هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها
رَوى عَبْدُ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ [1] ( عليه السلام ) قَالَ :
قَامَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ هَمَّامٌ وَ كَانَ عَابِداً نَاسِكاً مُجْتَهِداً إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) وَ هُوَ يَخْطُبُ .
فَقَالَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ صِفْ لَنَا صِفَةَ الْمُؤْمِنِ كَأَنَّنَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ .
فَقَالَ : " يَا هَمَّامُ الْمُؤْمِنُ هُوَ الْكَيِّسُ الْفَطِنُ ، بِشْرُهُ فِي وَجْهِهِ وَ حُزْنُهُ فِي قَلْبِهِ ، أَوْسَعُ شَيْءٍ صَدْراً وَ أَذَلُّ شَيْءٍ نَفْساً ، زَاجِرٌ عَنْ كُلِّ فَانٍ حَاضٌّ عَلَى كُلِّ حَسَنٍ ، لَا حَقُودٌ وَ لَا حَسُودٌ ، وَ لَا وَثَّابٌ وَ لَا سَبَّابٌ ، وَ لَا عَيَّابٌ وَ لَا مُغْتَابٌ ، يَكْرَهُ الرِّفْعَةَ وَ يَشْنَأُ السُّمْعَةَ ، طَوِيلُ الْغَمِّ بَعِيدُ الْهَمِّ ، كَثِيرُ الصَّمْتِ وَقُورٌ ذَكُورٌ صَبُورٌ شَكُورٌ ، مَغْمُومٌ بِفِكْرِهِ مَسْرُورٌ بِفَقْرِهِ ، سَهْلُ الْخَلِيقَةِ لَيِّنُ الْعَرِيكَةِ ، رَصِينُ الْوَفَاءِ قَلِيلُ الْأَذَى ، لَا مُتَأَفِّكٌ وَ لَا مُتَهَتِّكٌ ، إِنْ ضَحِكَ لَمْ يَخْرَقْ وَ إِنْ غَضِبَ لَمْ يَنْزَقْ ، ضِحْكُهُ تَبَسُّمٌ وَ اسْتِفْهَامُهُ تَعَلُّمٌ وَ مُرَاجَعَتُهُ تَفَهُّمٌ ، كَثِيرٌ عِلْمُهُ عَظِيمٌ حِلْمُهُ ، كَثِيرُ الرَّحْمَةِ لَا يَبْخَلُ وَ لَا يَعْجَلُ ، وَ لَا يَضْجَرُ وَ لَا يَبْطَرُ ، وَ لَا يَحِيفُ فِي حُكْمِهِ وَ لَا يَجُورُ فِي عِلْمِهِ ، نَفْسُهُ أَصْلَبُ مِنَ الصَّلْدِ وَ مُكَادَحَتُهُ أَحْلَى مِنَ الشَّهْدِ ، لَا جَشِعٌ وَ لَا هَلِعٌ وَ لَا عَنِفٌ وَ لَا صَلِفٌ وَ لَا مُتَكَلِّفٌ وَ لَا مُتَعَمِّقٌ ، جَمِيلُ الْمُنَازَعَةِ كَرِيمُ الْمُرَاجَعَةِ ، عَدْلٌ إِنْ غَضِبَ رَفِيقٌ إِنْ طَلَبَ ، لَا يَتَهَوَّرُ وَ لَا يَتَهَتَّكُ ، وَ لَا يَتَجَبَّرُ خَالِصُ الْوُدِّ ، وَثِيقُ الْعَهْدِ ، وَفِيُّ الْعَقْدِ شَفِيقٌ ، وَصُولٌ حَلِيمٌ خَمُولٌ ، قَلِيلُ الْفُضُولِ ، رَاضٍ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، مُخَالِفٌ لِهَوَاهُ ، لَا يَغْلُظُ عَلَى مَنْ دُونَهُ ، وَ لَا يَخُوضُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، نَاصِرٌ لِلدِّينِ ، مُحَامٍ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَهْفٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، لَا يَخْرِقُ الثَّنَاءُ سَمْعَهُ ، وَ لَا يَنْكِي الطَّمَعُ قَلْبَهُ ، وَ لَا يَصْرِفُ اللَّعِبُ حُكْمَهُ ، وَ لَا يُطْلِعُ الْجَاهِلَ عِلْمَهُ ، قَوَّالٌ عَمَّالٌ ، عَالِمٌ حَازِمٌ ، لَا بِفَحَّاشٍ وَ لَا بِطَيَّاشٍ ، وَصُولٌ فِي غَيْرِ عُنْفٍ ، بَذُولٌ فِي غَيْرِ سَرَفٍ ، لَا بِخَتَّالٍ وَ لَا بِغَدَّارٍ ، وَ لَا يَقْتَفِي أَثَراً وَ لَا يَحِيفُ بَشَراً ، رَفِيقٌ بِالْخَلْقِ ، سَاعٍ فِي الْأَرْضِ ، عَوْنٌ لِلضَّعِيفِ ، غَوْثٌ لِلْمَلْهُوفِ ، لَا يَهْتِكُ سِتْراً وَ لَا يَكْشِفُ سِرّاً ، كَثِيرُ الْبَلْوَى قَلِيلُ الشَّكْوَى ، إِنْ رَأَى خَيْراً ذَكَرَهُ ، وَ إِنْ عَايَنَ شَرّاً سَتَرَهُ ، يَسْتُرُ الْعَيْبَ وَ يَحْفَظُ الْغَيْبَ ، وَ يُقِيلُ الْعَثْرَةَ وَ يَغْفِرُ الزَّلَّةَ ، لَا يَطَّلِعُ عَلَى نُصْحٍ فَيَذَرَهُ ، وَ لَا يَدَعُ جِنْحَ حَيْفٍ فَيُصْلِحَهُ ، أَمِينٌ رَصِينٌ ، تَقِيٌّ نَقِيٌّ ، زَكِيٌّ رَضِيٌّ ، يَقْبَلُ الْعُذْرَ وَ يُجْمِلُ الذِّكْرَ ، وَ يُحْسِنُ بِالنَّاسِ الظَّنَّ ، وَ يَتَّهِمُ عَلَى الْعَيْبِ نَفْسَهُ ، يُحِبُّ فِي اللَّهِ بِفِقْهٍ وَ عِلْمٍ ، وَ يَقْطَعُ فِي اللَّهِ بِحَزْمٍ وَ عَزْمٍ ، لَا يَخْرَقُ بِهِ فَرَحٌ وَ لَا يَطِيشُ بِهِ مَرَحٌ ، مُذَكِّرٌ لِلْعَالِمِ ، مُعَلِّمٌ لِلْجَاهِلِ ، لَا يُتَوَقَّعُ لَهُ بَائِقَةٌ ، وَ لَا يُخَافُ لَهُ غَائِلَةٌ ، كُلُّ سَعْيٍ أَخْلَصُ عِنْدَهُ مِنْ سَعْيِهِ ، وَ كُلُّ نَفْسٍ أَصْلَحُ عِنْدَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، عَالِمٌ بِعَيْبِهِ ، شَاغِلٌ بِغَمِّهِ ، لَا يَثِقُ بِغَيْرِ رَبِّهِ ، غَرِيبٌ وَحِيدٌ جَرِيدٌ حَزِينٌ ، يُحِبُّ فِي اللَّهِ ، وَ يُجَاهِدُ فِي اللَّهِ لِيَتَّبِعَ رِضَاهُ ، وَ لَا يَنْتَقِمُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ ، وَ لَا يُوَالِي فِي سَخَطِ رَبِّهِ ، مُجَالِسٌ لِأَهْلِ الْفَقْرِ ، مُصَادِقٌ لِأَهْلِ الصِّدْقِ ، مُؤَازِرٌ لِأَهْلِ الْحَقِّ ، عَوْنٌ لِلْقَرِيبِ ، أَبٌ لِلْيَتِيمِ بَعْلٌ لِلْأَرْمَلَةِ ، حَفِيٌّ بِأَهْلِ الْمَسْكَنَةِ ، مَرْجُوٌّ لِكُلِّ كَرِيهَةٍ ، مَأْمُولٌ لِكُلِّ شِدَّةٍ ، هَشَّاشٌ بَشَّاشٌ لَا بِعَبَّاسٍ وَ لَا بِجَسَّاسٍ ، صَلِيبٌ كَظَّامٌ بَسَّامٌ ، دَقِيقُ النَّظَرِ ، عَظِيمُ الْحَذَرِ ، لَا يَجْهَلُ وَ إِنْ جُهِلَ عَلَيْهِ يَحْلُمُ ، لَا يَبْخَلُ وَ إِنْ بُخِلَ عَلَيْهِ صَبَرَ ، عَقَلَ فَاسْتَحْيَا وَ قَنِعَ فَاسْتَغْنَى ، حَيَاؤُهُ يَعْلُو شَهْوَتَهُ ، وَ وُدُّهُ يَعْلُو حَسَدَهُ ، وَ عَفْوُهُ يَعْلُو حِقْدَهُ ، لَا يَنْطِقُ بِغَيْرِ صَوَابٍ ، وَ لَا يَلْبَسُ إِلَّا الِاقْتِصَادِ ، مَشْيُهُ التَّوَاضُعُ ، خَاضِعٌ لِرَبِّهِ بِطَاعَتِهِ ، رَاضٍ عَنْهُ فِي كُلِّ حَالَاتِهِ ، نِيَّتُهُ خَالِصَةٌ ، أَعْمَالُهُ لَيْسَ فِيهَا غِشٌّ وَ لَا خَدِيعَةٌ ، نَظَرُهُ عِبْرَةٌ ، سُكُوتُهُ فِكْرَةٌ وَ كَلَامُهُ حِكْمَةٌ ، مُنَاصِحاً مُتَبَاذِلًا