إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

‗۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    المشاركة الأصلية بواسطة عطر الكفيل مشاهدة المشاركة
    اللهم صل على محمد وآل محمد

    طرح قيّم

    وفقك الله لكل خير وسلمت اناملك الولائية المبدعة

    اسأل الله ان يوفقنا لنكون من المقدتيات بمولاتنا ام المؤمنين خديجة الكبرى عليها السلام



    آللهم صلِ على محمد وٍآل بيِّت محمد

    رٍبيِّ يِّوٍفق آلجميِّع ،،،، تسَلم آخيِّ آلكـَرٍيِّم

    آسَعدنيِّ مرٍوٍرٍكـَ وٍتوٍآجدكـَ شّكـَرٍآآآ

    تعليق


    • #12
      آلصديقةآلطاهرة فاطمةالزهراء(عليها السلام) والدةالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلآم)

      ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

      آلصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والدة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)


      النسب الشريف


      هي السيدة فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)بن عبد الله بن عبد المطّلب.

      اُمّها: السيدة خديجة سيدة نساء العرب، وأبوها سيد البشرية أجمعين من الأولين والآخرين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

      ولدت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في العشرين من جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين من مولد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وكان بعد مبعثه بخمس سنين.

      أمّا فضائلها ومناقبها (سلام الله عليها)، فهي كثيرة لا يمكن استقصاؤها، وبيان شيء منها بحاجة إلى كتاب مستقل إلاّ أنّنا نقتصر على ما يلي:

      عند ما خلق الله آدم (عليه السلام)

      الروايات المتواترة تنصّ على أنّ أهل البيت (عليهم السلام)خلقوا قبل سائر الخلق وكانوا أنواراً محدقين حول العرش يسبّحون الله تعالى ويهللونه ويمجدونه، وهناك روايات اُخرى تصرّح بمكانة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) الرفيعة ومرتبتها العالية وجاهها العظيم عند الله عزوجل، منها:

      ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال:

      قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لمّا خلق الله آدم وحواء تبخترا في الجنّة، فقال آدم لحواء: ما خلق الله خلقاً هو أحسن منّا، فأوحى الله إلى جبرئيل: ائت بعبدي الفردوس الأعلى، فلمّا دخلا الفردوس نظرا إلى جارية على درنوك من درانيك(1) الجنة وعلى رأسها تاج من نور وفي اُذنيها قرطان من نور قد أشرقت الجنان من نور وجهها، فقال آدم: حبيبي جبرئيل من هذه الجارية التي قد أشرقت الجنان من حسن وجهها؟

      فقال: هذه فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)نبي من ولدك يكون في آخر الزمان.

      قال: فما هذا التاج الذي على رأسها؟

      قال: بعلها علي بن أبي طالب (عليه السلام)(2).

      قال: فما القرطان اللذان في اُذنيها؟

      قال: ولداها الحسن والحسين (عليهما السلام).

      قال آدم: حبيبي أخلقوا قبلي؟

      قال: هم موجودون في غامض علم الله قبل أن تخلق بأربعة آلاف سنة»(3).

      نور الكون

      ويستفاد من الأخبار الشريفة أنّ الصدّيقة فاطمة (عليها السلام) كانت نوراً قبل أن يخلق الله سبحانه الكون، وقد نور الله بها السماوات والأرضين، ثم جعل ثواب تسبيح الملائكة وتقديسهم لها ولمحبّيها، وهذه الروايات ممّا تدلّ على عظمتها وعظمة محبّتها وفضيلة المحبّين لها (عليها السلام).

      فقد ورد عن سلمان الفارسي أنّه قال: كنت جالساً عند النبي المكرّم(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ دخل العباس بن عبد المطّلب فسلّم، فردّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عليه ورحّب به، فقال: يا رسول الله! بم فضّل علينا أهل البيت علي بن أبي طالب (عليه السلام) والمعادن واحدة؟

      فقال لـه النبي المكرّم (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذاً اُخبرك ياعم، إنّ الله تبارك وتعالى خلقني وخلق علياً ولا سماء ولا أرض، ولا جنّة ولا نار، ولا لوح ولا قلم، ولمّا أراد الله تعالى بدو خلقنا فتكلّم بكلمة فكانت نوراً، ثم تكلّم بكلمة ثانية فكانت روحاً، فمزج فيما بينهما فاعتدلا فخلقني وعلياً منهما، ثم فتق من نوري نور العرش فأنا أجلّ من نور العرش، ثم فتق من نور علي(عليه السلام) نور السماوات فعلي أجلّ من نور السماوات، ثم فتق من نور الحسن (عليه السلام) نور الشمس، ومن نور الحسين (عليه السلام) نور القمر، فهما أجلّ من نور الشمس ومن نور القمر، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه وتقول في تسبيحها: سبّوح قدّوس من أنوار ما أكرمها على الله تعالى، فلمّا أراد الله جلّ جلاله أن يبلو الملائكة أرسل عليهم سحاباً من ظلمة فكانت الملائكة لا ينظر أولها من آخرها ولا آخرها من أولها، فقالت الملائكة: إلهنا وسيدنا منذ خلقنا ما رأينا مثل ما نحن فيه فنسألك بحق هذه الأنوار إلاّ ما كشفت عنّا.

      فقال الله تبارك وتعالى: وعزّتي وجلالي لأفعلنّ، فخلق نور فاطمة (عليها السلام) يومئذ كالقنديل وعلّقه في قرط العرش، فزهرت السماوات السبع والأرضون السبع، ومن أجل ذلك سمّيت فاطمة الزهراء، وكانت الملائكة تسبّح الله وتقدّسه.

      فقال الله عزّوجلّ: وعزّتي وجلالي لأجعلنّ ثواب تسبيحكم وتقديسكم إلى يوم القيامة لمحبّي هذه المرأة وأبيها وبعلها وبنيها».

      قال سلمان: فخرج العباس فلقيه أمير المؤمنين (عليه السلام) فضمّه إلى صدره فقبّل ما بين عينيه، فقال بأبي عترة المصطفى من أهل بيت ما أكرمكم على الله(4).

      حوراء إنسية

      عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «خلق نور فاطمة (عليها السلام) قبل أن يخلق الأرض والسماء».

      فقال بعض الناس: يا نبي الله فليست هي إنسية؟.

      فقال: «فاطمة حوراء إنسية».

      قالوا: يا نبي الله، وكيف هي حوراء إنسية؟

      قال: «خلقها الله عزّوجلّ من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، فلمّا خلق الله عزّوجلّ آدم عرضت على آدم».

      قيل: يا نبي الله وأين كانت فاطمة؟

      قال: «كانت في حقّة تحت ساق العرش».

      قالوا: يا نبي الله فما كان طعامها؟

      قال: «التسبيح والتقديس والتهليل والتحميد»

      تفاحة الجنة

      قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في حديث عن فاطمة (عليها السلام): «فلمّا خلق الله عزوجل آدم وأخرجني من صلبه وأحبّ الله عزوجل أن يخرجها من صلبي جعلها تفاحة في الجنة وأتاني بها جبرئيل (عليه السلام)، فقال لي: السلام عليك ورحمة الله وبركاته يا محمد.

      قلت: وعليك السلام ورحمة الله حبيبي جبرئيل.

      فقال: يا محمد! إنّ ربّك يقرؤك السلام.

      قلت: منه السلام وإليه يعود السلام.

      قال: يا محمد! إنّ هذه تفاحة أهداها الله عزوجل إليك من الجنّة، فأخذتها وضممتها إلى صدري.

      قال: يا محمد يقول الله جلّ جلاله: كلها.

      ففلقتها فرأيت نوراً ساطعاً وفزعت منه.

      فقال: يا محمد ما لك لا تأكل؟ كلها ولا تخف، فإنّ ذلك النور للمنصورة في السماء وهي في الأرض فاطمة.

      قلت: حبيبي جبرئيل، ولِمَ سمّيت في السماء المنصورة وفي الأرض فاطمة؟

      قال: سمّيت في الأرض فاطمة لأنّها فطمت شيعتها من النار وفطم أعداؤها عن حبّها، وهي في السماء المنصورة وذلك قول الله عزوجل:{وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ( بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ} يعني نصر فاطمة لمحبّيها»(5)،(6).

      وفي حديث آخر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: «معاشر الناس تدرون لما خلقت فاطمة»؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.

      قال: «خلقت فاطمة حوراء إنسية لا إنسية، قال: خلقت من عرق جبرئيل ومن زغبه»(7).

      قالوا: يا رسول الله اشتكل ذلك علينا تقول حوراء إنسية لا إنسية ثم تقول من عرق جبرئيل ومن زغبه؟

      قال: «إذاً أنبئكم، أهدى إليّ ربّي تفاحة من الجنّة أتاني بها جبرئيل (عليه السلام) فضمّها إلى صدره فعرق جبرئيل (عليه السلام) وعرقت التفاحة فصار عرقهما شيئاً واحداً ثم قال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته.

      قلت: وعليك السلام يا جبرئيل.

      فقال: إنّ الله أهدى إليك تفاحة من الجنة فأخذتها فقبّلتها ووضعتها على عيني وضممتها إلى صدري ثم قال: يا محمد كلها.

      قلت: يا حبيبي يا جبرئيل هدية ربّي تؤكل.

      قال: نعم قد أمرت بأكلها، فأفلقتها فرأيت منها نوراً ساطعاً ففزعت من ذلك النور.

      قال: كل، فإنّ ذلك نور المنصورة فاطمة.

      قلت: ياجبرئيل ومن المنصورة؟

      قال: جارية تخرج من صلبك واسمها في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة.

      فقلت: ياجبرئيل ولِمَ سمّيت في السماء منصورة وفي الأرض فاطمة؟

      قال: سمّيت فاطمة في الأرض لأنه فطمت شيعتها من النار وفطموا أعداؤها عن حبّها وذلك قول الله في كتابه (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله((8) بنصر فاطمة (عليها السلام)»(9).

      إنها (عليها السلام) هدية السماء

      من الخصائص المهمة للسيدة الزهراء (عليها السلام) هو اصطفاء الباري تعالى لنطفتها واستخلاصه لها وانتخابها من صفوة ثمار الجنة.

      فقد تميّزت الصدّيقة فاطمة (سلام الله عليها) عمن سواها من النساء حتى في نطفتها، حيث إنّ الله تعالى أتحف رسوله(صلى الله عليه وآله وسلم)بها من الجنة.

      فعن الإمام الرضا (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «لمّا عرج بي إلى السماء أخذ بيدي جبرئيل (عليه السلام) فأدخلني الجنة فناولني من رطبها فأكلته، فتحوّل ذلك نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديجة (عليها السلام) فحملت بفاطمة(عليها السلام)، ففاطمة حوراء إنسية فكلّما اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة»(10).

      وعن ابن عباس قال: دخلت عائشة على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقبّل فاطمة(عليها السلام)، فقالت له: أتحبّها يا رسول الله؟

      قال: أما والله لو علمت حبي لها لأزددت لها حباً، إنه لما عرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل وأقام ميكائيل، ثم قيل لي: أذّن يا محمد.

      فقلت: أتقدّم وأنت بحضرتي ياجبرئيل؟

      قال: نعم إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين وفضّلك أنت خاصة.

      فدنوت فصلّيت بأهل السماء الرابعة، ثم التفت عن يميني فإذا أنا بإبراهيم(عليه السلام) في روضة من رياض الجنة وقد اكتنفها جماعة من الملائكة، ثم إني صرت إلى السماء الخامسة ومنها إلى السادسة فنوديت: يا محمد نعم الأب أبوك إبراهيم ونعم الأخ أخوك علي..

      فلمّا صرت إلى الحجب أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة، فإذا أنا بشجرة من نور أصلها ملكان يطويان الحلل والحلي فقلت: حبيبي جبرئيل لمن هذه الشجرة؟

      فقال: هذه لأخيك علي بن أبي طالب(عليه السلام)، وهذان الملكان يطويان لـه الحلي والحلل إلى يوم القيامة.

      ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأطيب رائحة من المسك وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا أن هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى الجنة شممت رائحة فاطمة (عليها السلام)(11).

      وعن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله إنك تلثم(12) فاطمة وتلتزمها وتدنيها منك وتفعل بها ما لا تفعله بأحد من بناتك؟

      فقال: «إنّ جبرئيل (عليه السلام) أتاني بتفاحة من تفاح الجنة فأكلتها فتحوّلت ماء في صلبي ثم واقعت خديجة فحملت بفاطمة فأنا أشم منها رائحة الجنة»(13).

      الذرية الطاهرة

      إن الله تعالى قد منح الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تلك الذرية المباركة، حيث جعل منها الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)وهذا مما يدل على شرافتها.

      عن سلمان الفارسي أنّه قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) والحسن والحسين(عليهما السلام) يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

      فقال: يا سلمان ليلة اُسري بي إلى السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنّاته، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها(14) إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلّها؟

      فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده(15) منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

      فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

      قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل، فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة فجمع الله ماءها في ظهري، فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة، فأوحى الله عزّوجلّ إلي أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، فاطمة من علي، فإني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة وهما سراجا الجنة الحسن والحسين ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون ويُخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم(16).

      وفي خبر طويل نذكر محل الحاجة منه، قال هارون العباسي للإمام الكاظم(عليه السلام): اُريد أن أسألك عن العباس وعلي، بم صار علي (عليه السلام) أولى بميراث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من العباس والعباس عم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصنو أبيه؟

      فقال لـه موسى (عليه السلام) : اعفني.

      قال: والله لا أعفيتك فأجبني.

      قال: فإن لم تعفني فآمني.

      قال: آمنتك.

      قال موسى (عليه السلام): إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر وإنّ علياً (عليه السلام) آمن وهاجر وقال الله: (الذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا((17).

      فالتمع(18) لون هارون وتغيّر وقال: ما لكم لا تنسبون إلى علي وهو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو جدّكم؟

      فقال موسى (عليه السلام): «إنّ الله نسب المسيح عيسى ابن مريم (عليه السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) باُمّه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشر في قوله (ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين((19) فنسبه باُمّه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليهم السلام)بآبائهم واُمهاتهم فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة باُمّه وحدها، وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام) (إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين((20) بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهّرها وفضّلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة»(21).

      كيفية ولادتها (عليها السلام)

      بعد أن صدع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بما أمره الله تعالى به أخذ مشركو قريش في أذيته وعكفوا على تفريق الناس من حوله، حتى آل الأمر بهم إلى فرض حصار شديد عليه وعلى جماعته وذلك في شعب أبي طالب.

      ولم يكن الأمر مقتصراً على الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)فحسب، بل شمل كل من انتمى إليه وإلى دينه وعلى رأسهم السيدة خديجة صاحبة الجاه الرفيع والمقام العالي.

      فقد هجرتها نساء قريش لنصرتها لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وتضحيتها الجليلة من أجل إعلاء راية الحق خفّاقة.

      وتشاء إرادة السماء أن تبقى هذه السيدة الجليلة وحيدة فريدة بلا مؤنس سوى جنينها «الزهراء (عليها السلام)» التي كانت تؤنس وحشتها بحديثها إيّاها.

      بل في أشدّ الأوقات حين أخذ المخاض من بنت خويلد مأخذاً عظيماً بعثت إلى بعض نساء قريش كي يلينها ما تلي النساء من النساء فأبين أن يأتين إليها..

      عن المفضل بن عمر قال: قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) كيف كان ولادة فاطمة (عليها السلام) ؟

      قال: «نعم إنّ خديجة (عليها السلام) لمّا تزوّج بها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)هجرتها نسوة مكة فكن لا يدخلن عليها ولا يسلّمن عليها ولا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك وكان جزعها وغمّها حذراً عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا حملت بفاطمة كانت فاطمة (عليها السلام) تحدّثها من بطنها وتصبّرها، وكانت تكتم ذلك من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً فسمع خديجة (عليها السلام) تحدّث فاطمة(عليها السلام)، فقال لها: يا خديجة من تحدّثين؟

      قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني ويؤنسني.

      قال: ياخديجة هذا جبرئيل يخبرني أنها اُنثى، وأنها النسلة الطاهرة الميمونة، وأنّ الله تبارك وتعالى سيجعل نسلي منها وسيجعل من نسلها أئمّة ويجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.

      فلم تزل خديجة (عليها السلام) على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش وبني هاشم أن تعالين لتلين مني ما تلي النساء، فأرسلن إليها أنت عصيتنا ولم تقبلي قولنا وتزوّجت محمداً يتيم أبي طالب فقير لا مال لـه فلسنا نجيء ولا نلي من أمرك شيئاً.

      فاغتمّت خديجة (عليها السلام) لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لما رأتهن.

      فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة، أرسلنا ربك إليك ونحن أخواتك، أنا سارة، وهذه آسية بنت مزاحم وهي رفيقتك في الجنّة، وهذه مريم بنت عمران، وهذه كلثوم اُخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء.

      فجلست واحدة عن يمينها واُخرى عن يسارها والثالثة بين يديها والرابعة من خلفها فوضعت فاطمة (عليها السلام) طاهرة مطهّرة.

      فلمّا سقطت إلى الأرض أشرق منها النور حتى دخل بيوتات مكة ولم يبق في شرق الأرض ولا غربها موضع إلاّ أشرق فيه ذلك النور، ودخل عشر من الحور العين كل واحدة منهن معها طست من الجنة وإبريق من الجنة، وفي الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها فغسلتها بماء الكوثر وأخرجت خرقتين بيضاوين أشد بياضاً من اللبن وأطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة (عليها السلام) بالشهادتين وقالت: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ أبي رسول الله سيد الأنبياء وأنّ بعلي سيد الأوصياء وولدي سادة الأسباط، ثم سلّمت عليهن وسمّت كل واحدة منهن باسمها، وأقبلن يضحكن إليها، وتباشرت الحور العين، وبشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة (عليها السلام)، وحدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، وقالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة، زكية ميمونة، بورك فيها وفي نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة وألقمتها ثديها فدر عليها، فكانت فاطمة (عليها السلام) تنمي في اليوم كما ينمي الصبي في الشهر، وتنمي في الشهر كما ينمي الصبي في السنة»(22).

      لماذا سمّيت بفاطمة؟

      لا يخفى أنّ الأسماء لها دلالاتها وآثارها الخاصة على النفوس والنفسيات، ولذا أمر الشارع المقدس بانتخاب الأسماء الحسنة، وجعله من مسؤولية الوالد بالذات(23).

      وبالرغم من أنّ انتخاب أسماء الأبناء ـ للناس العاديين ـ يكون من مسؤولية الوالدين إلاّ أنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام)يختلفون عن غيرهم في ذلك، إذ أنّ السماء تختار أسماءهم، وقد تم انتخاب هذه الأسماء الطاهرة قبل خلق الخليقة وهذا ما تؤكّده الروايات الشريفة.

      فعن ابن يونس بن ظبيان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «لفاطمة (عليها السلام) تسعة أسماء عند الله عزّوجلّ: فاطمة، والصدّيقة، والمباركة، والطاهرة، والزكية، والراضية، والمرضية، والمحدّثة، والزهراء، ثم قال: أتدري أي شيء تفسير فاطمة (عليها السلام)؟

      قلت: أخبرني يا سيدي؟

      قال: فطمت من الشر.

      قال: ثم قال: لولا أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) تزوّجها ما كان لها كفؤ إلى يوم القيامة على وجه الأرض، آدم فمن دونه»(24).

      وذكر ابن شيرويه في الفردوس عن جابر الأنصاري قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنما سمّيت ابنتي فاطمة لأنّ الله فطمها وفطم محبيها عن النار»(25).

      وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا فاطمة أتدرين لِمَ سمّيت فاطمة؟

      فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله لِمَ سمّيت؟

      قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار»(26).

      وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «لمّا ولدت فاطمة (عليها السلام) أوحى الله إلى ملك فأنطق به لسان محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)فسمّاها فاطمة، ثم قال: إني فطمتك بالعلم وفطمتك من الطمث، ثم قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لقد فطمها الله بالعلم وعن الطمث في الميثاق»(27).

      كما روي عن عبد الله بن الحسن بن الحسن أنّه قال: قال لي أبو الحسن لِمَ سمّيت فاطمة فاطمة؟

      قلت: فرقاً بينه وبين الأسماء.

      قال: إنّ ذلك لمن الأسماء ولكن الاسم الذي سمّيت به، إنّ الله تبارك وتعالى علم ما كان قبل كونه فعلم أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يتزوّج في الأحياء وأنهم يطمعون في وراثة هذا الأمر من قبله فلمّا ولدت فاطمة سمّاها الله تبارك وتعالى فاطمة لما أخرج منها وجعل في ولدها ففطمهم عمّا طمعوا فبهذا سمّيت فاطمة لأنها فطمت طمعهم ومعنى فطمت قطعت»(28).

      وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «إني سمّيت فاطمة لأنها فطمت وذريتها من النار، من لقي الله منهم بالتوحيد والإيمان بما جئت به»(29).

      وعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال:{إنا أنزلناه في ليلة القدر}(30) (رحمه الله)الليلة فاطمة والقدر الله فمن عرف فاطمة حق معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وإنما سمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن معرفتها((31).

      لماذا سمّيت بالزهراء؟

      من سيرة العقلاء المتداولة أنهم يضعون الألفاظ بإزاء المعاني عند وجود علقة بينهما، فترى أن هناك علقة خاصة بين الألفاظ ومعانيها عادة، بحيث تصل هذه العلقة إلى مرحلة يذوب اللفظ في المعنى ويندك فيه حتّى أنّ الناس ينظرون إلى المعنى ويهملون اللفظ.

      وفي أسماء الأشخاص كذلك، فلوجود مثل هذه العلقة المتينة نجد أنّ كثيراً من الأسماء توضع.

      ومن هنا سميت الصديقة فاطمة، بالزهراء (عليها الصلاة والسلام).

      وقد سئل الأئمّة الأطهار (عليهم السلام)عن هذه العلقة فأجابوا وأشاروا به إلى عظمة السيدة فاطمة (عليها السلام).

      فعن جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن فاطمة لِمَ سمّيت الزهراء؟

      فقال: «لأنها كانت إذا قامت في محرابها زهر نورها لأهل السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض»(32).

      وعن أبان بن تغلب قال: قلت: لأبي عبد الله (عليه السلام) يا بن رسول الله لِمَ سمّيت الزهراء (عليها السلام) زهراء؟

      فقال: «لأنها تزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) في النهار ثلاث مرات بالنور، كان يزهر نور وجهها صلاة الغداة والناس في فرشهم فيدخل بياض ذلك النور إلى حجراتهم بالمدينة فتبيض حيطانهم فيعجبون من ذلك فيأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، فيأتون منزلها فيرونها قاعدة في محرابها تصلّي والنور يسطع من محرابها من وجهها فيعلمون أنّ الذي رأوه كان من نور فاطمة، فإذا نصف النهار وترتبت للصلاة زهر وجهها (عليها السلام) بالصفرة فتدخل الصفرة حجرات الناس فتصفر ثيابهم وألوانهم فيأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فيسألونه عمّا رأوا فيرسلهم إلى منزل فاطمة (عليها السلام) فيرونها قائمة في محرابها وقد زهر نور وجهها صلوات الله عليها، فإذا كان آخر النهار وغربت الشمس احمرّ وجه فاطمة (عليها السلام) فأشرق وجهها بالحمرة فرحاً وشكر لله عزّوجلّ فكان يدخل حمرة وجهها حجرات القوم وتحمرّ حيطانهم فيعجبون من ذلك ويأتون النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ويسألونه عن ذلك، فيرسلهم إلى منزل فاطمة فيرونها جالسة تسبّح الله وتمجّده ونور وجهها يزهر بالحمرة فيعلمون أنّ الذي رأوا كان من نور وجه فاطمة (عليها السلام)، فلم يزل ذلك النور في وجهها حتى ولد الحسين (عليه السلام) فهو يتقلّب في وجوهنا إلى يوم القيامة في الأئمّة منّا أهل البيت إمام بعد إمام»(33).

      وعن ابن مسعود أنّه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله خلقني وخلق علياً والحسن والحسين (عليهم السلام)من نور قدسه، فلمّا أراد أن ينشئ الصنعة فتق نوري وخلق منه السماوات والأرض وأنا والله أجلّ من السماوات والأرض، وفتق نور علي وخلق منه العرش والكرسي وعلي والله أجلّ من العرش والكرسي، وفتق نور الحسن وخلق منه الحور العين والملائكة والحسن والله أجلّ من الحور العين والملائكة، وفتق نور الحسين وخلق منه اللوح والقلم والحسين والله أجلّ من اللوح والقلم، فعند ذلك أظلمت المشارق والمغارب فضجّت الملائكة ونادت إلهنا: وسيدنا بحق الأشباح التي خلقتها إلاّ ما فرّجت عنّا هذه الظلمة، فعند ذلك تكلّم الله لكلمة اُخرى فخلق منها روحاً فاحتمل النور الروح فخلق منه الزهراء فاطمة فأقامها أمام العرش فأزهرت المشارق والمغارب فلأجل ذلك سمّيت الزهراء»(34).

      وعن جابر، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت: لِمَ سمّيت فاطمة الزهراء زهراء؟

      فقال: لأنّ الله عزّوجلّ خلقها من نور عظمته، فلمّا أشرقت أضاءت السماوات والأرض بنورها وغشيت أبصار الملائكة وخرّت الملائكة لله ساجدين وقالوا: إلهنا وسيدنا ما هذا النور؟

      فأوحى الله إليهم: هذا نور من نوري، أسكنته في سمائي، خلقته من عظمتي، أخرجه من صلب نبي من أنبيائي اُفضّله على جميع الأنبياء، واُخرج من ذلك النور أئمّة يقومون بأمري، يهدون إلى حقّي، وأجعلهم خلفائي في أرضي بعد انقضاء وحيي»(35).

      وعن أبي هاشم العسكري قال: سألت صاحب العسكر (عليه السلام) لِمَ سمّيت فاطمة (عليها السلام) الزهراء؟

      فقال: «كان وجهها يزهر لأمير المؤمنين (عليه السلام) من أول النهار كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند الغروب غروب الشمس كالكوكب الدرّي»(36).

      إلى غيرها من الروايات.

      من فضائلها وكراماتها (عليها السلام)

      مائدة من السماء

      بين الفترة والاُخرى كانت تصدر من الزهراء (عليها السلام) كرامات ومعاجز تدلّ على عظمتها ومدى قداستها وعلوّ شأنها عند الله تعالى.

      ومنها: ما روي عن أبي سعيد الخدري أنه قال: أصبح علي(عليه السلام) ذات يوم فقال: «يا فاطمة عندك شيء تغذينيه؟».

      قالت: «لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية، ما أصبح اليوم عندي شيء اُغذيكاه، وما كان عندي شيء منذ يومين إلاّ شيء كنت اُوثرك به على نفسي وعلى ابني هذين حسن وحسين».

      فقال علي (عليه السلام): «يا فاطمة ألا كنت أعلمتني فأبغيكم شيئاً؟».

      فقالت: «يا أبا الحسن، إني لأستحيي من إلهي أن تكلّف نفسك ما لا تقدر عليه».

      فخرج علي(عليه السلام) من عند فاطمة (عليها السلام) واثقاً بالله، حسن الظنّ به عزّوجلّ فاستقرض ديناراً فأخذه ليشتري لعياله ما يصلحهم، فعرض لـه المقداد بن الأسود في يوم شديد الحر قد لوحته الشمس من فوقه وآذته من تحته.

      فلمّا رآه علي (عليه السلام) أنكر شأنه، فقال: «يا مقداد ما أزعجك هذه الساعة من رحلك»؟

      فقال: يا أبا الحسن (عليه السلام) خلّ سبيلي ولا تسألني عمّا ورائي.

      قال: «يا أخي لا يسعني أن تجاوزني حتى أعلم علمك».

      فقال: يا أبا الحسن رغبت إلى الله وإليك أن تخلّي سبيلي ولا تكشفني عن حالي.

      فقال: «يا أخي إنه لا يسعك أن تكتمني حالك».

      فقال: يا أبا الحسن أما إذا أبيت فوالذي أكرم محمداً (صلى الله عليه وآله وسلم)بالنبوة وأكرمك بالوصية ما أزعجني من رحلي إلاّ الجهد وقد تركت عيالي جياعاً، فلمّا سمعت بكاءهم لم تحملني الأرض فخرجت مهموماً راكباً رأسي هذه حالي وقصتي.

      فانهملت عينا علي(عليه السلام) بالبكاء حتى بلّت دمعته لحيته، فقال له: «أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني إلاّ الذي أزعجك، وقد اقترضت ديناراً فهاكه، فقد آثرتك على نفسي». فدفع الدينار إليه ورجع حتى دخل المسجد فصلّى الظهر والعصر والمغرب، فلمّا قضى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)المغرب مرّ بعلي(عليه السلام) وهو في الصف الأول فغمزه برجله، فقام علي(عليه السلام) فلحقه في باب المسجد فسلّم عليه فردّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: «يا أبا الحسن! هل عندك عشاء تعشّيناه فنميل معك». فمكث مطرقاً لا يحير جواباً حياءً من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وقد عرف(صلى الله عليه وآله وسلم)ما كان من أمر الدينار ومن أين أخذه وأين وجّهه بوحي من الله إلى نبيه وأمره أن يتعشّى عند علي عليه السلام تلك الليلة، فلمّا نظر إلى سكوته قال: «يا أبا الحسن ما لك لا تقول لا فأنصرف أو تقول نعم فأمضي معك»؟

      فقال حياءً وتكرّماً: «فاذهب بنا».

      فأخذ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بيد علي(عليه السلام) فانطلقا حتى دخلا على فاطمة (عليها السلام) وهي في مصلاّها قد قضت صلاتها وخلفها جفنة(37) تفور دخاناً، فلمّا سمعت كلام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خرجت من مصلاّها فسلّمت عليه، وكانت أعزّ الناس عليه، فردّ السلام ومسح بيده على رأسها وقال لها: «يا بنتاه كيف أمسيت رحمك الله»؟

      قالت: «بخير».

      قال: «عشّينا رحمك الله وقد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلي (عليه السلام)، فلمّا نظر علي (عليه السلام) إلى الطعام وشمّ ريحه رمى فاطمة (عليها السلام) ببصره رمياً شحيحاً...

      قال: فنظرت إلى السماء، فقالت: «إلهي يعلم ما في سمائه وأرضه أنّي لم أقل إلاّ حقاً».

      فقال لها: «يا فاطمة أنّى لك هذا الطعام الذي لم أنظر إلى مثل لونه ولم أشم مثل رائحته قط ولم آكل أطيب منه»؟

      قال: فوضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كفّه الطيبة المباركة بين كتفي علي (عليه السلام) فغمزها ثم قال: «يا علي هذا بدل عن دينارك، هذا جزاء دينارك من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب».

      ثم استعبر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)باكياً ثم قال: «الحمد لله الذي أبى لكم أن تخرجا من الدنيا حتى يجريك يا علي مجرى زكريا، ويجري فاطمة مجرى مريم بنت عمران»(38).

      إسلام اليهود

      على الرغم أنّ أهل البيت (عليهم السلام)كانوا يملكون الكثير من الخيرات إلاّ أنهم كانوا لا يبقون شيئاً منها لأنفسهم وإنما ينفقونها للآخرين كما ورد في الآية الشريفة (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة((39).

      بل إنهم (عليهم السلام)في بعض الأحيان كانوا يضطرون إلى الاقتراض وما أشبه ليسدّوا به حاجتهم ويحافظوا على أنفسهم من التلف والعطب. ومثل هذه الأخلاقيات الرفيعة عند أهل البيت (عليهم السلام)عادة كانت تؤثر في نفوس الآخرين وتجعلهم يسيرون على نهج الحق الذي ضحّى أهل البيت (عليهم السلام)من أجله.

      فقد روي أنّ علياً (عليه السلام) استقرض شعيراً من يهودي فاسترهنه شيئاً فدفع إليه ملاءة فاطمة (عليها السلام) رهناً وكانت من الصوف، فأدخلها اليهودي إلى داره ووضعها في بيت. فلمّا كانت الليلة دخلت زوجته البيت الذي فيه الملاءة لشغل فرأت نوراً ساطعاً أضاء به البيت، فانصرفت إلى زوجها وأخبرته بأنها رأت في ذلك البيت ضوءً عظيماً، فتعجّب زوجها اليهودي من ذلك وقد نسي أنّ في بيتهم ملاءة فاطمة(عليها السلام)، فنهض مسرعاً ودخل البيت، فإذا ضياء الملاءة ينتشر شعاعها كأنه يشتعل من بدر منير يلمع من قريب، فتعجب من ذلك فأنعم النظر في موضع الملاءة فعلم أنّ ذلك النور من ملاءة فاطمة (عليها السلام) فخرج اليهودي يعدو إلى أقربائه وزوجته تعدو إلى أقربائها واستحضرهم دارهما، فاستجمع نيف وثمانون نفراً من اليهود، فرأوا ذلك وأسلموا كلّهم(40).

      فضائل تجلّت لإبراهيم الخليل (عليه السلام)

      إنّ الله تعالى كان يعرض على أنبيائه وخاصته من رسله أنوار أهل البيت(عليهم السلام)ويبيّن لهم مدى عظمتهم وارتفاع منزلتهم لديه، ومن ذلك هو ما حصل لنبي الله إبراهيم(عليه السلام) عند خلقته، ففي الحديث:

      عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «لمّا خلق الله إبراهيم الخليل (عليه السلام) كشف الله عن بصره فنظر إلى جانب العرش فرأى نوراً، فقال: إلهي وسيدي ما هذا النور؟

      قال: يا إبراهيم هذا محمد صفيي.

      فقال: إلهي وسيدي أرى إلى جانبه نوراً آخر؟.

      فقال: يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني.

      فقال: إلهي وسيدي أرى إلى جانبهما نوراً ثالثاً؟

      قال: يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها وبعلها، فطمت محبيها من النار.

      قال: إلهي وسيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار؟

      قال: يا إبراهيم هذان الحسن والحسين يليان أباهما وجدّهما واُمّهما.

      فقال: إلهي وسيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار؟

      قال: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم.

      فقال: إلهي وسيدي فبمن يعرفون؟

      قال: يا إبراهيم أولهم: علي بن الحسين، ومحمد ولد علي، وجعفر ولد محمد، وموسى ولد جعفر، وعلي ولد موسى، ومحمد ولد علي، وعلي ولد محمد، والحسن ولد علي، ومحمد ولد الحسن القائم المهدي (عليهم السلام).

      قال: إلهي وسيدي أرى عدة أنوار حولهم لا يحصي عدتهم إلاّ أنت؟

      قال: يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم ومحبوهم.

      قال: إلهي وبما يعرفون شيعتهم ومحبيهم؟

      قال: بصلاة الإحدى والخمسين، والجهر ب‍ «بسم الله الرحمن الرحيم»، والقنوت قبل الركوع، وسجدة الشكر، والتختم باليمين.

      قال إبراهيم: اللهم اجعلني من شيعتهم ومحبيهم.

      قال: قد جعلتك، فأنزل الله فيه: (وإنّ من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم((41)،(42).

      التوسّل بالزهراء (عليها السلام)

      بلغ قداسة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) وارتفاع مقامها عند الله تعالى بحيث إنّ كل من يتوسل بها إلى الله تعالى بنية صافية، ويقدّمها بين يدي حوائجه، فإنه لايرد خائباً خالي اليدين، والشواهد الدالة على ذلك كثيرة، ولو أردنا استقصاءها لاحتاج إلى مصنّف ضخم.

      ونقرأ في دعاء التوسل: «يا فاطمة الزهراء، يا بنت محمد، يا قرة عين الرسول، يا سيدتنا ومولاتنا، إنا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك إلى الله، وقدمناك بين يدي حاجاتنا، يا وجيهة عند الله اشفعي لنا عند الله»(43).

      وصلاة الاستغاثة بالصديقة الطاهرة (عليها السلام) معروفة.

      قال الإمام الصادق (عليه السلام): «إذا كانت لك حاجة إلى الله وضقت بها ذرعاً فصل ركعتين، فإذا سلمت كبّر الله ثلاثاً، وسبح تسبيح فاطمة (عليها السلام) ، ثم اسجد وقل مائة مرة: (يا مولاتي يا فاطمة أغيثيني) ثم ضع خدك الأيمن على الأرض وقل مثل ذلك، ثم عد إلى السجود وقل ذلك مائة مرة وعشر مرات، واذكر حاجتك فإن الله يقضيها»(44).

      ونذكر هنا قصة أم أيمن كشاهد على ذلك:

      أنا خادمة فاطمة (عليها السلام)

      روي أنّ اُمّ أيمن لمّا توفّيت فاطمة (عليها السلام) حلفت أن لا تكون بالمدينة إذ لاتطيق النظر إلى مواضع كانت (عليها السلام) فيها، فخرجت إلى مكة، فلمّا كانت في بعض الطريق عطشت عطشاً شديداً، فرفعت يديها وقالت: يا رب أنا خادمة فاطمة تقتلني عطشاً؟!

      فأنزل الله عليها دلواً من السماء فشربت، فلم تحتج إلى الطعام والشراب سبع سنين وكان الناس يبعثونها في اليوم الشديد الحرّ فما يصيبها عطش(45).

      إنه من عند الله

      على الرغم من إنّ التاريخ لم ينقل لنا إلاّ القليل من مناقب وفضائل أهل البيت (عليهم السلام)إلاّ أنّ الذي وصلنا منها كافٍ وواف لمعرفة أفضليتهم وشرافتهم على غيرهم من الناس، فإنهم أفضل الخلق بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

      إنّ التاريخ لم ينقل لنا إلا القليل من فضائل الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) إلاّ أنّ فضائلها التي وصلتنا كافية في معرفة قداستها.

      يقول أبو سعيد الخدري: أهديت إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قطيفة(46) منسوجة بالذهب أهداها لـه ملك الحبشة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لأعطيها رجلاً يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله».

      فمدّ أصحاب محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)أعناقهم إليها.

      فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أين علي»؟

      قال عمار بن ياسر: فلما سمعت ذلك وثبت حتى أتيت علياً (عليه السلام) فأخبرته، فجاء، فدفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)القطيفة إليه فقال: أنت لها.

      فخرج بها إلى سوق المدينة فنقضها سلكاً سلكاً، فقسّمها في المهاجرين والأنصار، ثم رجع (عليه السلام) إلى منزله وما معه منها دينار.

      فلما كان من غد استقبله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: يا أبا الحسن أخذت أمس ثلاثة آلاف مثقال من ذهب فأنا والمهاجرون والأنصار نتغدى غداً عندك.

      فقال علي (عليه السلام): نعم يا رسول الله.

      فلمّا كان الغد أقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في المهاجرين والأنصار حتى قرعوا الباب، فخرج إليهم وقد عرق من الحياء لأنه ليس في منزله قليل ولا كثير، فدخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ودخل المهاجرون والأنصار حتى جلسوا، ودخل علي وفاطمة (عليهما السلام) فإذا هم بجفنة مملوءة ثريداً عليها عراق(47)، يفور منها ريح المسك الأذفر، فضرب علي (عليه السلام) بيده عليها فلم يقدر على حملها، فعاونته فاطمة(عليها السلام) على حملها حتى أخرجها فوضعها بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

      فدخل(صلى الله عليه وآله وسلم)على فاطمة فقال: أي بنية أنّى لك هذا؟

      قالت: يا أبت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب.

      فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله الذي لم يخرجني من الدنيا حتى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا في مريم بنت عمران(48).



      يتبع،،،

      تعليق


      • #13
        آلصديقةآلطاهرة فاطمةالزهراء(عليها السلام) والدةالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلآم)


        من آذاها فقد آذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)

        الروايات الشريفة تؤكد على أنّ من آذى الصديقة فاطمة (عليها السلام) فقد آذى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنها (عليها الصلاة والسلام) بضعته وروحه التي بين جنبيه.

        وفي الروايات أيضاً أنّ سخط الله تبارك وتعالى ورضاه منوط بسخط ورضا الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) الأمر الذي يدلّ على جلالة قدرها (سلام الله عليها) عند الباري سبحانه ومدى علو شأنها.

        فعن مجاهد قال: خرج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أخذ بيد فاطمة (عليها السلام) وقال: «من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي فاطمة بنت محمّد، وهي بضعة منّي، وهي قلبي الذي بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله»(49).

        وعليه فإنّ مثل هذه الروايات تدلّ بوضوح على سخط الله ورسوله على الذين آذوا الصديقة فاطمة (عليها السلام) بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فضربوها وكسروا ضلعها وأسقطوا جنينها، وغصبوا نحلتها وحرموها إرثها، ومنعوها حتى من البكاء على أبيها(50).

        ومن ذلك ما رواه علي بن أسباط رفعه إلى الرضا (عليه السلام) أنّ رجلاً من أولاد البرامكة عرض لعلي بن موسى الرضا (عليه السلام) فقال لـه ما تقول في أبي بكر؟ قال له: (رحمه الله)سبحان الله والحمد لله ولا إله إلاّ الله والله أكبر(، فألحّ السائل عليه في كشف الجواب، فقال (عليه السلام): (رحمه الله)كانت لنا اُم صالحة ماتت وهي عليهما ساخطة ولم يأتنا بعد موتها خبر أنها رضيت عنهما((51).

        يؤذيني من آذاها

        ومن المسلّمات عند كافة المسلمين أنّ أذية الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)محرّمة وأنّ فيها أذية لله عزّوجلّ، ومن تلك الموارد التي صرّح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه أنها تؤذيه هي أذية ابنته الصديقة الزهراء (عليها السلام) ففي الحديث أنّ سهل بن عبد الله جاء إلى عمر بن عبد العزيز فقال: إنّ قومك يقولون إنك تؤثر عليهم ولد فاطمة؟

        فقال عمر: سمعت الثقة من الصحابة أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: فاطمة بضعة منّي، يرضيني ما أرضاها، ويسخطني ما أسخطها، فوالله إني لحقيق أن أطلب رضى رسول الله ورضاه ورضاها في رضى ولدها.

        مسرّتها جدّاً ويشني اغتمامها

        وقد علموا أنّ النبي يسرّه وقوله(صلى الله عليه وآله وسلم)هذا يدلّ على عصمتها (عليها السلام)، لأنها لو كانت ممّن تقارف الذنوب ـ والعياذ بالله من هذا القول ـ لم يكن مؤذيها مؤذياً لـه(صلى الله عليه وآله وسلم)على كل حال.

        عن ابن عباس قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

        «ياعلي إنّ فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها، ويسرّني ما سرّها»(52).

        وعن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ فاطمة (عليها السلام) شعرة مني، فمن آذى شعرة مني فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله لعنه ملأ السماوات والأرض»(53).

        إن الله يرضى لرضاها ويسخط لسخطها

        لقد كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)شديد المحبة لفاطمة (عليها السلام) وكان(صلى الله عليه وآله وسلم)بين الحين والآخر يشيد بفضائلها أمام الآخرين، ويؤكّد على أنّ رضاها (سلام الله عليها) من رضا الله وسخطها من سخطه.

        عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن الحسين بن علي، عن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنه قال: «يا فاطمة إنّ الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك».

        قال: فجاء صندل فقال لجعفر بن محمد (عليه السلام): إنّ هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكرة.

        فقال لـه جعفر (عليه السلام): وما ذاك يا صندل؟

        قال: جاءنا عنك أنك حدّثتهم أنّ الله يغضب لغضب فاطمة (عليها السلام) ويرضى لرضاها.

        قال: فقال جعفر (عليه السلام): يا صندل ألستم رويتم فيما تروون إنّ الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب عبده المؤمن ويرضى لرضاه.

        قال بلى.

        قال: فما تنكرون أن تكون فاطمة (عليها السلام) مؤمنة يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها.

        قال: فقال (الله أعلم حيث يجعل رسالته((54).

        النبي يقبل فاطمة (عليهما السلام)

        عن حذيفة بن اليمان قال: دخلت عائشة على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو يقبّل فاطمة (صلوات الله عليها) وقالت: يا رسول الله أتقبلها وهي ذات بعل؟

        فقال لها: «أما والله لو عرفت ودّي لها لأزددت لها ودّاً، إنه لمّا عرج بي إلى السماء الرابعة أذّن جبرئيل (عليه السلام) وأقام ميكائيل ثم قال لي: أذّن قلت أؤذّن، وأنت حاضر؟

        فقال: نعم إنّ الله عزّوجلّ فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين، وفضّلت أنت خاصة يا محمّد، فدنوت، فصلّيت بأهل السماء الرابعة، فلمّا صرت إلى السماء السادسة إذا أنا بملك من نور على سرير من نور وحوله صف من الملائكة فسلّمت عليه فردّ عليّ السلام وهو متكئ، فأوحى الله تعالى إليه أيّها الملك سلّم عليك حبيبي وخيرتي من خلقي، فرددت عليه السلام وأنت متكئ؟ فوعزّتي وجلالي لتقومنّ ولتسلّمن عليه ولا تقعد إلى يوم القيامة، فقام الملك وعانقني ثمّ قال: ما أكرمك على ربّ العالمين.

        فلمّا صرت إلى الحجب نوديت (آمن الرسول بما اُنزل إليه مِن ربّه( فألهمت وقلت (والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله((55) ثم أخذ جبرئيل (عليه السلام) بيدي فأدخلني الجنة وأنا مسرور، فإذا أنا بشجرة من نور مكلّلة بالنور في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة، ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحاً أعظم منه، فأخذت واحدة ففلقتها فخرجت عليّ منها حوراء كان أجناحها مقاديم أجنحة النسور، فقلت لمن أنت؟ فبكت وقالت: لابنك المقتول ظلماً الحسين بن علي بن أبي طالب.

        ثم تقدّمت أمامي فإذا أنا برطب ألين من الزبد وأحلى من العسل، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها، فتحوّلت الرطبة نطفة في صلبي، فلمّا هبطت إلى الأرض واقعت خديحة فحملت بفاطمة، ففاطمة حوراء إنسية فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة صلوات الله عليها(56).

        سيّدة نساء العالمين

        تظافرت الأخبار عن الخاصة والعامة بأنّ الصديقة الزهراء (عليها السلام) هي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، ولم يشكك في مثل هذه المنقبة أحد حتى المخالفين، فعن أبي الحسن الأول (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ الله تبارك وتعالى اختار من النساء أربعاً: مريم وآسية وخديجة وفاطمة»(57).

        وعن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: «اشتاقت الجنة إلى أربع من النساء: مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم زوجة فرعون وهي زوجة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في الجنة، وخديجة بنت خويلد زوجة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في الدنيا والآخرة، وفاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)»(58).

        وعن ابن عباس قال: خطّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في الأرض أربعة خطوط ثم قال: «أتدرون ما هذا»؟

        قالوا: الله ورسوله أعلم.

        فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون»(59).

        وعن عائشة قالت: أقبلت فاطمة تمشي كأنّ مشيتها مشية رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «مرحباً يا بنتي» فأجلسها عن يمينه أو عن شماله ثم أسرّ إليها حديثاً فبكت، ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت.

        فقلت لها: حدّثك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بحديث فبكيت، ثمّ حدّثك بحديث فضحكت، فما رأيت كاليوم أقرب فرحاً من حزن من فرحك؟

        فقالت: «ما كنت لأفشي سرّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)».

        حتى انّه إذا قُبض سألتها فقالت: «أسرّ إليّ فقال: إنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين ولا أراني إلاّ قد حضر أجلي وإنك أول أهل بيتي لحوقاً بي ونعم السلف أنا لك، فبكيت لذلك، ثمّ قال: ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء هذه الاُمة أو سيّدة نساء المؤمنين، فضحكت لذلك»(60).

        فاطمة (عليها السلام) في القرآن

        مما يدل على عظم شأن الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) وارتفاع مكانتها عند الله جل جلاله، هو نزول الكثير من آيات القرآن الكريم في شأنها، وأشادت العديد منها إلى فضائلها وخصالها الحميدة.

        ففي الحديث عن أنس بن مالك قال: بينا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)صلّى صلاة الفجر ثم استوى في محرابه كالبدر في تمامه، فقلنا: يا رسول الله إن رأيت أن تفسّر لنا هذه الآية، قوله تعالى: (فاُولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين((61).

        فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «أمّا النبيون فأنا، وأمّا الصدّيقون فعلي بن أبي طالب، وأمّا الشهداء فعمّي حمزة، وأمّا الصالحون فابنتي فاطمة وولداها الحسن والحسين (عليهم السلام)». فنهض العباس من زاوية المسجد إلى بين يديه(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: يا رسول الله ألست أنا وأنت وعلي وفاطمة والحسن والحسين من ينبوع واحد؟

        قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «وما وراء ذلك يا عمّاه»؟

        قال: لأنك لم تذكرني حين ذكرتهم، ولم تشرّفني حين شرّفتهم.

        فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا عمّاه أمّا قولك أنا وأنت وعلي والحسن والحسين من ينبوع واحد فصدقت، ولكن خلقنا الله نحن حيث لا سماء مبنية ولا أرض مدحية ولا عرش ولا جنة ولا نار، كنا نسبّحه حين لا تسبيح، ونقدّسه حين لا تقديس، فلمّا أراد الله بدء الصنعة فتق نوري فخلق منه العرش، فنور العرش من نوري ونوري من نور الله وأنا أفضل من العرش، ثم فتق نور ابن أبي طالب فخلق منه الملائكة، فنور الملائكة من نور ابن أبي طالب ونور ابن أبي طالب من نور الله ونور ابن أبي طالب أفضل من الملائكة، وفتق نور ابنتي فاطمة منه فخلق السماوات والأرض، فنور السماوات والأرض من نور ابنتي فاطمة ونور فاطمة من نور الله وفاطمة أفضل من السماوات والأرض، ثم فتق نور الحسن فخلق منه الشمس والقمر، فنور الشمس والقمر من نور الحسن ونور الحسن من نور الله والحسن أفضل من الشمس والقمر، ثم فتق نور الحسين فخلق منه الجنة والحور العين، فنور الجنة والحور العين من نور الحسين ونور الحسين من نور الله والحسين أفضل من الجنة والحور العين، ثم إنّ الله خلق الظلمة بالقدرة فأرسلها في سحائب البصر، فقالت الملائكة: سبّوح قدّوس ربنا مذ عرفنا هذه الأشباح ما رأينا سوءً فبحرمتهم إلاّ كشفت ما نزل بنا. فهنالك خلق الله تعالى قناديل الرحمة وعلّقها على سرادق العرش. فقالت: إلهنا لمن هذه الفضيلة وهذه الأنوار؟ فقال: هذا نور أمتي فاطمة الزهراء (عليها السلام) فلذلك سمّيت أمتي الزهراء لأنّ السماوات والأرضين بنورها ظهرت، وهي ابنة نبيي وزوجة وصيي وحجّتي على خلقي، اُشهدكم يا ملائكتي أني قد جعلت ثواب تسبيحكم وتقديسكم لهذه المرأة وشيعتها إلى يوم القيامة.

