الحياء من الدين
عن الصادق عليه السلام : "الحياء نور جوهره صدر الإيمان، وتفسير ه التثبت عند كل شيء ينكره التوحيد والمعرفة"1 .
الحياء خُلقٌ إنساني يدخل في صلب الجبلَّة، وهو مما يختلف به الناس عن البهائم والحيوانات، إذ إنَّ الحياء مكوَّن ملازم للعقل وللدين وللإيمان، وهو من شرائع الإسلام.
أ- ما هو الحياء؟
عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام : "الحياء نورٌ جوهره صدر الإيمان، وتفسيره التثبّت عند كل شيء ينكره التوحيد والمعرفة" 2.
إن المرء الذي يكثر من الإشتغال في تحصيل ما يريد المحبوب وما يكره ويجدّ في استقصاء ما يرضيه وما يسخطه، يؤرق جفنيه في التزام طاعته واجتناب معصيته، ولا يقدم على أمر إلا بعد استبيان حاله ومعرفة مآله. ومع الإجتهاد والإرتياض المستديم في ذلك، يمتلىء المرء معرفة وعلماً بالمحبوب وما يعنيه، وهذا هو النور المنبعث في قلبٍ مؤمنٍ يكشف بصيرته على كل اللوابس، ويضيء ناظريه على كل الغوامض.
ب- منبع الحياء:
إنَّ للحياء أصولاً ومصدراً، فمن حرص على تثبيتها في نفسه، فقد حقّ له الطمع بوجود الحياء باعتباره تجلياً إنسانياً صرفاً، رأس هذه الأصول هو الإيمان.
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء من الإيمان"3 ، وفي مقابل ذلك، فإنّ من ضعف عنده الحياء، فإنَّ ذلك دليل على قلة الإيمان.
عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "قلّة الحياء الكفر"4 .
ولأنّ الحياء من الإيمان، فإنَّ كل أنواع السلوك المعبرة عن الإيمان وأصناف الخُلق الإيمانية- إنَّ هذه كلها- إذا التزمها الإنسان، فذلك دليل على وجود الحياء، بمقدار الالتزام، ويضعف الحياء بمقدار تنكره لذلك، السلوك وذلك الخُلق الإيمانيين، لأنَّ الحياء من شرائع الإسلام.
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ الحياء من شرائع الإسلام" 5.
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء من الإيمان فمن لا حياء له لا خير فيه ولا إيمان له" 6.
وعن الباقر أو الصادق: "الحياء والإيمان مقرونان في قرن، فإن ذهب أحدهما تبعه صاحبه"7 .
ج- الحياء ستر الإيمان:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الإيمان عريان ولباسه الحياء" 8. فكأن الحياء هو تلك المادة اللاصقة التي تثبت الإيمان في صاحبه، لأنّ العري يعرض الجسد لمختلف العوامل المفسدة والمهلكة له، واللباس كلما كان مناسباً كان حامياً له وواقياً من عوامل الضرر.
عن أمير المؤمنين عليه السلام : "أحسن ملابس الدين الحياء"9 .
وعنه عليه السلام : "منْ كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه" 10.
د- الحياء أصل الخير:
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحياء لا يأتي إلا بخير" 11.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام : "الحياء مفتاح كل الخير" 12.
بل الحياء سبب كل جميل.
فعن علي عليه السلام : "الحياء سبب إلى كل جميل"13 .
هـ- أفضل الحياء:
عن أبي عبد الله الصادق، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:"رحم الله عبداً استحيى من ربه، حقٌّ الحياء حفظ الرأس وما حوى والبطن وما وعى وذكر القبر والبلى وذكر أنَّ في الآخرة معاداً" 14.
وعن الإمام موسى الكاظم عليه السلام : "رحم الله من استحيى من الله حقِّ الحياء، فحفظ الرأس وما حوى، والبطن وما وعى وذكر الموت والبلى، وعلم أنَّ الجنة محفوفة بالمكاره والنار محفوفة بالشهوات"15 .