مُتَوَاخِياً ، نَاصِحٌ فِي السِّرِّ وَ الْعَلَانِيَةِ ، لَا يَهْجُرُ أَخَاهُ وَ لَا يَغْتَابُهُ وَ لَا يَمْكُرُ بِهِ ، وَ لَا يَأْسَفُ عَلَى مَا فَاتَهُ وَ لَا يَحْزَنُ عَلَى مَا أَصَابَهُ ، وَ لَا يَرْجُو مَا لَا يَجُوزُ لَهُ الرَّجَاءُ ، وَ لَا يَفْشَلُ فِي الشِّدَّةِ ، وَ لَا يَبْطَرُ فِي الرَّخَاءِ ، يَمْزُجُ الْحِلْمَ بِالْعِلْمِ وَ الْعَقْلَ بِالصَّبْرِ ، تَرَاهُ بَعِيداً كَسَلُهُ دَائِماً نَشَاطُهُ ، قَرِيباً أَمَلُهُ قَلِيلًا زَلَلُهُ ، مُتَوَقِّعاً لِأَجَلِهِ ، خَاشِعاً قَلْبُهُ ، ذَاكِراً رَبَّهُ ، قَانِعَةً نَفْسُهُ ، مَنْفِيّاً جَهْلُهُ ، سَهْلًا أَمْرُهُ ، حَزِيناً لِذَنْبِهِ ، مَيِّتَةً شَهْوَتُهُ ، كَظُوماً غَيْظَهُ ، صَافِياً خُلُقُهُ ، آمِناً مِنْهُ جَارُهُ ، ضَعِيفاً كِبْرُهُ قَانِعاً بِالَّذِي قُدِّرَ لَهُ ، مَتِيناً صَبْرُهُ مُحْكَماً أَمْرُهُ ، كَثِيراً ذِكْرُهُ ، يُخَالِطُ النَّاسَ لِيَعْلَمَ ، وَ يَصْمُتُ لِيَسْلَمَ ، وَ يَسْأَلُ لِيَفْهَمَ ، وَ يَتَّجِرُ لِيَغْنَمَ ، لَا يُنْصِتُ لِلْخَبَرِ لِيَفْجُرَ بِهِ ، وَ لَا يَتَكَلَّمُ لِيَتَجَبَّرَ بِهِ عَلَى مَنْ سِوَاهُ ، نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَ النَّاسُ مِنْهُ فِي رَاحَةٍ ، أَتْعَبَ نَفْسَهُ لآِخِرَتِهِ فَأَرَاحَ النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ ، إِنْ بُغِيَ عَلَيْهِ صَبَرَ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ الَّذِي يَنْتَصِرُ لَهُ ، بُعْدُهُ مِمَّنْ تَبَاعَدَ مِنْهُ بُغْضٌ وَ نَزَاهَةٌ ، وَ دُنُوُّهُ مِمَّنْ دَنَا مِنْهُ لِينٌ وَ رَحْمَةٌ ، لَيْسَ تَبَاعُدُهُ تَكَبُّراً وَ لَا عَظَمَةً ، وَ لَا دُنُوُّهُ خَدِيعَةً وَ لَا خِلَابَةً ، بَلْ يَقْتَدِي بِمَنْ كَانَ قَبْلَهُ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ ، فَهُوَ إِمَامٌ لِمَنْ بَعْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْبِرِّ " .
قَالَ ـ الرَاوي ـ : فَصَاحَ هَمَّامٌ صَيْحَةً ، ثُمَّ وَقَعَ مَغْشِيّاً عَلَيْهِ .
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ( عليه السلام ) : " أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ كُنْتُ أَخَافُهَا عَلَيْهِ " .
وَ قَالَ : " هَكَذَا تَصْنَعُ الْمَوْعِظَةُ الْبَالِغَةُ بِأَهْلِهَا " [2] .
[1] أي الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) سادس أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
[2] الكافي : 2 / 226 ، للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب بن إسحاق الكُليني ، المُلَقَّب بثقة الإسلام ، المتوفى سنة : 329 هجرية ، طبعة دار الكتب الإسلامية ، سنة : 1365 هجرية / شمسية ، طهران / إيران .
تعليق