        فعند ذلك نهض العباس إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقبّل ما بين عينيه وقال: يا علي لقد جعلك الله حجّة بالغة على العباد إلى يوم القيامة (62).

        عالمة آل محمد (عليهم السلام)

        إنّ الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) كانت عالمة بالعلم اللدني من الله فقد اُوتيت من العلم والمعرفة قدراً لا يضاهيها فيه أحد سوى والدها الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)وبعلها أمير المؤمنين (عليه السلام).

        كانت (سلام الله عليها) على قدر من المعرفة بحيث إنها تخبر عمّا هو كائن وما كان وما سيكون في المستقبل، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدلّ على سعة علمها(عليها السلام) وارتفاع مقامها.

        فعن سلمان قال: حدّثني عمّار وقال: اُخبرك عجباً.

        قلت: حدّثني يا عمّار.

        قال: نعم شهدت علي بن أبي طالب(عليه السلام) وقد ولج على فاطمة(عليها السلام) فلمّا أبصرت به نادت: ادن لاُحدّثك بما كان وبما هو كائن وبما لم يكن إلى يوم القيامة حين تقوم الساعة.

        قال عمّار: فرأيت أمير المؤمنين(عليه السلام) يرجع القهقرى(63)، فرجعت برجوعه إذ دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

        فقال له: ادن يا أبا الحسن.

        فدنا، فلمّا اطمأن به المجلس قال له: تحدّثني أم اُحدّثك؟

        قال: الحديث منك أحسن يا رسول الله.

        فقال: كأنّي بك وقد دخلت على فاطمة وقالت لك كيت وكيت فرجعت.

        فقال علي (عليه السلام): نور فاطمة من نورنا.

        فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أو لا تعلم.

        فسجد علي (عليه السلام) شكراً لله تعالى.

        قال عمّار: فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) وخرجت بخروجه، فولج على فاطمة(عليها السلام) وولجت معه، فقالت: كأنّك رجعت إلى أبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فأخبرته بما قلته لك؟

        قال: كان كذلك يا فاطمة.

        فقالت: اعلم يا أبا الحسن أنّ الله تعالى خلق نوري وكان يسبّح الله جلّ جلاله ثم أودعه شجرة من شجر الجنة فأضاءت، فلمّا دخل أبي الجنة أوحى الله تعالى إليه إلهاماً أن اقتطف الثمرة من تلك الشجرة وأدرها في لهواتك ففعل، فأودعني الله سبحانه صلب أبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أودعني خديجة بنت خويلد (عليها السلام) فوضعتني وأنا من ذلك النور، أعلم ما كان وما يكون وما لم يكن، يا أبا الحسن المؤمن ينظر بنور الله تعالى(64).

        ومما يدل على عظيم علم الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) خطبتها الغرّاء التي ضمّت بين طيّاتها العديد من الأحكام الشرعية وفلسفتها والكثير من المفاهيم الغزيرة التي لا يدرك غورها إلاّ من أجهد نفسه من أجل فهمها.

        كما كانت (عليها السلام) تعلم النساء المسائل الشرعية والمعارف الإسلامية، ففي الحديث المعروف الوارد عن الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) قال:

        حضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة وقد لُبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك.

        فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك.

        فثنّت، فأجابت.

        ثم ثلّثت إلى أن عشّرت، فأجابت.

        ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله؟

        قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيت من اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل وكراه مائة ألف دينار يثقل عليه؟

        فقالت: لا.

        فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً فأحرى أن لا يثقل عليّ، سمعت أبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: إنّ علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على كثرة علومهم وجدّهم في إرشاد عباد الله حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف حلّة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزّوجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمد (عليهم السلام)الناعشون(65) لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم خلع العلوم في الدنيا فيخلعون على كل واحد من اُولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم إلى آخره»(66).

        مصحف فاطمة (عليها السلام)

        وقد بقى منها (عليها السلام) كتاب فيه علوم آل محمد (عليهم السلام)اسمه (مصحف فاطمة (عليها السلام)) وهو الآن عند الإمام الحجّة (عليه السلام) وفيه تفسير القرآن وعلم ما كان وما يكون وما هو كائن إلى يوم القيامة(67).

        أما ما يتهم به بعض المخالفين من أنه قرآن غير هذا القرآن فهو باطل، فإن القرآن عند الشيعة الإمامية هو هذا القرآن الموجود اليوم في أيدي جميع المسلمين لم ينقص منه حرف ولم يزد فيه شيء، وقد أمر الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله وسلم)بجمعه وترتيب سوره وآياته على هذا النحو الموجود، فجمع القرآن بهذه الكيفية الموجودة اليوم في حياة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)(68).

        وقد كان هناك أيضاً مصحف لأم سلمة وعائشة وحفصة وغيرهن(69).

        الأمير يخطب الصدّيقة (عليهما السلام)

        عندما عرض بعض الأنصار على أمير المؤمنين (عليه السلام) الزواج من الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) جاء (سلام الله عليه) إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وعرض عليه حاجته، فرحّب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)كثيراً وأبدى استيناسه بطلب أمير المؤمنين (عليه السلام).

        فعن ابن بريدة عن أبيه قال: قال نفر من الأنصار لعلي بن أبي طالب(عليه السلام): اخطب فاطمة (عليها السلام).

        فأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فسلّم عليه.

        فقال له: ما حاجة علي بن أبي طالب؟

        قال: يا رسول الله، ذكرت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

        فقال: مرحباً وأهلاً، لم يزد عليها.

        فخرج علي على اُولئك الرهط من الأنصار وكانوا ينتظرونه، قالوا: ما وراءك؟

        قال: ما أدري غير أنه قال: مرحباً وأهلاً.

        قالوا: يكفيك من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أحدهما، أعطاك الأهل والرحب.

        فلمّا كان بعد ذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا علي إنه لابدّ للعرس من وليمة.

        فقال سعد: عندي كبش وجمع لـه رهط من الأنصار آصعا من ذرة، فلمّا كان ليلة البناء قال لعلي: لا تحدثنّ شيئاً حتى تلقاني.

        فدعا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بماء فتوضأ منه ثم أفرغه على علي (عليه السلام) وقال: اللهم بارك فيهما وبارك عليهما وبارك لهما في شبليهما.

        وقال ابن ناصر: في نسليهما(70).

        السماء تزوّج فاطمة (عليها السلام)

        على خلاف كل نساء العالم اللواتي يكون أمر زواجهنّ بيد آبائهن أو بيدهنّ خاصّة كان أمر الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) بيد الله تعالى فهو الذي اختار الكفؤ لها.

        فقد ورد في الكثير من الأخبار أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد أن ردّ الكثير ممّن خطبوا الزهراء (عليها السلام) جاءه الأمر الإلهي بأن: زوّج فاطمة من علي (عليهما السلام).

        عن أنس قال: كنت عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: يا أنس أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟

        قال: قلت: الله ورسوله أعلم.

        قال: أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي (عليهما السلام).

        فانطلق فادع لي أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وطلحة والزبير وبعددهم من الأنصار.

        قال: فانطلقت فدعوتهم له.

        فلمّا أن أخذوا مجالسهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع بسلطانه، المرهوب من عذابه، المرغوب إليه فيما عنده، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، وميّزهم بأحكامه، وأعزّهم بدينه، وأكرمهم بنبيّه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). ثم إنّ الله جعل المصاهرة نسباً لاحقاً وأمراً مفترضاً، وشبح بها الأرحام وألزمها الأنام، فقال تبارك اسمه وتعالى جدّه: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكانَ رَبُّكَ قَدِيراً((71) فأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، فلكل قضاء قدر، ولكل قدر أجل، ولكل أجل كتاب، (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ((72) ثم إنّي اُشهدكم أني قد زوّجت فاطمة من علي (عليهما السلام) على أربعمائة مثقال فضة إن رضي علي بذلك، وكان غائباً قد بعثه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في حاجة.

        ثم أمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بطبق فيه بسر(73) فوضع بين أيديها ثم قال: انتهبوا، فبينا نحن كذلك إذ أقبل علي (عليه السلام) فتبسّم إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم قال: يا علي إنّ الله أمرني أن اُزوّجك فاطمة وقد زوجتكها على أربعمائة مثقال فضة أرضيت؟

        قال: رضيت يا رسول الله.

        ثم قام علي (عليه السلام) فخرّ لله ساجداً.

        فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): جعل الله فيكما الكثير الطيّب وبارك فيكما.

        قال أنس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيّب(74).

        وعن الضحّاك بن مزاحم، قال: سمعت علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: «أتاني أبو بكر وعمر فقالا: لو أتيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فذكرت لـه فاطمة.

        قال: فأتيته، فلمّا رآني رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ضحك، ثم قال: ما جاء بك يا أبا الحسن وما حاجتك؟

        قال: فذكرت لـه قرابتي وقدمي في الإسلام ونصرتي لـه وجهادي.

        فقال: يا علي، صدقت، فأنت أفضل ممّا تذكر.

        فقلت: يا رسول الله، فاطمة تزوّجنيها؟

        فقال: يا علي، إنه قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك.

        فدخل(صلى الله عليه وآله وسلم)عليها فقامت إليه، فأخذت رداءه ونزعت نعليه، وأتته بالوضوء، فوضّأته بيدها وغسلت رجليه، ثم قعدت، فقال لها: يا فاطمة.

        فقالت: لبّيك، حاجتك يا رسول الله؟

        قال: إنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) من قد عرفت قرابته وفضله وإسلامه، وإنّي قد سألت ربي أن يزوّجك خير خلقه وأحبّهم إليه، وقد ذكر من أمرك شيئاً فما ترين؟

        فسكتت ولم تولّ وجهاً ولم ير فيه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كراهة، فقام وهو يقول: الله أكبر، سكوتها إقرارها، فأتاه جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد، زوّجها علي بن أبي طالب، فإنّ الله قد رضيها لـه ورضيه لها.

        قال علي(عليه السلام): فزوّجني رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم أتاني فأخذ بيدي، فقال: «قم بسم الله، وقل على بركة الله، وما شاء الله، لا قوّة إلاّ بالله، توكّلت على الله».

        ثم جاءني حين أقعدني عندها (عليها السلام) ، ثم قال: «اللهمّ إنّهما أحبّ خلقك إليّ فأحبّهما، وبارك في ذريّتهما، واجعل عليهما منك حافظاً، وإنّي اُعيذهما وذريتهما بك من الشيطان الرجيم»(75).

        والمستفاد من بعض الأخبار أنه لولا علي أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يكن للصدّيقة الزهراء (عليها السلام) كفؤ أبداً(76).

        الله زوّجها (عليها السلام) من علي (عليه السلام)

        عن ابن عباس وأنس بن مالك قالا: بينما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)جالس إذ جاء علي، فقال: يا علي ما جاء بك؟

        قال: جئت اُسلّم عليك.

        قال: هذا جبرئيل يخبرني أنّ الله زوّجك فاطمة وأشهد على تزويجها أربعين ألف ملك،وأوحى الله إلى شجرة طوبى أن انثري عليهم الدرّ والياقوت، فنثرت عليهم الدرّ والياقوت فابتدرن إليه الحور العين يلتقطن في أطباق الدرّ والياقوت وهنّ يتهادينّه بينهن إلى يوم القيامة، وكانوا يتهادون ويقولون: هذه تحفة خير النساء(77).

        وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني ملك، فقال: يا محمد، إنّ الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: إنّي قد زوّجت فاطمة ابنتك من علي بن أبي طالب في الملأ الأعلى، فزوّجها منه في الأرض»(78).

        وعن أنس قال: كنت عند النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فغشيه الوحي، فلمّا أفاق قال لي: «يا أنس أتدري ما جاءني به جبريل من عند صاحب العرش»؟

        قلت: الله ورسوله أعلم.

        قال: «أمرني أن اُزوّج فاطمة من علي»(79).

        راحيل يخطب في أهل السماوات

        وقد خطب الملك «راحيل» يوم تزويج الصديقة الزهراء (عليها السلام) خطبة بليغة أشار فيها إلى اختيار الباري تعالى أمير المؤمنين (عليه السلام) للسيدة الزهراء (عليها السلام) فقال:

        «الحمد لله الأول قبل أولية الأولين، الباقي بعد فناء الباقين، نحمده إذ جعلنا ملائكة روحانيين، وبربوبيته مذعنين، وله على ما أنعم علينا شاكرين، حجبنا من الذنوب وسترنا من العيوب، وأسكننا في السماوات، وقرّبنا إلى السرادقات، وحجب عنّا النهم للشهوات، وجعل نهمتنا وشهوتنا في تهليله وتسبيحه، الباسط رحمته، الواهب نعمته، جلّ عن إلحاد أهل الأرض من المشركين، وتعالى بعظمته عن إفك الملحدين، أنذرنا بأسه وعرّفنا سلطانه، توحّد فعلاً في الملكوت الأعلى، واحتجب عن الأبصار، وأظلم نور عزّته الأنوار، وكان من إسباغ نعمته وإتمام قضيته أن ركّب الشهوات في بني آدم وخصّهم بالأمر اللازم، ينشر لهم الأولاد وينشئ لهم البلاد، فجعل الحياة سبيل اُلفتهم والموت غاية فرقتهم، وإلى الله المصير، اختار الملك الجبّار صفوة كرمه وعظمته لأمته سيدة النساء، بنت خير النبيين وسيد المرسلين وإمام المتقين، صاحب المقام المحمود واليوم المشهود والحوض المورود، فوصل حبله بحبل رجل من أهله، صاحبه المصدّق دعوته، المبادر إلى كلمته، علي الوصول بفاطمة البتول بنت الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال الله عزّوجلّ: زوّجت عبدي من أمتي فاشهدوا ملائكتي»(80).

        خطبة الإمام علي (عليه السلام)

        وفي نفس مجلس العقد خطب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بخطبة شريفة، ثمّ قال لأمير المؤمنين (عليه السلام): تكلّم خطيباً لنفسك.

        فقال(عليه السلام): «الحمد لله الذي قرّب من حامديه، ودنا من سائليه، ووعد الجنّة من يتّقيه، وأنذر بالنار من يعصيه، نحمده على قديم إحسانه وأياديه، حمد من يعلم أنه خالقه وباريه، ومميته ومحييه، ومسائله عن مساويه، ونستعينه ونستهديه ونؤمن به ونستكفيه، ونشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك لـه شهاده تبلغه وترضيه، وأنّ محمداً عبده ورسوله(صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة تزلفه وتحظيه وترفعه وتصطفيه، والنكاح ما أمر الله به ويرضيه، واجتماعنا ممّا قدّره الله وأذن فيه، وهذا رسول الله زوّجني ابنته فاطمة على خمسمائة درهم وقد رضيت فاسألوه واشهدوا»(81).

        مهر فاطمة (عليها السلام)

        في الروايات الكثيرة أن قلة المهر دليل على خير المرأة وبركتها، وكان مهر الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) كذلك، فالمشهور على أن مهرها خمسمائة درهم فقط، كما سبق.

        وفي بعض الروايات أنه ثلاثون درهماً، ولا يستبعد ذلك.

        عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «زوّج رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)علياً فاطمة(عليهما السلام) على درع حطمية يساوي ثلاثين درهماً»(82)

        وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كان صداق فاطمة (عليها السلام) جرد برد حبرة ودرع حطمية وكان فراشها إهاب كبش يلقيانه ويفرشانه وينامان عليه»(83).

        وأما المهر المعنوي فقد جعله الله الشفاعة للمذنبين من اُمّة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)من شيعة علي وأولاده الطاهرين (عليهم السلام).

        فعن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إنّ الله تبارك وتعالى أمهر فاطمة (عليها السلام) ربع الدنيا فربعها لها، وأمهرها الجنة والنار تدخل أعداءها النار وتدخل أولياءها الجنة، وهي الصدّيقة الكبرى وعلى معرفتها دارت القرون الأُولى»(84).

        الإمام يتباهى بالزهراء (عليهما السلام)

        لقد فضّل الله أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) على من سواه بكل شيء، وفاق الناس فضلاً وعلماً ومرتبة إلاّ ابن عمّه النبي الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم).

        بل إنه (عليه السلام) في بعض الاُمور اختص بخصائص لم تكن للنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه، وهذا لا يدلّ على شرافته عليه كما هو واضح، وإنما هي خصائص انفرد بها الإمام (عليه السلام).

        وقد أشار رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)نفسه إلى بعض هذه الخصائص، فقال:

        «يا علي اُعطيت ثلاثاً لم اُعطها: اُعطيت صهراً مثلي، واُعطيت مثل زوجتك فاطمة(عليها السلام)، واُعطيت مثل ولديك الحسن والحسين (عليهما السلام)»(85).

        وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)أنّه قال: «يا علي لك أشياء ليست لي منها: إنّ لك زوجة مثل فاطمة (عليها السلام) وليس لي مثلها، ولك ولدين من صلبك وليس لي مثلهما من صلبي، ولك مثل خديجة اُمّ أهلك وليس لي مثلها حماة، ولك صهر مثلي وليس لي صهر مثلي، ولك أخ في النسب مثل جعفر وليس لي مثله في النسب، ولك اُمّ مثل فاطمة بنت أسد الهاشمية المهاجرة وليس لي مثلها»(86).

        نعم، فقد اُختصّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بتزويجه من الزهراء (عليها السلام) وبقي (عليه السلام) يتباهى بمثّل هذه الخصلة، فمن كتاب لـه (عليه السلام) إلى معاوية قال فيه:

        (رحمه الله)ومنّا النبي ومنكم المكذّب، ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف، ومنّا سيدا شباب أهل الجنة ومنكم صبية النار، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب(. قال (عليه السلام):

        وحمزة سيد الشهداء عمّي

        محمد النبي أخي وصنوي يطير مع الملائكة ابن اُمّي

        وجعفر الذي يمسي ويضحي منوط لحمها بدمي ولحمي(87)

        وبنت محمد سكني وعرسي

        تربية الحسنين (عليهما السلام)

        من الواضح أنّ الأئمّة المعصومين (عليهم السلام)أدّبهم الله تعالى وأحسن تربيتهم، ففي الحديث أنه قيل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن أدّبك؟ قال: «أدّبني ربّي».

        وفي حديث آخر قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «أدّبني ربّي فأحسن تأديبي»(88).

        بالإضافة إلى ذلك فإنّ المعصومين (عليهم السلام)كانوا يؤدبون أولادهم وذويهم، فكل إمام يأخذ العلم ممن كان قبله أيضاً، فأمير المؤمنين والسيدة الزهراء (عليهما السلام) تأدّبا بآداب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما أنّ الحسنين (عليهما السلام) تأدّبا بآداب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)وفاطمة وأمير المؤمنين (عليهما السلام).

        وكانت الصديقة الطاهرة فاطمة (عليها السلام) تبذل جهدها في تربية وتعليم الحسنين وسائر أولادها (عليهم السلام)بالتربية الإيمانية والإسلامية التي تليق بالمعصومين وذويهم منذ الصغر.

        ففي التاريخ: أنّ الحسن بن علي (عليه السلام) كان يحضر مجلس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو ابن سبع سنين فيسمع الوحي فيحفظه، فيأتي اُمّه فيلقي إليها ما حفظه، وكلّما دخل علي (عليه السلام) وجد عندها علماً بالتنزيل فيسألها عن ذلك؟

        فقالت: من ولدك الحسن.

        فتخفّى يوماً في الدار وقد دخل الحسن وقد سمع الوحي فأراد أن يلقيه إليها فارتجّ عليه، فعجبت اُمّه من ذلك، فقال: لا تعجبين يا اُمّاه فإنّ كبيراً يسمعني، فاستماعه قد أوقفني.

        فخرج علي (عليه السلام) فقبّله.

        وفي رواية قال: (رحمه الله)يا اُمّاه قلّ بياني وكَلّ لساني لعلّ سيّداً يرعاني((89).

        الذرية الطاهرة

        إن الله تعالى قد وهب الصديقة الطاهرة (عليها السلام) تلك الذرية المباركة، حيث جعل منها الأئمة المعصومين الأطهار (عليهم السلام)وهذا خير دليل على شرافتها.

        عن سلمان الفارسي أنّه قال: دخلت على فاطمة (عليها السلام) والحسن والحسين (عليهما السلام) يلعبان بين يديها، ففرحت بهما فرحاً شديداً، فلم ألبث حتى دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقلت: يا رسول الله أخبرني بفضيلة هؤلاء لأزداد لهم حباً.

        فقال: يا سلمان ليلة اُسري بي إلى السماء أدارني جبرئيل في سماواته وجنّاته، فبينا أنا أدور قصورها وبساتينها ومقاصيرها(90) إذ شممت رائحة طيبة فأعجبتني تلك الرائحة، فقلت: يا حبيبي ما هذه الرائحة التي غلبت على روائح الجنة كلّها؟

        فقال: يا محمد تفاحة خلقها الله تبارك وتعالى بيده(91) منذ ثلاثمائة ألف عام ما ندري ما يريد بها.

        فبينا أنا كذلك إذ رأيت ملائكة ومعهم تلك التفاحة، فقالوا: يا محمد ربنا السلام يقرأ عليك السلام وقد أتحفك بهذه التفاحة.

        قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): فأخذت تلك التفاحة فوضعتها تحت جناح جبرئيل فلمّا هبط بي إلى الأرض أكلت تلك التفاحة فجمع الله ماءها في ظهري فغشيت خديجة بنت خويلد فحملت بفاطمة من ماء تلك التفاحة، فأوحى الله عزّوجلّ إليّ أن قد ولد لك حوراء إنسية فزوّج النور من النور، فاطمة من علي، فإني قد زوجتها في السماء وجعلت خمس الأرض مهرها، وستخرج فيما بينهما ذرية طيبة وهما سراجا الجنة الحسن والحسين، ويخرج من صلب الحسين أئمة يُقتلون ويُخذلون فالويل لقاتلهم وخاذلهم(92).

        وفي خبر طويل نذكر محل الحاجة منه، قال هارون العباسي للإمام الكاظم(عليه السلام): اُريد أن أسألك عن العباس وعلي، بم صار علي أولى بميراث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من العباس والعباس عم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وصنو أبيه؟

        فقال لـه موسى (عليه السلام) : اعفني.

        قال: والله لا أعفيتك فأجبني.

        قال: فإن لم تعفني فآمني.

        قال: آمنتك.

        قال موسى (عليه السلام): إنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لم يورث من قدر على الهجرة فلم يهاجر، إنّ أباك العباس آمن ولم يهاجر، وإنّ علياً (عليه السلام) آمن وهاجر وقال الله: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ حَتَّى يُهاجِرُوا((93).

        فالتمع(94) لون هارون وتغيّر وقال: ما لكم لا تنسبون إلى علي (عليه السلام) هو أبوكم وتنسبون إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وهو جدّكم؟

        فقال موسى (عليه السلام): «إنّ الله نسب المسيح عيسى ابن مريم (عليها السلام) إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) باُمّه مريم البكر البتول التي لم يمسّها بشر في قوله (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ((95) فنسبه باُمّه وحدها إلى خليله إبراهيم (عليه السلام) كما نسب داود وسليمان وأيوب وموسى وهارون (عليهم السلام)بآبائهم واُمهاتهم فضيلة لعيسى (عليه السلام) ومنزلة رفيعة باُمّه وحدها، وذلك قوله في قصة مريم (عليها السلام): (إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ((96) بالمسيح من غير بشر، وكذلك اصطفى ربنا فاطمة (عليها السلام) وطهّرها وفضّلها على نساء العالمين بالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة»(97).

        يتبع،،،،،،،،


        (1) الدرانيك تكون ستراً وفرشاً والدرنوك فيه الصفرة والحضرة، (لسان العرب) مادّة درنك.

        (2) قال ابن خالويه: البعل في كلام العرب خمسة أشياء: الزوج والصنم منه قوله: «أتدعون بعلاً» سورة الصافات: 125، والبعل اسم امرأة وبها سمّيت بعلبك، والبعل من النخل ما شرب بعروقه من غير سقي، والبعل السماء، والعرب تقول السماء بعل الأرض.


        (3) كشف الغمّة: ج1 ص456.

        (4) إرشاد القلوب: ج2 ص403.

        (5) سورة الروم: 4.

        (6) بحار الأنوار: ج43 ص4.

        (7) زغب: صغار الريش، كتاب العين مادّة: زغب.

        (8) سورة الروم: 4.

        (9) بحار الأنوار: ج43 ص18.

        (10) عيون أخبار الرضا (: ج1 ص115 ح3.

        (11) علل الشرائع: ج1 ص183 ب147 ح2.

        (12) اللثم: القبلة، (لسان العرب) مادّة لثم.

        (13) بحار الأنوار: ج43 ص5 ب1 ح4.

        (14) مقاصير: نواحي، (لسان العرب) مادّة قصر.

        (15) اليد: القدرة، (لسان العرب) مادّة يدي.

        (16) تأويل الآيات الظاهرة: ص240.

        (17) سورة الأنفال: 72.

        (18) التمع لونه: ذهب وتغيّر، (لسان العرب) مادّة لمع.

