فاطمة الزهراء (عليها السلام) في معراج النبيّ
إنّ من الحقائق الثابتة في حياة النبيّ وسيرته هو معراجه الشريف من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك ، ومن ثمّ عرج إلى ربّه قاب قوسين أو أدنى ، وقد وردت قصّة المعراج في سورة الإسراء كما وردت في سورة النجم ، ويقال : إنّ الغرض في سورة النجم هو تذكير الناس بالاُصول الثلاثة : وحدانية الله في ربوبيّته أي المبدأ ، ثمّ المعاد ، ثمّ النبوّة بينهما . فتبدأ السورة بالنبوّة فتصدّق الوحي إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتذكر بعض أوصافه المباركة في قصّة المعراج ، ثمّ تتعرّض لوحدانية الله وتنفي الأوثان والشركاء ، ثمّ تصف انتهاء الخلق والتدبير إليه تعالى من الإحياء والإماتة وغيرهما ، وتختم الكلام بالإشارة إلى المعاد والأمر بالسجدة والعبادة ، التي هي الطريق لسعادة الدارين ، ومن فلسفة الحياة والخلقة.
ثمّ المقصود من الوحي في الآيات الاُولى كما في الروايات هو وحي المشافهة الذي أوحاه الله إلى نبيّه ليلة المعراج ، وأصل القصّة في سورة الإسراء ، إلاّ أ نّه في سورة النجم يشار إلى بعض معالمها ، فيقسم ويحلف سبحانه بالنجم إذا هوى ـ بمطلق الجرم السماوي عند سقوطه للغروب أو القرآن لنزوله نجوماً ، أو الثريا أو الشعرى أو الشهاب الذي يرمى به شياطين الجنّ ـ .
( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ )[1] النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن الطريق الموصل إلى الله
ولا أخطأ في الغاية ، فأصاب الواقع في رشده ( وَمَا غَوَى ).
( وَمَا يَـنْطِقُ عَنِ الهَوَى )[2] هوى النفس ورأيها في مطلق نطقه أو ما ينطق به من القرآن الكريم.
( إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )[3] من الله سبحانه بالمشافهة أو بواسطة جبرئيل (عليه السلام).
( عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى )[4] علّم النبيّ القرآن جبرئيل أو الله الذي هو شديد القوى.
( ذُو مِرَّة فَاسْتَوَى )[5] ذو شدّة أو حصافة العقل والرأي أو نوع من المرور من جبرئيل فاستوى على صورته الأصلية واستولى بقوّته على ما جعله له من الأمر ، أو ذو مرّة أي النبيّ ذو شدّة في جنب الله فاستوى واستقام واستقرّ.
( وَهُوَ بِالاُ فُقِ الأعْلَى )[6] بالاُفق والناحية العليا من السماء ، فهو جبرئيل أو النبيّ بالاُفق الأعلى حال استوائه.
( ثُمَّ دَنَا فَـتَدَلَّى )[7] أي قرب بل واقترب أكثر فأكثر ، فقرب جبرئيل من النبيّ ليعرج به إلى السماوات ، أو قرب النبيّ من الله سبحانه وزاد في القرب كما
هو الظاهر.
( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى )[8] قاب أي مقدار قوسين أو ذراعين كناية عن شدّة القرب ، فكان البعد قدر قوسين أو ذراعين بل وأقرب من ذلك.
( فَأوْحَى إلَى عَـبْدِهِ مَا أوْحَى )[9] فأوحى جبرئيل إلى عبد الله ما أوحى أو أوحى الله بواسطة جبرئيل إلى عبده محمّد (صلى الله عليه وآله) ما أوحى ، كما هو الظاهر.
( مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى )[10] فما كذب فؤاد النبيّ فيما رأى وأراه الله ، فشهد النبيّ بفؤاده ما أراده الله وكان صدقاً وحقّاً ، فالرؤية هنا لله سبحانه رؤية قلبيّة ولغيره إدراكية قلبية أو حسّية ، والفؤاد القلب أو النفس أو الوجود ، فما كذب أو كذّب وجود النبيّ ونفسه وفؤاده ما رأى من آيات الله الكبرى ، وما قال فؤاده ـ ما رآه ببصره ـ لم أعرفك وكذّبه ، ففؤاده صدّق بصره فيما رأى ، فما كان يقوله النبيّ ويخبر به الناس كان بما يشاهده عياناً لا عن فكر وتعقّل ، فلا مجال لمجادلة المشركين ومماراتهم إيّاه فيما يشاهده عياناً.
