظر عن كونها مدلوله لالفاظ معينه كما في قوله تعالى(انما المسيح عيسى أبن مريم رسول الله وكلمته ألقاها الى مريم).ويوجد في توجيه ذلك الأطلاق والأستعمال أحتمالان,
الاول/ان كل موجود ممكن بما أنه مخلوق له تعالى ليس الا نفس كلمة "كن"الأيجاديه,كما قال تعالى (ان مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون).
الثاني/ان الممكنات والمخلوقات مظاهر وجود الله سبحانه وتعالى,فهيه معربه وحاكيه عنه كما يحكي ويعرب اللفظ عن المعنى,وبالتالي فهيه بمثابة الكلمه من هذه الجهة.
وورد في الآيه أيضا لفظ الأمام "وهو من يؤتم به",يقال أم القوم أذا تقدمهم,وكأنه مأخوذ من الامام-بالفتح-بمعنى القدام,فالأصل في معناه ما يكون أمام الشيء وقدامه,ومن هنا أستعمله القرآن الكريم في معنى الطريق كما في قوله تعالى (وانهما لبأمام مبين) .كما أطلقه على الكتاب التكويني كما في قوله تعالى (وكل شيء أحصيناه في امام مبين).والكتاب التشريعي السماوي كما في قوله تعالى(ومن قبله كتاب موسى اماما ورحمه),وأيضا اطلقه على قائد القوم في الهدى أوالضلال,ومثال الهدى قوله تعالى(وجعلناهم أئمه يهدون بامرنا),ومثال الضلال قوله تعالى(وجعلناهم أئمه يدعون الى النار).
وبد بيان معنى المردات الاساسيه التي وردت في الآيه,نستطلع الحقيقه الأمامه الأبراهيميه من جهات ثلاث
.الجهه الاولى:دور الابتلاء في الامامه.
.لقد بينت الآيه ان للابتلاء دورا في الامامه (وأذ ابتلى ابراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال اني جاعلك للناس اماما)والمراد بالكلمات وان أحتمل أن يكون اما هوالأوامر الالهيه الموجهه لأبراهيم عليه السلام والحاويه لتكاليف هامه,أو متعلقات تلك التكاليف.وقد اطلق عليها القرآن تسمية "الكلمات"بأعتبار أنها محكيه لكلام الله تعالى أو أنها أمور وجدت بكلة "كن "الأيجاديه.الا أن الاظهر هو أن المراد بها هو البلايا والمحن التي تعرض لها ابراهيم عليه السلام في حياته كألقائه في النار والاضطرار للهجره والأمر بذبح أبنه وما أخذ عليه من العهود في الصبر على ذلك ,يقول تعالى في قصة ذبح اسماعيل(أن هذا لهو البلاء المبين).فالمراد بأتمام الكلمات في قوله تعالى (فأتمهن)هو الأتيان على الوجه التام .حيث أن الكلمات بمثابة حوادث ناقصه قام ابراهيم عليه السلام بأتمامها عندما طبقها وعمل بمقتضاها,فيكون ضمير "أتمهن"راجعا الى ا ابراهيم عليه السلام.وأذا جعلنا الضمير راجعا الى "ربه"فيكون معنى الأتمام هو اكمال الامتحان والاختبار .أو منح التوفيق لأبراهيم عليه السلام للعمل بمقتضى الاراده الألهيه.ولكن على ما أستظهرناه من تفسير الكلمات بالبلايا والمحن التي عاشها ابراهيم عليه السلام يكون معنى الاتمام هو الصبر على ذلك والعمل بمقتضى الأراده الالهيه,قال تعالى (وجعلنا منهم أئمه يهدون بامرنا لما صبروا).
ويتحصل مما مضى أن الابتلاء هو عملية تأهيل لمقام الامامه السامي ,وأن العمل بما يلزم في البليه كان شرطا ضروريا للفوز بهذه الكرامه العظمى.
الجهه الثانيه:مكانة الامامه بالقياس الى النبوه.
بعد أن أتضح لنا دور الابتلاء في الامامه وفوز ابراهيم عليه السلام بهذا المقام الرفيع وأنه أنما نال ابراهيم عليه السلام تلك الخطوره الكبرى بعد أن نجح في أمتحانه الرائع الذي أثبت أهليته عليه السلام لها وأنه كان الصبر على كلفة الأمتحان مقدمه للصبر على تحمل أعباء الامامه .نحاول أن نستوحي من الآيه المباركه ما يبين لنا حقيقة الامامه ومكانتها بالقياس الى النبوه,وأذا أردنا التحقق في المساله ,وجدنا أحتمالات خمسه متصوره في المساله .