        (19) سورة الأنعام: 84 ـ 85.

        (20) سورة آل عمران: 42.

        (21) تحف العقول: ص404.

        (22) الأمالي للصدوق: ص594 مجلس87 ح1.

        (23) في وصية النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)لعلي ( قال: (يا علي حقّ الولد على والده أن يُحسِّن اسمه(، وسائل الشيعة: ج21 ص389 ح27377.

        (24) علل الشرائع: ج1 ص178 ح3 ب142.

        (25) مناقب آل أبي طالب (عليهم السلام): ج3 ص330.

        (26) علل الشرائع: ج1 ص179 ب142 ح5.

        (27) الكافي: ج1 ص460 باب مولد الزهراء (عليها السلام) ح6.

        (28) بحار الأنوار: ج43 ص13 ب2 ح7.

        (29) الأمالي للطوسي: ص570 المجلس22 ح1179.

        (30) سورة القدر: الآية1.

        (31) تفسير فرات الكوفي: ص581 ح747.

        (32) معاني الأخبار: ص65 باب معاني أسماء محمّد وعلي وفاطمة (عليهم السلام) ح15.

        (33) علل الشرائع: ج1 ص180 ب143 ح2.

        (34) تأويل الآيات الظاهرة: ص591.

        (35) بحار الأنوار: ج43 ص12 ح5.

        (36) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص330 فصل في منزلتها عند الله تعالى.


        (37) الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع، (لسان العرب) مادّة جفن.

        (38) كشف الغمّة: ج1 ص469.

        (39) سورة الحشر: 9.

        (40) الخرائج والجرائح: ج2 ص537.

        (41) سورة الصافات: 83 ـ 84.

        (42) بحار الأنوار: ج36 ص213.

        (43) البلد الأمين: ص325.

        (44) مستدرك الوسائل: ج6 ص313 ب22 ح6891.

        (45) الخرائج والجرائح: ج2 ص530.

        (46) القطيفة: كساء لـه خمل، والخمل: ريش النعام، (لسان العرب) مادّة قطف وخمل.

        (47) العُراق: العظام إذا لم يكن عليها شيء من اللحم، (لسان العرب) مادّة: عرق.

        (48) سعد السعود: ص90.

        (49) كشف الغمّة: ج1 ص467.

        (50) راجع كتاب بحار الأنوار: ج43 ص178، وكتاب الخصال: ج2 ص607.

        (51) الطرائف: ج1 ص252 ح351.

        (52) الأمالي للصدوق: ص486 المجلس الثالث والسبعون ح18.

        (53) كشف الغمّة: ج1 ص467.

        (54) الأمالي للصدوق: ص383 المجلس الحادي والستون ح1.

        (55) سورة البقرة: 285.

        (56) تفسير فرات الكوفي: ص75 ح49.

        (57) الخصال: ج1 ص225 ح58.

        (58) كشف الغمّة: ج1 ص466.

        (59) بحار الأنوار: ج29 ص345.

        (60) روضة الواعظين: ج1 ص151، مجلس في ذكر وفاة فاطمة (عليها السلام).

        (61) سورة النساء: 69.

        (62) بحار الأنوار: ج25 ص16 ب1 ح3، وللمزيد راجع كتاب فاطمة الزهراء (عليها السلام) في القرآن، لسماحة آية الله العظمى السيد صادق الشيرازي (دام ظله الوارف).

        (63) القهقرى: يتراجع على قفاه، كتاب (العين) مادّة قهقر.

        (64) بحار الأنوار: ج43 ص8 ب1 ح11.

        (65) تنعش الضعيف: أي تقوّيه وتقيمه، (مجمع البحرين) مادّة نعش.

        (66) مستدرك الوسائل: ج17 ص318 ب11 ح21460.

        (67) انظر الكافي: ج1 ص238 باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة ح1.

        (68) للتفصيل انظر كتاب (متى جمع القرآن) للإمام المؤلف ( .

        (69) انظر فلاح السائل: ص94.

        (70) كشف الغمّة: ج1 ص365.

        (71) سورة الفرقان: 54.

        (72) سورة الرعد: 39.

        (73) البُسْر: ثمر النخل قبل أن يرطب، (مجمع البحرين) مادّة بسر.

        (74) كشف الغمّة: ج1 ص348.

        (75) الأمالي للطوسي: ص39 المجلس2 ح43.

        (76) راجع تهذيب الأحكام: ج7 ص470 ب41 ح90.

        (77) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص346.

        (78) صحيفة الرضا (عليه السلام): ص94 ح32.

        (79) كشف الغمّة: ج1 ص348.

        (80) مستدرك الوسائل: ج14 ص209 ب33 ح16517.

        (81) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص350.

        (82) الكافي: ج5 ص377 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليهما السلام) ح2و4.

        (83) الكافي: ج5 ص378 باب ما تزوج عليه أمير المؤمنين فاطمة (عليهما السلام) ح5.

        (84) الأمالي للطوسي: ص686 المجلس 36 ح1399.

        (85) بحار الأنوار: ج39 ص76.

        (86) مناقب آل أبي طالب: ج2 ص170.

        (87) بحار الأنوار: ج38 ص238 ح11.

        (88) راجع مستدرك الوسائل: ج8 ص397 ح9785، وبحار الأنوار: ج68 ص382.

        (89) بحار الأنوار: ج43 ص338 ح11.

        (90) مقاصير: نواحي، (لسان العرب) مادّة قصر.

        (91) اليد: القدرة، (لسان العرب) مادّة يدي.

        (92) تأويل الآيات الظاهرة: ص240.

        (93) سورة الأنفال: 72.

        (94) التمع لونه: ذهب وتغيّر، (لسان العرب) مادّة لمع.

        (95) سورة الأنعام: 84 ـ 85.

        (96) سورة آل عمران: 42.

        (97) تحف العقول: ص404.



        يتبع ،،،،

        تعليق


        • #14

          أشكركم أختنا الفاضلة

          على نقل هذا الموضوع القيّم والمهم


          انا متابع باهتمام لهذا الموضوع


          ننتظر منكم الاستمرار





          عن عبد السلام بن صالح الهروي قال :
          سمعتُ أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) يقول
          :


          " رَحِمَ اللهُ عَبداً أَحيا أمرَنا "

          فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟

          قال (عليه السلام) :

          " يَتَعَلَّمُ عُلومَنا وَيُعَلِّمُها النّاسَ ، فإنَّ النّاسَ لوَ عَلِموا مَحاسِنَ كَلامِنا لاتَّبَعونا "


          المصدر : عيون أخبار الرضا (عليه السلام) - للشيخ الصدوق (رحمه الله) - (2 / 276)


          تعليق


          • #15
            المشاركة الأصلية بواسطة الصدوق مشاهدة المشاركة

            أشكركم أختنا الفاضلة


            على نقل هذا الموضوع القيّم والمهم


            انا متابع باهتمام لهذا الموضوع


            ننتظر منكم الاستمرار




            آلشّكـَرٍ لله خيِّ

            يِّسَعدنيِّ آهتمآمكـَم وٍمرٍآقبتكـَم لموٍضوٍع

            شّكـَرٍآ لكـَم

            تعليق


            • #16
              آلصديقةآلطاهرة فاطمةالزهراء(عليها السلام) والدةالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلآم)

              ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

              آلصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والدة الإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام)

              تسبيح فاطمة (عليها السلام)

              ومن الخصائص المهمّة التي اختصّت بها الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) هو تسبيحها المعروف الذي أتحفها به رسول الله(صلى الله

              عليه وآله وسلم)بعد أن أشار عليها أمير المؤمنين (عليه السلام) أن تذهب إليه(صلى الله عليه وآله وسلم)وتستخدمه إحدى الجواري، فعلّمها إيّاه.

              فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: «أهدى بعض ملوك الأعاجم إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) رقيقاً، فقلت لفاطمة (عليها السلام): اذهبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فاستخدميه خادماً، فأتته فسألته ذلك... فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): يا فاطمة اُعطيك ما هو خير لك من خادم ومن الدنيا بما فيها، تكبّرين الله بعد كل صلاة ثلاثاً وثلاثين تكبيرة، وتحمدين الله ثلاثاً وثلاثين تحميدة، وتسبّحين الله ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، ثم تختمين ذلك بلا إله إلاّ الله، فذلك خير لك من الذي أردت ومن الدنيا بما فيها، فلزمت (عليها السلام) هذا التسبيح بعد كل صلاة ونسب إليها»(1).

              وعن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «ما عُبد الله بشيء من التحميد أفضل من تسبيح فاطمة (عليها السلام) ولو كان شيء أفضل منه لنحله رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فاطمة(عليها السلام)»(2).

              وروي عن محمد بن مسلم أنّه قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن التسبيح، فقال: «ما علمت شيئاً موظفاً غير تسبيح فاطمة (عليها السلام)، وعشر مرّات بعد الفجر تقول: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، لـه الملك وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير، ويسبّح ما شاء تطوّعاً»(3).

              وعن محمد بن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): «من سبّح تسبيح الزهراء(عليها السلام) ثم استغفر، غفر لـه، وهي مائة باللسان وألف في الميزان وتطرد الشيطان وترضي الرحمن»(4).

              وروي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لرجل من بني سعد: «ألا اُحدثّك عنّي وعن فاطمة الزهراء؟ إنّها كانت عندي فاستقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وطحنت بالرحى حتى مجلت(5) يدها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت(6) ثيابها، فأصابها من ذلك ضُرّ شديد، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألته خادماً يكفيك حرماً أنت فيه من هذا العمل؟

              فأتت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فوجدت عنه حداثاً فاستحيت فانصرفت.

              فعلم(صلى الله عليه وآله وسلم)أنها قد جاءت لحاجة فغدا علينا ونحن في لحافنا، فقال: السلام عليكم، فسكتنا واستحيينا لمكاننا.

              ثم قال: السلام عليكم، فسكتنا.

              ثم قال: السلام عليكم، فخشينا إن لم نرد عليه أن ينصرف، وقد كان يفعل ذلك فيسلّم ثلاثاً فإن اُذن لـه وإلاّ انصرف.

              فقلنا: وعليك السلام يا رسول الله اُدخل.

              فجلس عند رؤوسنا، ثمّ قال: يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس عند محمد؟

              فخشيت إن لم نجبه أن يقوم، قال: فأخرجت رأسي، فقلت: أنا والله اُخبرك يا رسول الله، أنها استقت بالقربة حتى أثّر في صدرها، وجرت بالرحى حتى مجلت يداها، وكسحت البيت حتى اغبرّت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دكنت ثيابها، فقلت لها: لو أتيت أباك فسألتيه خادماً يكفيك حرّ ما أنت فيه من هذا العمل.

              قال: أفلا اُعلّمكما ما هو خير لكما من الخادم؟ إذا أخذتما منامكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين تسبيحة، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين.

              قال: فأخرجت فاطمة (عليها السلام) رأسها، فقالت: رضيت عن الله ورسوله ورضيت عن الله ورسوله»(7).

              وعن أبي هارون المكفوف عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (رحمه الله)ياأبا هارون إنّا نأمر صبياننا بتسبيح فاطمة (عليها السلام) كما نأمرهم بالصلاة فالزمه فإنّه لم يلزمه عبد فشقي((8).

              وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: سمعته يقول: (رحمه الله)من سبّح تسبيح فاطمة (عليها السلام) في دبر المكتوبة من قبل أن يبسط رجليه أوجب الله لـه الجنّة((9).

              إنفاق الزهراء (عليها السلام)

              لقد كان بيت أمير المؤمنين (عليه السلام) والصدّيقة الزهراء (عليها السلام) ملجأ وملاذاً للفقراء والمحتاجين الذين لا معين لهم ولا عائل يقضي حوائجهم ويسدّ احتياجاتهم المختلفة.

              فبين الحين والآخر كان الفقراء يلوذون برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ويلتمسون منه يد العون، وكثيراً ما كان(صلى الله عليه وآله وسلم)يحوّلهم على دار أمير المؤمنين (عليه السلام) لعلمه الراسخ بأنّ كل من يطرق هذه الدار لا يعود خائباً خالي اليدين، وإنما يعود بحوائج مقضية، والقصص الدالةّ على ذلك كثيرة منها:

              ما عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: صلّى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)صلاة العصر فلمّا انفتل(10) جلس في قبلته والناس حوله، فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب، سمل(11) قد تهلّل واختلق وهو لا يكاد يتمالك ضعفاً وكبراً.

              فأقبل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يستجليه الخبر.

              فقال الشيخ: يا نبي الله أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فأكسني، وفقير فارشيني.

              فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ما أجد لك شيئاً ولكن الدالّ على الخير كفاعله، انطلق إلى منزل من يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يؤثر الله على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة(عليها السلام) ـ وكان بيتها ملاصقاً بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه ـ يا بلال! قم فقف به على منزل فاطمة (عليها السلام).

              فانطلق الأعرابي مع بلال، فلمّا وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة ومختلف الملائكة ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين.

              فقالت فاطمة (عليها السلام): من أنت يا هذا؟

              قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيد البشر، مهاجراً من شقّة وأنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد، فواسيني رحمك الله.

              وكان لفاطمة وعلي (عليهما السلام) في تلك الحال ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً، وقد علم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ذلك من شأنهما.

              فعمدت فاطمة (عليها السلام) إلى جلد الكبش مدبوغ بالقرض كان ينام عليه الحسن والحسين (عليهما السلام)، فقالت: خذ هذا أيّها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه.

              فقال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟

              قال: فعمدت (عليها السلام) لما سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبد المطّلب فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي، فقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه.

              فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله، والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد وقالت: بعه فعسى أن يصنع لك.

              قال: فبكى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: لا كيف يصنع الله لك وقد أعطتك فاطمة بنت محمد سيدة بنات آدم.

              فقام عمار بن ياسر (رحمه الله) فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟

              قال(صلى الله عليه وآله وسلم): اشتره يا عمّار فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار.

              فقال عمّار: بكم هذا العقد يا أعرابي؟

              قال: بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي واُصلّي فيها لربي ودينار يبلغني إلى أهلي.

              وكان عمار قد باع سهمه الذي نقله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)من خيبر ولم يبق منه شيئاً، فقال: لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك إلى أهلك وشبعة من خبز البر واللحم.

              فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال.

              وانطلق به عمار فوفّاه ما ضمن له.

              وعاد الأعرابي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

              فقال لـه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): أشبعت واكتسيت؟

              قال الأعرابي: نعم يا رسول الله واستغنيت بأبي أنت واُمّي.

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): فاجز فاطمة (عليها السلام) بصنيعها.

              فقال الأعرابي: اللهم إنك إله ما استحدثناك ولا إله لنا نعبده سواك وأنت رازقنا على كل الجهات، اللهم أعط فاطمة (عليها السلام) ما لا عين رأت ولا اُذن سمعت.

              فأمّن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)على دعائه وأقبل على أصحابه، فقال: إنّ الله قد أعطى فاطمة (عليها السلام) في الدنيا ذلك، أنا أبوها وما أحد من العالمين مثلي، وعلي (عليه السلام) بعلها ولولا علي ما كان لفاطمة كفؤ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء وسيدا أهل الجنة.

              وكان بإزائه(صلى الله عليه وآله وسلم)المقداد وابن عمر وعمار وسلمان، فقال: وأزيدكم؟

              فقالوا: نعم يا رسول الله.

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أتاني الروح الأمين يعني جبرئيل (عليه السلام) وقال: إنها إذا هي قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها من ربك؟

              فتقول: الله ربي.

              فيقولان: من نبيك؟

              فتقول: أبي.

              فيقولان: فمن وليك؟

              فتقول: هذا القائم على شفير قبري علي بن أبي طالب.

              ألا واُزيدكم من فضلها، إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً(12) من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها، وهم معها في حياتها وعند قبرها بعد موتها، يكثرون الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها، فمن زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي، ومن زار فاطمة فكأنما زارني، ومن زار علي بن أبي طالب فكأنما زار فاطمة، ومن زار الحسن والحسين فكأنما زار علياً، ومن زار ذريتهما فكأنما زارهما.

              فعمد عمار إلى العقد وطيّبه بالمسك ولفّه في بردة يمانية، وكان لـه عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك وقال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنت له.

              فأخذ العقد فأتى به رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأخبره بقول عمار (رحمه الله).

              فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): انطلق إلى فاطمة (عليها السلام) فادفع إليها العقد وأنت لها.

              فجاء المملوك بالعقد وأخبرها بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فأخذت فاطمة (عليها السلام) العقد وأعتقت المملوك.

              فضحك الغلام.

              فقالت فاطمة (عليها السلام): ما يضحكك يا غلام؟

              فقال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً وكسا عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى ربّه(13).

              من أدعية الصدّيقة فاطمة (عليها السلام)

              هجر الكثير من المسلمين أو منعوا ـ ولأسباب غير خفية ـ من بيت علي وفاطمة (عليهما السلام) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

              وقد بقي سلمان المحمدي بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)معتزلاً عن الخلق حتى أرسلت خلفه الزهراء (عليها السلام) فزارها، وشاهد من كراماتها العجيبة ما جعله يتيقّن أكثر بعلو منزلتها وارتفاع شأنها (عليها السلام).

              فعن عبد الله بن سلمان الفارسي عن أبيه قال: خرجت من منزلي يوماً بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بعشرة أيام، فلقيني علي بن أبي طالب (عليه السلام) ابن عم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال لي: يا سلمان جفوتنا بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

              فقلت: حبيبي أبا الحسن مثلكم لا يجفى، غير أنّ حزني على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) طال، فهو الذي منعني من زيارتكم.

              فقال (عليه السلام) لي: يا سلمان ائت منزل فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فإنها إليك مشتاقة، تريد أن تتحفك بتحفة قد اُتحفت بها من الجنة.

              قلت لعلي (عليه السلام): قد أتحفت فاطمة (عليها السلام) بشيء من الجنة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

              قال: نعم بالأمس.

              قال سلمان الفارسي: فهرولت إلى منزل فاطمة (عليها السلام) بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)..

              ثم قالت: يا سلمان جفوتني بعد وفاة أبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

              قلت: حبيبتي لم أجفكم.

              قالت: فمه اُجلس واعقل ما أقول لك، إني كنت جالسة بالأمس في هذا المجلس وباب الدار مغلق وأنا أتفكّر في انقطاع الوحي عنّا وانصراف الملائكة عن منزلنا، فإذا انفتح الباب من غير أن يفتحه أحد فدخل عليّ ثلاث جوار لم ير الراؤون بحسنهنّ ولا كهيئتهنّ ولا نضارة وجوههنّ ولا أزكى من ريحهنّ، فلمّا رأيتهنّ قمت إليهنّ مستنكرة لهنّ، فقلت: بأبي أنتنّ من أهل مكة أم من أهل المدينة؟

              فقلن: يا بنت محمد لسنا من أهل مكة ولا من أهل المدينة، ولا من أهل الأرض جميعاً، غير أننا جوار من الحور العين من دار السلام، أرسلنا ربّ العزة إليك يا بنت محمد أنّا إليك مشتاقات.

              فقلت للتي أظن أنها أكبر سنّاً: ما اسمك؟

              قالت: اسمي مقدودة.

              قلت: ولِمَ سمّيت مقدودة؟

              قالت: خلقت للمقداد بن الأسود الكندي صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

              قلت للثانية: ما اسمك؟

              قالت: ذرّة.

              قلت: ولِمَ سمّيت ذرّة وأنت في عيني نبيلة؟

              قالت: خلقت لأبي ذر الغفاري صاحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

              فقلت للثالثة: ما اسمك؟

              قالت: سلمى.

              قلت: ولِمَ سمّيت سلمى؟

              قالت: أنا لسلمان الفارسي مولى أبيك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

              قالت فاطمة: ثم أخرجن لي رطباً أزرق كأمثال الخشكنانج(14) الكبار، أبيض من الثلج وأزكى ريحاً من المسك الأذفر، فقالت لي: يا سلمان أفطر عليه عشيتك فإذا كان غداً فجئني بنواة أو قالت: عجمه.

              قال سلمان: فأخذت الرطب فما مررت بجمع من أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ قالوا: يا سلمان أمعك مسك؟

              قلت: نعم.

              فلمّا كان وقت الإفطار أفطرت عليه فلم أجد له، فمضيت إلى بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في اليوم الثاني، فقلت لها (عليها السلام): إنّي أفطرت على ما أتحفتني به، فما وجدت لـه عجماً ولا نوى.

              قالت: يا سلمان ولن يكن لـه عجم ولا نوى، وإنما هو من نخل غرسه الله في دار السلام، ألا اُعلمك بكلام علّمنيه أبي، محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، كنت أقوله غدوة وعشية؟

              قال سلمان: قلت علّميني الكلام يا سيدتي.

              فقالت: إن سرّك أن لا يمسّك أذى الحمّى ما عشت في دار الدنيا فواظب عليه.

              ثم قال سلمان: علّميني هذا الحرز.

              قالت: «بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله النور، بسم الله نور النور، بسم الله نور على نور، بسم الله الذي هو مدبّر الاُمور، بسم الله الذي خلق النور من النور، الحمد لله الذي خلق النور من النور، وأنزل النور على الطور، في كتاب مسطور، في رق منشور، بقدر مقدور، على نبي محبور، الحمد لله الذي هو بالعزّ مذكور، وبالفخر مشهور، وعلى السرّاء والضرّاء مشكور، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين».

              قال سلمان: فتعلّمتهنّ فوالله ولقد علّمتهنّ أكثر من ألف نفس من أهل المدينة ومكّة ممّن بهم علل الحمّى فكل بريء من مرضه بإذن الله تعالى(15).

              إيثار الصديقة الطاهرة (عليها السلام)

              كانت الصدّيقة الزهراء (سلام الله عليها) مضرباً للمثل في التفاني في ذات الله تعالى حتى أنها (عليها السلام) أرخصت كل ما تملك من أجل إقامة كلمة الإسلام وترسيخ دعائم الدين القويمة.

              ولذا فإنها (عليها السلام) كانت تؤثر بكل شيء من أجل إعلاء راية الدين خفّاقة وليبقى ذكر الله تعالى عالياً في كل مكان وعلى مرّ العصور.

              ففي التاريخ أنه جاء رجل إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فشكا إليه الجوع، فبعث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى أزواجه، فقلن: ما عندنا إلاّ الماء.

              فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): من لهذا الرجل الليلة؟

              فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنا يا رسول الله، فأتى فاطمة (عليها السلام) وسألها ما عندك يا بنت رسول الله؟

              فقالت: ما عندنا إلاّ قوت الصبية لكنّا نؤثر ضيفنا به.

              فقال (عليه السلام): يا بنت محمد نوّمي الصبية وأطفئي المصباح وجعلا يمضغان بألسنتهما، فلمّا فرغا من الأكل، أتت فاطمة (عليها السلام) بسراج فوجدت الجفنة(16) مملوّة من فضل الله.

              فلمّا أصبح صلّى مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا سلّم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)من صلاته نظر إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) وبكى بكاءً شديداً وقال: يا أمير المؤمنين لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة أقرأ (وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ((17) أي مجاعة(18).

              نزول سورة الإنسان

              عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن أبيه عن جدّه (عليهم السلام)قال: مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) مرضاً شديداً، فعادهما سيد ولد آدم محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)...

              فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن عافى الله ولدي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام متواليات.

              وقالت فاطمة (عليها السلام) مثل مقالة علي (عليه السلام).

              وكانت لهم جارية نوبية تدعى (فضة) قالت: إن عافى الله سيدَي مما بهما صمت لله ثلاثة أيام.

              فلمّا عافى الله الغلامين مما بهما انطلق علي (عليه السلام) إلى جار يهودي يقال له: شمعون بن حارا، فقال له: يا شمعون أعطني ثلاثة أصيع من شعير وجزة(19) من صوف تغزله لك ابنة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

              فأعطاه اليهودي الشعير والصوف، فانطلق إلى منزل فاطمة (عليها السلام).

              فقال لها: يا بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كلي هذا واغزلي هذا، فباتوا وأصبحوا صياماً، فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى صاع من الشعير وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص قرص لعلي وقرص لفاطمة وقرص للحسن وقرص للحسين(عليهم السلام)وقرص للجارية.

              وإنّ علياً (عليه السلام) صلّى مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أقبل إلى منزله ليفطر، فلمّا أن وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله، فإذا سائل قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

              فألقى علي (عليه السلام) وألقى القوم من أيديهم الطعام، وأنشأ علي بن أبي طالب(عليه السلام) هذه الأبيات:

              يا بنت خير الناس أجمعين

              فاطم ذات الودّ واليقين

              قد جاء بالباب لـه حنين

              أما ترين البائس المسكين

              يشكو إلينا جائع حزين

              يشكو إلى الله ويستكين

              من يفعل الخير يقف سمين

              كل امرئ بكسبه رهين

              حرمت الجنة على الضنين

              ويدخل الجنة آمنين

              ويخرج منها إن خرج بعد حين

              يهوي من النار إلى سجين

              قال: فأنشأت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:

              ما بي من لؤم ولا ضراعة

              أمرك يا بن العم سمع طاعة

              غديت بالبر لـه صناعة

              أمط عنّي اللؤم والرقاعة

              أرجو إن أطعمت من مجاعة

              إني سأعطيه ولا أنهيه ساعة

              وأدخل الجنة لي شفاعة

              أن ألحق الأخيار والجماعة


              فأعطوه طعامهم وباتوا على صومهم لم يذوقوا إلاّ الماء.

              فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى الصاع الثاني فعجنته وخبزت منه أقراصاً، وإنّ علياً (عليه السلام) صلّى مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أقبل إلى منزله ليفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأرادوا أكله إذا يتيم قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أنا يتيم من يتامى المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنة.

              قال: فألقى علي (عليه السلام) وألقى القوم من بين أيديهم الطعام، وأنشأ علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو يقول:

              بنت نبي ليس بالزنيم

              فاطم بنت السيد الكريم

              ومن يسلم فهو السليم

              قد جاءنا الله بذي اليتيم

              لا يجوز على الصراط المستقيم

              حرمت الجنة على اللئيم

              فصاحب البخل يقف ذميم

              طعامه الضريع في الجحيم

              قال: فأنشأت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول هذه الأبيات:

              واُوثر الله على عيالي

              إني سأعطيه ولا اُبالي

              أرجو بذاك الفوز في المال

              وأقض هذا الغزل في الأغزال

              ويكفني همّي في أطفالي

              أن يقبل الله وينمي مالي

              أصغرهم يقتل في القتال

              أمسوا جياعاً وهم أشبالي

              لقاتليه الويل مع وبال

              بكربلاء يقتل باغتيال

              كبؤله زادت على الأكبال

              يهوى في النار إلى سفال


              قال: فأعطوا طعامهم وباتوا على صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء وأصبحوا صياماً.

              فلمّا أمسوا قامت الجارية إلى الصاع الثالث فعجنته وخبزت منه خمسة أقراص، وإنّ علياً (عليه السلام) صلّى مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أقبل إلى منزله يريد أن يفطر، فلمّا وضع بين أيديهم الطعام وأردوا أكله فإذا أسير كافر قد قام بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد والله ما أنصفتمونا من أنفسكم، تأسرونا وتقيّدونا ولا تطعمونا، أطعموني فإني أسير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

              فألقى علي (عليه السلام) وألقى القوم من بين أيديهم الطعام.

              فأنشأ علي بن أبي طالب (عليه السلام) هذه الأبيات وهو يقول:

              يا بنت من سمّاه الله فهو محمد

              يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد

              قد جاءنا الله بذي المقيّد

              قد زانه الله بخلق أغيد

              من يطعم اليوم يجده في غد

              بالقيد مأسور فليس يهتدي

              وما زرعه الزارعون يحصد

              عند الإله الواحد الموحّد

              ثم اطلبي خزائن التي لم تنفد

              أعطيه ولا تجعليه أنكد

              قال: فأنشأت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:

              يا بنت من سمّاه الله فهو محمد

              يا فاطمة حبيبتي وبنت أحمد

              قد دبرت الكف مع الذراع

              يا بن عم لم يبق إلاّ صاع يا ربّ لا تتركهما ضياع

              ابني والله هما جياع قد يصنع الخير بابتداع

              أبوهما للخير صناع وما على رأسي من قناع

              عبل الذراعين شديد الباع

              إلاّ قناع نسجه نساع


              قال: فأعطوه طعامهم وباتوا على صومهم ولم يذوقوا إلاّ الماء، فأصبحوا وقد قضى الله عليهم نذرهم، وإنّ علياً (عليه السلام) أخذ بيد الغلامين وهما كالفرخين لا ريش لهما يترجّجان من الجوع، فانطلق بهما إلى منزل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلمّا نظر إليهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)اغرورقت عيناه بالدموع وأخذ بيد الغلامين، فانطلق بها إلى منزل فاطمة (عليها السلام)، فلمّا نظر إليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد تغيّر لونها وإذا بطنها لاصق بظهرها انكبّ عليها يقبّل بين عينيها، ونادته باكية: وا غوثاه بالله ثم بك يا رسول الله من الجوع.

              قال: فرفع رأسه إلى السماء وهو يقول: «اللهم أشبع آل محمد».

              فهبط جبرئيل (عليه السلام)، فقال: يا محمد اقرأ.

              قال: وما أقرأ؟

              قال: اقرأ (إِنَّ الأَبْرارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كانَ مِزاجُها كافُوراً ( عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ( إلى آخر ثلاث آيات(20).

              ثم إنّ علياً (عليه السلام) مضى من فور ذلك حتى أتى أبا جبلة الأنصاري، فقال له: يا أبا جبلة هل من قرض دينار؟

              قال: نعم يا أبا الحسن أشهد الله وملائكته أنّ أكثر مالي لك حلال من الله ومن رسوله.

              قال: لا حاجة لي في شيء من ذلك إن يك قرضاً قبلته.

              قال: فرفع إليه ديناراً.

              ومرّ الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يتخرّق أزقّة المدينة ليبتاع بالدينار طعاماً، فإذا هو بمقداد بن الأسود الكندي قاعد على الطريق فدنا منه وسلّم عليه وقال: يا مقداد ما لي أراك في هذا الموضع كئيباً حزيناً؟

              فقال أقول: كما قال العبد الصالح موسى بن عمران (عليه السلام): ربّ إني لما أنزلت إليّ من خير فقير.

              قال ومنذ كم يا مقداد؟

              قال: هذا أربع.

              فرجع علي (عليه السلام) مليّاً ثم قال: الله أكبر، الله أكبر، آل محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)منذ ثلاث وأنت يا مقداد مذ أربع، أنت أحق بالدينار مني.

              قال: فدفع إليه الدينار ومضى حتى دخل على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مسجده، فلما انفتل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ضرب بيده إلى كتفه ثم قال: يا علي انهض بنا إلى منزلك لعلّنا نصيب به طعاماً، فقد بلغنا أخذك الدينار من أبي جبلة.

              قال: فمضى وعلي (عليه السلام) يستحي من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رابط على بطنه حجراً من الجوع حتى قرعا على فاطمة الباب.

              فلمّا نظرت فاطمة (عليها السلام) إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أثّر الجوع في وجهه ولّت هاربة قالت: وا سوأتاه من الله ومن رسوله، كأن أبا الحسن ما علم أن ليس عندنا مذ ثلاث، ثم دخلت مخدعاً لها فصلّت ركعتين ثم نادت: يا إله محمد هذا محمد نبيك وفاطمة بنت نبيك وعلي ختن نبيك وابن عمّه وهذان الحسن والحسين سبطي نبيك، اللهم فإنّ بني إسرائيل سألوك أن تنزل عليهم مائدة من السماء فأنزلتها عليهم وكفروا بها، اللهم فإنّ آل محمد لا يكفروا بها، ثم التفتت مسلّمة فإذا هي بصحفة(21) مملوّة ثريد ومرق فاحتملتها ووضعتها بين يدي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فأهوي بيده إلى الصحفة فسبّحت الصحفة والثريد والمرق فتلا النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (وَإِنْ مِنْ شَيْ‏ءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ((22) ثم قال: كلوا من جوانب القصعة ولا تهدموا صومعتها فإنّ فيها البركة.

              فأكل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، والنبي(صلى الله عليه وآله وسلم)يأكل وينظر إلى علي (عليه السلام) متبسّماً، وعلي (عليه السلام) يأكل وينظر إلى فاطمة (عليها السلام) متعجّباً، فقال لـه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): كل يا علي ولا تسأل فاطمة عن شيء، الحمد لله الذي جعل مثلك ومثلها مثل مريم بنت عمران وزكريا (عليهما السلام) (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً قالَ يا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ((23)، يا علي هذا بالدينار الذي أقرضته، لقد أعطاك الله الليلة خمسة وعشرين جزءً من المعروف، فأمّا جزء واحد فجعل لك في دنياك أن أطعمك من جنّته، وأمّا أربعة وعشرون جزءً قد ذخرها لك لآخرتك(24).


              الزهراء تودع أباها (عليهما السلام)

              قال سلمان: بينا أنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في مرضه الذي قبض فيه، إذ دخلت عليه فاطمة (عليها السلام) فلما رأت ما به(صلى الله عليه وآله وسلم)خنقتها العبرة حتى فاضت دموعها على خدّيها، فأبصر ذلك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فقال: ما يبكيك يا بنيّة، أقرّ الله عينك ولا أبكاها؟

              قالت (عليه السلام): وكيف لا أبكي وأنا أرى ما بك من الضعف؟ فمن لنا بعدك يا رسول الله؟

              فقال(صلى الله عليه وآله وسلم)لها (عليها السلام): يا فاطمة لكم الله فتوكّلي عليه واصبري كما صبر آباؤك من الأنبياء، واُمّهاتك من أزواجهم، ألا اُبشرك يا فاطمة؟

              قالت (عليها السلام): بلى يا أبه.

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أما علمت أن الله تعالى اختار أباك فجعله نبياً، وبعثه إلى كافة الخلق رسولاً، ثم اختار علياً فأمرني فزوّجتك إياه، واتخذته بأمر ربّي وزيراً ووصيّاً، يا فاطمة إنّ علياً أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقاً، وأقدمهم سلماً، وأعزهم خطراً، وأجملهم خلقاً، وأشدّهم في الله وفيّ غضباً، وأعلمهم علماً، وأحلمهم حلماً، وأثبتهم في الميزان قدراً، وأشجعهم قلباً، وأربطهم جأشاً، وأسخاهم كفاً.

              فاستبشرت فاطمة (عليها السلام)، فأقبل عليها رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: هل سررتك يا فاطمة؟

              قالت (عليها السلام): نعم يا أبة، الحديث.

              وقال عمار: لما حضر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)أمر الله دعا بعلي (عليه السلام) فسارّه طويلاً ثم قال له: يا علي أنت وصيّي ووارثي، قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا متّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، وغصبت على حقك.

              فبكت فاطمة (عليها السلام) وبكى الحسن والحسين (عليهما السلام).

              فقال(صلى الله عليه وآله وسلم)لفاطمة: يا سيّدة النسوان ممّ بكاؤك؟

              قالت (عليها السلام): يا أبة أخشى الضيعة بعدك.

              فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، لا تبكي ولا تحزني، فإنّك سيدة نساء أهل الجنّة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك سيد الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنّة، ومن صلب الحسين (عليه السلام) يخرج الله الأئمّة التسعة مطهّرون معصومون، ومنك مهدي هذه الاُمّة.

              هذه وديعة الله

              قال الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث: قلت لأبي (عليه السلام): فما كان بعد خروج الملائكة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

              فقال (عليه السلام): ثم دعا(صلى الله عليه وآله وسلم)علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)وقال لمن في بيته: اخرجوا عني، وقال لاُم سلمة: كوني على الباب فلا يقربه أحد، ثم التفت إلى علي (عليه السلام) وقال له: يا علي ادن مني، فدنا منه، فأخذ بيد فاطمة(عليها السلام) فوضعها على صدره طويلاً، وأخذ بيد علي (عليه السلام) بيده الاُخرى، فلما أراد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الكلام غلبته العبرة فلم يقدر على الكلام.

              فبكت فاطمة (عليها السلام) بكاءً شديداً وأكبّت على وجهه تقبّله، وبكى علي والحسن والحسين (عليهم السلام)لبكاء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ثم أكبّوا على وجهه.

              فرفع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)رأسه إليهم ويدها في يده، فوضعها في يد علي (عليه السلام) وقال له: يا أبا الحسن هذه وديعة الله ووديعة رسوله محمد عندك فاحفظ الله واحفظني فيها، وإنك لفاعل هذا يا علي، هذه والله سيّدة نساء أهل الجنّة من الأوّلين والآخرين، هذه والله مريم الكبرى، أما والله ما بلغت نفسي هذا الموضع حتى سألت الله لها ولكم، فأعطاني ما سألته، يا علي أنفذ لما أمرتك به فاطمة، فقد أمرتها بأشياء أمر بها جبرئيل، وأمرتها أن تلقيها إليك، فانفذها، فهي الصادقة الصدوقة، واعلم يا علي أني راضٍ عمّن رضيَت عنه ابنتي فاطمة، وكذلك ربي وملائكته، يا علي ويل لمن ظلمها، وويل لمن ابتزّها حقها، وويل لمن هتك حرمتها، وويل لمن أحرق بابها، وويل لمن آذى حليلها، وويل لمن شاقّها وبارزها، اللهم إني منهم بريء، وهم مني براء، ثم سماهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وضمّ فاطمة إليه وعلياً والحسن والحسين (عليهم السلام)، الحديث.


              في بيت فاطمة (عليها السلام)

              ولما كان صباح يوم الاثنين لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية المباركة استأذن على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ملك الموت، وهو(صلى الله عليه وآله وسلم)في بيت فاطمة (عليها السلام) وعمر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إذ ذاك ثلاث وستّون سنة.

              قال ابن عباس: فلما طرق الباب قالت فاطمة (عليها السلام): من ذا؟

              قال: أنا غريب أتيت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فهل تأذنون لي في الدخول عليه؟

              فأجابت: امضِ رحمك الله لحاجتك، فرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)عنك مشغول.

              فمضى ثم رجع فدقّ الباب وقال: غريب يستأذن على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فهل تأذنون للغرباء؟

              فأفاق رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال: يا فاطمة إن هذا مفرق الجماعات، ومنغّص اللذّات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي، ولا يستأذن على أحد بعدي، استأذن عليَّ لكرامتي على الله، ائذني له.

              فقالت (عليها السلام): اُدخل رحمك الله، فلما اُذن له دخل كريح هفّافة وقال: السلام عليك يا رسول الله وعلى أهل بيتك.

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وعليك السلام يا ملك الموت.

              فقال: إنّ ربك أرسلني إليك وهو يقرؤك السلام ويخيّرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا.

              فاستمهله(صلى الله عليه وآله وسلم)حتى ينزل جبرئيل ويستشيره، فخرج ملك الموت من عنده وجاء جبرئيل فقال: السلام عليك يا أبا القاسم.

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وعليك السلام يا حبيبي جبرائيل.

              فقال: يا رسول الله إنّ ربك إليك مشتاق، وما استأذن ملك الموت على أحد قبلك، ولا يستأذن على أحد بعدك.

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): يا حبيبي جبرئيل إن ملك الموت قد خيّرني عن ربّي بين لقائه وبين الرجوع إلى الدنيا، فما الذي ترى؟

              فقال: يا رسول الله {وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولى ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى}(25).

              قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، لقاء ربي خير لي، لا تبرح يا حبيبي جبرئيل حتى ينزل ملك الموت، فنزل ملك الموت فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): امض لما اُمرت له.

              ثم مدّ(صلى الله عليه وآله وسلم)يده إلى علي (عليه السلام) فجذبه إليه وهو يقول: ادن مني يا أخي فقد جاء أمر الله، فدنا (عليه السلام) منه حتى أدخله تحت ثوبه الذي كان عليه، ووضع فاه في اُذنه وجعل يناجيه طويلاً حتى فارقت روحه الدنيا، صلوات الله عليه وآله، ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها، فرفعها (عليه السلام) إلى وجهه فمسحه بها.

              ثم انسل علي (عليه السلام) من تحت ثيابه، وقال: أعظم الله اُجوركم في نبيّكم، فقد قبضه الله إليه ثم مدّ عليه ازاره، وقال: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، يالها من مصيبة خصت الأقربين وعمت المؤمنين، لما يصابوا بمثلها قط، ولا عاينوا مثلها.

              فارتفعت عندها الأصوات بالضجّة والبكاء. فصاحت فاطمة (عليها السلام) وصاح المسلمون، وصاروا يضعون التراب على رؤوسهم، وفاطمة (عليها السلام) تقول: يا أبتاه إلى جبرئيل ننعاه، يا أبتاه من ربّه ما أدناه، يا أبتاه جنان الفردوس مأواه، يا أبتاه أجاب ربّاً دعاه، واجتمعت نسوة بني هاشم وجعلن يذكرن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم).

              وبعد الوفاة

              روي أنّه لمّا قبض النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)امتنع بلال من الأذان وقال: لا اُؤذّن لأحد بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأنّ فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: إنّي أشتهي أن أسمع صوت مؤذّن أبي بالأذان، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان، فلمّا قال: (رحمه الله)الله أكبر، الله أكبر( ذكرت أباها(صلى الله عليه وآله وسلم)وأيّامه فلم تتمالك من البكاء.

              فلمّا بلغ إلى قوله: (رحمه الله)أشهد أنّ محمّداً رسول الله(، شهقت فاطمة (عليها السلام) شهقة وسقطت لوجهها وغُشي عليها.

              فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال فقد فارقت ابنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الدنيا، وظنّوا أنّها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه.

              فأفاقت فاطمة (عليها السلام) وسألت أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيّدة النسوان إنّي أخشى عليك ممّا تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك(26).

              يتبع،،،،،،،،
              التعديل الأخير تم بواسطة ضيف; الساعة 19-07-2011, 01:39 AM.

              تعليق


              • #17
                آلصديقةآلطاهرة فاطمةالزهراء(عليها السلام) والدةالإمامين الحسن والحسين (عليهما السلآم)



                في رثاء أبيها(صلى الله عليه وآله وسلم)

                كانت الصديقة الزهراء ترثي أباها(صلى الله عليه وآله وسلم)بعد ما تأخذ من تراب القبر الشريف وتضعه على عينيها، وتقول:

                أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا

                ماذا على من شمّ تربة أحمد صبّت على الأيّام عدن لياليا(27)

                صبّت عليّ مصائب لو أنّها وتقول (عليها السلام) أيضا:

                إن كنت تسمع صرختي وندائيا

                قل للمُغيّب تحت أطباق الثرى لا أخشى من ضيم وكان حماً ليا

                قد كنت ذات حمى بظلّ محمّد ضيمي وأدفع ظالمي بردائيا

                فاليوم أخشع للذليل وأتّقي شجناً على غصن بكيت صباحيا

                فإذا بكت قمرية في ليلها ولأجعلنّ الدمع فيك وشاحيا(28)

                فلأجعلنّ الحزن بعدك مؤنسي وتقول (عليها السلام) ترثيه (صلى الله عليه وآله وسلم):

                شمس النهار وأظلم العصران

                اغبر آفاق السماء وكوّرت أسفاً عليه وكثيرة الرجفان

                فالأرض من بعد النبي كئيبة وليبكه مضر وكل يمان(29)

                فليبكه شرق البلاد وغربها وتقول (عليها السلام) أيضا:

                تبكي عليك الناظر

                كنت السواد لمقلتي فعليك كنت اُحاذر(30)

                من شاء بعدك فليمت

                الهجوم على دارها (عليها السلام)

                وقد هجم القوم بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)على دار الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وذلك طمعاً في الخلاقة واغتصاباً لحق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأحرقوا الباب، وعصروها بين الحائط والباب وكسروا ضلعها وضربوها حتى أسقطت جنينها الذي سماه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)محسناً، وقد بقي أثر السياط في عضدها كمثل الدملج(31).

                خطبة الزهراء (عليها السلام) في نساء المهاجرين والأنصار

                إنّ القوم لم يراعوا حرمة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في ابنته الصديقة فاطمة (عليها السلام) ولا في وصيه الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فغصبوا الخلافة منه (عليه السلام) وغصبوا فدك فاطمة (عليها السلام)، ولكن الصدّيقة الزهراء(عليها السلام) لم تقف أمام غصب الخلافة والتعدي على حقّ زوجها والاستيلاء على فدكها مكتوفة الأيدي، وإنّما خرجت من منزلها وهي القائلةرحمه الله)خير للمرأة من أن لا ترى رجلاً ولا يراها((32)، من أجل استرجاع الحقوق المغصوبة التي استولت عليها حكومة ابن أبي قحافة.

                وليس ذلك فحسب، بل إنّها (عليها السلام) خطبت خطبتان أحدهما في المسجد وقد أشرنا إلى بعض أبعادها الفقهية في كتاب «من فقه الزهراء (عليها السلام)».

                وكان لها خطبة اُخرى في نساء المهاجرين والأنصار عندما أتين لعيادتها (عليها السلام)، ذكرناها في نهاية الفصل الثاني من الكتاب(33) مع بعض التفصيل، ونقتصر في هذا الكتاب على أصل الخطبة:

                عن عبدالله بن الحسن، عن اُمّه فاطمة بنت الحسين: «أنّها لمّا مرضت فاطمة الزهراء (عليها السلام) المرضة التي توفّيت فيها، واشتدّت عليها علّتها، اجتمعت إليها نساء المهاجرين والأنصار ليعدنها، فسلّمنّ عليها وقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

                فحمدت الله وصلّت على أبيها، ثمّ قالت:

                أصبحت والله عائفة لدنياكن، قالية لرجالكن، لفظتهم(34) بعد أن عجمتهم(35)، وشنأتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لفلول(36) الحدّ، واللعب بعد الجدّ، وقرع الصفاة، وصدع القناة، وخطل(37) الرأي، وزلل الأهواء، و{لَبِئْسَ ما قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذابِ هُمْ خالِدُونَ}(38).

                لا جرم والله لقد قلّدتهم ربقتها، وحمّلتهم أوقتها، وشننت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً(39)، وبعداً للقوم الظالمين، ويحهم أنّا زعزعوها(40) عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوّة والدلالة، ومهبط الروح الأمين، والطبين باُمور الدنيا والدين {ألا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ}(41)، وما الذي نقموا من أبي الحسن، نقموا منه والله نكير سيفه، وقلّة مبالاته بحتفه، وشدّة وطأته، ونكال وقعته، وتنمّره(42) في ذات الله عزّوجلّ، وتالله لو مالوا عن المحجّة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجّة الواضحة، لردّهم إليها، وحملهم عليها، وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لاعتقله(43)، ولسار بهم سجحاً(44)، لا يكلّم خشاشة(45)، ولا يكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولأوردهم منهلاً نميراً(46) صافياً روياً فضفاضاً(47) تطفح ضفّتاه(48)، ولا يترنّق(49) جانباه، ولأصدرهم بطاناً، ونصح لهم سرّاً وإعلاناً، ولم يكن يتحلّى من الغنى بطائل، ولا يحظى من الدنيا بنائل، غير ري الناهل وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب، والصادق من الكاذب، {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ}(50)، {وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ}(51). ألا هلّم فاستمع، وما عشت أراك الدهر عجباً {وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ}(52) ليت شعري إلى أي لجأ لجأوا؟ وإلى أي سناد استندوا؟ وعلى أي عماد اعتمدوا؟ وبأي عروة تمسّكوا؟ وعلى أي ذرية قدموا واحتنكوا؟ {لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ}(53) و{بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً}(54).

                استبدلوا والله الذنابي بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس(55) قوم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلكِنْ لايَشْعُرُونَ}(56) ويحهم {أفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}(57).

                أما لعمري لقد لقحت(58) فنظرة ريثما تنتج، ثمّ احتلبوا ملء العقب دماً عبيطاً وذعافاً(59)، واطمئنّوا للفتنة جأشاً، وأبشروا بسيف صارم، وسطوة معتدٍ غاشم، وبهرج دائم شامل، واستبداد من الظالمين يدع فيئَكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم وأنّى بكم وقد عميت عليكم {أَ نُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ}(60).


                استشهادها (عليها السلام)

                توفّيت الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) مظلومة شهيدة، بعد ما جرى عليها من الظلم والجور، والضرب واللطم، وكسر الضلع وسقط الجنين، وكان وفاتها في الثالث من جمادى الآخرة سنة إحدى عشرة من الهجرة النبوية على المشهور بين أصحابنا، وهو المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام).

                وفي بعض الروايات: إنها (عليها السلام) توفيت بعد وفاة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بخمسة وسبعين يوماً.

                وقيل: إنّها توفّيت لثلاث عشرة ليلة خلت من ربيع الآخر.

                وكان عمرها (صلوات الله عليها وعلى أبيها) عند وفاتها ثماني عشرة سنة.

                عن أبي عبيدة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: «إنّ فاطمة (عليها السلام) مكثت بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلها حزن شديد على أبيها، وكان يأتيها جبرئيل (عليه السلام) فيحسن عزاءها على أبيها ويطيّب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريتها، وكان علي (عليه السلام) يكتب ذلك»(61).

                وعن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: «عاشت فاطمة (عليها السلام) بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة وسبعين يوماً، لم تُرَ كاشرة ولا ضاحكة، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين، الإثنين والخميس فتقول: هاهنا كان رسول الله (عليه السلام) وهاهنا كان المشركون».

                وفي رواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): «أنّها كانت تصلّي هناك وتدعو حتّى ماتت»(62).

                وعن الإمام الباقر (عليه السلام)، قال: «ما رؤيت فاطمة ضاحكة قطّ منذ قبض رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى قبضت»(63).

                وروي: «أنّها ما زالت بعد أبيها معصبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، وتقول لولديها: أين أبوكما الذي كان يكرمكما ويحملكما مرّة بعد مرّة، أين أبوكما الذي كان أشدّ الناس شفقة عليكما؟ فلا يدعكما تمشيان على الأرض، ولا أراه يفتح هذا الباب أبداً ولا يحملكما على عاتقه كما لم يزل يفعل بكما»(64).

                وقال الإمام الصادق (عليه السلام): «قبضت فاطمة (عليها السلام) في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه سنة إحدى عشرة من الهجرة وكان سبب وفاتها أن قنفذا مولى فلان لكزها بنعل السيف بأمره فأسقطت محسنا ومرضت من ذلك مرضاً شديداً ولم تدع أحداً ممن آذاها أن يدخل عليها...»(65)، الحديث

                هذا وقد أخبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بما يجري عليها من الظلم كما في (مستدرك الوسائل):

                روي أنه دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يوماً على فاطمة (عليها السلام) فهيأت لـه طعاماً من تمر وقرص وسمن، فاجتمعوا على الأكل هو وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فلما أكلوا سجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وأطال سجوده ثم بكى ثم ضحك وجلس، فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله رأينا فيك اليوم ما لم نره قبل ذلك؟

                فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): إني لما أكلت معكم فرحت وسررت بسلامتكم، فسجدت لله تعالى شكراً، فهبط جبرئيل يقول: سجدتَ شكراً لفرحك بأهلك؟

                فقلت: نعم.