( أ فَـتُـمَارُونَهُ عَلَى مَا يَـرَى )[11] وهذا توبيخ للمشركين في مجادلتهم النبيّ ، فإنّ المجادلة تتمّ في الآراء النظرية والاعتقادات الفكرية لا بما يشاهد بالعيان ، فلا تصرّوا على مجادلته.
( وَلَـقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَى )[12] النزلة بمعنى النزول الواحد والمرّة ، فرأى
جبرئيل النبيّ في نزلة اُخرى أو رأى النبيّ جبرئيل في نزلة اُخرى ، فبعد القوس الصعودي في معراجه رأى ما رأى كما سنذكر ثمّ رجع ونزل مرّة اُخرى فرأى جبرئيل بصورته الأصلية عند سدرة المنتهى ، أو المعنى أنّ النبيّ رأى الله برؤية قلبية أثناء معراجه عند سدرة المنتهى كما رآه في النزلة الاُولى.
( عِنْدَ سِدْرَةِ المُـنْـتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأوَى * إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )[13] السدرة شجرة معروفة وهو اسم مكان ولعلّه منتهى السماوات فإنّ الجنّة المأوى عندها والجنّة في السماء ، وفي الروايات أ نّها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم ، عندها جنّة المأوى التي يأوي إليها المؤمنون وهي من جنان الآخرة ، بعد جنّة اللقاء والأسماء التي هي جنّة الله سبحانه . إذ يغشى السدرة أي يحيط بالسدرة ما يحيط بها.
( مَا زَاغَ الـبَصَرُ وَمَا طَغَى )[14] فلم يمل عن الاستقامة ولم يتجاوز الحدّ في العمل فما زاغ بصر النبيّ أ نّه يرى على غير ما هو عليه ، وما طغى في إدراكه ما لا حقيقة له ، والمراد بالإبصار رؤيته بقلبه لا بحاسّة بصره ، فما رآه النبيّ في النزلة الاُولى الذي ما كذّب الفؤاد ما رأى وفي النزلة الاُخرى عند سدرة المنتهى رأى من آيات الله الكبرى التي تدلّ على الله سبحانه.
( لَـقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُـبْرَى )[15] فشاهد الله برؤية قلبية من خلال بعض آياته الكبرى[16].
أجل ، النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) رأى ما رأى في ليلة معراجه ـ وما أكثر الروايات في هذا الباب بأ نّه رأى الجنان والنيران وصلّى خلفه جميع الأنبياء ـ وجاز سرادقات الجمال والجلال والكبرياء فرأى وما كذّب الفؤاد ما رأى ، ثمّ ثمرة هذا الفؤاد النبويّ المبارك هو فاطمة الزهراء (عليها السلام) . فهي سيّدة النساء (عليها السلام) ; وهي سرّ الوجود وعصارته ، فإنّ النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) شجرة الوجود كما قال : « أنا وعليّ من شجرة واحدة ، وباقي الناس من شجر شتّى ».
وقال (صلى الله عليه وآله) : « فاطمة ثمرة فؤادي وقرّة عيني ومهجة قلبي ».
ومن خصائص الثمرة أ نّها :
1 ـ عصارة الشجرة وخلاصتها.
2 ـ قيمة الشجرة بثمرتها.
3 ـ جمال الشجرة بالثمرة.
4 ـ تعرف الشجرة بثمرتها كما يقال : هذه شجرة التفّاح.
5 ـ غاية وجود الشجرة هي الثمرة.
6 ـ لذّة الشجرة بالثمرة.
7 ـ حلاوة الشجرة بثمرتها.
8 ـ مقصود الفلاّح من الأشجار أثمارها.
وخصائص كثيرة اُخرى.