الاحتمال الاول:أن تكون الامامه هي نفس النبوه.
الثاني:أن تكون مقاما تشريعيا دون مقام النبوه.
الثالث:أن تكون مقاما تشريعيا فوق مقام النبوه.
الرابع:أن تكون مقاما تكوينيا من مراتب القرب الى الله تعالى كالصلاح والاخلاص وماأشبههما.
الخامس:أن تكون مقاما تكوينيا فوق مقام النبوه,وهو القدره على تكميل النفوس وايصالها الى غاياتها ,وهو في الحقيقه نوع من الوساطه في الفيض والعطاء الألهي.
وناتي الآن لدراسة وتمحيص هذه الاحتمالات ,واختيار الاحتمال الذي تؤيده الادله اكثر من غيره.
الاحتمال الاول :لايساعد عليه الاعتبار,ذلك اذا عرفنا أن ابراهيم عليه السلام منح الامامه بعدما حصل له من الاختبار والامتحان والابتلاء الذي تبين عبارة "فأتمهن"مدى شدته وصعوبته ويؤيد ذلك من أنه المقرر في علم النحو أن اسم الفاعل لايعمل في المفعول الا أذا كان بمعنى الحال أو الأستقبال,وأسم الفاعل في الآيه هو"جاعل"ومفعوله"اماما"والزمن الذي تتحدث عنه الآيه هو ما بعد أتمام الكلمات والابتلاءات,فلابد وأن يكون زمن الجعل بعد ذلك وليس من المعقول أن يكون جعل الأمامه قبل الابتلاء ,أذ يصبح الأبتلاء لاغيا لامعنى له حينئذ ,هذا كله من جهه.
ومن جهه آخرى نجد أن الأمتحان والأختبار جاء في زمن نبوئة ابراهيم ,أي انه كان نبيا ثم جرت عليه تلك الأمتحانات ,فلما أتمهن منح الامامه ,والدليل على ذلك هو الفرق الزمني بين الآيات التي تحدثت عن نبوة ابراهيم علي السلام ,والآيات التي تحدثت عن امامته ففي زمن نبوته كان فتى يافعا قال تعالى(قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له ابراهيم)وكان له أب,قال تعالى(واذكر في الكتاب ابراهيم انه كان صديقا نبيا ......ياأبت اني قد جائني من العلم ما لم يأتك ....)بينما أشارت آيات امامته الى كبر سنه وما كان لديه من الأبناء,فحينما منح الامامه تسائل عن أستمرارها في ذريته بقوله(ومن ذريتي)مما يدل على وجود أبناء له أنذاك,واذا جمعنا بين هذا القول والقول الآخر (الحمد لله الذي وهبني على الكبر اسماعيل واسحاق )تبين انه منح الأمامه في أواخر عمره,بل أن آيه أخرى أشارت الى أن البشاره بالأبناء جائت في زمن متأخر من حياته فحينما دخلت عليه الملائكه وهي في طريقها الى قوم لوط –حينما جائت لأهلاكهم –وبشرته بحصول الأبناء له تعجب من هذه البشاره قائلا(ابشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون)وكانت هذه البشاره بعد رسالته وايمان لوط به,أذ قال تعالى(فآمن له لوط وقال أني مهاجر الى ربي)وقال تعالى(وقال أني ذاهب الى ربي سيهدين،رب هب لي من الصالحين،فبشرناه بغلام حليم)وتأكد هذا المعنى روايات كثيره تدل على ذلك بصراحه ووضوح.من كل ذلك يتحصل أن الامامه حصلت لابراهيم عليه السلام بعدأتمام الامتحان من جهه,وأن الامتحان حصل في زمن النبوه من جهه اخرى ونتيجة الجمع بين الجهتين ان الامامه منحت له بعد النبوه وهذا يعني ان النبوه غير الامامه وليست نفسها.
الاحتمال الثاني:لايتم ايضا ,لان منح الامامه بعد النبوه يكشف عن كون الامامه مقاما أرفع من النبوه,خاصة مع وضوح انها اعطيت له بعد تعرضه لأنواع الأختبارات والامتحانات والابتلاءات,فلو لم تكن مقاما أرفع مكن النبوه لما كان لهذه الابتلاءات حكمه ومعنى.
الاحتمال الثالث:لايصح,لان الآيه صرحت بوجود غرض اجتماعي من الامامه ,وذلك قوله تعالى(قال اني جاعلك للناس اماما) فيفهم من أن الامامه ليست شأنا روحيا عباديا فرديا خاصا,وانما هو شأن اجتماعي ومقام مدني "جاعلك للناس" ,فينحصر الأمر في الأحتمالين الرابع والخامس.
وللموضوع تتمه
تعليق