و- الحياء المذموم:
كما أنَّ الحياء مكرمةٌ إيمانية كبرى عندما يكون تجلياً إنسانياً وتعبيراً عن التصاق صاحبه برضا المحبوب، فإنَّ الحياء من تحصيل المكارم وإدراك الغايات والقيام بالواجب، ممقوت ومذموم. فعن أمير المؤمنين عليه السلام : "من استحيى من قول الحق فهو أحمق"16 .
كذلك من استحيى عن طلب العلم والسؤال عما لا يعلم، حُرم المعرفة والعلم. فعن أمير المؤمنين عليه السلام : "قُرِنَ الحياء بالحرمان"17 .
ومن استحيى من السعي في طلب الرزق حُرم الرزق، فعنه عليه السلام : "الحياء يمنع الرزق"18.
ز- ممن يكون الحياء؟
1- الاستحياء من الملائكة الكتبة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ليستحي أحدكم من ملكيه اللذين معه، كما يستحي من رجلين صالحين من جيرانه، وهما معه بالليل والنهار" 19.
وهذا يدل على وجوب الاستحياء من الصالحين، لا سيّما الذين هم على صلة أو معرفة به، بل هذا من مقتضيات طبع الإنسان.
2- الاستحياء من الله تعالى: أمير المؤمنين عليه السلام : "أفضل الحياء استحياؤك من الله" 20.
وعنه عليه السلام : "الحياء من الله يمحو كثيراً من الخطايا" 21.
وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "استحيى من الله استحياءك من صالحي جيرانك، فإنَّ فيها زيادة اليقين"22 .
ح- الحياء رأس المكارم:
إنَّ الحياء مكرمة تستولد منها المكارم كلها، وهي رأسها.
فعن الإمام الصادق عليه السلام : "إنَّ خصال المكارم بعضها مقيَّد ببعض يقسِّمها الله حيث يشاء... ورأسهنَّ الحياء"23 .
وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أما الحياء فيتشعب منه اللين، والرأفة، والمراقبة لله في السر والعلانية والسلامة، واجتناب الشر، والبشاشة والسماحة، والظَّفر، وحسن الثناء على المرء في الناس، فهذا ما أصاب العاقل بالحياء، فطوبى لمن قبل نصيحة الله وخاف فضيحته" 24.
1- مصباح الشريعة، ص510.
2- مصباح الشريعة، ص 510.
3- روضة الواعظين للفتال النيسابوري، ص460.
4- مجمع الزوائد للهيثمي، ج10، وص 480، وكنز العمال للمتقي الهندي، ج3، ص121، ح5770.
5- كنز العمال، ح5772.
6- إرشاد القلوب للديلمي، ج2، ص220.
7- الكافي لمحمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص106، ج4، وتحف العقول لابن شعبة الحرّاني، ص297.
8- روضة الواعظين، ص460.
9- كنز العمال، ح5763.
10- غرر الحكم ودرر الكلم للقاضي الأمدي، الحكمة 2997.
11- بحار الأنوار للعلامة الملجسي، ج72، ص 287، ح1.
12- غرر الحكم، الحكمة 340.
13- البحار، ج77، ص211، ح1.
14- مشكاة الأنوار في غرر الأخبار لأبي الفضل الطبرسي، ص412، ح1876.
15- البحار، ج78، ص 305، ح1.
16- غرر الحكم، الحكمة 8658.
17- غرر الحكم، الحكمة 6714.
18- غرر الحكم، الحكمة 274.
19- كنز العمال، ح 5751.
20- غرر الحكم، الحكمة 3112.
21- غرر الحكم، الحكمة 1548.
22- البحار، ج78، ص200، ح28.
23- أمالي الشيخ الطوسي، ص301، ح597.
24- تحف العقول، ص17.
تعليق