وإنّ فاطمة الزهراء لهي ثمرة فؤاد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فيعلم ويعرف عظمة النبيّ بثمرته ، ولولاها ـ وهي حجّة الحجج ـ ولولا الحجّة ، لما عرف النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، فيعرّف النبيّ للملائكة في حديث الكساء بالثمرة « هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها » ، فهي غاية الرسول ومقصوده ، فهي اُمّ أبيها ، وهي لذّته وحلاوته وعصارته وخلاصته وجماله ، كما هي جمال الله ومقصوده جلّ جلاله.
وقد رأى النبيّ في معراجه في القوسين الصعودي والنزولي ما رأى من آيات الله الكبرى ، بل رأى الله سبحانه بقلبه ، وما كذب الفؤاد ما رأى . ورؤية العلّة يستلزم رؤية كلّ المعلول ، فرؤية الله لازمها رؤية الكون والإحاطة العلمية بما فيه ، فالنبيّ أحاط بكلّ الممكنات وبعالم الإمكان ، وفاطمة ثمرة فؤاده رأت الله سبحانه وأحاطت بما سواه ، فإنّها ثمرة فؤاد النبيّ الذي رأى الله بقلبه ، ورأى الآيات الكبرى في كلّ العوالم من الجبروت والملكوت والمثال والسماوات والأرض ، كلّ ذلك رآه عند سدرة المنتهى في نزلة اُخرى فرأى العرش وما دونه ، وتجاوز حجب النور والظلمات حتّى وصل إلى الحجاب الأكبر وهو مقام الإمامة.
فكان النبيّ هو الموج الأوّل في بحر الله سبحانه ، كما كان اللمعة الاُولى من نوره الأتمّ ، ثمّ اشتقّ من نور النبيّ (صلى الله عليه وآله) نور عليّ (عليه السلام) ، ومن نورهما نور فاطمة ، ثمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ثمّ شيعتهم من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، فكانوا أمواجاً ، موجاً بعد موج ، ولا يتحقّق هذا القرب إلاّ بالعبودية ، فإنّها جوهرة كنهها الربوبية . فأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ عترته الأطهار عباد الله المكرمون
إنّ من الحقائق الثابتة في حياة النبيّ وسيرته هو معراجه الشريف من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى المبارك ، ومن ثمّ عرج إلى ربّه قاب قوسين أو أدنى ، وقد وردت قصّة المعراج في سورة الإسراء كما وردت في سورة النجم ، ويقال : إنّ الغرض في سورة النجم هو تذكير الناس بالاُصول الثلاثة : وحدانية الله في ربوبيّته أي المبدأ ، ثمّ المعاد ، ثمّ النبوّة بينهما . فتبدأ السورة بالنبوّة فتصدّق الوحي إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) وتذكر بعض أوصافه المباركة في قصّة المعراج ، ثمّ تتعرّض لوحدانية الله وتنفي الأوثان والشركاء ، ثمّ تصف انتهاء الخلق والتدبير إليه تعالى من الإحياء والإماتة وغيرهما ، وتختم الكلام بالإشارة إلى المعاد والأمر بالسجدة والعبادة ، التي هي الطريق لسعادة الدارين ، ومن فلسفة الحياة والخلقة.
ثمّ المقصود من الوحي في الآيات الاُولى كما في الروايات هو وحي المشافهة الذي أوحاه الله إلى نبيّه ليلة المعراج ، وأصل القصّة في سورة الإسراء ، إلاّ أ نّه في سورة النجم يشار إلى بعض معالمها ، فيقسم ويحلف سبحانه بالنجم إذا هوى ـ بمطلق الجرم السماوي عند سقوطه للغروب أو القرآن لنزوله نجوماً ، أو الثريا أو الشعرى أو الشهاب الذي يرمى به شياطين الجنّ ـ .
( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ )[1] النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) عن الطريق الموصل إلى الله
ولا أخطأ في الغاية ، فأصاب الواقع في رشده ( وَمَا غَوَى ).
( وَمَا يَـنْطِقُ عَنِ الهَوَى )[2] هوى النفس ورأيها في مطلق نطقه أو ما ينطق به من القرآن الكريم.
( إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى )[3] من الله سبحانه بالمشافهة أو بواسطة جبرئيل (عليه السلام).
( عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوَى )[4] علّم النبيّ القرآن جبرئيل أو الله الذي هو شديد القوى.