                فقال: ألا أخبرك بما يجري عليهم بعدك؟

                فقلت: بلى يا أخي جبرئيل.

                فقال: أما ابنتك فهي أول أهلك لحوقاً بك بعد أن تظلم ويؤخذ حقها وتمنع إرثها ويظلم بعلها ويكسر ضلعها، وأما ابن عمك فيظلم ويمنع حقه ويقتل، وأما الحسن فإنه يظلم ويمنع حقه ويقتل بالسم، وأما الحسين فإنه يظلم ويمنع حقه وتقتل عترته وتطؤه الخيول ويُنهب رحله وتُسبى نساؤه وذراريه ويدفن مرملاً بدمه ويدفنه الغرباء.

                فبكيت وقلت: هل يزوره أحد؟

                قال: يزوره الغرباء.

                قلت: فما لمن زاره من الثواب؟

                قال: يكتب لـه ثواب ألف حجة وألف عمرة كلها معك.

                فضحكت(66).

                ونقرأ في زيارة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) التي رواها السيد بن طاووس (رحمه الله) في كتاب إقبال الأعمال:

                «السلام عليك أيتها المعصومة المظلومة.

                السلام عليك أيتها الطاهرة المطهرة.

                السلام عليك أيتها المضطهدة المغصوبة...

                اللهم صل على محمد وأهل بيته.

                وصل على البتول الطاهرة

                الصديقة المعصومة.

                التقية النقية.

                الرضية المرضية.

                الزكية الرشيدة.

                المظلومة المقهورة.

                المغصوبة حقها.

                الممنوعة إرثها.

                المكسور ضلعها.

                المظلوم بعلها.

                المقتول ولدها.

                فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»(67).

                ما أحسن هذا

                عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة (سلام الله عليها)، قالت لها: إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى.

                فقلت: يا بنت رسول الله أنا أصنع لك شيئاً رأيته بأرض الحبشة.

                قالت: فدعوت بجريدة رطبة فحبستها ثم طرحت عليها ثوباً.

                فقالت: فاطمة (سلام الله عليها): ما أحسن هذا وأجمله لا تعرف به المرأة من الرجل، فإذا متّ فاغسليني أنت، فلمّا ماتت (عليها السلام) غسّلها علي (عليه السلام) وأسماء(68).

                تغسيل الطاهرة

                عن المفضّل قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): من غسّل فاطمة(عليها السلام)؟

                قال: «ذاك أمير المؤمنين(عليه السلام)».

                وكأنّي استعظمت ذلك من قوله، فقال: «كأنّك ضقت بما أخبرتك به»؟.

                قال: فقلت: قد كان ذلك، جعلت فداك.

                قال: فقال: «لا تضيّقنّ فإنّها صدّيقة، ولم يكن يغسلها إلاّ الصدّيق، أما علمت أنّ مريم لم يغسلها إلاّ عيسى (عليه السلام)»(69).

                وعن اُمّ سلمى، قالت: اشتكت فاطمة (سلام الله عليها) شكواها التي قُبضت فيها، وكنت أمرضها فأصبحت يوماً أسكن ما كانت، فخرج علي (عليه السلام) إلى بعض حوائجه فقالت: يا أمة اسكبي لي غسلاً، فسكبت لها غسلاً، فاغتسلت كأحسن ما رأيتها تغتسل، فقالت: اسكبي لي غسلاً فسكبت فقامت واغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ثمّ لبست أثوابها الجدد، ثمّ قالت: افرشي فراشي وسط البيت، ثمّ استقبلت القبلة ونامت وقالت: إنّي مقبوضة وقد اغتسلت، فلا يكشفني أحد، ثمّ وضعت خدّها على يدها وماتت.

                وقالت أسماء بنت عميس: أوصت إليّ فاطمة (عليها السلام) أن لا يغسلها إذا ماتت إلاّ أنا وعلي، فأعنت علياً على غسلها (عليها السلام)(70).

                الدفن ليلاً

                عن أبي عبد الله الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال: «لمّا قبضت فاطمة (عليها السلام)، دفنها أمير المؤمنين (عليه السلام) سرّاً، وعفّا على موضع قبرها، ثمّ قام فحوّل وجهه إلى قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال:

                السلام عليك يا رسول الله، عنّي والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري، بلى وفي كتاب الله لي أنعمُ القبول {إنّا لله وإنّا إليه راجعون}(71)، قد استرجعت الوديعة، واُخذت الرهينة، واُخلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، وهمٌّ لا يبرح من قلبي، أو يختار الله لي دارك التي أنت فيها مُقيم، كَمَدٌ مقيّح، وهمٌّ مهيّج، سرعان ما فرّق بيننا، وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتظافر اُمّتك على هضمها، فأحفها(72) السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج(73) بصدرها لم تجد إلى بثّه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، سلام مودِّع لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن أقم فلا عن سوء ظن بما وعد الله الصابرين، واهَ واهاً والصبر أيمن وأجمل، ولولا غلبة المستولين لجعلت المقام واللّبث لزاماً معكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، وتهضم حقّها، وتمنع إرثها، ولم يتباعد العهد! ولم يخلق منك الذكر! وإلى الله يا رسول الله المشتكى، وفيك يا رسول الله أحسن العزاء، صلّى الله عليك وعليها السلام والرضوان»(74).

                تظلّم السيّدة الزهراء (عليها السلام)

                إن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) قد ظلمها القوم فأصبحت هي وذريتها مظلومة بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وستقف يوم المحشر وتشتكي إلى الله ـ فهو المشتكى ـ قبال ظالميها وظالمي ذريتها الأطهار (عليهم السلام)، حيث إنها (عليها السلام) تطلب في ساحة المحشر من الباري تعالى أن يأخذ بثأرها وثأر ذريتها المظلومين المشرّدين عن أوطانهم والمقتولين ظلماً وجوراً.

                فعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «تحشر ابنتي فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة ومعها ثياب مصبوغة بالدماء تتعلّق بقائمة من قوائم العرش تقول: يا أحكم الحاكمين اُحكم بيني وبين قاتل ولدي، قال علي بن أبي طالب(عليه السلام) قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ويحكم لابنتي فاطمة وربّ الكعبة»(75).

                وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطمها(76) من لؤلؤ رطب، قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، على رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصّع بالدر والياقوت، يضيء كما يضيء الكوكب الدرّي في اُفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك، وعن شمالها سبعون ألف ملك، وجبرئيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، فلا يبقى يومئذ نبيّ ولا رسول ولا صدّيق ولا شهيد إلاّ غضّوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة، فتسير حتى تحاذي عرش ربّها جلّ جلاله فتزج(77) بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي اُحكم بيني وبين من ظلمني، اللهم اُحكم بيني وبين من قتل ولدي، فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطى واشفعي تشفعي فوعزّتي وجلالي لا جازني ظلم ظالم فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحبي ذريتي، فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبوا ذريتها؟ فيقبلون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة (عليها السلام) حتى تدخلهم الجنة»(78).

                وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد ثم أمر منادياً فنادى غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم حتى تجوز فاطمة ابنة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)الصراط، قال: فتغضّ الخلائق أبصارهم فتأتي فاطمة (عليها السلام) على نجيب(79) من نجب الجنة يشيّعها سبعون ألف ملك، فتقف موقفاً شريفاً من مواقف القيامة، ثم تنزل عن نجيبها فتأخذ قميص الحسين بن علي (عليه السلام) بيدها مضمّخاً بدمه وتقول: يا رب هذا قميص ولدي وقد علمت ما صنع به، فيأتيها النداء من قبل الله عزّوجلّ: يا فاطمة لك عندي الرضا، فتقول: يا رب انتصر لي من قاتله، فيأمر الله تعالى عنقاً(80) من النار فتخرج من جهنم فتلتقط قتلة الحسين بن علي (عليه السلام) كما يلتقط الطير الحب ثم يعود العنق بهم إلى النار فيعذّبون فيها بأنواع العذاب، ثم تركب فاطمة (عليها السلام) نجيبها حتى تدخل الجنة ومعها الملائكة المشيّعون لها وذريتها بين يديها وأولياؤهم من الناس عن يمينها وشمالها»(81).

                فاطمة (عليها السلام) يوم المحشر

                كثيرة هي الروايات التي تتحدّث عن أهوال يوم المحشر وحالاته الصعبة التي يخشاها أولياء الله فضلاً عن الناس العاديين من العصاة وغيرهم.

                إن في ذلك العالم وبينما ينشغل الناس بأنفسهم لعظم ما يطلعون عليه من الهول يعرف الناس قدر أهل البيت (عليهم السلام)ومدى قداستهم وارتفاع مكانتهم عند الله تبارك وتعالى وخاصة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) التي تقف عند باب الجنّة وتنادى: يا ربّ خلّص شيعتي.

                فعن ابن عباس أنه قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول: «دخل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ذات يوم على فاطمة (عليها السلام) وهي حزينة، فقال لها: ما حزنك يا بنية؟

                قالت: يا أبة ذكرت المحشر ووقوف الناس عراة يوم القيامة.

                قال: يا بنية إنه ليوم عظيم ولكن قد أخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن الله عزّوجلّ أنه قال: أوّل من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا، ثم أبي إبراهيم، ثم بعلك علي بن أبي طالب (عليه السلام)، ثم يبعث الله إليك جبرئيل في سبعين ألف ملك فيضرب على قبرك سبع قباب من نور، ثم يأتيك إسرافيل بثلاث حلل من نور فيقف عند رأسك فيناديك: يا فاطمة ابنة محمد قومي إلى محشرك، فتقومين آمنة روعتك، مستورة عورتك، فيناولك إسرافيل الحلل فتلبسينها، ويأتيك روفائيل بنجيبة من نور، زمامها من لؤلؤ رطب، عليها محفّة من ذهب فتركبينها، ويقود روفائيل بزمامها وبين يديك سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التسبيح، وإذا جدّ بك السير استقبلتك سبعون ألف حوراء يستبشرون بالنظر إليك، بيد كل واحدة منهن مجمرة من نور يسطع منها ريح العود من غير نار، وعليهنّ أكاليل الجوهر مرصّع بالزبرجد الأخضر، فيسرن عن يمينك.

                فإذا مثل الذي سرت من قبرك إلى أن لقيتك استقبلتك مريم بنت عمران في مثل من معك من الحور فتسلّم عليك وتسير هي ومن معها عن يسارك، ثم استقبلتك اُمّك خديجة بنت خويلد (عليها السلام) أول المؤمنات بالله ورسوله ومعها سبعون ألف ملك بأيديهم ألوية التكبير، فإذا قربت من الجمع استقبلتك حواء في سبعين ألف حوراء ومعها آسية بنت مزاحم فتسير هي ومن معها معك، فإذا توسطت الجمع وذلك أنّ الله يجمع الخلائق في صعيد واحد فيستوي بهم الأقدام ثم ينادي مناد من تحت العرش يسمع الخلائق: غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة الصدّيقة ابنة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)ومن معها، فلا ينظر إليك يومئذ إلاّ إبراهيم خليل الرحمن (صلّى الله عليه) وعلي بن أبي طالب (عليها السلام)، ويطلب آدم حواء فيراها مع اُمّك خديجة أمامك.

                ثم ينصب لك منبر من نور فيه سبع مراق بين المرقاة إلى المرقاة صفوف الملائكة بأيديهم ألوية النور وتصطف الحور العين عن يمين المنبر وعن يساره، وأقرب النساء منك عن يسارك حواء وآسية بنت مزاحم، فإذا صرت في أعلى المنبر أتاك جبرئيل (عليه السلام) فيقول لك: يا فاطمة سلي حاجتك.

                فتقولين: يا ربّ أرني الحسن والحسين.

                فيأتيانك وأوداج الحسين تشخب دماً وهو يقول: يا ربّ خذ لي اليوم حقّي ممّن ظلمني، فيغضب عند ذلك الجليل ويغضب لغضبه جهنّم والملائكة أجمعون، فتزفر جهنّم عند ذلك زفرة ثم يخرج فوج من النار فيلتقط قتلة الحسين وأبناءهم وأبناء أبنائهم ويقولون: يا ربّ إنّا لم نحضر الحسين (عليه السلام)، فيقول الله لزبانية جهنّم: خذوهم بسيماهم بزرقة الأعين وسواد الوجوه، خذوا بنواصيهم فألقوهم في الدرك الأسفل من النار فإنّهم كانوا أشدّ على أولياء الحسين من آبائهم الذين حاربوا الحسين (عليه السلام) فقتلوه، فيسمع شهيقهم في جهنّم.

                ثم يقول جبرئيل (عليه السلام): يا فاطمة، سلي حاجتك.

                فتقولين: يا ربّ شيعتي.

                فيقول الله: قد غفرت لهم.

                فتقولين: يا ربّ شيعة ولدي.

                فيقول الله: قد غفرت لهم.

                فتقولين: يا ربّ شيعة شيعتي.

                فيقول الله: انطلقي، فمن اعتصم بك فهو معك في الجنّة.

                فعند ذلك يودّ الخلائق أنّهم كانوا فاطميين، فتسيرين ومعك شيعتك وشيعة ولدك وشيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) آمنة روعاتهم مستورة عوراتهم قد ذهبت عنهم الشدائد وسهلت لهم الموارد، يخاف الناس وهم لا يخافون، ويظمأ الناس وهم لا يظمئون، فإذا بلغت باب الجنّة تلقّتك اثنا عشر ألف حوراء لم يلتقين أحداً كان قبلك ولا يلتقين أحداً كان بعدك، بأيديهم حراب من نور على نجائب من نور، رحائلها من الذهب الأصفر والياقوت، أزمتها من لؤلؤ رطب، على كل نجيبة نمرقة من سندس منضود، فإذا دخلت الجنّة تباشر بك أهلها ووضع لشيعتك موائد من جوهر على أعمدة من نور فيأكلون منها والناس في الحساب وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون.

                فإذا استقرّ أولياء الله في الجنّة زارك آدم (عليه السلام) ومن دونه من النبيين(عليهم السلام)، وإنّ في بطنان الفردوس للؤلؤتان من عرق واحد لؤلؤة بيضاء ولؤلؤة صفراء فيها قصور ودور في كل واحدة سبعون ألف دار، البيضاء منازل لنا ولشيعتنا، والصفراء منازل لإبراهيم (عليه السلام) وآل إبراهيم.

                قالت: يا أبة فما كنت أحبّ أن أرى يومك وأبقى بعدك.

                قال: يا بنيّة لقد أخبرني جبرئيل (عليه السلام) عن الله أنّك أول من يلحقني من أهل بيتي، فالويل كلّه لمن ظلمك والفوز العظيم لمن نصرك.

                قال عطاء: وكان ابن عباس إذا ذكر هذا الحديث تلا هذه الآية: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ‏ءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِما كَسَبَ رَهِينٌ((82)،(83).

                من بركات محبّة الزهراء (عليها السلام)

                إنّ الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)لا يتخلّون عن مواليهم ومحبّيهم في أهوال يوم القيامة وشدائدها، خاصّة الصدّيقة الزهراء (عليها السلام)، فإنها تشفع عند الله عزوجل لمواليها ومحبّيها، وقد تظافرت الروايات بذلك:

                عن ابن عباس قال: إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان جالساً ذات يوم وعنده علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، فقال: (رحمه الله)اللهمّ إنّك تعلم أنّ هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليّ فأحبّ من أحبّهم وأبغض من أبغضهم، ووال من والاهم وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم، واجعلهم مطهّرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيّدهم بروح القدس منك(.

                ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (رحمه الله)يا علي أنت إمام اُمّتي وخليفتي عليها بعدي وأنت قائد المؤمنين إلى الجنة، وكأني أنظر إلى ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة على نجيب(84) من نور عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات اُمّتي إلى الجنة، فأيّما امرأة صلّت في اليوم والليلة خمس صلوات وصامت شهر رمضان وحجّت بيت الله الحرام وزكّت مالها وأطاعت زوجها ووالت علياً بعدي دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وإنها لسيدة نساء العالمين».

                فقيل: يا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، أهي سيدة لنساء عالمها؟

                فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): «ذاك لمريم بنت عمران، فأمّا ابنتي فاطمة، فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلّم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقرّبين وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة إنّ الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين».

                ثم التفت(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى علي (عليه السلام) فقال: «يا علي إنّ فاطمة بضعة منّي وهي نور عيني وثمرة فؤادي يسوءني ما ساءها ويسّرني ما سرّها، وإنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن إليها بعدي، وأمّا الحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي وهما سيدا شباب أهل الجنة فليكرما عليك كسمعك وبصرك».

                ثم رفع(صلى الله عليه وآله وسلم)يده إلى السماء فقال: «اللهم إني اُشهدك أني محب لمن أحبهم ومبغض لمن أبغضهم وسلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم وعدو لمن عاداهم وولي لمن والاهم»(85).

                فاطمة (عليها السلام) المظلومة

                إنّ الصدّيقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) عاشت بعد أبيها مظلومة، واستشهدت مظلومة، وهي ما زالت مظلومة إلى يوم يبعثون …

                فبالرغم من تضافر الروايات على قداستها وعلو مقامها عند الله تعالى إلاّ أنّ الكثيرين لا يعرفون عن ذلك شيئاً.

                فهي (صلوات الله عليها) مجهولة قدرا ومهضومة حقا.

                نعم، إنّ الخلق ـ وكما في الحديث الشريف ـ قد فطموا عن معرفتها، ولكن هذا لا يعني أن لا يبحث المحبّون والموالون عن فضائلها ويطالعون مناقبها الكثيرة التي تكشف لهم الشيء القليل من عظمة قدرها المجهول.

                فهذا سلمان المحمدي على عظم جلالته وارتفاع مقامه يتوسّل برسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويلحّ عليه أن يخبره بشيء من فضائلها (سلام الله عليها).

                يقول أبو ذر (رحمه الله): رأيت سلمان وبلالاً يقبلان إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)إذا انكب سلمان على قدم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقبّلها فزجره النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)عن ذلك ثم قال له: «يا سلمان لا تصنع بي ما تصنع الأعاجم بملوكها، أنا عبد من عبيد الله آكل مما يأكل العبد وأقعد كما يقعد العبد».

                فقال سلمان: يا مولاي سألتك بالله إلاّ أخبرتني بفضل فاطمة (عليها السلام) يوم القيامة.

                قال: فأقبل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)ضاحكاً مستبشراً ثم قال: «والذي نفسي بيده إنها الجارية التي تجوز في عرصة القيامة على ناقة رأسها من خشية الله، وعيناها من نور الله، وحطامها من جلال الله، وعنقها من بهاء الله، وسنامها من رضوان الله، وذنبها من قدس الله، وقوائمها من مجد الله، إن مشت سبّحت، وإن رغت قدّست، عليها هودج من نور، فيه جارية إنسية حورية عزيزة جمعت فخلقت وصنعت ومثلت مِن ثلاثة أصناف، فأولها من مسك أذفر وأوسطها من العنبر الأشهب وآخرها من الزعفران الأحمر، عجنت بماء الحيوان، لو تفلت تفلة في سبعة أبحر مالحة لعذبت، ولو أخرجت ظفر خنصرها إلى دار الدنيا يغشي الشمس والقمر، جبرئيل عن يمينها وميكائيل عن شمالها وعلي أمامها والحسن والحسين وراءها والله يكلؤها ويحفظها، فيجوزون في عرصة القيامة فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: معاشر الخلائق غضّوا أبصاركم ونكّسوا رؤوسكم هذه فاطمة بنت محمد نبيكم، زوجة علي إمامكم، اُمّ الحسن والحسين، فتجوز الصراط وعليها ريطتان(86) بيضاوان، فإذا دخلت الجنة ونظرت إلى ما أعدّ الله لها من الكرامة قرأت: «بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أذهب عنّا الحزن إنّ ربنا لغفور شكور الذي احلّنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب(87) ولا يمسّنا فيها لغوب(88)» قال: فيوحي الله عزّوجلّ إليها: يا فاطمة سليني أعطك وتمنّي عليّ أرضك، فتقول: إلهي أنت المنى وفوق المنى أسألك أن لا تعذّب محبّي ومحبّ عترتي بالنار، فيوحي الله إليها يا فاطمة وعزّتي وجلالي وارتفاع مكاني لقد آليت على نفسي من قبل أن أخلق السماوات والأرض بألفي عام أن لا اُعذّب محبّيك ومحبّي عترتك بالنار»(89).

                وفي حديث آخر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «يبعث إليها ملكاً لم يبعث إلى أحد قبلها ولا يبعث إلى أحد بعدها فيقول: إنّ ربّك: يقرأ عليك السلام ويقول سليني أعطك.

                فتقول: قد أنالني نعمته وهنّأني كرامته وأباحني جنته وفضلني على نساء خلقه، أسأله ولدي وذريتي ومن ودّهم بعدي وحفظهم بعدي.

                فيوحي الله إلى الملك من غير أن يتحرك من مكانه: إني قد أعطيتها ما سألت في ولدها وذريتها ومن ودّهم بعدها وحفظهم فيها.

                فتقول: الحمد لله الذي أقرّ عيني وأذهب عنّي الحزن»(90).

                وعن جابر الأنصاري: أنه رأى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)فاطمة وعليها كساء من أجلّة الإبل وهي تطحن بيديها وترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: «يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة».

                فقالت: «يا رسول الله الحمد لله على نعمائه والشكر لله على آلائه».

                فأنزل الله (ولسوف يعطيك ربك فترضى((91)،(92).

                أحببت أن يعرف قدري

                يبدو من بعض الأخبار أنّ مجهولية قدر الصدّيقة الزهراء (عليها السلام) ستبقى إلى يوم المحشر ـ كما أشرنا إلى ذلك سابقاً ـ حيث يظهر الباري تعالى فضائلها (عليها السلام) أمام الملأ العام ويشير إلى مناقبها الجمّة، حتى يدرك العالم والجاهل مدى قداستها(عليها السلام) عند الله تعالى، وكيف أنها على جلالتها وعلو مقامها عاشت في الدنيا مجهولة القدر بل مظلومة.

                فعن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) قال: «قال جابر لأبي جعفر(عليه السلام): جعلت فداك يا بن رسول الله حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة (عليها السلام) إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك.

                قال أبو جعفر (عليه السلام): حدّثني أبي عن جدّي عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة، ثم يقول الله: يا محمد اُخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها، ثم ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب (عليه السلام) في أوساطهم منبر من نور فيكون منبره أعلى منابرهم، ثم يقول الله: يا علي اُخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها، ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور فيكون لابني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبران من نور ثم يقال لهما: اخطبا فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلها.

                ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل (عليه السلام): أين فاطمة بنت محمد؟

                أين خديجة بنت خويلد؟

                أين مريم بنت عمران؟

                أين آسية بنت مزاحم؟

                أين اُمّ كلثوم اُمّ يحيى بن زكريا؟

                فيقمن، فيقول الله تبارك وتعالى: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

                فيقول: محمّد وعلى والحسن والحسين وفاطمة: لله الواحد القهّار.

                فيقول الله جلّ جلاله: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)، يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضّوا الأبصار، فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنة، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة، مدبجة(93) الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقّق الرطب، عليها رحل من المرجان، فتناخ بين يديها فتركبها، فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا عن يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك عن يسارها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتى يصيّروها على باب الجنة.

                فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت.

                فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنتي؟

                فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل هذا اليوم.

                فيقول الله: يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذريتك خذي بيده فأدخليه الجنة.

                قال أبو جعفر (عليه السلام): والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيد من الحب الرديء.

                فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا، فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة (عليها السلام) بنت حبيبي (صلى الله عليه وآله وسلم)؟

                فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم.

                فيقول الله: يا أحبائي ارجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، انظروا من أطعمكم لحب فاطمة، انظروا من كساكم لحب فاطمة، انظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حب فاطمة، فخذوا بيده وأدخلوه الجنة.

                قال أبو جعفر (عليه السلام): والله لا يبقى في الناس إلاّ شاك أو كافر أو منافق، فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالى: (فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ ( وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ((94)فيقولون (فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ((95).

                قال أبو جعفر (عليه السلام): هيهات هيهات منعوا ما طلبوا (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ((96)،(97).

                (1) مستدرك الوسائل: ج5 ص35 ب6 ح5302.

                (2) تهذيب الأحكام: ج2 ص105 ب8 ح166.

                (3) الكافي: ج2 ص533 باب القول عند الإصباح والإمساء ح34.

                (4) وسائل الشيعة: ج6 ص442 ب8 ح8392.

                (5) مَجلَت: أي خَشنت وثَخن جلدها وتعجّر وظهر فيها ما يشبه البثر، (لسان العرب) مادّة مجل.

                (6) دَكنَت: أي اغبرّت، (مجمع البحرين) مادّة دكن.

                (7) من لا يحضره الفقيه: ج1 ص32 ح947.

                (8) الكافي: ج3 ص343 باب التعقيب بعد الصلاة والدعاء ح13.

