كثير من الناس من يتصور بأن الربح يكون في الماديات فقط ، وقد لا يتصورون بأن يكون شيء منه في الأمور المعنوية ، لذا نراهم كثيراً ما يغبطون من يربح الأموال وتتضاعف أرصدته أو ربما يحسدونه ، ولا ينظرون الى من يملك الأرصدة الضخمة من العلوم النافعة والأخلاق الفاضلة ــ إن لم يكن ذا مالٍ أو جاه ــ الا نظرة عابرة .
فكأنما الدنيا في الماديات فقط ، وأن الناس لم يخلقوا الا للمأكل والملبس والتباهي والتفاخر ؟!!!
فلا مكان عند هؤلاء الا للمادة .
لذا فأريد ان أسالهم سؤالاً أو أكثر ، فأقول لهم :
هل لأصحاب العلم والدين مكانة في نفوسكم ؟ وهل تتمنون أن تصبحوا منهم أو معهم ؟
فان كانت إجابتكم بـ ( نعم ) ، فبها ونعمت ...
وان كانت بالرفض ، فأرجو أن تقرأوا هذه الرواية :
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله جاءه رجل فقال : يا رسول الله أما رأيت فلانا ركب البحر ببضاعة يسيرة وخرج إلى الصين فأسرع الكرة وأعظم الغنيمة حتى قد حسده أهل وده وأوسع قراباته وجيرانه ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
" إن مال الدنيا كلما ازداد كثرة وعظما ازداد صاحبه بلاء ، فلا تغتبطوا أصحاب الاموال إلا بمن جاد بماله في سبيل الله ، ولكن ألا اخبركم بمن هو أقل من صاحبكم بضاعة ، وأسرع منه كرة ، وأعظم منه غنيمة ، وما اعد له من الخيرات محفوظ له في خزائن عرش الرحمان ؟ "
قالوا : بلى يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله :
"انظروا إلى هذا المقبل إليكم "
فنظرنا فإذا رجل من الانصار رث الهيئة فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
"إن هذا لقد صعد له في هذا اليوم إلى العلو من الخيرات والطاعات ما لو قسم على جميع أهل السماوات والارض لكان نصيب أقلهم منه غفران ذنوبه ووجوب الجنة له "
قالوا : بماذا يا رسول الله ؟
فقال (صلى الله عليه وآله) :
"سلوه يخبركم عما صنع في هذا اليوم "
فأقبل عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وقالوا : له هنيئا لك ما بشرك به رسول الله صلى الله عليه وآله فماذا صنعت في يومك هذا حتى كتب لك ما كتب ؟
فقال الرجل : ما أعلم أني صنعت شيئا غير أني خرجت من بيتي وأردت حاجة كنت أبطأت عنها ، فخشيت أن تكون فاتتني ، فقلت في نفسي لأعتاضن منها النظر إلى وجه علي بن أبي طالب عليه السلام فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : ( النظر إلى وجه علي عبادة )
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
"إي والله عبادة وأي عبادة ، إنك يا عبدالله ذهبت تبتغي أن تكتسب دينارا لقوت عيالك فقاتك ذلك ، فاعتضت منه النظر إلى وجه علي وأنت له محب ولفضله معتقد ، وذلك خير لك من أن لو كانت الدنيا كلها لك ذهبة حمراء فأنفقتها في سبيل الله ، ولتشفعن بعدد كل نفس تنفسته في مصيرك إليه في ألف رقبة ، يعتقهم الله من النار بشفاعتك "
بحار الأنوار - العلامة المجلسي - (ج 34 / ص 197)
تعليق