( ذُو مِرَّة فَاسْتَوَى )[5] ذو شدّة أو حصافة العقل والرأي أو نوع من المرور من جبرئيل فاستوى على صورته الأصلية واستولى بقوّته على ما جعله له من الأمر ، أو ذو مرّة أي النبيّ ذو شدّة في جنب الله فاستوى واستقام واستقرّ.
( وَهُوَ بِالاُ فُقِ الأعْلَى )[6] بالاُفق والناحية العليا من السماء ، فهو جبرئيل أو النبيّ بالاُفق الأعلى حال استوائه.
( ثُمَّ دَنَا فَـتَدَلَّى )[7] أي قرب بل واقترب أكثر فأكثر ، فقرب جبرئيل من النبيّ ليعرج به إلى السماوات ، أو قرب النبيّ من الله سبحانه وزاد في القرب كما
هو الظاهر.
( فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أوْ أدْنَى )[8] قاب أي مقدار قوسين أو ذراعين كناية عن شدّة القرب ، فكان البعد قدر قوسين أو ذراعين بل وأقرب من ذلك.
( فَأوْحَى إلَى عَـبْدِهِ مَا أوْحَى )[9] فأوحى جبرئيل إلى عبد الله ما أوحى أو أوحى الله بواسطة جبرئيل إلى عبده محمّد (صلى الله عليه وآله) ما أوحى ، كما هو الظاهر.
( مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأى )[10] فما كذب فؤاد النبيّ فيما رأى وأراه الله ، فشهد النبيّ بفؤاده ما أراده الله وكان صدقاً وحقّاً ، فالرؤية هنا لله سبحانه رؤية قلبيّة ولغيره إدراكية قلبية أو حسّية ، والفؤاد القلب أو النفس أو الوجود ، فما كذب أو كذّب وجود النبيّ ونفسه وفؤاده ما رأى من آيات الله الكبرى ، وما قال فؤاده ـ ما رآه ببصره ـ لم أعرفك وكذّبه ، ففؤاده صدّق بصره فيما رأى ، فما كان يقوله النبيّ ويخبر به الناس كان بما يشاهده عياناً لا عن فكر وتعقّل ، فلا مجال لمجادلة المشركين ومماراتهم إيّاه فيما يشاهده عياناً.
( أ فَـتُـمَارُونَهُ عَلَى مَا يَـرَى )[11] وهذا توبيخ للمشركين في مجادلتهم النبيّ ، فإنّ المجادلة تتمّ في الآراء النظرية والاعتقادات الفكرية لا بما يشاهد بالعيان ، فلا تصرّوا على مجادلته.
( وَلَـقَدْ رَآهُ نَزْلَةً اُخْرَى )[12] النزلة بمعنى النزول الواحد والمرّة ، فرأى
جبرئيل النبيّ في نزلة اُخرى أو رأى النبيّ جبرئيل في نزلة اُخرى ، فبعد القوس الصعودي في معراجه رأى ما رأى كما سنذكر ثمّ رجع ونزل مرّة اُخرى فرأى جبرئيل بصورته الأصلية عند سدرة المنتهى ، أو المعنى أنّ النبيّ رأى الله برؤية قلبية أثناء معراجه عند سدرة المنتهى كما رآه في النزلة الاُولى.
( عِنْدَ سِدْرَةِ المُـنْـتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأوَى * إذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى )[13] السدرة شجرة معروفة وهو اسم مكان ولعلّه منتهى السماوات فإنّ الجنّة المأوى عندها والجنّة في السماء ، وفي الروايات أ نّها شجرة فوق السماء السابعة إليها تنتهي أعمال بني آدم ، عندها جنّة المأوى التي يأوي إليها المؤمنون وهي من جنان الآخرة ، بعد جنّة اللقاء والأسماء التي هي جنّة الله سبحانه . إذ يغشى السدرة أي يحيط بالسدرة ما يحيط بها.