                (9) مستدرك الوسائل: ج5 ص34 ب6 ح5298.

                (10) انفتل: انصرف، (لسان العرب) مادّة فَتل.

                (11) السمل: الثوب الخلق، كتاب (العين) مادّة سمل.

                (12) الرعيل أي: الجماعة، كتاب (العين) مادّة رَعل.

                (13) بشارة المصطفى: ص137.

                (14) الخشكنانج: معرّب من خشك نانك وهو خبز يعمل من دقيق البر ويعجن بزيت السمسم.

                (15) مهج الدعوات: ص5.

                (16) الجفنة: أعظم ما يكون من القصاع، (لسان العرب) مادّة جفن.

                (17) سورة الحشر: 9.

                (18) مستدرك الوسائل: ج7 ص214 باب استحباب الإيثار ح8073.

                (19) جِزَّة: أي صوف الشاة، (لسان العرب) مادّة جزز.

                (20) سورة الإنسان: 5 ـ 7.

                (21) الصحفة: القصعة الكبيرة، (مجمع البحرين) مادّة صحف.

                (22) سورة الإسراء: 44.

                (23) سورة آل عمران: 37.

                (24) تفسير فرات الكوفي: ص519 ح676.

                (25) سورة الضحى: 4-5.

                (26) من لا يحضره الفقيه: ج1 ص297 باب الأذان والإقامة وثواب المؤذّنين ح907.

                (27) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص242.

                (28) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص242.

                (29) راجع كتاب عيون الأخبار: ج2 ص434.

                (30) مناقب آل أبي طالب: ج1 ص242.

                (31) للتفصيل انظر كتاب سليم بن قيس، وكتاب (الهجوم على بيت فاطمة).

                (32) مستدرك الوسائل: ج14 ص183 باب استحباب حبس المرأة في بيتها ح16452.

                (33) تقع في نهاية المجلد الخامس من كتاب (من فقه الزهراء (عليها السلام)).

                (34) لفظت: رميت به، (مجمع البحرين) مادّة لفظ.

                (35) عجمت: خبرت، (لسان العرب) مادّة عجم.

                (36) الفلول: الجماعة، كتاب (العين) مادّة فلل.

                (37) الخطل: المنطق الفاسد المضطرب، (لسان العرب) مادّة خطل.

                (38) سورة المائدة: 80.

                (39) هذا ما يقال في الدعاء على الإنسان وشتمه، (مجمع البحرين) وكتاب (العين) مادّة عقر.

                (40) الزعزعة: تحريك الشيء لتقلعه وتزيله، كتاب (العين) مادّة زعع.

                (41) سورة الزمر: 15.

                (42) أي كأنّه السبع، (لسان العرب) مادّة نمر.

                (43) اعتقل: امتسك، (لسان العرب) مادّة عقل.

                (44) سجحاً: أي سهلاً، (مجمع البحرين) مادّة سجح.

                (45) أي لا يكلّم غضباً، (لسان العرب) مادّة خشش.

                (46) النمير: زاك، (لسان العرب) مادّة نمر.

                (47) الفضفاض: الكثير، (لسان العرب) مادّة فضض.

                (48) جانباه، (لسان العرب) مادّة ضفف.

                (49) أي لا يكدر، (لسان العرب) مادّة رنق.

                (50) سورة الأعراف: 96.

                (51) سورة الزمر: 51.

                (52) سورة الرعد: 5.

                (53) سورة الحجّ: 13.

                (54) سورة الكهف: 50.

                (55) المعاطس: الاُنوف، (لسان العرب) مادّة عطس.

                (56) سورة البقرة: 12.

                (57) سورة يونس: 35.

                (58) لقحت: حملت، (لسان العرب) مادّة لقح.

                (59) ذعاف: قاتل وحي، (لسان العرب) مادّة ذعف.

                (60) سورة هود: 28.

                (61) الكافي: ج1 ص458 باب مولد الزهراء (عليها السلام) ح1.

                (62) الكافي: ج4 ص561 باب اتيان المشاهد وقبور الشهداء ح3.

                (63) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص341.

                (64) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص362.

                (65) انظر بحار الأنوار: ج43 ص170 ح11

                (66) انظر مستدرك الوسائل: ج10 ص275-276 ب33 ح12007.

                (67) بحار الأنوار: ج97 ص200 عن الإقبال.

                (68) وسائل الشيعة: ج3 ص222 باب استحباب اتّخاذ النعش ح3459.

                (69) الكافي: ج1 ص460 باب مولد الزهراء (عليها السلام) ح4.

                (70) بحار الأنوار: ج43 ص184.

                (71) سورة البقرة: 156.

                (72) أي استقصها فيه تحكي لك ما صدر من المنافقين وأعداء الدين، (مجمع البحرين) مادّة حفا.

                (73) أي كامن فيه لم تجد إلى بثّه سبيلاً، (مجمع البحرين) مادّة علج.

                (74) الكافي: ج1 ص458 باب مولد الزهراء (عليها السلام) ح3.

                (75) عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج2 ص8.

                (76) الخطم: أي الأنف، (لسان العرب) مادّة خطم.

                (77) تزج: أي تسوقها سوقاً رفيقاً، (كتاب العين) مادّة زجو.

                (78) الأمالي للصدوق: ص17 المجلس الخامس ح4.

                (79) النجيب: من خيار الإبل، (لسان العرب) مادّة نجب.

                (80) العنق: أي قطعة، (مجمع البحرين) مادّة عنق.

                (81) الأمالي للمفيد: ص130 المجلس الخامس ح6.

                (82) سورة الطور: 21.

                (83) تفسير فرات الكوفي: ص444.

                (84) النجيب: الفاضل من كل حيوان لسان العرب مادّة نجب.

                (85) الأمالي للصدوق: ص486 المجلس الثالث والسبعون ح18.

                (86) الريطة: ملاءة ليست بلفقين كلّها نسج واحد، كتاب (العين) مادّة ريط.

                (87) نصب: تعب، (مجمع البحرين) مادّة نصب.

                (88) لغوب: شدّة الإعياء، كتاب (العين) مادّة لغب.

                (89) بحار الأنوار: ج27 ص139 ح144.

                (90) تفسير فرات الكوفي: ص444.

                (91) سورة الضحى: 5.

                (92) مناقب آل أبي طالب: ج3 ص342.

                (93) المدبجة: مزينة، (مجمع البيان) مادّة دبج.

                (94) سورة الشعراء: 100 ـ 101.

                (95) سورة الشعراء: 103.

                (96) سورة الأنعام: 28.

                (97) تفسير فرات الكوفي: ص298.


                تعليق


                • #18
                  آلسَيِّدة شّآه زنآن(ع)بنت كـَسَرٍى وٍآلدةآلامآم زيِّن آلعآبديِّن(عليِّه آلسَلام)

                  ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

                  آلسَيِّدة شّآه زنآن ( عليِّهآ آلسَلام) بنت كـَسَرٍى وٍآلدة آلامآم زيِّن آلعآبديِّن ( عليِّه آلسَلام)


                  نسبها


                  هي السيدة الجليلة: شهربانوية بنت يزدجر بن شهريار بن كسرى ملك الفرس، ولقبها: (شاه زنان) أي ملكة النساء(1).

                  سمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام): (مريم).


                  وقيل: سمّاها ب‍ (فاطمة).


                  وقيل: إنّ اسمها (خولة) وسمّاها أمير المؤمنين (عليه السلام) ب‍ (شاه زنان).


                  وقيل: إنّ اسمها (برّة بنت النوشجان).


                  وقيل: إن اسمها (سلافة) أو (سلامة).


                  وقيل: إن اسمها (غزالة).


                  ولعلها كانت لها عدة أسماء وألقاب.


                  فهي حفيدة كسرى الملك الذي لقب بالعادل حيث قال فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «ولدت في زمان الملك العادل صالح»(2)، والمراد بذلك هو عدالته في دينه ومبدئه، أو عدالته النسبية كما لا يخفى.


                  وقد تزوّجت (شاه زنان) الإمام الحسين (عليه السلام) وولدت لـه الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهي جدّة الأئمّة (عليهم السلام).


                  ما اسمك؟

                  وفي بحار الأنوار:

                  قال علي (عليه السلام) لها: ما اسمك؟


                  قالت: شاه ‏زنان.


                  فقال: نه شاه زنان نيست مكر دختر محمد، وهي سيدة النساء وأنت شهربانويه. أي إن سيدة النساء هي فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)دون غيرها(3).


                  وخيرت أختها مرواريد فاختارت الحسن بن علي (عليه السلام) .


                  أكرموا كريم قوم

                  نقل أبو جعفر الطبري: لمّا ورد سبي الفرس إلى المدينة أراد عمر بن الخطاب بيع النساء وأن يجعل الرجال عبيداً، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: أكرموا كريم كل قوم.

                  فقال عمر: قد سمعته يقول: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وإن خالفكم.


                  فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): هؤلاء قوم قد ألقوا إليكم السلم ورغبوا في الإسلام ولابدّ أن يكون لي فيهم ذرية وأنا اُشهد الله واُشهدكم أنّي قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله.


                  فقال جميع بني هاشم: قد وهبنا حقّنا أيضاً لك.


                  فقال: اللهم اشهد أنّي قد أعتقت ما وهبوا لي لوجه الله.


                  فقال المهاجرون والأنصار: قد وهبنا حقّنا لك يا أخا رسول الله.


                  فقال: اللهمّ اشهد أنّهم قد وهبوا لي حقّهم وقبلته واُشهدك أنّي قد أعتقتهم لوجهك.


                  فقال عمر: لِمَ نقضت عليّ عزمي في الأعاجم وما الذي رغّبك عن رأيي فيهم.


                  فأعاد عليه ما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)في إكرام الكرماء.


                  فقال عمر: قد وهبت لله ولك يا أبا الحسن ما يخصّني وسائر ما لم يوهب لك.


                  فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): اللهم اشهد على ما قالوه وعلى عتقي إيّاهم.


                  فرغب جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): هنّ لا يكرهن على ذلك ولكن يخيّرن ما اخترنه عمل به.


                  فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى فخيّرت وخوطبت من وراء الحجاب والجمع حضور، فقيل لها: من تختارين من خطّابك، وهل أنت ممّن تريدين بعلاً؟


                  فسكتت.


                  فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): قد أرادت وبقي الاختيار.


                  فقال عمر: وما علمك بإرادتها البعل؟


                  فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها وقد خطبت يأمر أن يقال لها: أنت راضية بالبعل، فإن استحيت وسكتت جعل إذنها صمتها وأمر بتزويجها، وإن قالت: لا، لم يكرهها على ما تختاره.


                  وإنّ شهربانويه أريت الخطّاب فأومأت بيدها واختارت الحسين بن علي(عليه السلام) فاُعيد القول عليها في التخيير فأشارت بيدها وقالت: هذا إن كنت مخيّرة، وجعلت أمير المؤمنين (عليه السلام) وليّها وتكلّم حذيفة بالخطبة.


                  فقال أمير المؤمنين(عليه السلام): ما اسمك؟


                  فقالت: شاه زنان بنت كسرى.


                  قال أمير المؤمنين (عليه السلام): أنت شهربانويه واُختك مرواريد بنت كسرى؟


                  قالت: آريه(4).


                  وقال المبرد: (كان اسم اُمّ علي بن الحسين (عليه السلام) سلافة من ولد يزدجرد معروفة النسب من خيرات النساء، وقيل: خولة، ولقبه (عليه السلام) ذو الثفنات والخالص والزاهد والخاشع والبكّاء والمتهجّد والرهباني وزين العابدين وسيّد العابدين والسجّاد، وكنيته أبو محمد وأبو الحسن، بابه يحيى ابن اُمّ الطويل المدفون بواسط قتله الحجّاج لعنه الله)(5).


                  ما حفظت عن أبيك؟

                  في الإرشاد قال: سأل أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) شاه ‏زنان بنت كسرى حين أسرت: ما حفظت عن أبيك بعد وقعة الفيل؟

                  قالت: حفظت عنه أنه كان يقول: إذا غلب الله على أمر ذلت المطامع دونه، وإذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.


                  فقال (عليه السلام): «ما أحسن ما قال أبوك، تذل الأمور للمقادير حتى يكون الحتف في التدبير»(6).


                  زواجها (عليها السلام)

                  كانت السيّدة شهربانو من اُسراء الفرس الذين جاؤوا بهم إلى المدينة من بنات يزدجرد وكنّ ثلاث فتيات:

                  1: تزوّجت واحدة منهنّ من عبد الله بن عمر، فأولدها سالم.


                  2: والاُخرى من محمد بن أبي بكر، فأولدها القاسم.


                  3: والثالثة من الإمام الحسين (عليه السلام) وأولدها الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وقد اُسرت في عهد عمر، وإنه أراد بيعها، فنهاه الإمام علي (عليه السلام) وقال له: أعرض عليها أن تختار واحداً من المسلمين فاختارت الإمام الحسين بن علي(عليه السلام) ـ كما سبق ـ فأمره بحفظها والإحسان إليها، فولدت لـه خير أهل الأرض في زمانه.


                  ولم يكن بعض أهل المدينة يرغبون في نكاح الجواري حتى ولد الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، فرغبوا فيهنّ.


                  ابن الخيرتين

                  عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «لمّا أقدمت بنت يزدجرد على عمر، أشرف لها عذاري المدينة، وأشرق المسجد بضوئها لمّا دخلته، فلمّا نظر إليها عمر، غطّت وجهها وقالت: «اَف بيروج بادا روى هرمز».

                  فقال عمر: أتشتمني هذه وهمّ بها.


                  فقال لـه أمير المؤمنين (عليه السلام): ليس ذلك لك، خيّرها رجلاً من المسلمين واحسبها بفيئه.


                  فخيّرها، فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الإمام الحسين (عليه السلام).


                  فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): ما اسمك؟


                  فقالت: جهان شاه.


                  فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): بل شهربانويه.


                  ثم قال للإمام الحسين (عليه السلام): يا أبا عبد الله، لتلدنّ لك منها خير أهل الأرض، فولدت الإمام علي بن الحسين (عليه السلام)، وكان يقال للإمام علي بن الحسين (عليه السلام): ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس(7).


                  الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)يخطبها في عالم الرؤيا

                  وفي بعض الأخبار أنها ـ شاه زنان ـ قامت ووضعت يدها على منكب الإمام الحسين (عليه السلام)، كأنّها كانت تعرفه ورأته في منامها، كما حكت قصّتها لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقالت: رأيت في النوم قبل ورود عسكر المسلمين علينا كأنّ محمّداً رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)دخل دارنا وقعد ومعه الإمام الحسين (عليه السلام)، وخطبني لـه وزوّجني أبي منه. فلمّا أصبحت، كان ذلك يؤثّر في قلبي، وما كان لي خاطب غير هذا، فلمّا كانت الليلة الثانية، رأيت السيّدة فاطمة بنت محمّد(صلى الله عليه وآله وسلم)وقد أتتني وعرضت عليّ الإسلام وأسلمت، ثم قالت: إنّ الغلبة تكون للمسلمين، وأنّك تصلين عن قريب إلى ابني الحسين (عليه السلام) سالمة لا يصيبك بسوء أحد، وكان من الحال أن اُخرجت إلى المدينة(8).

                  وروي أيضاً: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) ولى حريث بن جابر جانباً من المشرق فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار، فنحل ابنه الحسين (عليه السلام) شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين (عليه السلام) ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت لـه القاسم بن محمد بن أبي بكر، فهما ابنا خالة(9).


                  المولود المبارك

                  حملت السيدة شاه زنان بالإمام علي بن الحسين (عليه السلام) وكان مولده (عليه السلام) سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقد أنشأ أبو الأسود: في وصف الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فقال:

                  لأكرم من نيطت عليه التمائم(10)


                  وإنّ غلاماً بين كسرى وهاشم عاش الإمام (عليه السلام) مع جدّه أمير المؤمنين (عليه السلام) سنتين، ومع عمّه الإمام الحسن (عليه السلام) اثنتي عشر سنة، ومع أبيه (عليه السلام) ثلاثاً وعشرين سنة.


                  وقد عاش بعد أبيه أربعاً وثلاثين سنة.


                  وتوفّي بالسم في المدينة المنوّرة سنة خمس وتسعين من الهجرة، وله يومئذ سبع وخمسون سنة. وكانت إمامته أربعاً وثلاثين سنة، ودفن في البقيع مع عمه الحسن بن علي بن أبي طالب(عليه السلام)(11).


                  احتراماً للأم

                  ورد أنه قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام): إنك من أبرّ الناس، ولا تأكل مع اُمّك(12) في قصعة(13)؟ وهي تريد ذلك؟

                  فقال: أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت إليه عينها فأكون عاقاً، فكان بعد ذلك يغطي الغضارة(14) بطبق ويدخل يده من تحت الطبق ويأكل(15).


                  وفاتها

                  قيل: إن السيدة (شهربانو) ماتت في نفاسها، أي حين ولادتها للإمام زين العابدين (عليه السلام) فكفلته بعض اُمّهات ولد أبيه. فكان يحسن إليها كما يحسن إلى والدته، وكان الناس يسمّونها اُمّه، ثم زوّجها، فقال بعض الناس: زوّج اُمّه.

                  وعلى هذا الخبر فلم تكن (السيدة شهربانو) حاضرة يوم الطف، ولكن في بعض التواريخ أن امرأة تسمى بشهربانو كانت حاضرة يوم عاشوراء، حيث ورد: (وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أذنيه درتان وهو مذعور فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله، فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلم كالمدهوشة)(16).




                  (1) راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص176.

                  (2) راجع إعلام الورى: ص5 ف1.


                  (3) بحار الأنوار: ج101 ص200 ب2 ح22.


                  (4) آريه كلمة فارسية: أي نعم.


                  (5) بحار الأنوار: ج46 ص16.


                  (6) الإرشاد: ج1 ص302.


                  (7) الكافي: ج1 ص466 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام) ح1.


                  (8) راجع الخرائج والجرائح: ج2 ص751.


                  (9) بحار الأنوار: ج46 ص12 عن الإرشاد: ج2 ص137.


                  (10) الكافي: ج1 ص467 باب مولد علي بن الحسين (عليه السلام).


                  (11) راجع بحار الأنوار: ج46 ص12 ح23.


                  (12) يرى البعض أن أم الإمام (عليه السلام) توفيت في نفاسها، والمقصود بالأم في هذه الرواية التي أرضعته وربته.


                  (13) القصعة: وهي تشبع العشرة، مجمع البحرين مادّة قصع.


                  (14) الغضارة: الطين الحر، وقيل الطين اللازب الأخضر، (لسان العرب) مادّة غضر.


                  (15) مناقب آل أبي طالب: ج4 ص162.


                  (16) بحار الأنوار: ج45 ص45-46.

                  تعليق


                  • #19
                    السيّدة فاطمة (عليها السلام) بنت الإمام الحسن المجتبى (ع)والدة الإمام الباقرٍ ( ع )

                    ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

                    آلسَيِّدة فآطمه (عليِّهآ آلسَلام) بنت آلامآم آلحسَن آلمجتبى ( عليِّه آلسَلام) وٍآلدة آلامآم آلبآقرٍ ( عليِّه آلسَلام)

                    النسب الشريف


                    هي السيدة الجليلة فاطمة بنت الإمام الحسن بن علي (عليه السلام)، اُمّ الإمام محمد الباقر(عليه السلام).

                    والباقر (عليه السلام) هاشمي من هاشميين، وعلوي من علويين، وفاطمي من فاطميين، لأنه أول من اجتمعت لـه ولادة الحسن والحسين (عليهما السلام)(1).

                    كنيتها: (اُمّ عبد الله) و(أم الحسن).

                    وكانت (عليها السلام) من سيدات نساء بني هاشم.

                    وكان الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) يسمّيها: (الصدّيقة)(2).

                    ويقول فيها الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): «كانت صديقة لم يدرك في آل الحسن مثلها»(3).

                    من كراماتها

                    عن أبي الصباح عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال: «كانت اُمّي قاعدة عند جدار فتصدّع(4) الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقّ المصطفى ما أذن الله لك في السقوط، فبقي معلّقاً في الجو حتّى جازته، فتصدّق أبي عنها بمائة دينار».

                    قال أبو الصباح: وذكر أبو عبد الله (عليه السلام) جدّته اُمّ أبيه يوماً، فقال: «كانت صدّيقة لم تدرك في آل الحسن امرأة مثلها»(5).

                    في واقعة الطف

                    حضرت السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن(عليه السلام) مع زوجها الإمام زين العابدين وابنها الإمام الباقر (عليه السلام) واقعة الطف في يوم عاشوراء، وقد شاهدت ما جرى على آل الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)في ذلك اليوم من مصائب ومحن، حيث رأت مصرع عمها الإمام الحسين (عليه السلام)، وقتل أخيها القاسم وعبد الله (عليهما السلام) وبقية الأبطال من آل البيت (عليهم السلام)والأصحاب الكرام، وشاهدت أيضاً زوجها العليل مكبلاً بالأغلال، وولدها البالغ من العمر أربع سنوات يشكو العطش، فصبرت واحتسبت ذلك في سبيل الله(6).

                    روايتها

                    روت السيدة الجليلة فاطمة والدة الإمام الباقر(عليه السلام) روايات عديدة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام)كان منها الدعاء عقيب كل ركعتين من نوافل الزوال.

                    روى عبد الله بن الحسن بن الحسن، عن أمها فاطمة بنت الحسن، عن أبيه الحسن بن علي (صلوات الله عليهم) قال: كان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يدعو بهذا الدعاء بين كل ركعتين من صلاة الزوال:

                    الركعتان الأولتان:

                    «اللهم أنت أكرم مأتي وأكرم مزور، وخير من طلبت إليه الحاجات، وأجود من أعطى، وأرحم من استرحم، وأرأف من عفا، وأعز من اعتمد عليه، اللهم بي إليك فاقة، ولي إليك حاجات، ولك عندي طلبات من ذنوب أنا بها مرتهن، وقد أوقرت ظهري وأوبقتني، وإلا ترحمني وتغفر لي (أَكُنْ مِنَ الْخاسِرِينَ((7)، اللهم إني اعتمدتك فيها تائباً إليك منها، فصل على محمد وآله واغفر لي ذنوبي كلها، قديمها وحديثها، سرها وعلانيتها، وخطاها وعمدها، صغيرها وكبيرها، وكل ذنب أذنبته وأنا مذنبه، مغفرة عزماً جزماً لا تغادر ذنباً واحداً، ولا أكتسب بعدها محرماً أبداً، واقبل مني اليسير من طاعتك، وتجاوز لي عن الكثير من معصيتك، يا عظيم إنه لا يغفر العظيم إلا العظيم، (يَسْئَلُهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ((8)، يا من هو كل يوم في شأن، صل على محمد وآله واجعل لي في شأنك شأن حاجتي، وحاجتي هي فكاك رقبتي من النار، والأمان من سخطك، والفوز برضوانك وجنتك، وصل على محمد وآل محمد، وامنن بذلك عليّ وبكل ما فيه صلاحي، وأسألك بنورك الساطع في الظلمات أن تصلي على محمد وآل محمد، ولا تفرق بيني وبينهم في الدنيا والآخرة، إنك على كل شي‏ء قدير، اللهم واكتب لي عتقاً من النار مبتولاً، واجعلني من المنيبين إليك، التابعين لأمرك، المخبتين إليك، الذين إذا ذكرت وجلت قلوبهم، والمستكملين مناسكهم، والصابرين في البلاء، والشاكرين في الرخاء، والمطيعين لأمرك فيما أمرتهم به، والمقيمين الصلاة، والمؤتين الزكاة، والمتوكلين عليك، اللهم أضفني بأكرم كرامتك، وأجزل من عطيتك، والفضيلة لديك، والراحة منك، والوسيلة إليك، والمنزلة عندك ما تكفيني به كل هول دون الجنة، وتظلني في ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، وتعظم نوري، وتعطيني كتابي بيميني، وتخفف حسابي، وتحشرني في أفضل الوافدين إليك من المتقين، وتثبتني في عليين، وتجعلني ممن تنظر إليه بوجهك الكريم، وتتوفاني وأنت عني راض، وألحقني بعبادك الصالحين.

                    اللهم صل على محمد و آله واقلبني بذلك كله مفلحاً منجحاً قد غفرت لي خطاياي وذنوبي كلها، وكفرت عني سيئاتي، وحططت عني وزري، وشفعتني في جميع حوائجي في الدنيا والآخرة، في يسر منك وعافية.

                    اللهم صل على محمد وآله ولا تخلط بشيء من عملي ولا بما تقربت به إليك رئاء، ولا سمعة ولا أشراً ولا بطراً، واجعلني من الخاشعين لك.

                    اللهم صل على محمد وآله وأعطني السعة في رزقي، والصحة في جسمي، والقوة في بدني على طاعتك وعبادتك، وأعطني من رحمتك ورضوانك وعافيتك ما تسلمني به من كل بلاء الدنيا والآخرة، وارزقني الرهبة منك، والرغبة إليك، والخشوع لك، والوقار والحياء منك، والتعظيم لذكرك، والتقديس لمجدك أيام حياتي حتى تتوفاني وأنت عني راض، اللهم وأسألك السعة والدعة والأمن والكفاية والسلامة والصحة والقنوع والعصمة والهدى والرحمة والعافية واليقين والمغفرة والشكر والرضا والصبر والعلم والصدق والبر والتقوى والحلم والتواضع واليسر والتوفيق.

