طفل ذكرني بحاتم الطائي
الطفولة وما أحلاها... ومن منا لا يتذكرها, فالسنين تمر كأنها لحظات ومن دون أن نشعر, تمضي وهي أشبه بنسيم الربيع, فهي لعب, لهو, ضحك, وقلوب صافية, نتشاجر من أجل لعبة ومن ثم نعود لنصبح أحباب, هذه هي, أعجز عن وصفها, لأنها باختصار عالم يسكنه ملائكة الرحمن.
فالطفولة لها عالم خاص, البراءة هي من تسن القوانين, وقد يسأل سائل ما أحب شيء لنفس سكان هذا العالم عالم الطفولة والجواب هي لعبهم وهنا قد يتفق مع الأغلب, فهم من يتشاجر من أجلها ومنهم من يصرخ بأعلى صوته ولا يتوقف عن البكاء لمجرد أن تأخذ منه ونحن نشاهد هذا في حياتنا اليومية, ولكن الغريب هو أن تشاهد مثل حاتم الطائي في عالمهم, ولكني شاهدت حاتم وتحدت معه.
طفل أذهلني في تصرفه.... كنت واقف في بداية الزقاق الذي نسكن فيه, وكان الوقت حينها وقت العصر فإذا بي أشاهد طفلاً قد خصه الله ببعض صفات الجمال فنظرت إليه من بعيد ولم أعرفه " وهنا قد يتساءل البعض هل تعرف كل أطفال زقاقكم أو هم من حوله فأجيب نعم لأن أغلبهم قد تشاركوا الزاد منذ عقود خلت" وفعلاً لم أعرفه لأنه كان ضيفاً على أحد الجيران هو وأهلة, وكان يحمل بيده لعبتين جديدتين فثار في نفسي الفضول إلى أن أتمازح معه فهو يدخل القلب بدون أستاذان.
فقلت: له بكم اشتريت هاتين اللعبتين
فأجابني بلسان طليق وكان يبلغ من العمر أربع سنين وعليكم السلام الأولى بـ6000آلاف والأخرى بـ5000آلاف فالأولى لي والثانية لأخي .(وهنا كان يقصد الدينار العراقي) .
فهنا قد شعرت بالهزيمة والضعف لأن بدأت معه الكلام من غير سلام ولم أتوقع أن هذا الطفل قد يلتفت لهذا الأمر
فقلت: أعطي هذه, وأشرت إلى الصغيرة .
فقال: لا الصغير لأخي خذ هذه الكبيرة فإنا لي .
فسلمني اللعبة وأنصرف.
فقلت في نفسي لعله خجل مني, الآن سيلتفت لي ويوحي بتقاسيم وجهه الذي تعتليه البراءة أنه يريدها, مثلما يفعل أغلب الأطفال, فنعدها جاءت المفاجئة, فإنه لم يلتفت ولم يعيرني أي اهتمام وكأنه لم يعطني شيئاَ فأخذ بالابتعاد عن وكان يغيب عن ناظري ولم يلتفت إلا أن كاد يدخل إلى البيت الذي يقصده.
فناديت يا فتى فجاءني مسرع .
خير يا عم ماذا تريد لقد ناديتني .
قلت :ألا تريد لعبتك .
فقال: لا فأنت أردتها ومن المؤكد أن لك حاجة فيها .
قفلت: لا كنت أتمازح معك .
فقال: لا أبداً فأنا أعطيتها لك ومن غير اللائق أن أستردها خذها يا عم فهنيئاً لك ومن قلب صادق.
فكلما أزدت إصرارا على أن يأخذها زاد هو بالرفض فعلى صوتنا وأتعبي من الكلام حتى أفهمته أني أتمازح معه فعندها وافق على أن يأخذها .
فعندها لم أتمالك نفسي فحملت من الأرض وأنا أقبلة وقلت له أحسنت أيها الرجل هكذا هي أخلاقنا وهذا هو كرمنا.
فذهب وما ترك لي إلا أن أتحدث بقصته أي ما جلست.
تعليق