( مَا زَاغَ الـبَصَرُ وَمَا طَغَى )[14] فلم يمل عن الاستقامة ولم يتجاوز الحدّ في العمل فما زاغ بصر النبيّ أ نّه يرى على غير ما هو عليه ، وما طغى في إدراكه ما لا حقيقة له ، والمراد بالإبصار رؤيته بقلبه لا بحاسّة بصره ، فما رآه النبيّ في النزلة الاُولى الذي ما كذّب الفؤاد ما رأى وفي النزلة الاُخرى عند سدرة المنتهى رأى من آيات الله الكبرى التي تدلّ على الله سبحانه.
( لَـقَدْ رَأى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الكُـبْرَى )[15] فشاهد الله برؤية قلبية من خلال بعض آياته الكبرى[16].
أجل ، النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) رأى ما رأى في ليلة معراجه ـ وما أكثر الروايات في هذا الباب بأ نّه رأى الجنان والنيران وصلّى خلفه جميع الأنبياء ـ وجاز سرادقات الجمال والجلال والكبرياء فرأى وما كذّب الفؤاد ما رأى ، ثمّ ثمرة هذا الفؤاد النبويّ المبارك هو فاطمة الزهراء (عليها السلام) . فهي سيّدة النساء (عليها السلام) ; وهي سرّ الوجود وعصارته ، فإنّ النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله) شجرة الوجود كما قال : « أنا وعليّ من شجرة واحدة ، وباقي الناس من شجر شتّى ».
وقال (صلى الله عليه وآله) : « فاطمة ثمرة فؤادي وقرّة عيني ومهجة قلبي ».
ومن خصائص الثمرة أ نّها :
1 ـ عصارة الشجرة وخلاصتها.
2 ـ قيمة الشجرة بثمرتها.
3 ـ جمال الشجرة بالثمرة.
4 ـ تعرف الشجرة بثمرتها كما يقال : هذه شجرة التفّاح.
5 ـ غاية وجود الشجرة هي الثمرة.
6 ـ لذّة الشجرة بالثمرة.
7 ـ حلاوة الشجرة بثمرتها.
8 ـ مقصود الفلاّح من الأشجار أثمارها.
وخصائص كثيرة اُخرى.
وإنّ فاطمة الزهراء لهي ثمرة فؤاد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، فيعلم ويعرف عظمة النبيّ بثمرته ، ولولاها ـ وهي حجّة الحجج ـ ولولا الحجّة ، لما عرف النبيّ الأعظم (صلى الله عليه وآله) ، فيعرّف النبيّ للملائكة في حديث الكساء بالثمرة « هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها » ، فهي غاية الرسول ومقصوده ، فهي اُمّ أبيها ، وهي لذّته وحلاوته وعصارته وخلاصته وجماله ، كما هي جمال الله ومقصوده جلّ جلاله.
وقد رأى النبيّ في معراجه في القوسين الصعودي والنزولي ما رأى من آيات الله الكبرى ، بل رأى الله سبحانه بقلبه ، وما كذب الفؤاد ما رأى . ورؤية العلّة يستلزم رؤية كلّ المعلول ، فرؤية الله لازمها رؤية الكون والإحاطة العلمية بما فيه ، فالنبيّ أحاط بكلّ الممكنات وبعالم الإمكان ، وفاطمة ثمرة فؤاده رأت الله سبحانه وأحاطت بما سواه ، فإنّها ثمرة فؤاد النبيّ الذي رأى الله بقلبه ، ورأى الآيات الكبرى في كلّ العوالم من الجبروت والملكوت والمثال والسماوات والأرض ، كلّ ذلك رآه عند سدرة المنتهى في نزلة اُخرى فرأى العرش وما دونه ، وتجاوز حجب النور والظلمات حتّى وصل إلى الحجاب الأكبر وهو مقام الإمامة.
فكان النبيّ هو الموج الأوّل في بحر الله سبحانه ، كما كان اللمعة الاُولى من نوره الأتمّ ، ثمّ اشتقّ من نور النبيّ (صلى الله عليه وآله) نور عليّ (عليه السلام) ، ومن نورهما نور فاطمة ، ثمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، ثمّ شيعتهم من الأنبياء والأوصياء والمؤمنين ، فكانوا أمواجاً ، موجاً بعد موج ، ولا يتحقّق هذا القرب إلاّ بالعبودية ، فإنّها جوهرة كنهها الربوبية . فأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، وأنّ عترته الأطهار عباد الله المكرمون
تعليق