                    اللهم صل على محمد وآله واعمم بذلك أهل بيتي وقراباتي وإخواني فيك، ومن أحببت وأحبني، أو ولدته وولدني، من جميع المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وأسألك يا رب حسن الظن بك، والصدق في التوكل عليك، وأعوذ بك يا رب أن تبتليني ببلية تحملني ضرورتها على التغوث بشيء من معاصيك، وأعوذ بك يا رب أن أكون في حال عسر أو يسر أظن أن معاصيك أنجح في طلبتي من طاعتك، وأعوذ بك من تكلف ما لم تقدر لي فيه رزقاً، وما قدرت لي من رزق فصل على محمد و آله وآتني به في يسر منك وعافية، يا أرحم الراحمين».

                    وقل: «رب صل على محمد وآله، وأجرني من السيئات، واستعملني عملاً بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» ترفع بها صوتك.

                    ثم تخر ساجداً وتقول: «اللهم إني أتقرب إليك بجودك وكرمك، وأتقرب إليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتقرب إليك بملائكتك المقربين وأنبيائك المرسلين، أن تصلي على محمد وآله، وأن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقلبني اليوم بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني، يا أهل التقوى وأهل المغفرة، يا بر يا كريم، أنت أبر بي من أبي وأمي ومن نفسي ومن الناس أجمعين، بي إليك حاجة وفقر وفاقة، وأنت عني غني، فأسألك أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن ترحم فقري، وتستجيب دعائي، وتكف عني أنواع البلاء، فإن عفوك وجودك يسعني».

                    التسليمة الثانية:

                    «اللهم إله السماء وإله الأرض، وفاطر السماء وفاطر الأرض، ونور السماء ونور الأرض، وزين السماء وزين الأرض، وعماد السماء وعماد الأرض، وبديع السماء وبديع الأرض، ذا الجلال والإكرام، صريخ المستصرخين، وغوث المستغيثين، ومنتهى رغبة العابدين، أنت المفرج عن المكروبين، وأنت المروح عن المغمومين، وأنت أرحم الراحمين، ومفرج الكرب، ومجيب دعوة المضطرين، وإله العالمين، المنزول به كل حاجة، يا عظيما يرجى لكل عظيم، صل على محمد وآل محمد، وافعل بي كذا وكذا».

                    وقل: «رب صل على محمد وآل محمد، وأجرني من السيئات، واستعملني عملا بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» ترفع بها صوتك.

                    التسليمة الثالثة:

                    «يا علي، يا عظيم، يا حي، يا حليم، يا غفور، يا سميع، يا بصير، يا واحد، يا أحد، يا صمد، يا من (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ( وَلَمْ يَكُنْ لـه كُفُواً أَحَدٌ((9) يا رحمان، يا رحيم، يا نور السماوات والأرض، تم نور وجهك، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت لـه السماوات والأرض، وباسمك العظيم الأعظم الأعظم الأعظم، الذي إذا دعيت به أجبت، وإذا سئلت به أعطيت، وبقدرتك على ما تشاء من خلقك، فإنما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول لـه كن فيكون، أن تصلي على محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا».

                    وقل: «رب صل على محمد وآله، وأجرني من السيئات، واستعملني عملا بطاعتك، وارفع درجتي برحمتك، يا الله، يا رب، يا رحمان، يا رحيم، يا حنان، يا منان، يا ذا الجلال والإكرام، أسألك رضاك وجنتك، وأعوذ بك من نارك وسخطك، أستجير بالله من النار» وترفع بها صوتك.

                    التسليمة الرابعة:

                    «اللهم صل على محمد وآل محمد، شجرة النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة ومعدن العلم، وأهل بيت الوحي، اللهم صل على محمد وآل محمد، الفلك الجارية في اللجج الغامرة، يأمن ركبها، ويغرق من تركها، المتقدم لهم مارق، والمتأخر عنهم زاهق، واللازم لهم لاحق، اللهم صل على محمد وآل محمد، الكهف الحصين، وغياث المضطر المستكين، وملجإ الهاربين، ومنجي الخائفين، وعصمة المعتصمين، اللهم صل على محمد وآل محمد صلاة كثيرة تكون لهم رضى، ولحق محمد وآل محمد صلى الله عليهم أداء وقضاءً، بحول منك وقوة يا رب العالمين، اللهم صل على محمد وآل محمد، الذين أوجبت حقهم ومودتهم، وفرضت طاعتهم وولايتهم، اللهم صل على محمد وآل محمد، واعمر قلبي بطاعتك، ولا تخزني بمعصيتك، وارزقني مواساة من قترت عليه من رزقك مما وسعت عليّ من فضلك، والحمد لله على كل نعمة، وأستغفر الله من كل ذنب، ولا حول ولا قوة إلا بالله من كل هول»(10).


                    (1) راجع مناقب آل أبي طالب: ج4 ص208.

                    (2) الكافي: ج1 ص390، أعيان الشيعة: ج1 ص651، المناقب: ج4 ص195.

                    (3) الكافي: ج1 ص469، أعيان الشيعة: ج1 ص650.

                    (4) تصدّع: انشق نصفين، (لسان العرب) مادّة صدع.

                    (5) الكافي: ج1 ص469 باب مولد أبي جعفر محمّد بن علي (عليه السلام) ح1.

                    (6) انظر أعيان الشيعة: ج1 ص65، وج8 ص390.

                    (7) سورة هود: 47.

                    (8) سورة الرحمن: 29.

                    (9) سورة الإخلاص: 3-4.

                    (10) فلاح السائل: ص 138-142.

                    تعليق


                    • #20
                      آلسَيِّدة فآطمه أم فرٍوٍة (عليِّهآ آلسَلام) بنت آلقآسَم وٍآلدة آلامآم آلصآدق ( ع)

                      ۩‗°¨_‗ـ موٍسَوٍعه نسَآء خآلدآت ـ‗_¨°‗۩

                      آلسَيِّدة فآطمه أم فرٍوٍة (عليِّهآ آلسَلام) بنت آلقآسَم وٍآلدة آلامآم آلصآدق ( عليِّه آلسَلام)


                      نسبها


                      هي السيدة الجليلة فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، والدة الإمام الصادق (عليه السلام).
                      كنيتها: أم فروة، وقيل: أم القاسم.
                      وقد كانت (عليها السلام) من الصالحات القانتات، ومن أتقى نساء أهل زمانها.
                      قال الإمام الصادق(عليه السلام): «وكانت اُمّي ممّن آمنت واتّقت وأحسنت والله يحب المحسنين»(1).
                      وقال أبو الحسن الكاظم (عليه السلام): «كان أبي (عليه السلام) يبعث أمي وأم فروة تقضيان حقوق أهل المدينة»(2).
                      وفي أعيان الشيعة: اُمّ فروة، وقيل: اُمّ القاسم، واسمها قريبة أو فاطمة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر، واُمّها أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وهذا معنى قول الإمام الصادق (عليه السلام): «ولدني أبو بكر مرتين»(3) .

                      والدها


                      كان أبوها: القاسم من ثقاة أصحاب الإمام علي بن الحسين زين العابدين(عليه السلام).

                      قال أبو عبد الله (عليه السلام): «كان سعيد بن المسيّب والقاسم بن محمد بن أبي بكر وأبو خالد الكابلي، من ثقات علي بن الحسين (عليه السلام)»(4).


                      جدها


                      وكان جدها محمد بن أبي بكر من خلص شيعة أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وحواريه، وقد ولاه الإمام (عليه السلام) مصر وكتب إليه عهداً(5)، ووالدته(6) السيدة الجليلة أسماء بنت عميس (رضوان الله عليها).

                      قتله معاوية بمصر(7)، وقد ترحم أمير المؤمنين(عليه السلام)(8) والإمام الصادق(عليه السلام) عليه(9).
                      ووردت في فضله روايات عديدة نشير إلى بعضها:


                      من هم شيعة علي (عليه السلام)



                      في الاحتجاج بالإسناد إلى أبي محمد العسكري (عليه السلام) قال: «قدم جماعة فاستأذنوا على الرضا (عليه السلام) وقالوا: نحن من شيعة علي، فمنعهم أياما، ثم لما دخلوا قال لهم: ويحكم إنما شيعة أمير المؤمنين (عليه السلام): الحسن والحسين وسلمان وأبو ذر والمقداد وعمار ومحمد بن أبي بكر الذين لم يخالفوا شيئاً من أوامره»(10).



                      أين حواري علي (عليه السلام) ؟


                      وقال أبو الحسن موسى (عليه السلام): «إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين حواري محمد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)الذين لم ينقضوا العهد ومضوا عليه، فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر، ثم ينادي أين حواري علي بن أبي طالب وصي محمد بن عبد الله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فيقوم عمرو بن الحمق الخزاعي ومحمد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمار مولى بني أسد وأويس القرني»(11).



                      إنه شهيد حي


                      قال سليم: فلمّا قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزّيت به أمير المؤمنين(عليه السلام) وخلوت به وحدثته بما حدثني به محمد بن أبي بكر وبما حدّثني به ابن غنم، قال: «صدق محمد رحمه اللّه، أما انّه شهيد حيّ مرزوق»(12).



                      عند الله نحتسبه


                      وفي التاريخ أنه حزن أمير المؤمنين (عليه السلام) عند ما بلغه خبر استشهاد محمد بن أبي بكر، حتى رئي ذلك فيه وتبين في وجهه وقام في الناس خطيباً: «ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله فعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب هين المؤمن»(13).



                      حزن الإمام (عليه السلام) عليه


                      وورد أنه: قدم عبد الرحمن بن شبيب وكان عيناً لعلي(عليه السلام) وأخبره أنه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشر من قبل عمرو بن العاص يتبع بعضه بعضاً بفتح مصر وقتل محمد بن أبي بكر، وقال: يا أمير المؤمنين ما رأيت يوماً قط سروراً مثل سرور رأيته بالشام حين أتاهم قتل محمد، فقال علي(عليه السلام) : «أما إن حزننا على قتله على قدر سرورهم به لا بل يزيد أضعافا».

                      فرد (عليه السلام) مالكا من الطريق وحزن على محمد حتى رؤي ذلك فيه وتبين في وجهه، وقام خطيبا فحمد الله وأنثى عليه ثم قال: «ألا وإن مصر قد افتتحها الفجرة أولياء الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الإسلام عوجاً ألا وإن محمد بن أبي بكر قد استشهد رحمه الله عليه وعند الله نحتسبه، أما والله لقد كان ما علمت ينتظر القضاء ويعمل للجزاء ويبغض شكل الفاجر ويحب سمت المؤمن»(14).


                      إنه ولدي


                      وقال المدائني: وقيل لعلي(عليه السلام) لقد جزعت على محمد بن أبي بكر جزعاً شديداً يا أمير المؤمنين؟ فقال: «وما يمنعني أنه كان لي ربيباً وكان لبني أخاً وكنت لـه والداً أعده ولداً»(15).



                      جزع الأمير (عليه السلام) عليه


                      وعن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين قال: (لما جاء علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) مصاب محمد بن أبي بكر حيث قتله معاوية بن حديج السكوني بمصر جزع عليه جزعا شديدا)(16).



                      نقصنا حبيباً


                      وفي (نهج البلاغة) وقال(عليه السلام) لما بلغه قتل محمد بن أبي بكر: «إن حزننا عليه على قدر سرورهم به إلا أنهم نقصوا بغيضاً ونقصنا حبيباً»(17).



                      الولد الناصح


                      وفي (نهج البلاغة) أيضاً: ومن كتاب لـه (عليه السلام) إلى عبد الله بن العباس بعد مقتل محمد بن أبي بكر بمصر: «أما بعد فإن مصر قد افتتحت ومحمد بن أبي بكر رحمه الله قد استشهد فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا، وقد كنت حثثت الناس على لحاقه وأمرتهم بغياثه قبل الوقعة ودعوتهم سراً وجهراً وعوداً وبدءً»(18).



                      رسالة إلى معاوية


                      وفي (الاحتجاج): كتب محمد بن أبي بكر (رضي الله عنه) إلى معاوية احتجاجا عليه:

                      (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ من محمد بن أبي بكر إلى الباغي معاوية بن صخر، سلام الله أهل طاعة الله ممن هو أهل دين الله وأهل ولاية الله، أما بعد فإن الله بجلاله وسلطانه خلق خلقا بلا عبث منه ولا ضعف به في قوة، ولكنه خلقهم عبيدا فمنهم شقي وسعيد وغوي ورشيد، ثم اختارهم على علم منه واصطفى وانتخب منهم محمدا(صلى الله عليه وآله وسلم)واصطفاه لرسالته وائتمنه على وحيه فدعا إلى سبيل ربه (بِالْحِكْمَةِ والْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ((19)، فكان أول من أجاب وأناب وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فصدقه بالغيب المكتوم وآثره على كل حميم ووقاه كل مكروه وواساه بنفسه في كل خوف، وقد رأيتك تساويه وأنت أنت وهو هو، المبرز السابق في كل خير وأنت اللعين بن اللعين، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لدين الله الغوائل وتجتهدان على إطفاء نور الله، تجمعان الجموع على ذلك وتبذلان فيه الأموال وتحالفان عليه القبائل، على ذلك مات أبوك وعليه خلفته أنت فكيف لك الويل تعدل عن علي وهو وارث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ووصيه وأول الناس لـه اتباعا وآخرهم به عهدا، وأنت عدوه وابن عدوه، فتمتع بباطلك ما استطعت، وتبدد بابن العاص في غوايتك، فكأن أجلك قد انقضى، وكيدك قد وهى، ثم تستبين لمن تكون العاقبة العليا، والسلام على من اتبع الهدى).
                      فأجابه معاوية: (إلى الزاري على أبيه محمد بن أبي بكر، سلام على أهل طاعة الله، أما بعد فقد أتاني كتابك تذكر فيه ما الله أهله في قدرته وسلطانه مع كلام ألفته ورصفته لرأيك فيه، ذكرت حق علي وقديم سوابقه وقرابته من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)ونصرته ومواساته إياه في كل خوف وهول، وتفضيلك عليا وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك، فالحمد لله الذي صرف ذلك عنك وجعله لغيرك، فقد كنا وأبوك معنا في زمان نبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)نرى حق علي لازما لنا وسبقه مبرزا علينا، فلما اختار الله لنبيه(صلى الله عليه وآله وسلم)ما عنده وأتم لـه ما وعده وقبضه إليه(صلى الله عليه وآله وسلم)فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقه وخالفه على ذلك اتفقا ثم دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عليهما فهما به الهموم وأرادا به العظيم فبايع وسلم لأمرهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرهما حتى قضى الله من أمرهما ما قضى، ثم قام بعدهما ثالثهما يهدي بهديهما ويسير بسيرتهما فعبته أنت وأصحابك حتى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي حتى بلغتما منه مناكم، وكان أبوك مهد مهاده، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوله، وإن يكن جورا فأبوك سنه ونحن شركاؤه وبهديه اقتدينا، ولولا ما سبقنا إليه أبوك ما خالفنا عليا ولسلمنا له، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك فأخذنا بمثاله، فعب أباك أو دعه، والسلام على من تاب وأناب)(20).


                      نجابته من أمه


                      وعن حمزة بن محمد الطيار قال:

                      ذكرنا محمد بن أبي بكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «رحمه الله وصلى عليه، قال لأمير المؤمنين (عليه السلام) يوما من الأيام: ابسط يدك أبايعك، فقال: أوما فعلت؟ قال: بلى، فبسط يده، فقال: أشهد أنك إمام مفترض طاعتك وأن أبي في النار، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): كان النجابة من قبل أمه أسماء بنت عميس رحمة الله عليها لا من قبل أبيه»(21).


                      هكذا بايع


                      وعن زرارة عن أبي جعفر(عليه السلام): «أن محمد بن أبي بكر بايع عليا (عليه السلام) على البراءة من الأول»(22).

                      وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: «بايع محمد بن أبي بكر على البراءة من الثاني»(23).


                      الأصحاب الأصفياء



                      كما ورد أن «من أصفياء أصحابه ـ أي أصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) ـ عمرو بن الحمق الخزاعي عربي وميثم التّمار وهو ميثم بن يحيى مولى ورشيد الهجري وحبيب بن مظهّر الأسدي ومحمد بن أبي بكر»(24).



                      لا يرضى بمعصية الله


                      وعن أبي عبد اللّه (عليه السلام) قال: «كان عمّار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر لايرضيان أن يعصى اللّه عزّ وجلّ»(25).



                      المحامدة


                      وعن أبي الحسن الرّضا (عليه السلام) قال: «كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إنّ المحامدة تأبى أن يعصى عزّوجلّ، قلت: ومن المحامدة؟ قال: محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر ، ومحمد بن أبي حذيفة، ومحمد بن أمير المؤمنين ابن الحنفيّة ـ رحمهم اللّه ـ أمّا محمد بن أبي حذيفة فهو ابن عتبة بن ربيعة، وهو ابن خال معاوية»(26).



                      وفي يوم الجمل


                      وفي التاريخ أنه: سلّم محمد بن أبي بكر يوم الجمل على عائشة ـ أخته ـ فلم تكلمه، فقال: أسألك بالله الذي لا إله إلا هو، ألا سمعتك تقولين: الزم علي بن أبي طالب، فإني سمعت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يقول: «الحق مع علي وعلي مع الحق لا يفترقان حتى يردا علي الحوض»؟

                      قالت: بلى قد سمعت ذلك منه(صلى الله عليه وآله وسلم)(27).


                      يحدث بفضائل فاطمة (عليها السلام)


                      وروي: أن محمد بن أبي بكر قرأ (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ( الآية(28)، قلت: وهل تحدث الملائكة إلا الأنبياء؟ قال: مريم ولم تكن نبية وكانت محدثة، وسارة وقد عاينت الملائكة وبشروها بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، ولم تكن نبية، وفاطمة بنت محمد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت محدثة، ولم تكن نبية»(29).



                      أسماء بنت عميس


                      وأم محمد بن أبي بكر هي السيدة الجليلة أسماء بنت عميس كانت تحت جعفر بن أبي طالب وهاجرت معه إلى الحبشة فولدت لـه هناك عبد الله بن جعفر الجواد ثم قتل عنها يوم مؤتة، فخلف عليها أبو بكر فأولدها محمداً ثم مات عنها، فخلف عليها علي بن أبي طالب (عليه السلام) وكان محمد ربيبه وخريجه، وجاريا عنده مجرى أولاده، ورضيع الولاء والتشيع مذ زمن الصبا، فنشأ عليه، فلم يمكن يعرف أباً غير علي (عليه السلام) ولا يعتقد لأحد فضيلة غيره، حتى قال(عليه السلام): «محمد ابني من صلب أبي بكر»، وكان يكنى أبا القاسم، وقيل: أبا عبد الرحمن، وكان من نساك قريش، وكان ممن أعان في يوم الدار، واختلف هل باشر قتل عثمان أو لا، ومن ولد محمد: القاسم بن محمد بن أبي بكر فقيه أهل الحجاز وفاضلها، ومن ولد القاسم: عبد الرحمن من فضلاء قريش ويكنى أبا محمد، ومن ولد القاسم أيضا: أم فروة تزوجها الإمام الباقر أبو جعفر محمد بن علي صلوات الله عليهما(30).



                      إنهما ابنا خالة


                      وفي بعض التواريخ: (إن حريثا بعث إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ببنتي يزدجرد فأعطى واحدة لابنه الحسين (عليه السلام) فأولدها علي بن الحسين (عليه السلام) وأعطى الأخرى محمد بن أبي بكر فأولدها القاسم بن محمد فهما ابنا خالة)(31).



                      أختها


                      ولاُمّ فروة اُخت تعرف باُمّ حكيمة، كانت زوجة اسحاق العريضي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، ولدت لـه القاسم، وهو رجل جليل، كان أميراً على اليمن، وهو أبو داود بن القاسم المعروف بأبي هاشم الجعفري البغدادي، العالم الورع، الثقة الجليل، الذي أدرك الرضا وبقية الأئمة (عليهم السلام)، وكان من وكلاء الناحية المقدّسة، وكان عالي النسب، فإنه ينتهي إلى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب (عليه السلام).



                      فقهها


                      روى الكليني في الكافي بسنده عن عبد الأعلى قال: رأيت اُمّ فروة تطوف بالكعبة عليها كساء متنكّرة، فاستلمت الحجر بيدها اليسرى، فقال لها رجل ممّن يطوف: يا أمة الله أخطأت السُنّة.

                      فقالت: إنّا لأغنياء عن علمك(32).
                      وعن أبي بصير قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «إذا دخلت الحرم فتناول من الإذخر فامضغه» وكان يأمر أم فروة بذلك(33).


                      رواياتها


                      وقد روت هذه السيدة الجليلة عن أهل البيت (عليهم السلام)روايات عديدة، منها ما روته عن الإمام السجّاد (عليه السلام) حيث قال لها:

                      «يا اُمّ فروة إني لأدعو الله(34) لمذنبي شيعتنا في اليوم والليلة ألف مرة، لأنّا نحن فيما ينوبنا من الرزايا نصبر على ما نعلم من الثواب، وهم يصبرون على ما لا يعلمون»(35).


                      رعايتها


                      كان الإمام الصادق (عليه السلام) يهتم برعاية زوجته أم فروة، وقد اشترى لها خادمة لكي تعينها في أمور البيت.

                      قال أبو عبد الله (عليه السلام) لإسماعيل حبيبه وحارث البصري: «اطلبوا لي جارية من هذا الذي تسمونها كدبانوجة(36) مسلمة تكون مع أم فروة».
                      فدلوه على جارية كانت لشريك لأبي من السراجين فولدت لـه بنتا ومات ولدها، فأخبروه بخبرها فاشتروها وحملوها إليه، وكان اسمها رسالة فحول اسمها فسماها سلمى وزوجها سالم فهي أم حسين بن سالم.
                      وفي بعض الروايات أن مولاتها كانت (سعيدة).
                      في التهذيب عن الحسين بن مسلم قال: كنت عند أبي عبد الله (عليه السلام) إذ جاءه محمد بن عبد السلام، فقال له: جعلت فداك يقول لك جدي: إن رجلاً ضرب بقرة بفأس فسقطت ثم ذبحها؟
                      فلم يرسل معه بالجواب، ودعا سعيدة مولاة أم فروة فقال لها: «إن محمد جاءني برسالة منك، فكرهت أن أرسل إليك بالجواب معه، فإن كان الرجل الذي ذبح البقرة حين ذبح خرج الدم معتدلاً فكلوا وأطعموا، وإن كان خرج خروجاً متثاقلاً فلا تقربوه»(37).



                      (1) الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) ح1.
                      (2) الكافي: ج3 ص217 باب ما يجب على الجيران لأهل المصيبة واتخاذ المأتم ح5.
                      (3) بحار الأنوار: ج29 ص651.
                      (4) الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام) ح1.
                      (5) نهج البلاغة، الرسائل: 34، ومن كتاب لـه (عليه السلام) إلى محمد بن أبي بكر. وانظر بحار الأنوار: ج33 ص540 ب30 ح720.
                      (6) أي والدة محمد بن أبي بكر.
                      (7) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج6 ص91-92 ولاية محمد بن أبي بكر على مصر.
                      (8) انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.
                      (9) انظر تهذيب الأحكام: ج10 ص232 ب18 ح49.
                      (10) بحار الأنوار: ج22 ص330 ب10 ح39.
                      (11) بحار الأنوار: ج22 ص342 ب10 ضمن ح52.
                      (12) الإرشاد: ج2 ص393 خبر وفاة أبي بكر ومعاذ بن جبل.
                      (13) الغارات: ج1 ص195، ورود قتل محمد بن أبي بكر على علي (عليه السلام).
                      (14) بحار الأنوار: ج33 ص563 ب30.
                      (15) بحار الأنوار: ج33 ص566 ب30 ضمن ح722.
                      (16) بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ضمن ح734.
                      (17) نهج البلاغة، قصار الحكم: ح325.
                      (18) نهج البلاغة، الكتب: 35.
                      (19) سورة النحل: 125.
                      (20) بحار الأنوار: ج33 ص589 ب30 ح723.
                      (21) بحار الأنوار: ج33 ص584 ب30 ح727.
                      (22) انظر الاختصاص: ص70 محمد بن أبي بكر.
                      (23) بحار الأنوار: ج33 ص585 ب30 ح731.
                      (24) راجع بحار الأنوار: ج34 ص271 ب34.
                      (25) رجال الكشي: ج1 ص63 محمد بن أبي بكر ح112.
                      (26) راجع بحار الأنوار: ج33 ص271 ب20 ح520.
                      (27) المناقب: ج3 ص62 فصل في أنه (عليه السلام) مع الحق والحق معه.
                      (28) سورة الحج: 52.
                      (29) راجع بحار الأنوار: ج43 ص55 ب3 ح48.
                      (30) انظر بحار الأنوار: ج42 ص162 ب124 ضمن ح33.
                      (31) بحار الأنوار: ج45 ص330 ب48 ضمن ح3.
                      (32) الكافي: ج4 ص428 باب نوادر الطواف ح6.
                      (33) الكافي: ج4 ص398 باب دخول الحرم ح3.
                      (34) أي استغفر.
                      (35) الكافي: ج1 ص473 باب مولد أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليه السلام) ح1.
                      (36) كدبانوجة: معربة (كدبانو) أي المرأة التي تدير البيت وتقوم بشوؤنها من الطبخ وما أشبه.
                      (37) تهذيب الأحكام: ج9 ص56 ب1 ح236.

                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X